الصورة لمصور سوداني
كــــتـــــــــــاب من حمص..هذيان المختلف عبدو متري
العدد:
14867
التاريخ:
الثلاثاء, أيار 30, 2017
ثمة أدباء نسمع باسمهم للمرة الأولى أو نلتقيهم في أمسية ثقافية أو مهرجان أدبي ،فنفاجأ بنتاجهم الأدبي …ونطرح السؤال :هل نحن كمؤسسات إعلامية مقصرون أم أنّ التقصير من قبل الكاتب الذي يعيش بعيداً في الريف .. ولا يتواصل معنا ..؟! أم أنّ التقصير من قبل الطرفين ؟!!
«هذيان المختلف «مجموعة قصصية تحوي سبع عشرة قصة قصيرة للأديب عبدو متري ،وهو اليوم متقاعد من عمله كمدرس لمادة الفلسفة ويعيش في بلدة فاحل في ريف حمص الغربي ، وله بعض المشاركات في الأماسي والندوات الثقافية التي يقيمها المركز الثقافي العربي في بلدة فاحل والمراكز الثقافية المجاورة .
تلفت انتباهنا كلمة الغلاف التي قدم بها الأستاذ سلمان إسماعيل قصص المجموعة بقوله :»عبدو متري في نصوص مجموعته كلها ، يكتب ذاته « من خلال أقنعة شفافة وبوسائل تعبيرية مركبة :استهلال ذو طابع فلسفي سردي حكائي ،بحدثٍ واقعي أو افتراضي يحاكي الواقع من خلال تقمصات حنونة لكائنات الطبيعة الريفية الجبلية»
وهكذا فأغلب قصص المجموعة تجري أحداثها في القرية ،وهذا أمر متوقع من كاتب أمضى حياته وعمله في القرية مدرساً ومزارعاً .
في قصة (حلم مستقبلي ) نرى الإنسان الذي يتوق للصعود إلى أعلى قمة الهضبة ليكتشف ماذا يوجد وراءها .تعب وعرق ..ويتسلق بطيئاً ..لكنه يصل في النهاية .والقصة ترمز للكفاح البشري والتوق للمعرفة واكتشاف مجاهيل الحياة .وفي قصة (جريمة على السفوح ) ثمة حوار بين شجرة السرو وشجرة الحور ، يتطور إلى شجار كلامي بينهما فتتهم الأولى الثانية (بالطول الفارع والعقل الفارغ ) وترد الثانية التهمة بأن السرو شجر متعجرف ..!!والفلاح الذي يسمع الحوار ..يذهب ويأتي بالمنشار الآلي ليجتث شجرة الحور ..في جريمة وضح النهار دون أن يسأله أحد عما فعل ..جريمة الاعتداء على البيئة هل تبقى ضد مجهول ؟! إنه السؤال الذي تثيره القصة . ولا ننسى موقف شجرة السرو التي تحزن لمصير رفيقتها شجرة الحور ..وترتجف فالمصير ذاته ينتظرها .
وفي قصة (ديمقراطية الرحيل ) يتساوى الموتى جميعاً بأنهم يحملون في نعش خشبي إلى المقبرة .وهذا ما يفكر به أحد المشيعين في إحدى الجنازات ، وهو عجوز ..يرى قبور أقربائه :زوجته وشقيقه وشقيقته ولكنه يجلس بالقرب من قبر لا يعرف صاحبه ..ويشعر بالراحة لأنهم سيحملونه إلى المقبرة.. في النعش ولن يأتي ماشياً إلى قبره ..يلتفت المشيعون فيرونه نائماً ينهرونه ليعود معهم ..لكنه مات ..ولم يكلف أحداً عناء حمله إلى المقبرة ..!! وثمة سخرية مريرة ..يقول أحدهم (هذا المسكين أراحنا من حمله إلى المقبرة ..)
وتعقد قصة (الحافلة ) مقارنة بين الناس المحشورين في الباص وبين الناس الذي سيحشرون يوم القيامة (!!) واللافت نغمات أجهزة الهواتف المحمولة المتنوعة التي بحوزتهم من (طل الصبح ولك علوش ) إلى (عودك رنان ) ..إلى (خمس صبايا حد العين )
فما الذي فعلته التكنولوجيا بنا ؟!!
ويبدو أنّ قصة (مذكرات بعوضة ) قصة رمزية . فالبعوضة التي تفخر بأصلها وموطنها وتدون يومياتها ، أشبه بالفاسد الذي يمتص دماء الناس من خلال إفقارهم ونهب موارد وطنهم ..وإذا كانت البعوضة تفر من العقاب مؤقتاً فإن الناس الفاسدين والمفسدين ، كذلك ، ينتظرهم العقاب فالقانون لا بد أن يجد طريقه إليهم .
والمهاجر الذي يعود إلى قريته بعد غياب دام سنوات عديدة لأنه شعر بالقدر يقسو عليه عندما تزوجت من كان يحبها رجلاً غيره ..ويفاجأ عندما يعود بأنها جارة أهله وأنها تصطحب أطفالها وتأتي لتسلم عليه ..فيرتبك ويتمنى ألاّ يهاجر أحد وطنه ..!!
وثمة حزن وتعاطف يشعر به القارئ لقصة (متلازمة نقص الأخلاق المكتسبة ) حيث بطلة القصة تموت بمرض الايدز الذي ينقله إليها زوجها القادم من أوروبا بعد رحلة تجارية ..هي وفية له ،محبة لطفلتها ..التي تريد إيقاظها ..(ماما ..ماما ) لكن الأم تكون جثة هامدة بسبب هذا المرض اللعين
ولعلنا ننهي هذا التعريف بقصص الأديب عبدو متري بما قاله الأستاذ سلمان إسماعيل (ملامح شعرية وتأملات فلسفية وإحساسات جمالية تشكيلية وموسيقية ويبقى النص محافظاً على هويته وتكثيفه وتوهج وشائجه ).