الموسيقا جزء من النشاط الفكري الإنساني، وهي وجه آخر من حريات العقل، ويرى البعض أنها تخلق عادة التركيز الذهني في الإنسان والميل إلى التفكير العميق المركز عند مناقشته للمشاكل التي تطرح عليه، إضافة إلى أنها تطور الملكات العقلية،
التقينا بالفنان عازف الكمان ياسر الأشقر ليحدثنا عن تجربته في العزف على آلة الكمان وعن أهمية الموسيقا في حياتنا .. وبدأ حديثه معنا عن مرحلة البدايات والتي كانت منذ مرحلة الطفولة المبكرة قائلا :
تصنيع آلة
منذ الصغر كنت متعلقا بالموسيقى بشغف والى درجة كبيرة تفوق التصور , فقد قمت في سن الثامنة بتصنيع الآلات الموسيقية الوترية بنفسي من قطعة خشب عليها زند من قطعة خشب أخرى مثبتة بمسامير ومشدود عليها وتر من النايلون يصدر بالنقر عليه صوتا موسيقيا مكتوما حاولت من خلاله إصدار بعض النغمات لبعض الأغاني , كانت أمي تشجعني وتصفق لي في كل مرة بعد انتهائي من العزف , كان عمري آنذاك 8 سنوات .
وأضاف : في سن التاسعة من عمري أحضر لي والدي كماني الأول من موسكو بعد زيارة قام بها الى هناك , بدأت بالعزف عليه وبتشجيع من الجميع , وبجهودي الشخصية المتواضعة كنت أعزف قليلا قليلا ، وبعد نجاحي في الشهادة الإعدادية اشترى لي والدي كمان ثاني كهدية نجاحي، الشيء الذي حفزني على تعلم العزف أكثر ووتيرة أسرع , كنت أتدرب لساعات طويلة وأحفظ أغاني الطرب الخفيف المشهورة آنذاك مثال : طوني حنا وعصام رجي وموفق بهجت وغيرهم من المطربين المعروفين وقتها , وأغاني أم كلثوم , كنت أقلد العازفين الكبار أمثال عبود عبد العال وأحمد الحناوي وغيرهم .
بدأت في هذا الوقت بتعلم النوتة الموسيقية , كانت مدرستي الثانوية في المشرفة منفذا لي للعزف أمام الجمهور , فقد شاركت في المهرجانات التي كانت تقام في المدرسة , ثم قمت بإحياء بعض الحفلات الخاصة بالأعراس وغيرها من المناسبات الأخرى مع بعض الفرق الموسيقية ..
مصدر للتقدم
وبالنسبة لأسرته وتشجيعها له قال : كان لأسرتي دور هام في تشجيعي على العزف , فقد كان والدي يشجعني دائما ويقدمني لأصدقائه في السهرات الخاصة , وكان تشجيعهم لي مصدرا مهما جدا لكي أتقدم أكثر , وكان لأصدقائي المقربين تشجيعهم الخاص لي أيضا حتى بات اسمي مرتبط لديهم بآلة الكمان , كل هذا أعطاني دفعا كبيرا للتقدم نحو الأمام في موضوع العزف ..
وأضاف : بعد حصولي على الشهادة الثانوية سافرت إلى أوكرانيا لدراسة الهندسة هناك , فكان سفري فرصة كبيرة لكي أدخل الحيز الأكاديمي في دراسة آلة الكمان بالتوازي مع دراسة الهندسة بنفس الوقت قمت بتعلم العزف الأكاديمي على يد أستاذة أوكرانية , فتطورت في التكنيك الغربي على آلة الكمان رغم اتصافه بطبيعته الصعبة , إذ يتطلب عملا دؤوبا ومتواصلا دائما لكي يصل العازف بالنتيجة إلى المهارة المطلوبة التي تمكنه من إبراز روحانيته في العزف .
امتلاك الآلة
وعن دور الدراسة الأكاديمية في صقل موهبة الفنان قال الفنان الأشقر : تحدث الدراسة الأكاديمية في أغلب الأحيان نقلة نوعية في العزف على الآلة عند العازف فهي تمكنه من استخدام كل الأوكتافات بمرونة وبالتالي بمهارة عالية, مما يمكن العازف من أن يمتلك الآلة وأضاف : بفضل التدريب الأكاديمي المتواصل تمكنت من العزف منذ البداية على كل الأوكتافات في آلة الكمان , هذا الأمر حررني من القيود في العزف ومنحني إمكانية التعبير بسهولة عن خواطري المتعلقة بروح العزف .
وأضاف : بشكل عام لا يحتاج عزف الموسيقا الشرقية إلى تكنيك كبير في العزف وإنما يحتاج إلى تكنيك كاف ومدروس لأنه في كثير من الأحيان المبالغة فيه بهدف الاستعراض من قبل العازف يفقد الموسيقا الشرقية روحها الجميلة المألوفة ويعطيها لونا خاصا مستحدثا غير مألوف للجيل السابق , وأساسا هشا لبناء الذوق الفني للجيل اللاحق .
ومن هنا نجد أن المسألة جدية ومهمة جدا يجدر بحثها واتخاذ الخطوات العملية الجادة من قبل وزارة الثقافة والإعلام والجهات المعنية الأخرى لتفاديها , فالمسألة تكمن في «اندثار لموسيقا شرقية جميلة واضحة المعالم والقواعد أنتجت ذوقا فنيا رفيعا, وحلول موسيقا أخرى مجهولة المعالم والانتماء لا تتقاطع مع الذوق الفني بالمطلق « .
الذوق الفني الرفيع
وتحدث الفنان الأشقر عن نشاطاته ومشاركاته الموسيقية قائلا : لقد شاركت منذ عام 2000 في نشاطات ومهرجانات عديدة متنوعة مع فرقتين موسيقيتين هما فرقة حمص لإحياء التراث , وفرقة نقابة الفنانين الموسيقيين , وتميزت الموسيقا التي قدمناها بالأصالة والجمال والذوق الفني الرفيع , واستحوذت قلب الجمهور ولاقت استحسانا كبيرا تردد صداها في مسامع وأحاسيس الكثيرين من أصحاب الآذان الموسيقية الرفيعة حتى أن بعض الباحثين الموسيقيين أمثال صميم الشريف وغيره من الباحثين كتب مقالات رائعة عنها .
تطوير التفكير الإبداعي
وعن أهمية مادة الموسيقا في المراحل التعليمية قال : إن تدريس الموسيقى الآن كمادة من المواد الدراسية التعليمية دون الالتفات إلى قدرتها الغنية وإمكانياتها التربوية الخاصة في تشكيل شخصية الطالب يعد نظاما قاصرا لابد من تطويره وتعديله بحيث تؤثر الموسيقا بالشكل المطلوب في عالم الطفل وشخصيته.
وأضاف : الهدف الأسمى للتربية الموسيقية هو تحقيق النمو المتكامل للطالب، سواء أكان طفلا أو مراهقا أو راشدا في مختلف نواحيه: الجسمية والعقلية والاجتماعية والخلقية، وهي تحقق له أكبر درجة من التوافق والتكيف مع ما يحيط به من ظروف وأحوال، وعند النظر إلى أهمية تعلم التربية الموسيقية في المدارس، يمكن القول أن مشاركة الطلاب في الدروس الموسيقية تكسبهم معنى الإحساس بالنظام، واحترام الذات وروح العمل الجماعي وتطوير التفكير الإبداعي لديهم.
عازف الكمان ياسر الأشقر : الدراسة الأكاديمية تمكن العازف من الإبداع
العدد: 14846
التاريخ: الثلاثاء, نيسان 25, 2017