كتاب الفنان شوكت الربيعي: “الفن التشكيلي العربي في قرن”
كتاب “الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي من 1885 إلى 1985” للفنان والكاتب العراقي شوكت الربيعي يعد أحد الكتب القليلة التي أرخت لتأريخ الفن التشكيلي العربي،
والكتاب كما يشير عنوانه قد غطى فترة قرن من الزمان، وقد امضى كاتبه حسبما أشار في مقدمته للكتاب خمسة عشر عاما لتجميع مادته و تتبع احوال الفن التشكيلي، والعاملين في ميدانه في الوطن العربي، وقد تضمن الكتاب في أقسامه الستة بداية ونشوء هذا الفن في جميع الأقطار العربية، واسماء رواده ومن شكلوا أهمية في تطويره، والأضافة إلى أساليبه الفنية، وقد أضاف إليه مؤلف الكتاب قسما سابعا ضمنه ” بيوغرافيا للفنانين التشكيليين في الوطن العربي”، وأهمية الكتاب تكمن في ميزتين الأولى: أن مؤلفه حين وضع خطوطه الأولى قد عني بوضع رؤيا شاملة كهدف رئيسي لعمله، فهو لم يؤسس لأقسام الكتاب لمجرد تغطية تأريخ الفن التشكيلي في أقطار الوطن العربي، بل لوضع رؤيا شاملة حول هذا الفن، والثانيه أن كاتب الكتاب فنان تشكيلي عراقي معروف في الوسط الفني العراقي والعربي، وله علاقات واسعة بالمحيط الفني العربي، وقد كتب كتابه من خلال دراسات ميدانية، ونظرية لأحوال الفن، وذلك لتطوير أدواته الفنية كفنان محترف، و معروف وقصد بناء خلفية ثقافية وفكرية وصورية خاصة به، تؤهله للسباحة في بحر الفن التشكيلي العربي الواسع بتياراته المختلفة وأصواته المختلفة ورؤاه المتعددة.
يقول الربيعي في مقدمته لكتابه: ” لأول مرة في تأريخ الفن المعاصر لأمتنا العربية يسعى هذا الكتاب إلى جمع جهود الفاعلين من الفنانين التشكيليين روادا وشبابا محترفين، وهواة جرى اللقاء مباشرة مع الاحياء منهم، وتقصى وبحث وتابع تجارب الرواد الذين غادروا الحياة تاركين بصماتهم على وجه الحركة المعاصرة، ومؤثرين في عمق التجربة الراهنة للفن التشكيلي ” ويتناول المؤلف في قسمه الاول ” مكونات الوحدة في الفن الاسلامي” فيقول: ” لقد سيطرت روح الاسلام على ما أنتجه الفكر وإبدعته اليد الماهرة يد الفنان، التي خدمت طبيعة المجتمع واستجابت لعنصري الزمان والمكان في الفكر الاسلامي، وفيما إبدع هذا الفكر من فنون العمارة، ووضع الحلول العلمية لمشكلة الفراغ أو الفضاء في التصور الفني، واخضاع الأشكال المعمارية الى الأبعاد المستوحاة من روح الإسلام، وفلسفته وفهمه لمعنى التجاوز الأرضي نحو المطلق، فجعل للفضاء أهمية بنائية باعتباره عنصرا من عناصر العمارة يحمل رمزها في التعبير من خلال الأختلاف أو التطابق، الفراغ والأمتلاء، رموز الحياة والموت والبعث”.
ومن نافلة القول أن الرؤيا الواضحة التي نسج المؤلف أقسام كتابه وفقها، جعلته يقف أولا ليتأمل تجربة الفن التشكيلي في ” مصر والسودان والمغرب العربي” على أساس الوحدة البنيوية، والتأريخية لهذا الفن في هذه البلدان، التي تنهل من عمق تأريخي خاص بها أضافة إلى ما تأثر به فنانوها بما جاء به الإسلام من تصورات عن الحياة والموت، وأشكال الفن المقبولة، وتلك التي يضع حولها تحذيراته، بما فيها المكروهات في الفن لدى المسلمين والتي تذكرهم بحقبة ما قبل الاسلام من عبادة للأصنام، والشرك بالله تعالى، وكذلك أشتراكها في الموروثات الأفريقية أو ما يسمى ” بالتأثير الزنجي” وقد أشار المؤلف إلى اسماء مؤثرة في الفن التشكيلي في هذه البلدان، فقال عن فناني مصر: ” وفي الوقت الذي راح فيه ” محمود مختار ” يبحث في صياغة اسلوبية بين معطى التراث المصري القديم، وبين حداثة وطبيعة مصر الراهنة كان الفنان ” يوسف كامل ” مهتما برسم واقع الفلاحين وحياة القرويين في ” الصعيد” وكان يصور الطبيعة حساسة منفعلة بالواقع تحمل قمة جمالية في البناء والتكوين وفي ثراء اللون وارتباطه بالبيئة، خاصة مصر القديمة وضواحي القاهرة المنفتحة، معتمدا في المعالجة على الوعي البدائي، الذي تغلفه نظرة الحداثة خلال ملامس سطوح اللوحة اللونية ومساحتها “.
وقد تناول الكاتب اعمال الفنانين عبد القادر رزق، منصور فرج ، رمسيس يونان، صلاح طاهر، بشارة فرج، احمد عبد الفاتح، حبيب جورجي، سعيد الصدر، حامد ندا، الجزار، انجي فلاطون، حسن سليمان وغيرهم، ومن السودان: احمد محمد شبرين، واحمد شرقاوي من المغرب، ونجا المهداوي في تونس، وعلي ارميص، والمهدي الشريف من ليبيا ومحمد خدة في الجزائر، ومن الشام والعراق تناول محمود حماد في سوريا ووجيه نحلة في لبنان وجميل حمودي في العراق، وتناول المؤلف في القسم الرابع من كتابه الفن التشكيلي في ” اقطار الخليج العربي والجزيرة العربية” فتناول فنانين كويتيين من امثال: خليفة القطان، أحمد الأنصاري، خالد القعود ومحمود الرضوان وغيرهم، وتحدث عن الفن التشكيلي في البحرين، فقال: ” لقد عني الفنان البحريني التشكيلي بنقل الطبيعة، ومشاهد الحياة اليومية في الأزقة، والأسواق الشعبية وابرز تلك اللوحات لوحات ” عباس عدنان الموسوي” و” علي يوسف قاسم” وعلي حسن علي في لوحته ” مسجد في الزنخ” وخليل علوم وأحمد ترابي في لوحته ” غفوة” وحيدر حسن السيد في لوحته ” بائعة اللبن” ويوسف عبد الله احمد في لوحاته عن الخليج العربي، ومشاهد الصيد في الغروب” وتحدث المؤلف عن تجربة فنية بحرينية غنية مثلها الفنان البحريني ” راشد العريفي” فقال عنها : ” وفي مجال التحدث عن أثر ” حضارة دلمون ” في فناني البحرين التي تظهر جلية أعمال ” راشد العريفي” كواحد من الذين استمدوا عناصر وحداته التشكيلية منها حيث تم التفاعل، والتمثيل بين وحدات منفرزة في آثار دلمون، وبين معالجة ذات بناء مفتوح، ترفدها عناصر رمزية بثراء التأريخ ” .
لقد أضاف هذا الكتاب كما اسلفنا غير التسجيل البيوغرافي لأسماء ونشاطات الفنانين العرب عبر قرن كامل، فإنه أيضا عبر عن رؤاهم حول شكل الفن التشكيلي، وعلاقة فنونهم بالحياة الواقعية، التي تعيشها الشعوب العربية، وتأثير تأريخها القديم، وما مر على بلدانها من تأثيرات دينية وفكرية منطلقة من الجزيرة العربية، وما توارثه الأبناء عن الأجداد، وما تلقوه عبر دراساتهم الحديثة في أوربا لهذا الفن، الذي صار في يومنا الحاضر مرآة لتطور حياة الناس، ورؤية حضارية لما تعيشه مجتمعاتنا من تحولات، وما يدور فيها من أحداث تعزز مكانة الرؤية الجمالية، وأهميتها في حياة الناس، وبناء اذواقهم وثقافاتهم البصرية.
- كاتب وناقد عراقي يقيم في المغرب
………………………