الفنان التشكيلي نذير نبعة
نذير نبعة
03 نيسان 2017
1938 – 2016
المراحل المتعددة التي عرفتها السيرة الإبداعية لنذير نبعة تترجم في واقع الحال توقه الدائم للبحث والتجديد، وحيويته الإبداعية المواكبة لحيويته الثقافية. وفي تنقل أساليبه بين الواقعية والتعبيرية والتجريد، وتجدد مواضيعه بين مرحلة وتاليتها، بدت «المراحل» وكأن لا شيء يربط بينها، سوى البراعة والإبداع، الملازمين لصاحبها منذ خطواته الأولى في درب الإبداع التشكيلي.
ولد نذير نبعة في دمشق عام 1938، وتلمس باكراً رغبته في التعبير عن مشاعره بلغة إبداعية. بدايةً، اتجه تفكيره للكلمة، وللشعر، حيث كانت له محاولات في كتاباته استمرت أربع سنوات أنهاها في العشرين من عمره، حين قام بحرق كل كتاباته الشعرية، بعد أن قاده إحساسه الفطري نحو ما هو بصري، بتأثير مشاهد الطبيعة المتحولة ألوانها في بستان جدته «أم محمود» الكائن يومذاك في قرية “المزة”، وما صارت اليوم واحدة من مناطق دمشق السكنية الحديثة الأنيقة، حيث بدأت مغامرته الأولى مع الخطوط والألوان. ففي ذلك البستان كان يمضي أوقاتاً طويلة يتأمل النباتات، وانعكاس صورها على صفحة الماء في الساقية التي تروي البستان، ويراقب تفتح أزهار الجلنار «زهر الرمان» والتفاح، ويتسلق أشجار الجوز لقطف بعض ثمارها، فتحفظ ذاكرة كفيه ملمس الشجرة الخشن – كما قال يوماً في لقاء تلفزيوني -. وإلى ما سبق، كانت تثير اهتمامه الزخارف الجميلة الملونة التي كانت تطرزها أمه على الأثواب النسائية. ولم يمض وقت طويل حتى صار نذير الطفل يرسم وروداً وعصافير على تلك الأثواب، تقوم نساء وفتيات القرية بتطريزها على أثوابهن، فيجد سعادة بالغة عندما يرى رسومه ملونة بخيوط من حرير على صدر فتاة.
قصته مع أول لوحة شاهدها في حياته
كان لمشاهدات الطفولة تلك حضورها الواضح في تكوين ذاكرة نذير نبعة البصرية، وذائقته الفنية، فتجلت الصور الأولى بأشكال مختلفة على امتداد السنوات التالية. منها يوم قام بتصوير أشجار «الغَرب» على ضفاف الفرات، ومنها يوم استعاد «في فترة الدراسة الباريسية» مشاهد النباتات المنعكسة صورتها على الماء، ومنها يوم سعى لينقل ملمس الصخور الطبيعية في جبال الساحل السوري، في استعادة – ربما – لأحاسيسه القديمة عن ملمس شجر الجوز، لكن مجموعة «الدمشقيات» كان لها الحصة الأكبر من ذكريات الطفولة، فحفلت بالورود والرمان والتفاح والقواقع البحرية والمرايا ذات الإطار الخشبي المطّعم بالصّدف، والأثواب النسائية المترفة، والستائر الملونة، وكثير من المشغولات الخشبية والنحاسية والزجاجية التي تحرص المرأة الدمشقية على الاحتفاظ بها في بيتها.
قادته موهبته الفنية ليراقب بشغف «مروان قصاب باشي» الشاب الأكبر منه عمراً الذي زامله في الدراسة الإعدادية والثانوية، والذي أثار اهتمامه حين رآه مصطحباً لوحاته وألوانه إلى منطقة «الربوة» المجاورة، ليرسم عن الطبيعة مباشرة. فكان يحضر له الماء والفاكهة مقابل أن يتأمله وهو يرسم. وكانت لحظة الدهشة الثانية حين شاهد لأول مرة صورة عن لوحة زيتية انطباعية في بيت «ثابت قباني» أستاذ الرسم بمدرسة «حافظ إبراهيم». كان «ثابت قباني» متقدماً في العمر، أنيقاً طيباً، يحمل روح الجد، أكثر من كونه أستاذاً «وفق وصف تلميذه»، وقد لفتت موهبة نذير انتباهه فخصه برعايته.
أصدقاؤه
في بيته تعرف على كثير من الفنانين، منهم «صلاح الناشف» الذي أصبح أستاذاً له في المرحلة الإعدادية، كما تعرف على جاره الفنان الكبير «محمود جلال»، الذي ربطته صداقة بابنه «خالد» ليشهد برفقته لحظة الدهشة الأكبر في طفولته يوم ذهب معه إلى منزل أبيه الفنان الرائد وشاهد هناك لوحته الشهيرة «الراعي»، وكانت أول لوحة زيتية حقيقية يشاهدها. يصف نذير نبعة تلك اللحظة بعد أربعين سنة فيقول: “مازلت أذكر الغرفة الواسعة والضوء الخافت الذي يتسلل من ستائر النوافذ السميكة، كانت هناك عدة لوحات موزعة على جدران الغرفة، ولكن لوحة «الراعي» سحرتني في مكاني شاخصاً إليها، وفي ذلك البيت شاهدت أنابيب الألوان الزيتية، والفرش، والقماش الخاص بالرسم، وعلبة الألوان المائية، كنت كمن اكتشف كنزاً من الكنوز المخبأة في قصص ألف ليلة وليلة”.
المرحلة الإعدادية والثانوية
صداقته مع «خالد جلال»، وقد كان نحاتاً واعداً، أتاحت له أن يتعرف على عالم النحت من خلال المنحوتات التي كان يصنعها، ومن خلال منحوتات أبيه «محمود جلال» التي لم تكن تقل أهمية عن لوحاته الزيتية، وكذلك من خلال تعرفه على صديقه النحات الحلبي الرائد «فتحي محمد» إثر عودته من الدراسة في «روما». ومع أن نذير نبعة لم يعمل في مجال النحت، إلا أن تأثير هذا الفن قد ظهر بعد ذلك في لوحاته، وخاصة بعد سفره إلى مصر. وقد أتيح له بعد أن انتقل من مدرسة «حافظ إبراهيم» إلى الدراسة الإعدادية والثانوية في ثانوية «التجهيز الأولى» «جودت الهاشمي – حالياً» أن يتعرف على عدد من الفنانين الكبار الذين كانوا يقومون بتدريس الرسم أمثال «صلاح الناشف» و«رشاد قصيباتي»، إلا أن الفنان الأكثر أثراً في مسيرته كان الفنان «ناظم الجعفري» الذي كان قد أقام في الثانوية مرسماً لتعليم التلاميذ مبادئ العمل الفني، وفر له كل ما يجعل منه مكاناً استثنائياً لتعلم تقنيات الرسم بأقلام الرصاص والفحم والتصوير بأصابع الفحم، والألوان المائية والزيتية.
في محترف ناظم الجعفري
كان ناظم الجعفري المنحاز للفن الواقعي إلى حد التعصب، جدياً وصارماً إلى أبعد الحدود فيما يتعلق بأصول العمل الفني التي يؤمن بها. وكان بالمقابل كريماً للغاية مع تلاميذه فربطت بينه وبين نذير علاقة احترام جلية كالتي يفترض أن تقوم بين معلم قدير ومحترم، وتلميذ خلوق حريص على التعلم، وفي وقت لاحق صار بإمكان الطالب الشاب زيارة مرسم أستاذه في «شارع بغداد» مصطحباً رسومه ليستمع إلى ملاحظاته وكانت أوضح تجليات هذه العلاقة أن نذير نبعة لم يسافر في منحته الدراسية الجامعية إلى مصر إلا بعد استئذان أستاذه «ناظم الجعفري» والحصول على موافقته.
هذا السلوك الراقي المشبع تهذيباً واحتراماً ظل السمة الملازمة لنذير نبعة طيلة حياته، وقد تكرر ما يشبه حكايته مع «ناظم الجعفري» بعد سنوات كثيرة، وفي عام 1975 تحديداً، يوم تخرج من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس «البوزار». فأرسل برقية للفنان «عبد العزيز درويش» أستاذه في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة يقول فيها: “تخرجت اليوم من البوزار، ونلت أعلى معدل، ولازلت أنت أستاذي”.
ساهمت الخبرات التي اطلع عليها نذير نبعة، والتي اكتسبها خلال انتسابه لـ «مرسم ناظم الجعفري» في «التجهيز الأولى» في بلورة موهبته سريعاً. تلك الموهبة التي كانت قد حصدت تقديرها الأول في مدرسة «حافظ إبراهيم» حين نال الجائزة الثانية في المعرض السنوي للمدرسة، وكانت الجائزة رواية من أدب «شكسبير» صاغها مع مجموعة من الأدب الكلاسيكي العالمي بلغة تصلح مفرداتها لقراءة الأطفال “طيب الذكر المصري كامل الكيلاني”. وفق تعبير نذير، وقد فتحت هذه الرواية باكراً اهتمام الطالب الفتى على عالم الثقافة والأدب، الذي ظل شغوفاً به حتى آخر حياته، بالتوازي مع تطوير تجربته التشكيلية.
أول مشاركة له في معرض جماعي
ما أن جاء عام 1952 حتى كانت موهبته الفنية قد أعلنت عن نفسها بوضوح من خلال مشاركته بلوحة مائية صغيرة «السكّير» في المعرض السنوي، وهو لما يزل في الرابعة عشرة من عمره. ومن المؤكد أنه كان لهذا النجاح المبكر دورٌ كبير في تحديد خياره المستقبلي، وهو يذكر أن قبول لجنة المعرض عرض لوحته كان فرحة لا توصف، وأنها أعطته القناعة بأنه من الممكن أن يصبح رساماً في هذا الوقت المبكر من العمر.
وقد يصبح الأمر قابلاً للفهم أكثر إذا أخذنا في الاعتبار الأهمية التي كان يمثلها المعرض السنوي، حديث العهد حينذاك. فقد أقيم “المعرض السنوي” لأول مرة عام 1950 وهو ما يجعله أحد أقدم المعارض الدورية العربية، وقامت بتنظيمه وزارة المعارف «حل محلها اليوم وزارتا التربية والتعليم العالي» والمديرية العامة للآثار والمتاحف. وفي عام 1959 قسم المعرض إلى اثنين: “معرض الربيع” في حلب، و”معرض الخريف” في دمشق. ومع تأسيس وزارة الثقافة في عهد الوحدة السورية – المصرية «أواخر عام 1958» انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض إلى «مديرية الفنون التشكيلية والتطبيقية» فيها التي أعادت بعد بضع سنوات دمج المعرضين في معرض واحد، استمر – كما بدأ – بتقديم صورة متكاملة وشاملة عن المشهد التشكيلي السوري بسبب حرص الفنانين باختلاف اتجاهاتهم الفنية ومدارسهم وأجيالهم على المشاركة، ما أدى إلى استمرار نمو أهمية المعرض التي بلغت ذروتها في الثمانينات. والأرجح أن مشاركة نذير نبعة كانت في معرض عام 1953 «وليس معرض 1952 كما ورد غير مرة في سيرته الشخصية» وفق ما تشير وثائق المعرض. التي تشير أيضاً إلى أنه شارك بعد ذلك في معارض 1954 و1956 و1957 ثم عام 1959. وهو العام الذي نال فيه الشهادة الثانية. علماً أن المعرض لم يُقم عام 1958. وبصرف النظر عن سنة المشاركة فإن عدد الفنانين الذين قبلت لوحاتهم في معرض عام 1952 كان فقط 38 فناناً. ومن بينهم أساتذة الفنان الشاب. والفنان الحلبي الأرمني «نوبار صباغيان». الذي لفتت لوحته انتباه نذير.
مرحلة الخمسينات
كانت تلك المرحلة «الخمسينات» زمن الصراع الفكري والسياسي، وكانت أيضاً زمناً خصباً لازدهار الحركة التشكيلية السورية، ووضوح معالمها، تزامن ذلك مع نمو الإحساس الوطني بعد الاستقلال، ومع النهوض القومي بتحرر كثير من الأقطار العربية من الاستعمار، فلم يعد النشاط الفني يقتصر على معارض الجمعيات الخاصة، رغم أهمية الدور الذي قامت به، ولا على «المعرض السنوي». كما أن الحركة التشكيلية لم تعد أسيرة ثقافة «المدرسة الانطباعية» التي سادت المرحلة السابقة للاستقلال، بل تبلورت وكشفت عن غناها بمدارسها وفنانيها بإبداعاتهم المتميزة والمبتكرة. يقول نبعة: “بدأت أرى أعمال «محمود حماد» المستوحاة من الحرف العربي، ولوحات «أدهم إسماعيل» التي تعتمد في بنائها على الخط اللانهائي للرقش الإسلامي، ولوحات أخيه الأصغر «نعيم إسماعيل» الذي استلهم المواضيع والزخارف الفولكلورية السورية في تكويناته. وفي لوحات هؤلاء ابتدأ أفق الفن يبدو لي أوسع وأرحب. ثم ابتدأت الحداثة تأخذ مكانها وترسخ بأسماء مهمة مثل «فاتح المدرس» و«مروان قصاب باشي» و«برهان كركوتلي»، بل بدأت أعمالهم تستحوذ على إعجاب النقاد ولجان التحكيم، وتنال الجوائز والتقدير. كانت هذه الفترة بالنسبة لي هي مرحلة التأسيس، فيها تعلقت بالفن. وفيها تكونت لدي القناعة بدراسة الفن واختياره كطريق في الحياة”.
الشهادة الثانوية.. ومنحة للدراسة في مصر
إثر نيله الشهادة الثانوية عام 1959 تقدم إلى مسابقة للحصول على منحة مقدمة من وزارة التربية للدراسة في كلية الفنون الجميلة في الإقليم الجنوبي «كما كانت تسمى مصر في إطار دولة الجمهورية العربية المتحدة» ونجح فيها، فتوجه أواخر عام 1959 إلى القاهرة برفقة عدد من الموفدين كان منهم «نشأت الزعبي» و«خالد المز» و«أدهم قوطرش» و«زياد الرومي»، حيث كانت في انتظاره خمس سنوات حافلة باكتساب الخبرة والتطور الشخصي واتساع الأفق المعرفي.
القاهرة..
كانت القاهرة في تلك الفترة تزدهر بالحياة الفكرية والثقافية والفنية، وقد أتاحت له دراسته فيها بناء صداقات واسعة ومديدة مع عدد كبير من المثقفين المصريين، ومتابعة الأنشطة الفنية، والحوارات الفكرية والثقافية والإبداعية، ومنها ما يتعلق بروح اختصاصه، وبالأسئلة التي كانت تدور في ذهنه بإلحاح حول هوية الفن الذي سيصنعه، ومهمته، وغايته. ودوره في التعبير عن أفكاره، والثقافة التي ينتمي إليها، وهي أسئلة كانت تتقاطع مع المناخ الفكري – الثقافي السائد في مصر آنذاك. وقد ساهم أساتذة كلية الفنون الجميلة في القاهرة في جعل هذا المناخ دافعاً للبحث والتجريب. فقد كانوا يأخذون بأيدي طلابهم نحو الجديد في الفن والثقافة. وكان من حسن حظ «نبعة» كما يقول أنه تتلمذ على ايادي فنانين أساتذة كبار أمثال «حسين بيكار» و«عبد العزيز درويش» و«عبد الهادي الجزار» و«حامد ندا): “كانت آفاق الفن ودنياه تتسع أمامي، فمن انطباعية «حسن البناني» الغارقة في عرس من الألوان والضوء ورشاقة اللمسة، إلى بنائية التكعيبيين في تعاليم «عبد العزيز درويش» العاشق للعم “سيزان” أبي التكعيبية، كما كان يدعوه. ولم أشعر بالغربة أمام الأجواء السريالية التي كان يبدعها أساتذة مثل «عبد الهادي الجزار»، و«حامد ندا»، وعندما رأيت أعمال الفنان السكندري «محمود سعيد» في مبنى البلدية في “الإسكندرية”، وفي مرسمه، أحسست بالهوية المصرية أكثر من كل ما رأيته منقبل من الأعمال، إن أشكاله تتنفس مصريتها من الروح البسيطة والصادقة التي تبدعها بعيداً عن النظريات والشعارات. كانت فترة الستينات في “القاهرة” تحفل بتلك الروح التجريبية الخصبة، التي كانت تربة صالحة للإبداع، وكان من حسن حظي أني عشت ذلك الثراء الثقافي الذي عمّ كل الفنون والآداب”.
كانت تجمعه مع أساتذته ملتقيات ثقافية وفنية لشعراء من الطلاب أو من خارج الكلية صاروا فيما بعد من أعز أصدقائه من مثال: «عبد الرحمن الأبنودي» و«سيد حجاب» و«أحمد فؤاد نجم» و«محمود أمين العالم» و«آدم حنين». وفيما بعد التقى ب «نجيب محفوظ» و«محي الدين اللباد» و«أحمد حجازي» ومجموعة من الفنانين المصريين في مجال الغناء، وهم يبحثون عن جذور أعمق لفنهم. فيذهبون إلى الأماكن القصية في ريف مصر، بحثاً عن لغة جديدة ومختلفة، أكثر صدقاً وصفاء. وقد سار نذير نبعة على دربهم حين اختار أن يذهب إلى تلك الأماكن القصية ليمضي شهراً في “برقاش” – قرية صديقه «سيد خميس» – حيث صور عن الواقع عمال مقالع الحجارة فيها، كمشروع لتخرجه من كلية الفنون الجميلة عام 1964، نال عليه درجة امتياز.
كان هذا الخيار، وأعمال أخرى زامنته، ترجمة لتوجه فكري عبر عنه نذير نبعة بقوله: “القاهرة هي الأم التي علمتني أن مسألة الفن والثقافة هي موقف وطريق قبل أن تكون مهنة”، هي طريق للإنسان ورؤية له، وموقف تجاه العلاقات السائدة. كما أن هذا الخيار إعلان عن أسلوب فني يحدد المساحات والألوان في نسيج متماسك، ليرسل من خلاله موقفاً وطريقة في التعامل مع الموضوع، وشكلاً في التناول. وبعد خمس وأربعين سنة من مشروع «المقالع» يعود نذير نبعة في لقاء مع الزميل «عمار حسن» للحديث عن رؤيته لهذا المشروع، فيقول:
“… «المقالع» كانت بداية مسيرتي التشكيلية في ذاك التاريخ، والمشاريع كانت ذات مواضيع بسيطة وكان ينظر إليها نظرة تبسيطية سياحية، سادت فيها المواضيع الاجتماعية والسياسية «فترة الستينات»، وكان أغلب الفنانين العرب في تلك الفترة في حالة بحث عن الذات، بمعنى أن كل المناهج التي كنا ندرسها كانت مترجمة عن الأكاديميات الغربية، وكان علينا أن نرى جمالياتنا بعيوننا نحن، ونتجه إلى تراثنا القديم، الفينيقي، السومري، الآشوري، الفرعوني، وذلك من الستينات، ونلاحظ أن التشخيص الموجود في اللوحات من تلك المرحلة، مأخوذ من الروليفات «المنحوتات الجدارية البارزة» السومرية والتدمرية، باعتبار أن مرجعياتنا بالرسم تعود إلى تلك الفترات من تاريخ الأجداد، وهذه من جهة تعتبر واحدة من جمالياتنا، قبل ذلك، كنا نستلهم جماليات لوحات عصر النهضة والرومانتيكية والواقعية، ونستوحي من تلك التراكمات الثقافية الغربية”.
زواجه من التشكيلية شلبية إبراهيم
لم يغادر “القاهرة” نذير نبعة بعد ذلك مطلقاً، فأعمق صداقاته على مدى العمر ولدت في أحضان “القاهرة” الحميمة، وهذا ما شده للعودة إلى هذه المدينة باستمرار، والأهم ما سبق أنه في سنوات دراسته في “القاهرة” تعرف على الفنانة التشكيلية شلبية إبراهيم، التي صارت شريكة حياته وإبداعه، وكما قال مرة أنهما لا يملكان منزلاً يرسمان فيه، وإنما يسكنان في مرسم.
تخرجه.. والعودة إلى سورية
عاد نذير نبعة إلى سورية إثر تخرجه من مصر.
مدرساً لمادة الرسم في دير الزور
وبحكم أنه كان موفداً للدراسة من وزارة التربية، فقد كان عليه أن يعمل بداية كمدرّس في منطقة «نائية»، وهذا ما حصل فقد عين أستاذاً للرسم في دير الزور حيث تابع شغفه القديم بتأمل المشهد الطبيعي لمحيط، والتعبير عن خصوصيته، وداعبت هواه أشجار «الغَرَب» التي تنتشر على ضفاف الفرات، فأبدع تصويرها في سلسلة من اللوحات التي تفوح بنكهة أسلوبه المميز، بالتزامن مع سلسلة لوحات غيرها مستوحاة من أساطير حضارات المنطقة.