إسراء الردايدة
عمان – في بعض الأحيان تكون أبسط الأسئلة أكثر صعوبة عند الإجابة، بين ما هو معنى الحياة؟ ما هي السعادة بالنسبة لك؟، ماذا يعني الحب؟، رحلة ملحمية شملت العالم كله في بحث عن مفهوم الإنسانية قادها المخرج المصور الفرنسي يان أرتوس -برتراند في فيلمه “إنسان”.
في عرض مدته ثلاث ساعات، في سينما الرينبو أول من أمس نظمته الهيئة الملكية للأفلام، تشكل الصور الهاجس الأكبر للمخرج برتراند، في سعي لفهم لماذا يعاني الكثير من الناس حول العالم، عبر أسئلة تصب في لب الموضوع، باحثا عن إجابات لماذا الحرب مستمرة، أو لماذا هنالك كثير من الفقر ولماذا تتدمر البيئة بسرعة، إلى جانب المساواة والاعتراف بالطبيعة المخفية وكل ذلك، عبر مقابلات تتوسط الشاشة التي تجيب عن أسئلته بكل عفوية.
فريق العمل الذي ضم 16 صحفيا أجرى خلالها 2020 مقابلة في 60 بلدا على مدار ثلاث سنوات، و40 سؤالا مختلفا، متبعا أسلوبه في أفلامه السابقة، وتشمل تصويرا أفقيا من أعلى أي محلقا في السماء، مسخرا المناظر الطبيعية كفواصل في فيلمه التي تلتقط الأنفاس، وتكشف جمال البيئة التي أساء لها البشر.
الموسيقى التي وضعت من قبل آرماند امار وهو الملحن الشهير، فضلا عن اللقطات الجوية التي شملت التقاط أنفاس الثيران خلال مشيها على كثبان رملية بيضاء في افتتاحية الفيلم في منطقة وادي الاندوس، منتقلا إلى الباكستان لتبصبح الموسيقى هي الإيقاع الجميل طيلة الفيلم، لتعزز التأثير العاطفي لتلك المناظر الخاطفة التي التقطها جاعلا منها لوحة فنية بصرية حية لا يمكن أن تصدق بأنها حقيقة.
بينما كل شخص ظهر في الفيلم الوثائقي صور أمام خلفية رمادية موحدة في كل مكان وبلد، ليتحدث ببلاغة مشاركون عن جزء من حياتهم في ثوان وكلمات تلخص إنسانيتهم وفهمهم للحياة والتي تتواجد في الفيلم في شكل مكثف وبشكل قصير.
طبيعة الشخصيات التي اختيرت من عينات واسعة بسيطة، تملك كل منها قصة جمعت بين العالمين المتقدم والنامي، ملتقطا اللاجئين والفقراء، فكانت الكاميرا هي بوابتهم ونقطة تجمعهم وتوحدهم بشهادات حية تحكي القهر والمعاناة الشخصية وأفكارا عن التحديات اليومية للعيش، والصراع والألم من فقدان الأحبة والخوف من الموت، لتكون هذه القصص نسيجا إنسانيا تعرف عن الضيق المجتمعي الذي يمرون به وكيف هي حقيقة الحياة.
من مختلف أرجاء العالم، يحمل أرتوس برتران المشاهد رحلة حول العالم في مشاعر إنسانية حقيقية، تمثل أسرار الحياة، أهمها الحب الذي عرف بأنه يملأ الروح، نور العيون، ويولد مع العشرة، ومكملا للحاجات الإنسانية، ووسيلة تواصل، لكنه في الوقت نفسه قدم مفاهيم البشر للكراهية والقتل والحرب التي كانت مزعجة وصادمة، ولكنها حقيقة في ظل البيئة التي ولدها الفيلم لالتقاط رودود فعل حقيقية وصادقة، التي تعد تحديا كبيرا لخلق علاقة حميمية بين الشخصية والكاميرا، تجاوزتها بالرغم من الاختلافات العرقية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية متيحة التعرف على أوجه التشابه بين البشر والاحتفال بالاختلافات.
ويذكر الفيلم “إنسان” بالرغم من الصراع المرير المهيمن على أركان المعمورة كافة بالأواصر التي تربطنا معا، ومع تكثيف الوجوه التي تظهر في الشاشة الموضوعة في كادر واحد، قسمتها اللقطات الجوية بين المقابلات القصيرة لتعرف عن هوية البلد القادم، جاعلا منها لوحات فنية بين شلالات اغو ازول في المكسيم وامراة تجفف القماش في باكستان، وأفراد يعيشون في مكبات القمامة في الجمهورية الدومنيكية وحمامات السباحة المكتظة في الصين التي تحركها أمواج البحر والكثير الكثير من المفردات البصرية المعبرة عن اختلاف الحالات الإنسانية ومشاعرها وفي الوقت ذاته تشف معاني العواطف البشرية، التي التقطتها عدسات الكاميرا وكأنها تحمل أرواح أصحابها ليكون وراء كل صوت موسيقى خاصة به، أضافوا إلى جانب الموسيقى التصويرية بعدا آخر، رسموا بها مفاتيح الإنسانية بوجهيها الأفضل والأسوأ.
حاز الفيلم عدداً من الجوائز الدولية، مثل: جائزة الجمهور في بانوراما الفيلم الأوروبي في القاهرة والفيلم الثاني المفضل لدى الجمهور في مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية والوثائقي والمركز الثالث في قسم التراث الطبيعي والثقافي في المهرجان الدولي للفيلم عن البيئة.
كما عُرض الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي ومهرجان بيرغن السينمائي الدولي ومهرجان “رسالة للإنسان” السينمائي الدولي في سان بطرسبرغ ومهرجان ريو السينمائي ومهرجان اسطنبول الدولي للأفلام المستقلة ومهرجان مومباي السينمائي ومهرجان “Mar del Plata” السينمائي الدولي ومهرجان كوبنهاغن للأفلام الوثائقية.