من أعمال الفنان التشكيلي نذير نبعة
نذير نبعة يصف مرحلة دير الزور
رؤية نذير نبعة لـ«مرحلة دير الزور» تتفق إلى حد التطابق مع ما رآه «عبد الرحمن منيف»، ففي مقالة له عن سيرته الإبداعية نشرتها مجلة “العربي” الكويتية في تموز «يوليو» 1999، تحت عنوان “يوم تفجر العالم بالألوان”. كتب «نذير» عن تلك المرحلة:
“أحببت المكان وأخذتني إيحاءاته الجديدة بالنسبة لي، فبساطة مدينة الدير المختلفة عن تركيب مدينة دمشق تجعلها أقرب إلى المدينة الصحراوية في ذلك الوقت، وبعد مدة وجيزة، وجدت نفسي غارقاً في الأجواء التراثية القديمة في مدينة “ماري” و”تدمر” و”الرصافة“، كانت المنطقة تحتوي في جنباتها على عبق الماضي العريق وجلال الطبيعة المليء بالأسرار والخيال، وهناك في فضاءات السهول الشاسعة لبادية الجزيرة وبادية الشام، كنت أجد نفسي وحيداً بين السماء والأرض، عرفت التوحد مع الكون، وبدأت علاقتي بالاسطورة، ذلك بأن وادي الفرات غني بأساطيره الآتية من «الميثولوجيا» القديمة، كما هو غني بالملاحم والحكايات القادمة من أعماق الصحراء، مناخ غني وخصب دفعني للخوض في تجربة استلهام الأساطير والملاحم الفراتية، أبحث فيها وفي أجوائها عن طريقة التصور والتصوير كيف ترسم صورة الشخصية ومعانيها بالكلمات والجمل، كيف تعبق المشاهد والأجواء بمضمونها الفكري والجمالي. رسمت “ننليل” و”عشتار” و”كاهنة مردوخ” ورسمت «خسوف القمر»، إن هذه الشخصيات والمشاهد الأسطورية لم يكن يعنيني من رسمها صنع صورة الحكاية أو صورة توضيحية للنص الأسطوري أو الملحمي بقدر ما كانت غايتي ابتداع شكل بصري لرموزها ومعانيها، وعلاقة ذلك بالحاضر المعيش، هذه الأعمال عرضت في المعرض الأول عام 1965 في صالة الفن الحديث بدمشق، كان يشغلني في ذلك الوقت البحث في توافق التقنية والمضمون والتآلف بين الأداء والمعنى، ثم اتجهت نحو جماليات النحت السومري. والتدمري، وجداريات ما بين النهرين، ورسوم الفخار والخزف، في هذه الفنون، كنت استلهم الينابيع الأولى للجماليات الخاصة بالأمة التي أنتمي إليها، وكان هذا الهاجس خلق «فن محلي» أو «فن عربي»، قد امتد ليشمل كل الحركة التشكيلية على مساحة الوطن العربي، فكانت إبداعات الفنانين المصريين أمثال «محمود سعيد» و«عبد الهادي الجزار» و«سيد عبد الرسول»، والعراقيين «جواد سليم» و«فائق حسن»، و«أدهم إسماعيل»، و«نعيم إسماعيل» وغيرهم من الفنانين العرب، كانت إبداعاتهم تصب في ملتقى واحد هو خلق هوية عربية للثقافة والفن”.