خاص لعرب فوتو
لا يمكن بأي حال من الأحوال لأي فنان ان يُمارس فنه دون تجربة، ولن يستقيم حاله كفنان أياً كان الفن الذي يُمارسه إذا لم يتجه ناحية ذلك الأمر، وحتى ولو كانت التجربة على سبيل المُحكاة، برغم أن التجريب لذات المُحكاة خيبةٌ كبيرة لن يخرج من خلالها إلا نسخ مُتطابقة، وبالطبع هي في آخر المطاف تجربة، ولكنها خرساء بلا صوت، لأن ذلك الأثر الفني أقرب مايكون فيه وجه الشبه كالبكاء نيابة عن الآخرين في عزائهم.
وفي ذات السياق الفني ومن ناحية الفوتوغراف تحديداً، فإن التجربة الفوتوغرافية الفنية هي حتميةٌ للفنان يجدها قبل انتاج العمل الفني وليس خلال انتاجه ويستلهم منها، فهي تراكمات وانفعالات تَمُر في الذاكرة، ويقوم الفنان بعد ذلك بالتعبير عنها بشكل احتجاجي، وليس مفهوم الإحتجاج هُنا هو مقصده الإمتعاض أو التمرد أو الخروج من النسق العام وإنما اعني به احتجاج بالحزن والفرح والفقد وإحتجاج للإنسانية بالإنسانية، وإخراج ذلك كله كنتاج مرحلي يتحدث عنها مثل هَمٍ تعاظم داخل النفس، ويطوعها لتتكون خلالها خصوصيته الذاتية وإشراقته الفريدة وإنفعالاته التي تعنيه وتخصه وهي بصدق التي تجعله الفنان الخلاق، الذي يعكس التيار ويخالف السائد، ويقلب معادلات الشكل، وبذلك هو مُدافع ٌ شرس عن فردانيته، يصيغ الحبكة فيها ويبث في جسدها الحياة ليتشكل الأثر الفني، فإذن الأمر يبدأ بالبحث الدقيق من خلال التشكيل الجمالي و الدخول بشكل خاص لمفرداته، والتي نستطيع بعدها الحكم أنه ذا روح وقلب استفز العقل أو العكس.
ومن المهم هُنا الإشارة لضرورة المزج بين التجارب الفنية القديمة والجديدة، بشرط نية إستبدال الماضي بالحاضر، والحاضر بالماضي بضرب من العفوية الغير مُتكلفة، لأن الأمر ذاته يتكرر، ولكن الأسمى أن يُضرب بالأمس عرض الحائط مع الإعتراف والإمتنان له بذات الوقت لأنه كان حاضراً حينها، بل والسماح له بشكل جيد ليتشكل في صورة أمس مُختلف عن الأمس ذاته، والذهاب لأبعد من ذلك بإستحضار ذلك الأمس في اليوم نفسه بروح اليوم وميزته في التجديد والتمرد عن الأمس، ولا شك أن خصوصيات الموضوعات و إختلاف أشكال التعبير، وتباين مسوغات التفاعل بكثير من الثقة والإطمئنان، والبحث المُضني عن التجديد و رغبة ممارسة الحضور الذي يُصاحبه دهشةٌ لا تنتهي، من غير سابق وعد مُحددٍ سلفاً، خَيرُ مُعين لولادة ذلك الهروب الكبير، الذي ما أن يموت حتى يولد هروب كبير آخر.
وليست التجربة الفنية إلا خلاص وتَخَلُص نابعةٌ من مستوعب عميق وقابلةٌ بذات الوقت للإندماج بآخر، وهي الموجود المفقود، الأسيرة في غيهب الإغتراب، يستطيع المُتمعن فيها أن يراها وهي تتحدث عن عميق سرها، وتسرد تفاصيل الحكاية، وتنثر دلالاتها بمساحاتها الشاسعة بين كل المتناقضات، وكقيمة مُستقلة عن أي أثر نفعي، وتفتح للطرف الأخر نوافذ تفكير تمنحه شمساً وصباحات تسوقه لإعادة النظر بشكل مُستقل تماماً ناحية إدراك المفهوم الإنساني الكبير.
صالح الدغاري