شوكت الربيعي فنان تشكيلي يوثق الطفولة ويرسم ببوصلته النقدية ملامح الفن التشكيلي |
العمارة/ فنار نيوز /
استطاع الفنان والناقد التشكيلي شوكت الربيعي أن ينجح بتحديد ملامح الفن التشكيلي العراقي والعربي عبر فتوحاته الفنية والنقدية التي رسمت معالم هذا الفن.
ولعلنا نجد صعوبة في إحصاء انجازات هذا الفنان الشامل الذي نجح في رسم الخارطة التشكيلية للعالم العربي من خلال كتاباته النقدية عبر الكتب التي أصدرها والتي تربو على العشرين كتابا شخصيا ومشتركا ومن خلال المقالات التي نشرها في المجلات والصحف العراقية والعربية ومواقع الانترنت وعلى صعيد واسع وكذلك إسهاماته الجادة والواضحة في إعداد وتقديم عدد من البرامج التلفزيونية والإذاعية وإشرافه على الصفحات الفنية والثقافية في المجلات والصحف العراقية والعربية ومشاركاته الواسعة في الندوات والمؤتمرات التي عقدت داخل وخارج العراق.
وشوكت الربيعي قبل أن يكون ناقدا تشكيليا متميزا فهو رسام مبدع أقام العديد من المعارض التشكيلية التي بدأت عام 1964- مارس- آذار – حيث أقام أول معرض شخصي في قاعة نقابة المعلمين في العمارة ثم انطلق لإقامة معارضه الفنية ضمن المحافظة وخارجها في بغداد والدول العربية والأجنبية والربيعي فنان تشكيلي متعدد المواهب والقدرات الثقافية، وهو عضو نقابة الفنانين العراقيين وجمعية التشكيليين العراقيين والاتحاد العام للتشكيليين العرب، ونقابة الصحفيين و الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وعضو في اتحاد المؤرخين العرب. واللجنة الوطنية العراقية للفنون التشكيلية والرابطة الدولية للفنون التشكيلية / إياب/ aiapورابطة نقاد الفن الوطنية /ايكا– iaa/. وعضو في المركز الثقافي الإيطالي /Sassetti Culture /-ميلانو.
والفنان شوكت الربيعي يرعى أفكاره بطريقة الحلم وهو يرسم، كما يكتب .. لهذا كانت روحه تتملك الألون ومفردات اللغة محولة إياها إلى فسيفساء من كلمات ونوازع التشكيلي وتوهجات الشاعر، بل يحولها من تاريخ خاص إلى موقف إنساني تمر به المجموعة البشرية، حالة من وصف قيمة التأريخ والإنسان المبدع الفاعل في تفاصيل الحياة بمزيد من الترميز والدلالة.إذ هو تاريخ خارج ذاته. لذلك نؤثر أن نلازمه بأفكارنا لأننا نرافق (قيمة فنية) شقت طريقها في الفضاء والعتمة والحياة. بل هي سفر مخضب بأفكار التجربة المتسعة، شكلاً جديداً، ومضموناً حياً، ورؤية مستقبلية.
ان شوكت الربيعي نشأ وسط القصب الكثيف للاهوار وبين طين القرى الجنوبية وفضاءاتها الملونة التي تتعانق فيها مويجات الاهوار وسحنات وجوه الفلاحين التي احرقتها شمس القرى وطرزتها ملامح الشوق الجنوبي المغزول بضفائر القرويات وهن يحملن سلال الآس وهموم الكادحين من الفلاحين والصيادين وهم يصارعون الزمن من اجل توفير الطمأنينة… بينما استمد من خبز القرى رغيف ولعه المتوهج بالألوان ليترجم هموم المدينة وأمنيات صباياها المتطلعة للشمس.
ان شوكت الربيعي شخصية متنوعة الجوانب في الأضداد والمتشابهات فقد تبلورت مفاهيم متطابقة، لدى الكثير من الفنانين والشعراء والأدباء في العراق، مفادها، أن تجربة (الربيعي)في الرسم وفي الكتابة تمتلك عنصراً أساسياً رصيناً قادراً على إثارة اهتمام الجميع، لأنه يمتلك وحدة معقدة ومتداخلة ومتشابكة، تفرض على المتابع المتأمل، النظر في مفرداتها الإبداعية، لكي تشركه في البحث عن قيمة كامنة في الأثر الفني، ذات ثراء وتنوع ما كان أن تتبلور وتتميز، لولا أن الفنان قادر بموهبته وأصالته أن يؤلف بين (ثيماته) وعناصره التكوينية في كلٍّ متكامل نهض وشمخ بقوة الخيال الخلاقة التي يتمتع بها.. تجربته في الرسم والنقد الفني والكتابة عامة تقع ضمن هذه الوحدة.
قول الفنان والناقد التشكيلي شوكت الربيعي المولود في1940 في محلة /الجديدة/ مدينة العمارة :” تخرجت عام1963 في معهد الفنون الجميلة-بغداد-دبلوم رسم ونحت وأسست عام 1964 جماعة (الجنوب) مع نخبة من فناني مدينة العمارة، كما أقمت عدة معارض تشكيلية للفن العراقي المعاصر أقيمت في العمارة وبغداد والأردن وصنعاء وأبو ظبي وبيروت ودمشق وعمان والخرطوم وأقطار الخليج العربي والمغرب العربي واليابان وألمانيا وهولندا وأقطار أوروبا الشرقية كافة وفرنسا وإسبانيا واليونان وتركيا وجاكارتا وبعض الولايات الأمريكية وروما وموسكو والصين واندنوسيا والفلبين والهند والباكستان، وألقيت محاضرات عن الفن العراقي والعربي فيها.
ويضيف الربيعي:” أشرفت على برامج إذاعية وتلفزيونية تخص الفنون التشكيلية العربية، وأشرفت على صفحات فنية وثقافية في الصحف والمجلات العراقية منذ عام 1959.
وعملت سكرتير تحرير في مجلة الرواق المتخصصة في الفن التشكيلي وسكرتير تحرير جريدة (الفنان اليوم) التي صدرت عام 1976 للرابطة الدولية للفنون التشكيلية /إياب/، ومستشاراً في مجلة آفاق عربية، ومديراً للثقافة الفنية في دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة العراقية. واصدرت /نشرة الفنون التشكيلية المصورة/ وسلسلة كتب فنية عن رواد الفن التشكيلي في العراق منذ عام (1982). وأشرفت على الملف التشكيلي الملون، إعدادا وتحريرا وأعددت عام 1969-1985 برامج تلفزيونية في البصرة وبغداد أهمها: برنامج أدب وفن (القيثارة) آفاق فكرية. وبرامج سياسية فنية أخرى قدمت في تلفزيون البصرة. واهم البرامج التي أعددتها وقدمتها في تلفزيون بغداد برنامج (فنون تشكيلية).اما على صعيد الإصدارات فقد أصدرت عام 1967-كتاب الشاعر عبد الأمير الموسوي-بالاشتراك مع القاص الرائد المرحوم خليل رشيد. مطبعة الغري – النجف وكتاب مقدمة في تاريخ الفن العراقي- وزارة الثقافة في العراق-مطبعة دار الحرية1970، وكتاب الفن التشكيلي المعاصر في العراق- وزارة الثقافة-مطبعة ثنيان عام 1972-1976-لوحات وأفكار . وزارة الثقافة-مطبعة دار الحرية-بغداد والفن التشكيلي في الفكر العربي الثوري- وزارة الثقافة -مطبعة دار الحرية-بغداد عام 1979و الفن التشكيلي في الخليج العربي-وزارة الثقافة -مطبعة دار الحرية-بغداد 1981،وفائق حسن–دراسة في حياته وفنه-وزارة الثقافة-مطبعة الدار العربية (رمزي) بغداد1982ونزار سليم- دراسة في حياته وفنه- مطبعة الدار العربية (رمزي)-بغداد1983
والنحات يحيى جواد-دراسة في حياته وفنه-وزارة الثقافة -مطبعة دار الحرية-بغداد1983 و الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي ط1- مطبعة آفاق عربية- بغداد19861987-الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي-الهيئة المصرية العامة للكتاب (سلسلة الألف كتاب الثاني). ط2- بدون موافقة المؤلف وأحزان القصب-سيرة ذاتية- دار الشؤون الثقافية- مطبعة آفاق عربية-بغداد1987 ورسامون كتاب- من سلسلة كتب الموسوعة الصغيرة، مطبعة دار الحرية للطباعة والنشر – بغداد1988والنحات محمد غني – حياته وفنه- مطبعة الأديب-بغداد1994م و طائر الشوف الأصفر – المجمع الثقافي – أبو ظبي2000م والفن التشكيلي المعا صرفي الوطن العربي ط3–دار نشر هلا- مصر. بدون موافقة المؤلف2002م وكتاب الفن التشكيلي المعاصر- ط4مركز الشارقة للإبداع الفكري، مكتبة الفنون التشكيلية-/21/2003م وكتاب الفن التشكيلي المعاصر في عمان. مؤسسة الرؤيا- مسقط2006 م و مقالات في الثقافة المعاصرة في عمان. /مخطوط/2006م و الفن التشكيلي المعاصر في الخليج العربي. (مخطوط) 2006م وكتاب روح البنفسج-ذاكرة الفن والذات- بعد أحزان القصب وطائر الشوف الأصفر. (مخطوط)2006م
هل تعطينا نبذة تاريخية عن الحركة التشكيلية في القطر العراقي؟
– باختصار شديد جدا نتحدث عن المتراكمات التاريخية للفن العراقي منذ منتصف الألف الرابع قبل الميلاد ولغاية الأربعينيات من القرن العشرين حيث ظهرت عبر السير والتشكيلات ، حضارات سادت وبادت،ولكنها خلدت في شهوديتها الحضارية والإنسانية وكانت تحمل مميزات خاصة –كالفنون- /السومرية/ كان لها مواصفات متميزة في حين ظهر في فترة ماندعوه اليوم ( بالدور البابلي الأول) سمات مرتكزة على الفن السومري، لكنها اتخذت طابعاً خاصاً، وجاءت سمات الفن الآشوري ذات نكهة واضحة انفردت عن ملامح الفنون السابقة مع أنها اعتمدت عليها، وحينما جاءت الحضارة العربية كانت وليد تزاوج الفنون القديمة كالبيزنطية والفارسية والهيلينستلية. وعندما حل العهد العربي الإسلامي توضحت سمات متميزة للفن العربي الإسلامي وخاصة في القرن الثاني عشر والثالث عشر، وأشهر أعمال هذه المدرسة في أعمال /يحيى محمود الواسطي/ الذي اهتم يرسم صور لمقامات الحريري وكان يصورا لأقاصيص والأحاديث السيسيولوجية بنكهة ذات سمات عربية سواء باللون أو الخط، وكان يزوق أغلفة الكتب بألوان شرقية ساحرة. وقد مرت فترة نكوص مظلمة في تاريخ العرب وذلك في عهد آخر الخلفاء الضعفاء /العباسيين/ وإلى حد سيطرة المغول ومحاولة تتريك العرب لطمس معالمهم. وجاء الاضطهاد العثماني ثم سيطرة الاستعمار البريطاني والفرنسي وانعقاد مؤتمر بال عام 1879 والبدء في تكوين دولة ما يسمى بإسرائيل في فلسطين. كل هذه الظروف مجتمعة أبعدت الستار الحضاري عن العرب وجعلتهم في معزل عن بعث القيم الحضارية، إلا أنه في مطلع العشرينات حدثت ثورات شعبية في مصر وسورية والعراق استطاعت أن تلهب المشاعر القومية وترفض التجزئة القطرية وتطالب بتوحيد الأمة العربية، وهناك نقطة مهمة وهي الرصد المكثف للواقع الذي ينبغي أن يرصد في تلك الفترة وهو فقدان الفكر القيادي للأمة العربية. كانت هناك نزعات وآمال في صفوف الشباب لإيجاد فكر واضح يقود الجماهير ويحقق موقفها الواحد. بالنسبة للعراق بعد ثورة 1920 (ثورة الفلاحين) نزعة قومية نقية يقودها الشعراء ورجال الدين الأتقياء وبعض التشكيليين استمرت لغاية دخول العراق عصبة الأمم عام 1931، بعد ذلك وفي عام 1938 أرسل أول وفد للفن في العراق لدراسة الفن في أوروبا وصدر كتاب مبادئ فن الرسم وأقيم أول معرض تجاري وفني في بغداد ثم تشكلت أول جمعية فنية عام 1941 تسمى (جمعية أصدقاء الفن) وكانت مجموعة من النخبة الشباب تؤمن ببعث الوعي القومي على ضوء ردود الفعل لتشكيل الأحزاب الوطنية في العراق عام 1934 ولغاية تشكيل أول نواة لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1948 ومحاولة تجميع طلائع المثقفين من العمال والفلاحين والعسكريين الثوريين والطلبة والفنانين.
عبر هذا التكثيف في المسيرة التاريخية كان يحدث في مصر وسورية ولبنان وعلى كل بقعة عربية صراعات محتدمة غايتها توحيد المشاعر القومية من أجل مجتمع عربي موحد والهدف الأول هو تحرير سياسي واقتصادي عبر شتى وسائل أشكال التعبير الفني. وتشكلت عام 1939 جماعات فنية كانت ضد التخلف والقهر والعبودية. وفي الخمسينات ظهر الصراع الاجتماعي في أوجه بحيث بات دور الفنان في المجتمع أساسياً، وكان لزاماً عليه أن يكون مخلصاً إزاء موقفه الواضح في أن يتصعد المضمون مع الشكل لتحقيق الموقف الاجتماعي للفن والذي ينبغي أن لا ينفصل عن سائر مسببات الوضع الاقتصادي جدلياً. وبعد عام 1968 تشكلت أول مديرية عامة للفنون التشكيلية وسن أول قانون لنقابة الفنانين (بحيث بات من المؤكد أن يسمى عصر الازدهار) إضافة إلى وجود جمعية التشكيليين العراقيين 1956 والتي احتضنت ودفعت مادياً ومعنوياً وجماعة الرواد عام 1950 وجماعة بغداد للفن الحديث عام 1951 وجماعة الانطباعيين عام 1954..إلخ.
ماهي السمات القومية المحركة للتشكيلية المعاصرة؟
– حاول بعض الفنانين العراقيين إيجاد خلاصة واضحة عن إمكانية الربط بين التراث القومي والمعاصرة وطرحت جماعة بغداد للفن الحديث التي كان يرأسها الفنان المرحوم جواد سليم إمكانية إيجاد الجو التراثي المرتبط بالواقع من وجهة نظر عصرية وهي محاولة تبريرية لإيجاد الروح العربية لما هو موجود أساساً في التاريخ العربي وخاصة مدرسة الواسطي التي تسمى بالمدرسة البغدادية لفن التصوير وبين طبيعة العصر التكنولوجية وكان يدعو على الدوام لإيجاد خلاصات مكثفة من خلفيات لها ارتباطاً وثيقاً بالتراث الحضاري للأمة العربية التي تنزع إلى الفهم العصري للعالم متشكلة مع أحداثه وتطلعاته فانهيار بنك في أمريكا أو تدمير مرصد في طوكيو أو انتصار فيتنامي أو تحرير جزء في موزنبيق أو أرتيريا هو بالنتيجة بمثابة انتصار للإنسان العربي من أجل تحرير كامل أرضه وهذا المبدأ اعتمده أغلب المثقفين في العراق بروح أكثر إنسانية وكثر وعياً لمشكلات العصر ومهماته ومفاهيمه ومن حق الإنسان العربي أن يكون إنسان حضارة القرون الآتية لأنه يملك رصيداً تاريخياً عظيماً يطاول فيه ضمن معارج الفن خيوط المستقبل.و الفنانون في العراق يؤمنون بأن يكون الشكل الفني لديهم والتحقيق التقني في المستوى المتقدم موازياً للمضمون الملتزم بقضايا الأمة العربية .
ونحن عندما نستعرض الواقع التاريخي التشكيلي للرواد، نلاحظ بأن معظمهم قد بدأ بتشكيل هويته بالاعتماد على مدرسة أوروبية معينة واستمر طوال حياته كذلك (من بدأ انطباعياً انتهى انطباعياً ومن بدأ كلاسيكياً انتهى كذلك) وافتقد عملية البحث والتجديد وأصبح ظاهرة خاصة وقفت عند حدود التجربة شكلاً وأحياناً موضوعاً ما رأيك في ذلك؟
– منذ جيل الرواد وهو جيل عبد القادر رسام وسليم باشا (والد جواد سليم) وشوكت الخفاف والقيمقجي ومع أنهم اعتمدوا على مدرسة استانبول والانطباعية إلا أنهم عكسوا البيئة العراقية بتحقيق كلاسيكي من الدرجة الثالثة ويحتمل أن ندعوهم بالتسجيليين إلا البعض منهم والذين صوروا مواكب الثوار لثورة 1920.
إنها في الحقيقة فترة حرجة ضمن بوابات الحرب المظلمة والتي دخل فيها الجيش الإنكليزي العراق بحجة التحرير لا الاستعمار، وما كان هذا الجيل واقعيا أو ميالا للرسم الطبيعة بذاتها في التقنية الفنية، وليس نمطياً في تحديد الأسلوب، إلا أن تجربته كانت مع هذا تمس الوعي الاجتماعي بدرجة أقل مما حدث في الشعر والمسرح. وحينما سافر الرسامون والنحاتون العراقيون إلى باريس وروما ولندن وموسكو والصين وأمريكا، عادوا وهم يعكسون ما أخذوا عن منابع دراستهم من اتجاهات أسلوبية في الفن ولكن البعض منهم اعتمدً على ثقافته الخاصة وإدراكه وحسه حاول أن يزيح عن أنيته خرقة ما أخذه من المفاهيم الأوروبية كالمرحوم جواد سليم وعطا صبري وفائق حسن الذي يعتبر خالق اللون في العراق ومؤسس أول فرع للرسم في معهد الفنون الجميلة عام 1941 ، في حين يعتبر جواد سليم أول مؤسس لفرع النحت في المعهد المذكور، القضية هنا هي وجود الموقف الفني، وإن غياب أي موقف ضمن أي عمل فني يعتبر بمثابة فقدان للهوية وهكذا بدأت المشكلة في أن يكون هناك فن متميز في العراق أو لا يكون ومن هنا بدأت أيضاً قضية التراث والمعاصرة وبدأت القضايا الوطنية والقومية تطرح نفسها بشكل ملح ضمن الرؤية السياسية للواقع العربي آنذاك، ولكن طرح السؤال يبدو مرهقاً لو استثنينا بعض المحاولات التي كانت تعنى حقيقة بالموقف الواضح المتشكل مع أحداث الأمة العربية وقضايا الإنسان بشكل عام، والرواد كما ذكرت حقيقة قد اعتمدوا الشكل الأوربي في المعالجة الجمالية ولكنهم حاولوا أن يخرجوا بموضوع عراقي أو عربي لم يعتمد مقوماته القومية والوطنية حتى وإن ظهرت بعض المواضيع التي تمثل الظروف النسبي للوضع الاجتماعي كما حدث بالنسبة للفنان فائق حسن في لوحاته /الإعراب/ التي تمثل تكنيكا اًومضموناً فهمه الخاص للواقع الاجتماعي ولبعض المنطلقات ذات المناخ الذي يعكس المواقف الوطنية كموقف محمود صبري وموقف الدكتور خالد الجادر وموقف نزار الهنداوي وعزام البراز في السبعينات وبواكير السبعينات، وظهرت في الفترة الأخيرة دعوة إلى تبني مفهوم قومي يعني بإيجاد ثقافة عربية ثورية وفن ملتزم.
– برأيك أين تكمن قيمة جواد سليم كرائد مبدع من رواد التشكيل العراقي؟
– تكمن قيمة جواد سليم في أنه استطاع أن يطرح مشروع استنهاض جوهريات التاريخ العربي الخامدة ويربطها من وجهة نظر عصرية بالواقع المعاش وهو الذي حاول أن يجمع بين كلا العالمين الشرقي والغربي ضمن نفاذ رؤيته الخاصة واعتماده الواسطي أساساً في هذا المنهج وهذه إشارة تكفي لتوضيح رؤية هذا الإنسان صاحب تمثال تصب الحرية الشهير وتمثال السجين السياسي المجهول الذي فاز عام 1953 بالجائزة الأولى ضمن فناني الوطن العربي وبالجائزة السادسة ضمن فناني العالم الذين يقدرون بـ(3500) فنان –لندن- وكان ضمن المحكمين هنري مور الذي قال عنه أنه لولا عدم وجود الشرح عن هذا التمثال لفاز بالجائزة الأولى.
– هل هناك حركة نقدية تشكيلية؟ وما رأيك فيما يكتبه الفنانون من نقد؟
– منذ عصر النهضة ظهرت الصراعات ضمن هذا المفهوم على أشدها بين من يكتب النقد الفني وهو فنان وبين من يكتبه وهو غير فنان، إذ هناك فارق بين كتابة الفنان الناقد الذي يعالج الموضوع من وجهة نظر تكنيكية إضافة إلى النظرة الجمالية العامة في حين يعتمد النقاد غير المتخصصين في نقد الجمال المعاصر على الهوامش النفسية والصدمات اللحظوية للأعمال الفنية وقد صدر كتاب عام 1551 للكاتب /لودفودولس/ يعالج هذه المشكلة، مشكلة من يكتب النقد؟ هل هو الأديب المثقف الذي يعنى بالفن أم الفنان الناقد؟ وظهرت وجهة نظر الكاتب وكأنها جواباً لمشكلات هذا العصر، الناقد الفني ينبغي أن يعنى بالعلوم الإنسانية كافة وبمجمل التطورات الحضارية التي لا تنفصل أبداً عن الركائز التي تعنى بالعامل الثقافي من وجهة نظر النقد الظاهراتي بالتخصيص.
– ما هي مهمة النقد برأيك؟ وهل هناك منهج معين تعتمده في عملية التقييم الفني؟
– مهمة الناقد تنحصر في توضيح المواقف حيث يشترط أن يكون الناقد مثقفاً واعياً للتشكلات والتتابعات الحضارية لكي يكون شاهداً على ولادة القدرات الإبداعية في الفن فأي عمل فني مسبوق بشروط نقدية ولكن أي نقد مشروط بقيم موضوعية أيضاً ومن هذا المنطلق آمنت بالنقد الظاهراتي، وبسبب من غياب الكوادر التي تعنى بتمييز هذه القضايا وجدت نفسي منقاداً إلى دراسة التتابعات والتشكيلات الزمنية والحضارية لتاريخ الفن لكي أهيئ نفسي للخوض في تجربة النقد الفني، ولكني لا أكون فاتراً في إبداء الرأي. وضمن ذلك الفهم ينبغي على أن أحدد نفسي في كل تجربة وفي كل فترة إذ أن كل كلمة تقال انظر إليها وكان مصير العالم متوقف عليها. ولإسهام الصحافة في النقد الفني المجاني ولكون الآراء التي تطرح تساهم في تعقيد العلاقة بين العمل الفني والمشاهد أي بين الفنان والجمهور بات لزاماً أن يكون النقد الفني مادة أساسية في أكاديميات الفنون في كل قطر عربي بحيث يتوازى مع أي مادة علمية أخرى وليس هذا غريباً حيث كانت أول أكاديمية علمية في الفن في عصر النهضة والتي أسسها فازاري في إيطاليا قد اهتمت بهذا الاتجاه وينبغي علينا لكي نكون في مستوى المسؤولية أن نحقق هذا المطلب المشروع. /انتهى