“رزان حسن”.. حوار الخزفيات والتاريخ
الاثنين 17 شباط 2014
بانياس
بأسلوب مميز عملت الخزافة “رزان حسن” على صياغة قطع خزفية ارتبطت ارتباط وثيقاً بالتاريخ السوري، ومنحتها من روحها الأنثوية الشرقية إيحاءات تفردت بمدلولاتها اللونية.
مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 8 شباط 2014 الحرفية الخزافة “رزان حسن حسن”، وأجرت معها الحوار الفني التالي:
* كيف هي علاقتك مع الفن بالعموم، وفن الخزف بالخصوص الذي استدرجك إليه؟
** في المرحلة الابتدائية حصلت على الريادة الطليعية على مستوى القطر بمادة الرسم لمدة عامين متتاليين، وهذا أعطاني حافز الاستمرار بتنمية الموهبة الفنية حتى ما بعد المرحلة الثانوية وتسجيلي في معهد الفنون التطبيقية، الذي عينت فيه كمدرسة لتفوقي.
ضمن الدراسة في المعهد اخترت اختصاص الخزف لقلة العاملين به في “سورية”، وأغلبية الناس لا تدرك المعنى الحقيقي له، فالبعض يدركه من خلال الكؤوس والصحون المنزلية العادية فقط، دون أن يدركوا عراقته التاريخية والتراثية السورية.
فحرفة العمل بالخزف موجودة منذ آلاف السنين، بخلاف النحت مثلاً، وأغلب من يعمل بالخزف حالياً عمل بفن النحت سابقاً ومن توجه إلى العمل بالخزف دون اختصاص منهجي أكاديمي، وهذا كان من الدوافع الإضافية إلى الاختصاص بالخزف.
* العمل بالخزف يحتاج إلى ثقافة فكرية وعملية، فهل تمكنت من هذا؟
** بالعموم أنا أحب التعامل مع الخزف، وملامسته بأصابعي، وهذا كان دافع للبحث المعمق عن طرائق التعامل معه، ضمن المراجع الكُتبية أو مواقع الإنترنت، وذلك بهدف كسب ما يمكن اكتسابه من معلومات حول تاريخه وصناعاته، ولكن قلة المراجع الأكاديمية كانت مشكلة بحد ذاتها.
والعمل بالخزف يحتاج إلى طينة خاصة نظيفة من الشوائب ونقية، لأن عكس هذا يمكن أن يؤدي إلى تفتت القطعة الخزفية خلال مرحلة شيها بالفرن، وهذا زاد من تعلقي به، وكأنه يشبهني.
* حدثينا عن تطويع الفكرة لتتناسب والمواد الخزفية؟
** الأفكار بشكل عام تتوارد نتيجة المواقف الحياتية والأمور الطبيعية المحيطة بي، وهنا يجب عليَّ مراعات نوعية المواد
سمكة |
التي سيتم العمل عليها لتجسيد الفكرة، فليس بالإمكان تطويع المواد الخزفية بأي فكرة تواردت إلى مخيلتي، حيث تلعب دوراً أساسياً هنا السماكات المعينة، والضخامة المحدودة دون إضافة مواد مساعدة تمنحني تجاوز هذا الأمر، ناهيك عن الابتعاد عن توصيف العمل بالعمل النحتي وأساليبه، ليحافظ العمل الخزفي على طابع حرفته ومضمونه التاريخي. فبعد مخاض وولادة الفكرة في مخيلتي واقتناعي بها، أصيغها بشكل كروكي مبدأي، ومن ثم بالصلصال الخزفي، وأتركها حتى تمام نشفانها، ومن ثم أضعها في الفرن لشيها شية أولى، على حرارة تقارب 900 درجة، وبعد إخراجها من الفرن أتابع أدق تفاصيلها وتعتيقاتها اللونية، وهل حصلت على ما كنت أتصوره فيها؟
وكنموذج لأحد أعمالي “السمكة” التي هي من بيئتي البحرية، ولها مدلول تاريخي يعبر عن الحياة والرزق، إضافة إلى أنها فكرة سورية بامتياز عُمل عليها في فترات تاريخية سابقة، ولكن بحجم صغير جداً، لذلك كان عمل بها على حجم أكبر، وبنقوش بدائية توحي بطبيعة المنطقة، وضمن تقنية “الراكو” والتعتيق اللوني الجيد الذي منحها إيحاء المعدن، وذلك باستخدام أوكسيد النحاس وعملية إرجاع قوية.
* ماذا يمكن أن يدرك المتلقي من قطعة خزفية ما صغتها بطريقة فنية؟
** للخزف نوعان: الأول خزف استعمالي، والثاني خزف فني، وهو الأهم برأيي، لأن من خلال تقنيات العمل به يمكن أن ندرك المنطقة التي صنع فيها، وطبيعتها، وأسلوب العمل فيها، فنحن كسوريون، لنا طينتنا الخاصة وأسلوبنا المميز كما “القيشاني” مثلاً، وبمثال آخر: في الفترة الإسلامية استخدم الخزف الأزرق فقط.
* ألم تجدي صعوبة بالتعامل مع المواد الداخلة في صناعة الخزف؟
** أكيد لا، لأنه خلال التعامل مع المواد الخزفية هناك أدوات خاصة يمكن استعمالها واستخدامها لتقي من المواد الكيميائية الداخلة
الخزافة “رزان حسن” |
في الصناعة، كالقفازات والنظارات وغيرها، وأسرتي الاجتماعية أدركت هذا الأمر ولم تتوان عن دعمي وتحفيزي لتقديم الأفضل، فهم يدركون أن ما أقوم به هو فن له قيمته ومكانته العالية.
* أين تكمن القيمة الفنية للعمل الخزفي برأيك؟
** تكمن قيمة العمل الفني الخزفي بتكوينته الأساسية وطريقة التعامل مع مواده الأولية، وتقنية المواد المستخدمة، وشيه بحرارة عالية جداً لمرات عدة، للحصول على اللون المطلوب الذي يمنح الشخصية للعمل الخزفي.
فعند استخدام تقنية “الراكو” مثلاً، وهي من أجمل تقنيات العمل الخزفي، يمكن استخدام المواد المعدنية حصراً على المواد الخزفية، ومن ثم شيها بحرارة عالية جداً، ورفعها من الفرن ككتلة نارية، ووضعها في مناخ كربوني أو ضمن نشارة الخشب تحكم تغطيتها، لنمنح القطعة الخزفية هيئة المعدن تماماً.
* هل ساعدك فن الرسم في صياغة العمل الخزفي، وكيف كان هذا؟
** أكيد، فالمبدأ بين الرسم والعمل الخزفي مبدأ تكاملي، لأن من أساسيات العمل الخزفي، الماكيتات الرسمية “كروكي”، وهذه النماذج الرسمية يمكن أن يَخلق منها نماذج كثيرة يعاد صياغتها ضمن الأفكار الجديدة التي تناسبها، أي إن الرسم يساهم في تطوير العمل، وإبداع أعمال جديدة بالكامل.
* لكل فنان خزاف بصمته الخاصة التي تميزه عن غيره، فما هي بصمتك الخزفية؟
** بما أن عدد الخزافين في “سورية” قليل جداً، حاول كل منا العمل بتميز الأسلوب على الطينة الخزفية، وما يشدني شخصياً للعمل الخزفي اللون على القطعة الخزفية بعد الانتهاء منها، لذلك أنا أحاول بشكل مستمر اختيار الألوان بكل دقة، لتتناسب وطبيعة العمل والفترة التاريخية التي يمكن أن يمثلها أو ينتمي إليها العمل بشكل عام، فمجالات اللون على القطعة الخزفية كبيرة، ويمكن بتغيير نسب اللون الحصول على ألوان غاية
كون |
في الجمال، وتختلف تماماً عن طبيعتها الأساسية بعد شيها بالفرن، إضافة إلى أنني عملت على إدخال مواد جديدة وألوان جديدة لم يتم العمل عليها سابقاً، كالرمل.
وفي لقاء مع الأستاذ “بشار قوبا” فنان خزاف، قال: «يمكننا القول عن الآنسة “رزان” إنها خزافة تشكيلية، لأنها تعمل على الخزف بطريقة فنية مميزة، فهي تملك الخبرة الكافية بتشكيل الألوان الكيميائية على الأعمال الخزفية التي تؤسسها، إضافة إلى أنها تملك روح الإبداع والابتكار الذاتي البعيد عن النسخ والنقل، وبشكل عام هي إنسانية، حساسة ولطيفة في تعاملاتها مع بقية رفاقها».
يشار إلى أن الفنانة الخزافة “رزان حسن حسن” من مواليد محافظة “حمص” عام 1982، ومقيمة في مدينة “بانياس” مكان جذورها الأساسية.