التصوير الشمسي 13 – أحمد المفتي
وصوّرنا يا زمن…
المبشّرون بلباس الحجّاج -ب-
اتفق ثلاثة مبشّرين أمريكان في سنة 1894 على إصدار كتاب مصوّر يحكي حياة السيّد المسيح عليه السلام وحواريه (الرّسل). وهم:
- 1- المطران جون هــ. فينسنت John H. Vincent مؤسس حركة شوتوكوا Chautauqua في جميع أنحاء العالم…
- 2- الكاتب الأسقف جيمس و. لي James W. Lee.
- 3- المصور الفوتوغرافي الحائز على جوائز عدّة “روبرت باين” Robert E. Bain.
وبدلاً من شراء الصور التي كانت متوفّرة في الأسواق قرروا التقاط صور جديدة خاصة بمشروع الكتاب. ولذلك قدموا إلى سورية ومصر وتركيا واليونان وإيطاليا. وقد حملوا معهم رسائل توصية وتعريف من الرئيس الأمريكي ووزيرا الداخلية ووزير التعليم موّجهة إلى المسؤولين العثمانيين لكي يسمحوا لهم بالتصوير. وخاصة الأضرحة والحرمات المقدّسة التي كانت ممنوعة على الأجانب.
غادرت البعثة برفقة المبشرين الثلاثة مدينة سانت لويس في آذار 1894 حاملة معها تسعة صناديق من الألواح الزجاجية وزن كلّ واحد منها حوالي ثلاثين كيلوا غراماً،
وخلال جولتهم في سورية كانت قافلتهم تتألف من أربعة أحصنة وثمانية مرافقين بمن فيهم الدليل والطاهي والخادم، وأربع خيام وخمسة بغال.
ويتضمّن كتاب “الخطوات الأرضية للرجل من الجليل” Earthly Footsteps of the Man of Galilee نماذج من الصور التي التقطها باين وسرداً مفصّلاً لهذه الرحلة. وبعد جولتهم في فلسطين، وصلت القافلة إلى الصالحية في 13 أيار حيث التقط باين أوّل صورة لدمشق. وكانوا قد مرّوا في طريقهم من قاسيون والصالحية وعبروا البساتين والجنان والأنهار والجداول التي تتمتع بها دمشق. حيث كان طريق القوافل القادم من الغرب يأتي عن طريق قاسيون والصالحية، ولم يكن طريق الربوة قد وجد بعد.. ثم دخلوا المدينة من بوّابة ذات قوس تقع في السور الغربي وأقاموا في فندق فكتوريا.
يحتوي الكتاب الذي ألّفوه على 38 صورة لدمشق وضواحيها، ومنها صور الكنائس والكتابات اليونانية والرومانية، ونهر بردى، والمقاهي، ومشاهد من الشوارع والمساجد والحدائق، وشارع مدحت باشا، الخ…
وتحتفظ مكتبة الكونغرس في وواشنطن بمجموعة من الصور التي التقطت خلال تلك الرحلة…
وفي يوم الأربعاء 16 أيار 1894 التقط باين بالمصادفة صور تمرّد السجناء في دمشق والذي جاء وصفه له كما يلي:
“كنّا على العشاء مع 15 أو 20 من رجال الأعمال الفرنسيين الموجودين في سورية في ذلك الوقت لمتابعة مصالحهم في خط سكة الحديد بين بيروت ودمشق. فجأة توقفت الأحاديث بعد أن سمعنا صوتاً مرعباً ومزعجاً أمام الفندق، وعلى الفور اندفع الجميع إلى الشرفة الأمامية في الطابق الثاني من فندق فكتوريا. كانت الساحة العامة أمامنا مزدحمة بالناس، ومن الفتحة في وسط سجن المدينة كان السجناء يقذفون الحجارة، في حين كان الجنود في الأعلى يطلقون النار على السجناء في الداخل.
لم يسبق لي أن شاهدت إنساناً يطلق النار على آخر.. وقد بدأ الزعيق الهادر الآتي من 500 سجين في الداخل، وكأنّه تعبير عن اليأس والجوع والتعاسة المطلقة. كان الأمر مرعباً إذ سقط عدد من القتلى والجرحى، وبعد ساعة من الترقّب المخيف، تم إخماد التمرّد…”.
استغل بابين هذه المشاهد، فنصب كمرته على الفور وبدأ بالتقاط الصور. وصدف أن شاهده أحد الفرنسيين فأسرع ينبهه بحركات عنيفة وتهديده بأنّه إذا اكتشف أحد الضبّاط الأتراك الكمرة وشاهده يلتقط الصور فلسوف يصبح هو في السجن وتصادر الكمرة. وسرعان ما أنزل الكمرة والحامل وأخفاها بعد أن استطاع أن يلتقط ثلاث صور. وتعتبر لقطات باين لتمرّد السجناء أوّل تحقيق مصوّر جرى في دمشق.
إن الصور التي التقطها باين في دمشق هي مشاهد مبتكرة لم يسبق لأي مصوّر فوتوغرافي أن التقطها من قبل.. فالمناظر السابقة التي التقطها المصورون المحترفون كانت تميل إلى التركيز على المعالم البارزة كالمسجد الأموي والشارع المستقيم، في حين أن باين سجّل نواحٍ مختلفة من الحياة الاجتماعية فالتقط صوراً للمقاهي وللحياة اليومية للدمشقيين.
مرسلة بواسطة Ahmad Al Mufti