أحمد ماضي
أحمد الماضي .. صورٌ ملوّنة بلذّة ما بعد السياج .. (1)
بقلم : حسين عيسى المحروس
” في الهند تعلم احمد الماضي صيانة الساعات اليدوية والسواقة والتصوير .. أذكر أنّه صار يلبس اللباس الهنديّ في حيّ النعيم . وهو عبارة عن قميص أبيض رقيق وسروال ملفوف بطريقة هندية غريبة . وكان يلبس معه برنيطة من خ وص ( كبّوس ) . كما كان يلبس اللباس الأفرنجي ( البدلة ) مع حذاء أسود مع ربطة عنق أو وردة عنق سوداء . وهذه الألبسة مع البرنيطة إلى جنب أمور أخرى أثارت حفيظة بعض الرجال في الحيّ فأعطوه نعوت مختلفة منها : ملحد ، و( …… ) ، وعاصي ، و .. وأحيانا يلبس اللباس الشعبي المحلي ( الثوب والغترة والعقال مع دفّة سوداء .. هي بشت أسود قماشه سميك يسمى ( دفّة ) .. أما لبس ساعة اليد بدلا من ساعة الجيب فلها نعتها الخاص عند المعارضين . فالذي يلبسها ليس رجلا ، بل ه و ( … ) ”
ولعل سبب ذلك أن لبس الساعة في اليد تثير تخيلات لديهم . فهي تشبه سوار الذهب الذي تلبسه النساء ، لذا ميّعوا لابسها ونعت وه ب ( الخ .. ) . كما أنّها عادة غربية شيطانية .. عادة الآخر المرفوض بكلّ عاداته وثقافاته .
” الذي أعرفه أنّ أحمد الماضي تعلم صيانة الساعات اليدوية في البحرين . يقوم بفتح الساعة ثم يزيتها . كما له القدرة على عمل ميزانية التوقيت فلا تؤخر الساعة ولا تقدم .. والسواقة تعلما في البحرين أيضا حيث عمل سائقا ومترجما لحسين يتيم .. أضف إلى ذلك أنني أرجح أن ربطة العنق دخلت إلى حي النعيم بسببه هو . وخصوصا أن كل سباب الحيّ يأتونه لربطها ”
وفي سنة ( الزحمة ) حيث أصيب اللؤلؤ بمرض أفقده لونه وقيمته ، وجعل الناس في زحام من العيش يتحول أحمد الماضي إلى عمل جديد ” أحمد الماضي عمل مترجما لدى التاجر ( حسين يتيم ) الذي دخل في مقاولات مشاريع البحث عن النفط .. لكنّه ما لبث أن ترك هذه المهنة ليبدأ مرحلة جديدة من حياته وآخر مهنة هي ( التصوير الفوتوغرافي ) الذي قضى فيه معظ م حياته ”
” كان الماضي يجيد اللغة الإنجليزية لذا عمل في ( الكومبني ) عن طريق حسين يتيم لكن الشركة سرحته لهدوئه وسرحانه الكثير ”
” بالنسبة للترجمة .. ما اقتصرت على ذلك بل كان يترجم كلام السيّاح الأجانب لصنّاع السفن في النعيم .. القلافين أو القلاليف .. السيّاح كانوا يأتون لرؤية هذه الورش والتصوير الفوتوغرافي لكن بعض القلافين يرفضون التصوير .. يغطون وجوههم أو يصوبون أدوات القلافة الحادة مثل ( المجداح ) نحو وجوههم ويطلبون منهم المجيء في اليوم التالي .. عندها يذهبون لأحمد الماضي للحضور في اليوم التالي للترجمة وأخذ أجرة على التصوير من السيّاح !! .. أحينا يعلم القلافون من قِبل بعض الشخصيات بزيارة سيّاح في اليوم التالي فيتفقون مع أحمد الماضي ليلا على الترجمة في اليوم التالي فلا يردهم خائبين ”
لم تكن هذه المرحلة الجديدة تبدأ دون عقبات ولم تخل من التنديد والمحاربة من قبل بعض رجال الدين حتى قيل أنّ بعضهم كفرّه على المنبر . ويصادف دخوله في هذه المرحلة مجيء أحد رجال الدين العراقيين ويدعى الشيخ عبد الحسين الحلّيّ إلى البحرين في مطلع الخمسينيات حيث تشتدّ المواجهة ، ويشاع بين الناس أن التصوير الفوتوغرافي من التجسيم لذات الأرواح المحرّمة ولا يختلف عن صناعة الأصنام ( الأوثان ) . لكن ذلك لم يثنه عن عزمه ، فراح يصّور الناس في الأستوديو دون حرج . وإن قلّت ممارسته للتصوير لعزوف الكثير من الناس عن التصوير بعد تلك الحملة ، فإنّ هذه الممارسة لم تتوقف على الأقل .
” لم تكن هذه المعارضة أو المواجهة منحصرة في التصوير الفوتوغرافي ، بل نراها تشتعل عندما يجهر أحمد الماضي بحمله للراديو في شوارع وأزقة الحيّ وأمام أنظار الجميع .. أمام أنظار الرجال الأربعة الذين يشكلون قمة المواجهة معه في الحيّ .. الراديو الذي يستمع إليه بعض الناس خفية وسرّا ومنهم الماضي أيضا .. لكن يبدو أنه لم يتحمل ذلك ولم يقتنع بهذا الإخفاء فخرج للجميع يحمله أمامهم .. أو ربّما كان يحاول استفزاز هؤلاء الرجال الأربعة والمؤيدين لهم لتنزل عليه اللعنات والنعوت المختلفة .. و إلى جنب المعارضين له ثمّة مؤيدون له ولفكره واتجاهاته في حي النعيم .. فأعضاء نادي النعيم الثقافي مثلا معظمهم مؤيدون لأحمد الماضي .. فعندما يقوم شاب في الحيّ هو : حبيب القطري بتمثيل دور امرأة في مسرحية من مسرحيات النادي التي تُعرض في إحدى الساحات غرب النادي مباشرة . ويطلق على هذا الشاب نعوتا مختلفة من المعارضين فإننا نراه يؤيد أحمد الماض ي وبشدّة ”
يبدأ أحمد الماضي عهدا جديدا بعد انكسار حدّة المواجهة الدينيّة للتصوير الفوتوغرافي ، حيث يقوم بخطوة جريئة من نوعها وهي افتتاح أوّل معمل للتصوير الفوتوغرافي في البحرين وأسماه ( عكّاس الماضي ) … ، ساعده في ذلك بدء توثيق الجنسيات في البحرين الذي كان يحتاج إلى ص ور فوتوغرافية لحامل جواز السفر . ووجد أولئك المناهضون أنفسهم مضطرين للجلوس أمام عدسة أحمد الماضي ليتصرف في هيئتهم يمينا وشمالا . هل انتشى الماضي بذلك ؟ هل استفاد الماضي في تلك المواجهة من دراسته في البعثة التبشيرية التي اعتاد أصحابها ع لى المواجهة ؟
وفي هذا الأستوديو الذي يقع جنوب شرق سوق اللحم القديمة بالمنامة. جنوب فندق صحارى حاليا يستقبل الماضي زبائنه من البحرين ، والخليج ، وسواحل فارس ، بعد أن كان التصوير مق صورا على العراق . ” كان التصوير في العراق حتى فتح الماضي أوّل محل للتصوير .. لم أرَ قبله مصوّر ”
وفي الأستوديو يعتمد الماضي على ضوء الشمس اعتمادا كاملا في عملية التصوير ، حيث لا كهرباء ، ولا مصابيح … كان عليه أن يفتح نافذة للضوء في سقف الدور العلوي على شكل مربع لتدخل منها أشعة الشمس على الهدف الذي يجلس مباشرة أسفل هذه النافذة ، ممّا جعل ساعات التصوير محدودة . أما غرفة التحميض فقد كانت في الدور السفلي . جعل بها نافذة واحدة وغطاها بورق شفّاف أحمر حفاظا على السلبيات من الاحتراق الكيماوي .
تبدأ آخر مرحلة من التصوير بنقل محل ( عكّاس الماضي ) إلى موقع آخر في السوق نفسها في العاصمة المنامة ( موقع فندق صحارى حاليا ) وهو أكبر من الأستوديو الأوّل . لكنه يشبه الإستوديو الأول في تقسيمه إلى دورين : علوي للتصوير ، وسفلي للتحميض وطباعة الصور . وفي هذا المحل يستخدم الماضي تقنيات وتكنولوجيا جديدة منها : استخدام ثلاجة خاصة بالتصوير أحضرها من الهند تعمل بالكيروسين ، بعد أن كان يستخدم الثلج يوميا لحفظ الأحماض ومواد التصوير . ومنها استخدام ميزان جديد م ن ش ركة ( KODAK ) لتحديد كمية مواد التظهير الكيميائية المستخدمة في تحميض الصور ، وذلك بدلا من الميزان اليدوي التقليدي القديم ذي الجفنتين النحاسيتين وحبال وقطعة من النحاس على شكل مسطرة تشدّ إليها الجفنتان معا .
وفي مرحلة وصول الكهرباء في بداية الستينيات تدخل المص ابيح في ( عكّاس الماضي ) ، كما يتمّ افتتاح استوديوهات أخرى مثل أستوديو ( عبد الله مبارك ) الذي افتتح بعد أستوديو الماضي ( الثاني ) بخمس سنوات تقريبا وهو من مدينة المحرق وغيره من الاستوديوهات .
وبعد توقف انقطاع الكهرباء أحضر الماضي ثلاجة أخرى تعمل على الكهرباء والكيروسين معا من الهند أيضا ، وزاد عدد آلات التص وير ( الكاميرات ) وزادت إكسسوارات الكاميرات أيضا ومن هذه الكاميرات :
- كاميرا مصنوعة من الخشب ماعدا العدسة وبعض القطع القليلة جدا. وهذا النوع من الكاميرات يجلب من الهند وإيران وباكستان والعراق ، وأرجح أنه جلبها من الهند لكثرة سفره إليها . هذه الكاميرا تتكون من عدسة تسمح بمرور الضوء بمجرد رفع الغطاء عنها ليسقط على السالبة .
كان الشخص يقف أمام هذه الكاميرا ، فإذا ما هيأه الماضي للتصوير طلب من النظر في العدسة مباشرة . يرفع الماضي الغطاء الأسود ويعدّ من الواحد حتى العشرة تقريبا ( يعتمد على قوة الإضاءة ) فتثبت الصورة على السالبة . كما تحتوي على فتحة دائرية الشكل مغطاة بورق أحمر يسمح بمرور الإضاءة إلى داخل الكاميرا لكي لا يفسد صلاحية السالبة ، وفتحة أخرى يدير من خلالها المصور السالبة وباقي أجزاء الكاميرا . وعلى الكاميرا من الخلف توجد قطعة من القماش الأسود يغطي بها المصور رأسه عند عملية التصوير . وفي هذا النوع من الكاميرات يتم التصوير والتحميض في داخل صندوق الكاميرا نفسها . صندوق جلديّ يوجد خلف الكاميرا ، أشبه بمعمل تحميض مصغّر .
كان أحمد الماضي يتنقل بها من مكان لآخر مع الحامل الخشبي الثلاثي الأرجل حيث يعتمد على ضوء الشمس في التصوير . لكن اتخاذ الصورة لا يتم إلا في الظل . أما الزاوية التي طالما توقف عندها في سوق المنامة ، كانت بالقرب من سوق الخضرة . - كاميرا ( IHAGEE ) ألمانية الصنع من شركة:
(DRESPEN STEEBERGEN AND CO )
أحضرها أحمد الماضي معه من الهند وهي أكبر بعد كاميرته السابق ة الذكر . وقد صنعت في القرن التاسع عشر الميلادي . وسع ة فيلم ه ا ( 126) - كاميرا من نوع ” AGFA ” أكفا.
- كاميرا (UETTAX) الألمانية وهي أكثر كاميراته تطورا إذ تحتوي على ضابط لحساسية الفيلم (ASA) وفتحات مختلفة للغالق (F) وسرعات متعددة لهذا الغالق ، وهي صالحة للاستخدام اليوم . وس عة فيلم ها ( 126 ) أيضا .
- كاميرا (ZENIT) زينت الروسية ، وكانت من أفضل كاميراته وضوحا.
وكاميرات أخرى بعضها اندثر ، والبعض الآخر تناقلته الورثة . بالإضافة إلى حامل ثلاث من الخشب ( TRIPOD ) .
كان جميع مستلزمات التصوير من سلبيات وأحمض ومواد كيماوية التي يستخدمها الماضي من نوع (AGFA ) تقريبا .
في هذا الأستوديو يعدّ الماضي مجموعة من الأشياء الضرورية لتحسين صورة الشخص المراد تصويره . يعدّ الماضي عقالا ، وغترة ، وقحفية ، ومجموع ة من ( ربطات ) العنق ، ومجموعة من ( البدلات ) الكبيرة والصغيرة ، وكرسيا خشبيا وآخر من القط ن ، و كرة قدم ، ومزهرية ورد . ويلتقط الماضي معظم صوره في وضعين . الأول يظهر الوجه والكتفين معا ( أمامي ) ، والثاني يظهر معظم الوجه وكتفا واح دا فق ط ( جانبي ) . ويلاحظ من مجموع صوره أنّ أكثرها من نوع ( بوتريه ) .. معظم الصور تركز على الوجه وإبراز ملامحه . ولعل هذا ما يجعل الماضي يهتمّ بالمصوَّر ( بفتح الواو ) وتعديل هيئته ما قبل تصويره ووضع وجهه الذي يبدو مستعدا لأمر ما .. أما وضع صور البوتريه الجانبية فهو خروج على نمطية التصوير الذي انتشر آنذاك .. غالبا ما نلحظ العيون متفتحة في هذه الصور ، مما يجعل الوجه متفتحا أيضا .. ولأن العيون مركز الوجه كانت العيون في الصور تنظر في عين الناظر فيها مباشرة ، وكأن الماضي يعرف أين يختبئ شكل الوجه .
أما صوره الخارجية فقلما من بين الصور التي بين أيدينا أن تجد له صورة غير ممتلئة بالموضع الذي صوّره . وعدم امتلاء الصورة بالموضوع من العيوب التي يتحاشها المصورون الفوتغرافيون الآن . كما نلحظ قدرته على تنظيم الموضوع المارد تصويره . فهو عندما يصور معلمة القرآن وتلاميذها في صورة واحدة نجد أنهم منظمون . الكبار في الخلف في وسطهم تقف المعلمة . بينما يقف الصغار في الأمام بطريقة التفافية جميلة وأمامهم نسخ من جزء ( عم ) من القرآن الكريم .
” إذا دخلت الأستوديو للتصوير فإن أحمد الماضي يعتني ب ك. يُلبس ك ( الكوت ) بنفسه لأنّ الناس لم تكن تعرف كيف يلبس بشكل صحيح . وهذا ما فعله بي عندما دخلت محله الأول جنوب فندق صحارى .. في الدور الأرضي يعلق الصور على حبل حيث يستخدم مثبت الثياب لتثبيت الصور على هذا الحبل . بعد ذلك يوجّه مروحة صغيرة ( مروحة طاولة ) على الصور المعلقة لتجفيفها ”
ولم تنحصر ممارسته للتصوير في الاستوديو ، بل كان يحمل أكبر آلة تصوير لديه على كتفه ، وهي مثبّتة في الحامل الثلاثي الخشبي إلى مواقع التصوير . ممّا أتاح له تصوير تلك الوفود التي ترد على المستشار البريطاني آنذاك . ويلتقط صورة جماعية لمعلمة القرآن في الحيّ مع تلاميذها . لذلك هو يحتفظ بصور قديمة جدا . صور تحكي تاريخها . كما صور نساء الجاليات الهندية والإنجليزية وبعض النساء البحرانيات اللواتي يرغبن في وضع صورهن في الجواز لكن وجوههن غير مكشوفة !!
” كان تصوير النساء متاح في العراق في تلك الفترة أما في البحرين فإن ذلك غير مسموح به ”
ومقابل هذا النشاط الفوتوغرافي الفردي كانت هناك مشكلة تواجه هذا النشاط وتكاد تقلل من جودة إنتاجه ف ” لم تكن معكسة ( كاميرا ) أحمد الماضي تنتج صورا واضحة ، حتى كدت أن أمنع من السفر إلى العراق لرداءة الصورة لولا تدخل مسئول الجوازات آنذاك ويدعى (هاشم الشيوخ ) مما اضط ر أحمد الماضي إلى شراء معكسة جديدة أخرى أمريكية الصنع ، كانت صورها واضحة جدا . إلا أن الماضي تفاجأ أن هذه المعكسة التي اشتراها من أحد الأشخاص مسروقة من الكومبني ( بابكو ) !! وعندما علمت الشركة بوجود المعكسة عند أحمد الماضي لم تستردها ، ولكنها طلبت منه معرفة شخص ية البائع / السارق الذي حاكمته وطردته من الكومبني ”
لم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة التي مرّت به . يروى عن الماضي نفسه أنّه قال : ” بعد أن انتهيت من تصوير أحد الرجال من قرية سند في الأستوديو ، سحبت لوح السلبية من الكاميرا ، ودخلت به إلى قسم التحميض . بعد دقائق خرجت ، فلم أجد الرجل ولم أج د الكاميرا . لقد سرق الكاميرا ، وصورته تتحمّ ض في ح وض التظهير !! ” كان على ظهر الصورة مكتوب بخط أحمد الماض ي ( هذا الرجل س رق الكاميرا ) وذلك أملاً لدى الماضي أن يعود هذا الرجل إلى الاستوديو يوما ما ، أو يلقاه في الطريق !! ” كان أحمد الماضي يسجل اسم الزبون في دفتر و يحتفظ بصورة واحدة لكلّ مَنْ يصوّر عنده ويكتب خلف الصورة اسم صاحب الصورة واسم قريته .. لذا ترك لنا الكثير من الصور الشخصية منها صورة كتب خلفها : هذا الرجل سارق الك اميرا ”
أما مستلزمات التصوير من مواد كيميائية ، وورق تصوير وأفلام وغيرها فقد كان يحضرها من الهند شتاء ومعظمها من نوع (AGFA ) و ( KODAK ) .
في بداية التصوير كان يحدث شيء شبيه بالمساومة على سعر التصوير والصورة بين أحمد الماضي وصاحب الصورة . لكن ذلك توقّف بمجرد أن فتح الماضي الأستوديو الثاني ، حيث استقرّ السعر على ( 300 ) فلسا مقابل ثلاث صور وسلبية واحدة (NEGATIVE )
كانت المشكلة الكبيرة التي يواجهها الماضي يوميا هي لون بشرة الشخص في الصورة . فكثيرا ما كان الناس يشكونه من ميل لون بشرتهم إلى اللون الأسود . وهذا كان ناتجا من أشياء عدّة منها غياب الوامض (FLASH) وبساطة آلات التصوير ، ومستلزماته الفنيّة آنذاك . ويبدو أنّ الماضي قد تغلب على هذه المشكلة بعد ذلك فكثير من الصور التي بين أيدينا من تصويره واضحة جدا. ” كان الماضي أفضل مصور في تلك الفترة . كانت صوره من أحسن الصور حتى بعد مجيء المصورين المختلفين في السوق ”
ولم يبخل الماضي بأن ينقل خبرته في التصوير للأجيال القادمة ، فراح ينقل هذه الخبرة للشباب من أقربائه ” كان عمّي أحمد هادئا، صموتا ، كثير النصيحة بالدراسة وطلب العلم . شجعني يوما فأعطاني معجما ضخما للغة الإنجليزية جلبه من الهند في إحدى سفراته . وأمّا لباسه فقد كان أوربيّا أنيقا . وهو يتعامل مع كاميراته في الاستوديو بخفة ، وعندما يغادر الاستوديو يوصيني بشدّة على الكاميرات ، والاحتراس من أن يقوم أحد ما بسرقتها أو خداعي بشرائها .. لقد درّبني على التصوير في الإجازة الصيفية من الألف إلى الياء .. استخدام الكاميرا ، وتحميض وتظهير الصور . وعندما ينتهي النهار ، يضع جميع كاميراته في صندوق من الحديد ، عليه قفل كبير . و يعود لغ رفته المتواضعة ، في منزل إحدى أخواته ، التي لم يمنعنا من دخولها قطّ . غرفة لا تحتوي على غير سرير خشبي في إحدى الزوايا .. ولأنّه وسيم وذكيّ ويتقن اللغة الإنجليزية كان له أصدقاء من الإنجليز ”
” أكثر الأحيان كان أحمد ، وبعد أن يفرغ من الأستوديو ليلا يتوجّه إلى أحد المقاهي .. ربما ذهب إلى مقهى الفارة أو مقهى ( أبو ضاحي ) وكلاهما ف ي المنامة . فلا يعود إلا متأخرا ”
لم ينحصر اختلاف أحمد الماضي عن أهل الحيّ في ممارسته للتصوير فحسب ، ولا في لباسه ، ولا قدرته اللغوية في اللغة الأجنبية ، بل وفي رفضه لممارسة بعض المقدسات ، والثوابت ؛ لأنّها غير مقبولة عقليا لديه !! وتحمل العناء الكثير لأنّه لم يكن يرضى أن يمارسها ! كما دعا إلى نبذ التعصّب الديني فلم يكن يسأل أحدا عن دينه الذي ينتمي إليه .
” عندما سافر أبي الحاج أحمد عبد العزيز الماضي ( ت : 1979م ) إلى العراق برفقة أمي اصطحب معه أحمد الماضي .. توجهوا إلى كربلاء .. مكثوا فيها .. أمّا هو فقد غادرهما إلى بغداد .. صار يتردد عليها ”
وليست هذه المرّة الوحيدة التي يسافر فيها الماضي إلى العراق فجواز سفره الذي يحمل طوابع هندية يشير إلى أنه سافر إلى العراق بصحبة زوجته . كما يشير الجواز إلى تاريخ وصوله إلى مدينة كربلاء المقدسة بالعراق وهو 19 يناير 1947 م . لكن هل كان يغادر كربلاء إلى بغداد كما فعل عندما سافر برفقة الحاج أحمد عبد العزيز الماضي ؟ لا توجد معلومات حول هذه الزيارة . لكني أرجح أن الماضي لا يبقى في كربلاء بعد أن استهوته بغداد أول مدينة عراقية اتصالا بالحضارة الحديثة .
قرأ الإنجيل واحتفظ بنسخ مختلفة منه ودعا الشباب المحاورين م نهم إلى قراءته . لم يكن يهتم بالتحوّل العقائدي لبعض الأشخاص في الحيّ ، ولا تغيّر الانتماءات الدينية إذا لم تتغير الطبيعة الإنسانية الخيرة في هؤلاء الأشخاص . الماضي _ في ظنّي _ لم يكن يُمرر شيئا إلى جهازه التنفيذي ما لم يمرّ هذا الشيء على سراط العقل عنده ” كان يقول : ما هو مرفوض اليوم ، سوف تحضنه الناس في المستقبل ”
لعلّ دخوله في عالم ( الزقرت ) أو ( الزقرتية ) واحدا من الأمور القلائل التي شارك فيها الكثير من رجال الحيّ . دخل ( الزقرتية ) ومارس ما اعتاد الرجال أن يمارسوه فيها . وظهر بنفس المظهر الذي يتميز ب ه ( الزقرت ( عن غيره . لكن الماضي لم يستطع الاستمرار في التقيّد بقواني ن ) الزقرتية ( الصارمة التي تتوقف كل ممارساتها في شهر رمضان و المحرم وصفر . خرج الماضي على قوانين ( الزقرتية ( سرّا يلتذ بها الخروج حتى كشفه رجال الحيّ . لكننا لا نعرف ما الذي جرى بعد ذلك !!!
من خلال سيرة هذه الشخصية أرى أن الرأي القائل بفشل البعثة التبشيرية في تحقيق أهدافها في البحرين لا يصمد هنا . قد يكون التأثير العقائدي ضعيفا لكن تأثيرات أخرى كانت قد تفعّلت وتغلغلت في المجتمع البحريني . لعلّ منها النظام والسلوكيات الحضارية واحترام القوانين ، واستقبال الآخر ، وتعلم المواج هة الذكية ، والتعايش مع الديانات الأخ رى .
ويعود الماضي في أيامه الأخيرة ليلبس اللباس الشعبي : الثوب والغترة والعقال ويلازم هذه الثياب ، يزينها بشت لا يفارق كتفيه .فيعود له إسلامه ومكانته بين رجال الحيّ !!
” في هذه المرحلة صار أحمد الماضي يلبس الزي الشعبي ويبحث عن مجالس الخطابة التي تقام على الإمام الحسين .. هدأ ذلك النشاط وحلّ محله نشاط آخر هو مناقشة الخطباء .. كان يقول رأيه فيهم بصراحة ويعلق بسخرية إذا روى الخطيب رواية لم يقتنع بها .. مع هذا الهدوء صار بعض الناس ينبسون خلفه .. لم يتوقف عن طبيعته وهي طرح الأسئلة وإثارة الإشكاليات حتى في آخر أيامه .. كان يقول إن أهل البيت رجال سياسة لا دين .. وأن هدف ثورة الإمام الحسين هدف سياسي ”
هاهو يجلس بهدوء ويقوم بهدوء. يضع يده اليمنى ما بين حاجبيه ويضغط بشدّة مرّات عدّة .. هل هو ألم التصوير عبر كلّ هذه السنين؟ أم هو شوق عينيه الى عدس ة الكاميرا ؟
توقّف الماضي عن مزاولة مهنته بعد عناء كبير ، وبعد أن أص ابه المرض . كان يشعر أن في رأسه فوضى كبيرة مثل ضجيج الآلات والمطارق . كان يشير إلى أنّ خلط مواد التحميض الكيماوية هي السبب ، وأنّها عملت له مثل الغلاف على دماغه ..هكذا شخّص مرضه بنف سه
” يبدو لي أن آلام الرأس لم تكن من خلط المواد الكيماوية التي يستخدمها في عمليات التحميض . لكن أحمد الماضي كان يصعد كثيرا من الدور الأرضي إلى الدور العلوي في الأستوديو وغالبا ما كانت تصطدم مقدمة رأسه بالسلم الضيق الذي يؤدي إلى هذا الدور ”
استمر ذلك المرض أربع سنوات ، قضاها في زيارة مجالس أهل الح يّ و الحسينيات نهارا ، وليلا . وزاد من ذلك ارتعاش يديه اللتين كانتا أكثر أجزاء جسمه ثباتا أمام الكاميرا وهذا المرض ( ارتعاش اليدين ) لا يصيب إلا الأشخاص النشطين والحيويين في حياتهم العملية .
” في آخر حياة احمد الماضي كنت قد قررت أن أدرس وأكون خطيبا عارض أبي ذلك . أما الماضي الذي تربيت في كنفه فلم يعارض لكنّه قال لي : ولدي عندما تصعد المنبر تذكرني ”
” لا أعتقد أن احمد الماضي كان ناجحا .. كان فاشلا في حياته .. لم يفعل لنفسه شيئا .. لم يؤسس بيتا .. مع ذلك كان مرحا أحيانا وقد يفرط في المرح .. اسمع .. حدث ذلك ليلا عند مصلى النعيم .. كان عائدا إلى المنزل وعلى رأسه الدفة ( بشت أسود يشبه عباءة النساء تماما ) .. شعر بملاحقة رجلين له من الحيّ هما : الحاج ( .. ) و الحاج ( .. ) كانا يظنّان أن أحمد الماضي امرأة .. عرفهما .. اقتربا من الماضي فأشار لهما بيده من تحت الدفة .. اتبعاني .. فتابعا الملاحقة فلما اقتربا منه اختلافا حول : لمن تكون هذه المرأة .. كل واحد يقول : إنها لي .. فلما اقتربا منها اكثر وكانوا قد وصلوا مقبرة النعيم كشف لهما عن نفسه وهو يضحك ”
” كان الماضي يرزق بأولاد لكنهم يموتون في الأشهر الأولى .. أمّا زوجته فقد كانت تدعو عليه وتندب حظها .. سمعتها تدعو عليه حتى وهي تطبخ .. لم تكن مرتاحة إليه ”
وفي عام (1976 م ) تصوره الدنيا آخر صورة له في حياته … وتصوره أعين الناس .. أعين مؤيديه ومعارضيه .. هو أيضا جلس أمام الكاميرا فصورته ووفت له بإخراج جميع ملامحه واضحة وخصوصا عينيه … عينان لم تتوقف يوما عن النظر في عيون الناس عبر الكاميرا . مات المسلم النصراني بعد نزاع مع المرض في العينين والرأس .. وقع فانكسر حوضه. نقل إلى مستشفى السلمانية ليكون آخر مكان يراه ويُ رى فيه ..
” دفن أحمد الماضي في مقبرة الحورة بالمنامة إلى جنب قبر أكبر رجال الدين في النعيم هو السيد علي كمال الدين الغريفي ”
رحل مخلفا وراءه تاريخا بحرينيا خالصا في مجال التصوير الفوتوغرافي ومجموعة من الكاميرات ، وإكسسوارات التصوير وبعض الص ور ( أبيض وأسود ) ودروسا في مناهضة التعصّب الديني و أخرى في استقبال الآخر ، ومجموعة من عقود الإيجار عثمانية أصلية النسخ كان الماضي يهوى جمعها … مات ولم يبق من هذا الماضي إلا الماضي .
ربّما كان يحاول أن يضع رجله خطوة واحدة خارج السياج .. ليرى صورا غير الصور التي اعتاد عليها .. صورا كلّها ملونة بلذة ما بعد السياج ..
1 ليس لسيرة أحمد الماضي الذاتية مراجع أو مصادر مكتوبة ، ولكنني أخذت مادتها الأولية من شفاه الذين عاصروه ، أو لازموه ، أو عاشوه معه . وبعد أن تأكد لدي أن لا مزيد في ذاكرة الرواة عن هذا الرجل ، بدأت في تحويل هذا الشفاهي أو الشفهي إلى مادة مكتوبة وفق منهج يحاول تجاوز ذلك المنهج التقليدي في عرض السير الذاتية .. إلى منهج أظنّه حاول إعادة تركيب صورة للتركيبة النفسية التي تتشكل بمجرد احتكاك هذه الشخصية بالعالم الخارجي ، فاعلة ومنفعلة ، وليس من لحظة كونها فاعلة في المجتمع . لذلك كلّه استغرقت كتابة هذه السيرة أكثر من ستة أشهر فعلية .
اعتمدنا تاريخ
مولده من جواز السفر الصادر باسم أحمد عبد الله الماضي في البحرين بتاريخ 25 محرم 1366 ه الموافق 19 ديسمبر 1946م . وهذا الجواز عبارة عن ورقة واحدة ، ويحمل رقم : 496 . ويشير الجواز إلى بعض أوصاف الماضي : منها الط ول ( 4.5 ) قدم ، والعلامة الفارقة : أثر جدري في الوجه ، والصفة : مصور ، والعمر : 45 سنة ، والعنوان ومحل الإقامة : ليس معلوما .
الراوي الحاج محمد علي مال الله ( 1913م – … )
الراوي الشيخ محمد عبد العزيز الماضي . تربى في كنف أحمد الماضي الذي كان يموت أولاده في الأشهر الأولى من الوضع .لذا شاهد الشيخ محمد معظم حياة مربيه أحمد الماضي .
الراوي الشيخ محمد عبد العزيز الماضي .
الراوي الشيخ محمد عبد العزيز الماضي .
الراوي عبد العزيز أحمد الماضي .
الراوي عبد الواحد سعيد علاوي
الراوي الحاج محمد علي مال الله
آلة يدوية حادة لها رأس يشبه السهم تستعمل لثقب خشب السفينة .
الراوي الشيخ محمد الماضي .
الراوي الشيخ محمد الماضي .
الراوي الحاج محمد علي مال لله
الراوي عبد العزيز أحمد الماضي .
الراوي الحاج محمد علي مال الله
الراوي الحاج علي بن رضي المحروس ( 1911 م – …. )
الراوي الشيخ محمد الماضي
الراوي الحاج محمد علي مال الله
الراوي الحاج عبد المجيد عبد علي يوسف الماضي .
الراوي عبد العزيز أحمد الماضي .
الراوي عبد العزيز أحمد الماضي
كان الماضي يحتفظ بثلاث نسخ مختلفة من الإنجيل لا نعرف مصيرها.
الراوي الشيخ محمد الماضي .
الراوي الشيخ محمد الماضي
الراوي عبد العزيز أحمد الماضي .
الراوي الشيخ محمد الماضي
رأي الراوي عبد العزيز أحمد عبد العزيز الماضي في قريبه أحمد الماضي .
الراوي الشيخ محمد الماضي .
الراوي الشيخ محمد الماضي .
وصل عدد العقود إلى ( 63 ) عقدا . بعضها يحمل تاريخ ( 16 شعبان 1318 هـ ) .
غاليري