حوار مع الشاعر الألماني فولكر براون في المغرب
ترجمة الأعمال الأدبية تساهم في تجاوز الصور النمطية
الشاعر فولكر براون، ماذا يعني حصولك على جائزة أدبية من بيت الشعر في المغرب؟
فولكر براون: فن الشعر يخترق الحدود ويربط مابين الشعوب بطريقة رائعة جدا..، طبعا هو شيء مفرح حين تعرف أن لك زملاء يقرؤون نصوصك الأدبية ويعملون ربما على ترجمتها، كما أنه شيء مفرح أيضا حينما يعلم الطرف الآخر أننا في ألمانيا نهتم بدورنا بالشعر العربي.
ولعل الشاعر الكبير يوهان فولفغانغ غوته قد قدم نموذجا متميزا في هذا الباب من خلال مؤلفه “الديوان الشرقي للمؤلف الغربي”، وهذا في نظري شكل جميل في العلاقات بين الثقافات.
وكيف هي نظرتك إلى الشعر المغربي؟
فولكر براون: الشعر هو أحد الركائز الأساسية في الأدب العربي، وقد لمست ذلك عندما كنت في اليمن وفي مصر، فهناك شعراء كثيرون إلى حد الإدهاش. وقد أحسست بغبطة وأنا أحضر ندوة في موضوع “الأدب العربي والأدب الألماني” تعرفت خلالها على كثير من الأسماء، كما هو الحال اليوم في المغرب. في الدار البيضاء ومحيطها يوجد شعراء بقيمة كبيرة والشعر يبقى مادة أساسية للثقافات العالمية.
الاحتفال بشاعر ألماني اليوم في المغرب، هل يعني ذلك أن العلاقات الثقافية بين ألمانيا والمغرب في أحسن حالها؟
فولكر براون: أعتقد نعم. وهذا راجع إلى أهمية الشعر في نسج التقارب بين الناس، وهو عمل أساسي للتفكير في السلام. لكن بشرط أن يجد الشعر لغة تصب في جوهر الأشياء وتركز على الاهتمامات والاحتياجات المركزية للشعوب، وهي لغة مختلفة عن لغة السياسة، التي تجنح أحيانا، كما في الوقت الراهن، إلى الحلول العسكرية. الروابط التي تخلقها الثقافة وينسجها الأدب مغايرة تماما وتقف على طرف نقيض للعولمة. إنه مجرى عالمي مختلف لايساير المصالح والاهتمامات السياسية، وإنما يهتم فقط بالوجود الحقيقي للإنسان.
إلى أي حد أثرت أحداث “التحرشات” في كولونيا الألمانية ليلة رأس السنة 2016 في أجواء العلاقات بين البلدين؟
فولكر براون: أنا لن أضخم الموضوع. هذا “التطاول السيء” الصادر عن شباب هو موجود في كل مكان. رغم ذلك فإن أحداث كولونيا تؤشر على مشكل كبير، وهو مدى قدرة ألمانيا، التي استقبلت حوالي مليون لاجئ العام الماضي، على إدماج هؤلاء اللاجئين إدماجا منتجا يتمكنون من خلاله من تعلم اللغة والحصول على تكوين مهني يساعدهم على الانخراط في الحياة العادية. وهذه مهمة كبيرة وصعبة جدا..كذلك يطرح التساؤل هنا حول انعكاسات ذلك في أوساط الفقراء من الألمان، لأن الشعب الألماني ليس كله من الأغنياء. الفقر والغنى مشكلة كبيرة توجد أيضا داخل بلدان تبدو ظاهريا في وضع آمن وفي رغد من الحياة.
النزوح إلى العالم الغربي هو كذلك مليء بالأوهام، ففي ألمانيا يوجد أناس يشعرون بنوع من الخوف ويطرحون السؤال: “ماذا سيكون عليه مصيرنا؟”، وأشياء من هذا القبيل. كذلك يوجد في ألمانيا أشخاص بدون مأوى، وأنا حين أتنقل بين شوارع برلين أرى متسولا أو أكثر، فهذه الظاهرة توجد أيضا في الغرب. ومن المهم جدا، بطبيعة الحال، مواجهة “اللاعدالة” في العالم ومكافحة جذور هذه التخوفات.
كيف هو تقييمك للتبادل الأدبي خصوصا من خلال أعمال الترجمة؟
فولكر براون: إن أجمل ما يمكن للمرء أن يقوم به أو يعيشه بنفسه هو أن يجد له كينونة في لغتين معا، وللأسف الترجمة لاتحوز عناية كافية بالبرغم من أنها مهمة صعبة وتحتاج لبذل مجهودات كبيرة. لذلك، مهم جدا تواجد بيت للشعر كهذا في المغرب، ونحن أيضا نعمل حاليا جاهدين من أجل أن يكون لنا بيتٌ للشعر ببرلين. ويمكنني القول إنه ليس هناك عمل أكثر معنى، من تقريب ثقافة ونقلها إلى ثقافة أخرى.
هل ترى أن الأدب -وخاصة الشعر- مازال قادرا على أن يكون جسرا ثقافيا بين الثقافتين العربية والألمانية؟
فولكر براون: نعم. وما يحصل اليوم هو مثال على ذلك. فعلا، لا يوجد في كل البلدان قراء كثيرون للشعر، لكن هناك لقاءات ومناسبات يتعارف فيها الشعراء فيما بينهم، وهناك مؤسسات تدعم الشعر، مثلما عشناه هنا في المغرب. وهناك جملة قديمة للشاعر لويس أراغون تقول: “ذلك التبادل الهائل بين الشعوب، ذلك الذي نسميه الشعر”، إنه شئ يجب الحفاظ عليه حيا.
كيف يمكن للتبادل الثقافي أن يساهم في تغيير الصور النمطية والأفكار المسبقة؟
فولكر براون: جوهر الأدب لا يهتم بالصور النمطية ولا بالأفكار المسبقة، لكنه ينظر في حقيقة ما يجري، والشعر في كنهه هو نقل للواقع الحسي من دون آراء مسبقة، لكن الأدب أيضا ينقل صورة قاسية وغير منمقة عن الواقع، إنه الطريق الوحيد للسير سويةً معا، حين نعرف في أي تناقضات واحتياجات وآمال تعيش الشعوب.
حاوره: بوعمرو العسراوي
حقوق النشر: دويتشه فيله