من أعمال الفنان التشكيلي نذير نبعة
التجليات
- مع مطالع القرن الجديد، وتحديداً في بداية العام الثالث منه، عرض نذير نبعة عبر معرض فردي في صالة “أتاسي” النتائج الأولى للمرحلة الثالثة من تجربته التي أطلق عليه عنوان “التجليات”، والتي كان قد بدأ العمل عليها منذ نحو عشر سنوات. بدت “التجليات” وكأنها منفصلة تماماً عن كامل الفترة السابقة لتجربة نذير نبعة، كما بدت مغايرة لتوجهه الفني كما تحدث عنه عبر مجلة “العربي” في صيف 1999. حين كتب: “كان التشخيص هاجسي منذ البداية، ولكن منذ البداية أيضاً لم يستهوني تشخيص «الموديل»، وأعتقد أن الفنون القديمة «ما بين النهرين، تدمر، الساحل السوري، الفن الفرعوني، الفن الإسلامي» لم تحفل بفن الصورة، بل بفن التصور، إن أمكن إطلاق هذه التسمية عليها”. إلا أنه بقليل من التأمل يمكن اكتشاف جذور للمرحلة الجديدة في ذكريات كفيه عن ملمس شجر الجوز، وفي رسومه عن شجر «الغَرب»، وفي حديثه عن مفهوم الفن في حضارات أجداده. وهو ما يمكن استشفافه من تعليق النحات والناقد «غازي عانا» رئيس تحرير مجلة “الفنون الجميلة” على معرض “التجليات” في افتتاحية عدد شهر شباط 2003: “عين على اللون، والثانية بقيت مبهورة بتوهج الضوء، في غياب الشكل، أو تماهيه، وعودة ظهوره تدريجياً بعد قليل، وربما أكثر واقعية من قبل!!.. والتأمل في أي مشهد بروية، يجعلنا نتأكد بأن ما قدمه نذير نبعة «الفنان الواقعي»، في معرضه «تجليات» ليس تجريداً، أكثر منه تجسيد واقعي لمشهد تجريدي، أو تخيلي. والذي تغير هنا، برأيي، ليس الأسلوب، بل الموضوع الذي اعتدنا مشاهدته في لوحاته «وهو الإنسان كقيمة جمالية وفلسفية وميثيولوجيه» هو الذي تغير اليوم، إذ لابد للصياغة أن تختلف باختلاف الموضوع، وطبيعته، الذي يتناوله الفنان في كل مرة، وهذا ما جعل المعرض يثير جدلاً واسعاً، إن بالسر أو بالعلن. باختلافه عن ما قدمه سابقاً الفنان نذير نبعة «المعلم» الذي يحق له بعد ثلاثين عاماً، أو أقل، أن يختار الموضوع والأسلوب الذي يرغب في تقديمه من خلاله، ولابد أنه سيكون مختلفاً ومميزاً، ودائماً مثيراً حتى في نصه الذي قدم فيه للمعرض، كان متجلياً ومحلقاً أيضاً”.
يتّخذ سطح اللوحة.. مسرحاً للوجود
ملعباً لسيولة المادة تحت سطح سكين الرسم
أرضاً خصبة للأشكال تنمو وتتوالد،
تحت ضغط الحدّ، وحنان الأصابع،
ورحمة العاطفة،
يولد من نزق الانفعال، وحماقة الغضب
وفعل الغرائز، ورقص الفرح
وشطحات البصيرة.
…….
الأحلام هي جرأة الروح وحريّة البوح.
في الزمن الرديء،
محال أن نعبّر عن البربرية الحديثة
بنفس الريشة التي رسمت جمال عشتروت
امتدت مرحلة “التجليات” حتى آخر عمر نذير نبعة، وبأسلوبها صاغ مجموعة “المدن المحروقة” التي انبعثت فكرتها بعد القصف الإسرائيلي الوحشي لبلدة “قانا” في الجنوب اللبناني، وتجسدت بعد القصف الأميركي، الوحشي أيضاً، لمدينة “بغداد”. يقول نذير نبعة بعد ذلك مفسراً اختياره: “لو رسمت حريق بغداد كمشهد واقعي «أبنية مدمرة ومحترقة» سيكون عاجزاً عن التعبير، والأفضل هنا الصورة الفوتوغرافية فهي أكثر وثائقية، أنا رسمت الحرقة الداخلية التي حصلت عندي وأنا أرى الحريق وأعجز عن إطفائه، تلك المرارة التي أحسستها في فمي وأنا أرى مئات القتلى في الشوارع دون أن أستطيع فعل شيء، أعتقد – لشدة وقع الحدث – أن الواقعي الكلاسيكي كما كنا نعبر من خلاله سابقاً، لم يعد يصور المشهد، ملحمية المشهد تحتاج أدوات تعبيرية أخرى أو أسلوباً آخر أو شكلاً مختلفاً من التعبير..”.