عبدالله الخال : الصورة لغة خطابٍ عالمية
عباس يوسف
(البحرين)
إذا كانت الصورة الفوتوغرافية تسجيلا – توثيقا أيضا – للواقع، فهل تمتلك القدرة تقنيا في أقل تقدير وبحذاقة ما علي تغيير نظرة المشاهد والملتقي سلبا وايجابا؟ دورها.. اهميتها.. صدقها وردة فعلها عليه. يقول عزالدين شموط في كتابه الموسوم لغة الفن التشكيلي (أنا اعتقد ان کآلة التصوير الضوئيŒ هي أداة لا تعمل بدون الانسان المنتج لها. أي لا تعمل بدون فكر، إذا الصورة (الفوتوغرافية) هي فكر الانسان مضافا إلى الطبيعة. ان المصور يمكن ان يتدخل في سير أحداث تسجيل المشهد أثناء عملية التصوير وأثناء عملية التحميض وهذا التدخل – بحد ذاته – ذو معني ورسالة، يريد الفنان المصور تبليغها ونقلها إلى المشاهد.
وعليه ولأهمية الصورة في حياتنا.. في عالمنا الحاضر الضاج بشتى أشكال الصراعات.. العاج بهذا الفيض الهائل من التطور التكنولوجي والتقدم في المجال المعلوماتي أيضا لا بد وان يكون للصورة حضورها ومنها بالتحديد الفوتوغرافية.
بمناسبة الحديث عن الصورة الفوتوغرافية كان لنا هذا الحوار مع الفوتوغرافي عبدالله الخال، تسلط الضوء علي بداياته.. تجربته الفنية.. رحلته مع الكاميرا.
– كانت بداية الاحساس بالأشياء الجميلة وتلمسها وأنت تعرف كيف كان حال القرية في تلك الأيام حيث النخل يقف بمواجهة البحر ويسقي منه وعفوية العلاقة بين الناس ان لم نقل براءتها أيضا، كانت جميع الأشياء بسيطة والغالبية العظمي من هذه الأمور تسير بيسر حيث العلاقات الاجتماعية قوية متماسكة.. في عام 1968 كانت العائلة ملتفة حول مائدة الغداء في الحوي (الحوش) والهمس المتواري والكلام الذي لا يكاد يسمع ربما هو المسيطر، في هذه الغمرة طلبت من والدي عليه رحمة الباري ان بامكانة شراء كاميرا تصوير لي وفعلا لم يخيب ظني ولم يشر أو يبادر بلفظ أو إيماءة تدل علي التردد أو الرفض، اشتري الكاميرا لي ولفرط فرحتي طرت بها لمن هم اكبر مني سنا في القرية علهم يعرفوني ببعض أسرارها رغم أنها حسبما أظن رغبة بداخلي ذاك الوقت.
عموما الفضل الاول لما إنا عليه في هذا المجال لوالدي الله يرحمه الذي لم يبخل علي بشيئ أبدا بل كان دائم الوقوف بجانبي في كل صغيرة وكبيرة وفي كل ما طلبت منه.
في العام 1985 كانت البداية الأخرى أوسمها الانطلاقة الأخرى مع الصديق المصور الفوتوغرافي علي خميس وهي بتقديري بداية الوعي بعالم التصوير الفوتوغرافي حيث بدأت بشراء الكتب والمجلات المتخصصة المعنية بهذا الشأن إلى جانب انضمامي إلى نادي التصوير الفوتوغرافي بجمعية البحرين للفنون التشكيلية والذي من خلاله بدأت الالتقاء بالفنانين والفوتوغرافيين حيث استفدت الكثير من خلال الجلسات والحلقات النقاشية التي كانت تقام هذا إلى جانب مشاركاتي في المعارض والمسابقات المحلية والخارجية والتي تكللت في تلك الفترة بفوزي في مسابقة البحرين لؤلؤة الخليج، هذا الفوز حقيقة غير الكثير من الأمور والنظرات لدي وجعل التصوير الفوتوغرافي يكون كل حياتي ومنه.. من تلك الساعات التي بدأت لم تفارقني آلة التصوير.
– هذا فضل من رب العالمين ان تكون هوايتي المفضلة هي مصدر رزقي، وأنا اعتقد ان أي انسان تكون هوايته هي شغله ووظيفته سيكون إنسانا سعيدا بلا شك لأنه يستطيع ان ينطلق ويذهب بعيدا في إبداعاته ولا اخفي قول الحق (أو هي حقيقة) ان شغلي ووظيفتي بمؤسسة الأيام ساعدني كثيرا في ان احترف مهنة التصوير الفوتوغرافي واعتقد ان العمل اليومي وفي هذا المجال بالتحديد يتيح لك فرصة الالتقاء ويفتح لك أبواب الاطلاع والمعرفة عن قرب بمختلف المواضيع واللقطات والمشاهد التي تهمك كمصور فوتوغرافي. ويسهم أيضا في إتقان الشغلة لمن يحب ويجتهد كونك تلتقي ببشر من مختلف الشرائح الاجتماعية، تمر بك أحداث ولقطات ربما غريبة.. بسيطة جدا.. مضحكة.. محزنة.. الكثير من هذه الأمور وجودي في هذه الوظيفة كما ذكرت سابقا ساعد كثيرا في إشباع رغبتي ولا تنسي ان التصوير الفوتوغرافي مكلف جدا فهذا الواقع سهل في التقليل من تكاليف التصوير الفوتوغرافي الباهظة الثمن حيث توفير الأفلام.. توفير الطباعة هذا الحال يخص فقط الوظيفة اعني الصور التي تصور وتلتقط لمؤسسة الأيام، لكن هذا لا يمنع من الشعور باللهفة لرؤية ما صورت ان لم يكن إشباع نوازع ورغبات بداخلك وهذا بالطبع علمني الكثير من الجوانب الطباعية التقنية المتعلقة بشأن الطباعة والتحميض حيث ازدياد هذه الخبرات والمعارف أضاف أشياء مهمة لعالمي هذا.. ولموهبتي أيضا وصقلها، هذا بالإضافة إلى جانب ابتعاثي من قبل مؤسسة الأيام لحضور دورة في التصوير الفوتوغرافي الصحفي نظمتها وكالة أنباء رويتر في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. بطبيعة الحال ان هذا الشغل لم يؤثر أبدا علي هوايتي الأساس بل هو رافد عضيد يدفع بها ويساعدها بتصوري علي التقدم. فرص كثيرة سنحت وطرحت علي للعمل لكني رفضتها جميعا ومازلت ارفضها بسبب حبي لمؤسسة الأيام – كمن يزرع نبتة ويراقب نموها حتي الكبر، اشتغلت في مؤسسة الأيام منذ بدايات التأسيس فصار صعبا علي ترك هذا المكان الذي ارتبطت به، بمن عملت معهم من بشر صاروا كأفراد العائلة الذين تربطني بهم علاقات قوية ووشائج وطيدة وعليه لا يمكن مساومة هذا الوضع – هذه الحياة بأي مبلغ كان وبأي وظيفة مغايرة مهما بلغت الإغراءات من ارتفاع؟
– اعتقد انه واقع يبشر بالخير بل خطي خطوات متقدمة جدا وصار يمتلك مساحة لا بأس بها علي صعيد خارطة المجالات الفنية الإبداعية الأخرى.
في البحرين مصورون فوتوغرافيون مهمون لهم مكانتهم وتاريخهم في هذا المضمار منذ الرعيل الاول (الخان.. شاهين) وبداياته كانت متقدمة جدا.. (ألا تتذكر كيف كانت استودويهات التصوير الفوتوغرافي بالبحرين – زوجوا بناتكم مثالا – كانت تمتلك نكهة خاصة بها في تلك الفترة. هذا المجال بقدر تقدمه بقدر عدم التصاقه فقط بعالم الرجل حيث المرأة دخلت غماره وفضاءه وأثبتت جدارة جميلة ومستوي راق علي سبيل المثال لا الحصر ديانا احمدي حنان آل خليفة وعديلة الموسوي والرميحي. حقيقة أنا لا استطيع تقييم مستوي أي مصور فوتوغرافي ولا تنسي أنني واحد منهم ممن يمارس ويشتغل في هذا المجال لكنني استطيع القول انه علي كل فوتوغرافي ان يبحث عن الجديد المغاير، القراءة والاطلاع المستمر ومشاهدة المعارض حتي لا يقف عند حدٍ ومستوي معين، عليه بتطوير أدواته الفنية بالبحث والتجريب، الله أعطاك الموهبة والقدرة فعليك بتطوير ذاتك والتقدم دوما إلى الأمام لأنه بتقديري كلما تقدم المصور الفوتوغرافي أو أي مبدع وطّور نفسه كلما اتسعت رقعة جمهوره وانتشر اسمه وزادت سمعته، عموما صار للمعارض الفوتوغرافية اليوم جمهور قادر علي تمييز الصورة الجيدة من الصورة الرديئة وأتصور كالفنون التشكيلية التي تميزت بها البحرين لرفعة مستواها وتقدمها رغم شحة الإمكانيات وتواضعها فأنا اعتبر إننا جميعا كالوردة التي تنبت في الصحراء مستمرة في التفتح والجميع مستمر في العطاء الإبداعي لسمعة وخير هذا الوطن.
– الصورة الفوتوغرافية التي تحاكي الانسان سيكون لها صدي بلا شك، الصورة التي تحمل ذكريات ما تاريخ بالتأكيد سيكون لها وقعها الخاص علي المشاهد سيما تلك التي تحسس المتلقي بشئ، ربما كان مرتبطا به لا بد وان تصل إليه والصورة الفوتوغرافية المتميزة ستفرض وجودها خاصة عندما لا تكون تقليدية لأنه ربما تنتقل هذه الصورة أو تمثل وتجسد منظرا أصبح سماعيا بالنسبة للبعض (تلقاه عن الغير مثلا) والآن يتلقاه فعلا بصريا أمامه.
الصورة الفوتوغرافية لغة عالية فلا حاجة للغة خطاب أخرى حال وجودها.. في علاقتها مع المتلقي أيا كان مكان تواجده وأيا كانت جنسية.
الصورة الفوتوغرافية الجيدة هي من يفرض نفسه في هذا المجال.
* في هذا الزمن سريع المنجزات وهذه الفورة العلمية والتكنولوجية، ضمن ما طال عالم آلات التصوير وها هي کالكاميرا الرقميةŒ الديجتال تحقق تواجداً ما الفرق في التعامل (مثلاً) بينها وبين الكاميرا غير الرقمية إن جاز القول (نيكون كانون)؟ ينسحب ذلك أيضاً علي تحقيق أغراض مختلفة
– بالتأكيد ان هذا العالم عالم المنجزات المتسارعة والمتغيرة والمغايرة أيضاً، ما يحصل في عالم (تكنولوجيا) الكاميرا رهيب جداً ويصعب علي الفرد العادي ملاحقته لأنه بحاجة إلي رأس مال أقصد كل عالم الكاميرا ليس الرقمية – الديجتال وحسب – وبالتأكيد الكاميرا الرقمية صارت الأكثر حضوراً (لدي العامة مثلاً) وصارت مساحة التحرك والتعامل بالنسبة للمحترف والمشتغل في مجال التصوير الفوتوغافي أكثر سعة وانفتاحاً ولربما حرية أيضاً، وأصبح التوثيق فوتوغرافيا للأماكن التراثية مثلاً أو للشخصيات… الخ متاحة فرصة التقاط الصور إليه بعدد أكبر إلي جانب الخيارات السريعة التي توفرها الكاميرا الرقمية لاختلاف الصورة أو اللقطة الواحدة من زوايا عديدة واضاءات متباينة مختلفة علي العكس ربما بالنسبة للكاميرات الأخرى التي يعد الشغل فيها مختلف نتيجة لمغايرة التقنيات أيضاً (علي سبيل المثال التأني والبطء.. تحديد الزاوية.. الإضاءة…) عموماً وأن تتلف الأفلام لظروف ما يكون خارج الإرادة بل ولمناسبات فريدة ومهمة يصعب استعاضتها هذا أمر، الأمر الثاني والذي هو ممكن الحدوث أيضاً وببساطة أنه وبعد أخذ الفيلم إلي التحميض يفاجأ صاحبه أنه خال تماماً وهنا تبدأ لحظة عص أصابع الندم والتحسر علي فقدان صور هذا الحدث أو ذاك.
الكاميرا الرقمية أضحت واقعاً مضمون النتائج.. يري في الحال وفي لحظته بعد التقاط الصورة مباشرة، بل من الممكن جداً التقاط الصورة للمشهد المراد من عدة زوايا وبسرعة فائقة أيضاً هذا النوع من الكاميرات أعطت لحاملها فضاءً واسعاً من الحرية ووهبته تعدد الخيارات والضمانات والنتائج السريعة أيضاً، هذا ناهيك عن علاقتها وارتباطها التقني (التكنولوجي) بجهاز الكومبيوتر وما يترتب من حالات عليه في التعامل مع الصورة.
– الصورة الصحفية لا تقل أهمية عن أية صورة فوتوغرافية أخري، هي صورة فنية خاصة، لها عوالمها التي تمثلها ومكانها وزمانها وهي التعبير عن الحدث سيّما إذا كانت اللقطة موفقة وناجحة وبالطبع في صيد الكاميرا يكون التوقيت والمكان المناسب في التصوير الصحفي هاماً جداً وليكن علي سبيل المثال اللقطة الرياضية، أو تصوير سباقات الخيل الذي أحبه بشغف وأميل إليه حيث يعّد بالنسبة لي (تصوير الخيل) من اللحظات التي أجد فيها مكاناً وفسحة (نفسياً) أعني أنه عالم جميل ويهمني التقاط الصور إليه. لأنه ثمة لقطاعات لا يمكن تصورها وهي تلك التي تحدث بصورة فتجائية في سباقات الخيل وقفز الحواجز.. نعم ميزاتها صعوبة تكرارها كون الحركة أو المشهد مستحيل إعادته أو تكراره وهنا يكمن التحدي بالضبط، لذلك علي المصور الفوتوغرافي في مثل هذه اللحظات والمهام أن يكون حاضر البديهة، منتبهاً… مركزاً كي يلتقط الصورة في اللحظة المناسبة حتي تحصل علي درجة التمايز قياسا بالصور المتعارف عليها عند قارئ الجريدة أو المشاهد.
– البحرين واحة جميلة كبيرة شاسعة الاتساع تتوافر علي أرضها كل ما يثير اهتمام المصور الفوتوغرافي، فقط ما عليه إلا تحمل معاناة البحث.. البحث عن الأشياء واللقطات المتوارية عن الأنظار إلا عن الكاميرا أعني عين صاحبها، الأزقة والحارات.. الوجوه المنسبة والحاضرة.. المناظر الخلابة الجميلة تلك المحتفظة بسمات القديم والمستجد من الحديث – العمارات العملاقة مثالا.
كل ما يكون موضع إثارة للمصور الفوتوغرافي والكاميرا فالبحرين لا تقل أهمية أبدا عن أية دولة – هي تمتلك التراث والحضارة فكل منطقة وزاوية لها اجواؤها الخاصة ونكتها التي تميزها، لذلك نلحظ المصور الفوتوغرافي الأجنبي ينبهر بما تزخر به البحرين من مناظر غاية في الجمال وباعتقادي هذا أمر ينسحب علي أي مصور فوتوغرافي حينما يحط رحالة أو يسافر لبلد آخر بالتأكيد يري من المناظر والزوايا ما يبهره ويثيره. فالمصور الأجنبي تراه ينبهر علي سبيل المثال بشخصية الرجل البحريني بقسمات وجهه وما تعكسه من حالات نفسية.
إذا في البحرين ثمة ما يشجع علي الالتقاط والتصوير ومثلما سبقت وأشرت المصور الفوتوغرافي بحاجة فقط إلى البحث.. عليه رؤية المشهد قبل التقاطه.
– كي أكون واقعيا جدا معك أنا من الناس الذين لا يحفظون أسماء – لذا أكن كل الاحترام لجميع المصورين الفوتوغرافيين – أنا استمتع بالكتب التي تتعلق بالتصوير الفوتوغرافي والمعارض المختصة بهذا المجال، تشدني ويعجبني كثيرا تلك الصور المعبرة التي تحمل في طياتها الجوانب الفنية المتعلقة بالصورة الفوتوغرافية دون معرفة صاحبها أيا كان عرقه وجنسيته حتي ولو كان هذا المصدر الفوتوغرافي مبتدئا علي سبيل المثال أنا دائما ما استفيد من الملاحظات أيا كان مصدرها خاصة المتعلقة بمجال التصوير الفوتوغرافي، فالتصوير الفوتوغرافي بحر كبير.. عالم غزير وما نحن عليه أو ما نمتلكه قليلا. بعد هذا الزمن الذي قضيته في هذا الحقل وبعد هذه الخبرة التي تأسست وتكونت اعد نفسي مبتدئا. عموما العمل في مجال التصوير الفوتوغرافي والصحافي بالذات علمني الكثير بدءا من تحميض الأفلام الأسود والأبيض وطباعتها والتي كانت تمر العملية يدويا، مرورا بتصوير وتحميض الأفلام الملونة وانتهاء بالتعامل والاشتغال بالكاميرا الرقمية (الديجتل) هذا الوقت اختلفت الأمور بالنسبة للتصوير الفوتوغرافي حيث بات لزاما عليك مواكبة هذا التطور التكنولوجي الحاصل وعليه يتوجب عليك المعرفة والعمل ببرامج الكمبيوتر مثل فتوشوب.. فوتو برش. وإلا ستكون خارج الزمن في اقل تقدير في حيز ممارستك وشغلك والتصوير الفوتوغرافي فكل ما أقوله لإخواني وزملائي المصورين الفوتوغرافيين علينا جمعيا مواكبة هذا التطور التكنولوجي الهائل في هذا العصر ونستفيد من كل هذه التقنيات الحديثة في مجال اهتمامنا بالصورة.
في ختام هذا الحوار تمني المصور الفوتوغرافي عبدالله الخال من وزارة الإعلام إدراج المصورين الفوتوغرافيين في المعرض السنوي للفنون التشكيلية الذي تنظمه الوزارة سنويا، أو استحداث معرض للصور الفوتوغرافية.