بين ولادته عام أربعة عشر وتسعمائة وألف ،ووفاته عام ألفين وواحد .. قصة كفاح مدادها الحبر والعرق .. في المسرح والقصة والتمثيل . فهو مبدع استثنائي لأكثر من سبب وأول تلك الأسباب أنه متنوع الإبداع مما يعني تنوع ثقافته وغناها ،وذات نفوذ وشهرة ، غير أنه أضاف إليها شهرة من خلال إبداعه الأدبي..
مراد السباعي .. الذي سماه الأديب محمد بري العواني « عصفور الرمان» في كتاب شامل عنه ، أشهر من أن يعرف بمقال أو دراسة عابرة ، كان باختصار ، صوت الناس العاديين والمدافع عنهم وعن قيم الحق والخير والجمال .
في منتصف ثمانينات القرن الماضي تعرفت عليه .. رجل كهل يرتدي بزّة أنيقة وربطة عنق فاخرة .. طويل القادمة .. عيناه زرقاوان تلمعان بذكاء حاد .. مصادفة التقيته في غرفة الاستقبال في عيادة الدكتور الشاعر شاكر مطلق في حي البغطاسية بحمص ، وكان من عادة الدكتور مطلق عافاه الله ، أن يلتقي الأدباء من أصدقائه ، بعدما يفرغ من مدواة مرضاه، وتنوع الحديث وتشعب ، وكنت مسروراً بالتعرف عليه .. وأبديت أسفي لأنني تأخرت كثيراً عن ذلك .
وفاجأني الرجل – رحمة الله- بدعوتي لزيارته في منزله على طريق حمص-طرابلس، بالقرب من البساتين .. ونشأت بيننا صداقة تعززت بمعرفتي بولده وليد الذي تجمعني وإياه مهنة تدريس اللغة الانكليزية يومها .
قرأت كل كتب مراد السباعي بدءاً من قصص « كاستيجا» له وهو « رسائل شارلوت» .. وكذلك مخطوط « رسائل الأدباء إلى مراد السباعي «.
لو أراد مراد السباعي أن يعمل في السياسة لحصل ربما على مناصب كبيرة .. فشقيقه النائب والسياسي المعروف هاني السباعي .. وكان مراد، في أحيان كثيرة، يصوغ البيانات الانتخابية والسياسية لشقيقه هاني في أربعينات وخمسينات القرن الماضي . لقد اكتفى مراد بوظيفة عادية في بلدية حمص .. ثم ندب إلى المركز الثقافي .كان مولعاً بالمطالعة والكتابة .. وقد بدأ اسمه يلمع كمسرحي ، ممثل ومخرج ، في ثلاثينات القرن الماضي من خلال فرقة « السياسيين « المسرحية .. وثم كان عضواً مؤسساً لنادي دوحة الميماس بحمص ، وفي أربعينات القرن الماضي تحوّل لكتابة القصة القصيرة فكان بحق أحد روادها على مستوى الوطن العربي وقد نالت مجموعته القصصية « هذا ما كان » التي نشرها في مصر ثناءات من كبار الأدباء والنقاد المصريين ولا ننسى ريادته لأدب الأطفال من خلال مجموعته القصصية « هدية عيدالأم».
أول رئيس لفرع اتحاد الكتاب العرب كان مراد السباعي فقد شغل هذا المنصب لمدة عشر سنوات 1972-1982 .. وكان ضمن وفود الكتاب السوريين إلى العديد من دول العالم ، أحد صناع الثقافة في حمص في سبعينات وثمانينات القرن الماضي .
وكان له حضوره في المسرح قبل الحرب العالمية الثانية فقد كتب مسرحيات كثيرة قدمت على المسرح ، ومسرحيات ذات الفصل الواحد ، وقد توقف عن كتابة المسرحيات لأن الناس انصرفوا عن المسرح فترة الحرب ، وبعد الحرب عاد إلى كتابة القصة القصيرة فكتب « الدرس المشؤوم « عام 1945 و» عصفور الرمان « وكانت المفاجأة أن أحد الناشرين اشتراهما بمبلغ مائة وخمسين ليرة وقد انتشرتا انتشاراً واسعاً .
كان ضمن حلقة أدبية في أواخر الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي وتضم الشاعرين عبد السلام عيون السود ووصفي قرنفلي وكان مع أدباء آخرين ، يلتقون يومياً في مقهى الروضة .
وفوجئ بتسريحه من وظيفته في البلدية عام 1949 بأمر من حسني الزعيم .. فوقع في أزمة مالية.
حياة حافلة بالأدب والمغامرات الكتابية في المسرح والقصة القصيرة ومراد السباعي أحد روادها في الوطن العربي .
عصفور الرمان.. مراد السباعي
العدد:
14852
التاريخ:
الثلاثاء, أيار 9, 2017
الفئة:
المصدر:
العروبة