سرمدية البوح عند فضيلة معيرش قراءة في قصة التصدع
، فضاء القصة التي تتحرك ضمنه الكاتبة صامت يوحي بالرهبة فعندما نقرا النص نحسه فارغ من تصانيف الوصف المكاني و الزماني، ممتلئ بالغصة يجابه الصمت من خلال الراوي العالم بكل شي هذه التقنية التي جعلت منها القاصة مرتكزا سرديا يفتح أمام المتلقي أبواب السؤال والبحث عن حقيقة الصرخة ،ويجعل المعنى يتموقع في ظل الكشف عن قصدية الكاتبة التي تمركزت في العنوان ،هذا الاخير الذي فرض ذاته ككينونة قبل أن يفرض ذاته ككلمة أو كملفوظ ، فالتصدع من الناحية اللغوية يحمل معاني الكسر والتشقق والفرقة ويحمل أيضا في طياته مشاعر التوتر واللااستقرار .
فعنوان القصة كعتبة فارقة يحيلنا الى معان عديدة ترتسم عبر مخيلة المتلقي حشرجة وجودية ، وبهذا فهو يفتح مجال التأويل ويشق إزار الصمت عن هواجس مخفية ليدفع بالمتلقي للمغامرة في أنحاء المتن ، ولعل القارئ منذ الوهلة الأولى يشد انتباهه بساطة السرد وعمق الرؤية ، التي جعلتها القاصة تنبني من خلال الجملة الاستفتاحية أو الاستهلالية التي بدأت بها ” ترملتْ ابتسامتها بين شفتَيها ، وهي تتأملُ تذمره الذّي طال عن حدهِ ، الحادثة التّي وقعتْ لها لم تكنْ هينة ، لو مرّت على جبل لتصدعَ على حدّ قولِ أمّها. “،بداية القصة لغز غامض صدم المتلقي حيث أنها بدأت من النهاية من لحظة التأزم ، وهنا يبرز ذكاء القاصة وتميزها لأنها صاغت المشهد بدرامية صارخة أسست له من خلال فعل التناقض : : ترملت …تذمره وتقصد به الفحل هو …الحادثة …قول امها …هذه الصيغة السردية التي جمعت اجزاء القصة المترامية الاحداث لخصت الموقف ودفعت المتلقي الى خوض غمار الفهم وذلك باعادة ترتيب كلمات اللغز ، ويتضح ان القاصة اختارت كلماتها بعناية حتى تجعل من مشهدها مشهدا مؤثرا ،فكانت كلمة الترمل لما تحمله من مدلولات اجتماعية خاصة من اهم الكلمات التي قامت بتبئير المعنى وتعميقه، وقراءة هذه الكلمة ضمن سياقها يحيل المتلقي الى صورة اجتماعية مترسخة في مجتمع لا يعترف بحق المراة المطلقة التي تتحول الى قطعة لحم تنهشها الذئاب البشرية ، والتناقض الذي تحدثنا عنه في الجملة لاستهلالية يتمثل في : انها اسندت الترمل للشخصية على الرغم من وجودها مع زوجها هذه الحالة النفسية من التشرذم صدحت لترسم واقعا تعيشه المراة المهمشة في ظل مجتمع لا يعترف الا بسلطة الذكر ،وقول امها جاءا داعما لحالة الفوضى والضياع التي تعيشها تلك المرأة.
غياب الأسماء في الجملة الاستهلالية دعم الرؤية الكلية أو الشمولية التي تستغرق جميع أنحاء الوطن العربي والإسلامي وتعري طابوهاته المكبوتة الغير معلنة ،وتسترسل القاصة في السرد لتضع متلقيها في جو مفعم بالتوتر خصوصا وهي تسلط الضوء على الحالة النفسية للشخصيتين “الزوج والزوجة”، وموقف المجتمع من الحادثة التي وقعت لهما ، “نزفُ المكابرة الذّي يجتاحها لا يحدوه حدّ ، وهي تملأُ فنجانَ وجعها منه أكثر منهم ، اعتقدت أنّها برغمِ مَا حصلَ سيقاسمها رغيف المودة لبقيةِ العمرِ.استفاضَ به شروده حتّى
اهتمامه بأطفالهِ تناقصَ ، ما حدثَ معها تصدعت له أركان فؤاده.واهتز له حيهم ، وأضحى حديث الأحياء المجاورة …حتّى مواساة الزميلات لها بالعمـــــــــــلِ غدا مصدر إزعاج وشفقة هكذا أحست وهي الموظفة المثالية “، لتذكر بعدها اسم الزوج “إبراهيم” وموقفه ولعل دلالة الاسم تساهم في رسم صورة متكاملة عن بقية التفاصيل الدرامية وتضع على المحك قداسة العلاقة الزوجية فتتحول التضحية من إيمانية مقدسة إلى تضحية أنانية ،وتظل القصة تسير وفق خط سردي مستقيم إلى أن تفصح القاصة على لسان الزوجة المأساة التي تعرضت لها ،من خلال الوصف للوحوش الإنسانية المقترنة أولا بوصف حالة الزوج وبهذا تنقل الحادثة عن طريق الإحالة فيقع القارئ في شرك البحث عن تفاصيل اكتر حتى يشفي غليل فهمه وفي هذا تقول :” فكرَ إبراهيم بالخسائرَ التّي اجتاحت مشاعره ، من طرفِ الذّين لا مبادئ لهم ….حين وصفتهم سعدية قالت : كانوا ثلاثة وجوههم ملثمة وعيونهم تقدح شرا ، أجسامهم ممتلِئة .ورابعهم انعدام إنسانيتهم ، كانوا يعرفون أنّه يوجُد بالبيتِ المال و الذهب …وهي … ؟ تزاحمتِ الصورُ و الدموع بعينيها وهي تسردُ لوكيلِ الجمهوريةِ خفايا ما حدثَ معها ، ابراهيم واجم يستمعُ ، مع مرورِ الأيامِ أصبحَ صمته يضجُ بالآهاتِ الغارقة تارةِ بالتعفف و تارة بالاشمئزازِ، ما استساغ قذارة ما حدث لها، وكأنّها صندوق قديم استعملَ للأغراض منتهية الصلاحية تصرفاته اوحت لها بذلك…”.
وبهذا تحولت مشاعر الرأفة ورفض ما تعرضت له زوجته من قبل الوحوش إلى مشاعر متناقضة جعلت منه يتصرف معها على أساس أنها مرتكبة الجريمة أو الفعلة الشنعاء ،فحدث الشرخ بينهما وكبر الصدع ولم يتدارك إبراهيم إحساسه بالضياع فجعل من سعدية الضحية
مجرمة ،وتعدت هذه المشاعر لتشمل حتى أبناءه ،هذا الموقف الفصامي غذاه مجتمع منافق من خلال مواساته الكاذبة وتناقله للخبر ،خصوصا ابنة عمها جهينة التي كانت تراود ابراهيم عن نفسه بالتخفيف عنه لدرجة انها تحولت الى مشهد اساسي في روتينه اليومي،”سرها المننثور بين أفواه النسوة و الجيران ذكتْ جذوته ابنة عمّها وسكرتيرة زوجها في العمل
جهينة .هذا الذي أصبح يجد العزاء في ثرثرتها العابرة وكأنّ أوجاعه امتزجت بحضورها”
وعندما قررت سعدية ترميم الصدع الحاصل بينهما والخروج عن صمتها ” على فتيل قنديل ضعيف الأمل قررت سعدية ذات ليلة استرجاعه من شروده.قالت : إنّ ما حصل معها نخر كوابيس بذاكرتها المنهكة …سينالون الجزاء وصمتت”، حدث ما لم يكن في الحسبان وتحولت الى قربان رمى به ابراهيم ليسكت افواه المجتمع المنافق وليتخلص من عاره ، فكانت التضحية الانانية التي دفعتها سعدية لخطئ لم ترتكبه “بصوت غائر في الشحوب أجابها : أترك لك الأولاد و البيت القديم وتصلك النفقة في وقتها…؟ بعد أسابيع كانت أخبار ارتباطه بابنة عمّها جهينة وتجهيزه للبيت الذي شيدته سعدية براتبها معه ملء الأسماع “.
وانتهت القصة بنهاية مأساوية كانت فيها المراة الجلاد والضحية،ومما يلاحظ ان القاصة جعلت النهاية مفتوحة حتى يكون اثرها اكبر على المتلقي .