(0)
(0)
David T. Kessler دافيد كيسلار
محاورة بصرية تعكس الضوء على حواس اللون لتحاكي الطبيعة بشفافية
* إن خوض فكرة ما بعد الحداثة في الفنون لا تعني تجاوز الحداثة وكلاسيكيات الفن بل تعني أن ننجز بعبقرية وفق ما يتاح لنا من مكملات جمالية
* الفن يمنحني تلك القدرة على التحليق بخيالي وابتكار منفذ أكثر عمقا فأوظف شغفي بذلك العنصر الحياتي الأساسي الماء الذي يمنح الطبيعة سحرا وأحفر الشكل بطريقة تجعل الصورة الساكنة في وجداني حقيقية
لكل فنان تشكيلي أسلوبه ومنهجه الفني الذي من خلاله يسعى لتحقيق التفرد وخلق لغة بصرية ذات تميز وتطلع لجديد الابتكارات التعبيرية، سواء في استخدامه الخامات أو في الفكرة والمحتوى المطروح، ولدافيد كيسلار الفنان التشكيلي الأمريكي أسلوبه الفريد الذي يصل بالمتلقي إلى مراتب الدهشة والابهار عبر إبراز المفارقة في تلوين مساحة السطح بانعكاسات تثير التفاعل البصري الذي يلامس الخيالي فهو أول من ابتكر تقنية تلوينية توهم المشاهد بالعمق على مساحات مسطحة مثيرة داخل الفضاء وفق تفاعلات طبيعية موظفة بدقة الصورة الواقعية المألوفة والكلاسيكية، على المسطح الحديدي أو على الأليمينيوم وهي تقنية تعكس حرفية ومهارة لمسيرة خمسة وعشرين سنة من العطاء الفني لكيسلار حيث يحتفي جاليري “أتوزين” بأريزونا بتقديم معرض “شفافية” الذي يقام في 19 من شهر مارس احتفالا بالفن واللون بالطبيعة والصدق والشفافية في الابتكار والعطاء والدهشة البصرية التي تنساب رقراقة كالمياه التي يبالغ كيسلار في رسمها بجمالية تلامس الواقع، ذلك المشهد الطبيعي الخلاق للحياة والوجود والجمال والألوان.
ولد كيسلار سنة 1950 بالولايات المتحدة الأمريكية حيث درس الفنون بجامعة أريزونا وتخرج منها سنة 1972 ليلتحق بجامعة سان فرانسيسكو للفنون الجميلة لاستكمال دراساته العليا وتخرج سنة 1975، قدم عروضه الفنية داخل الولايات المتحدة وخارجها اقتنت أعماله عدة جهات ثقافية نذكر من بينها متحف بروكلين، متحف سكوتسدال للفن المعاصر، متحف الفنون بفنونيكس، ومجموعة الفن المعاصر بمتحف فرحات للفن الإنساني.
يمتلك كيسلار لغة خاصة قادرة على لفت الانتباه فمن يراقب مسيرته الفنية يصادف الكثير من التلون والابتكار والرغبة والشغف في خلق تماس بين الحقيقة والحلم من خلال الألوان وعبقرية مزجها لتثير حركة وصوتا وصدى داخليا على المسطح بدقة ورقة بعنف وتلاعب بالظلال والألوان بالشكل والمساحة في عملية كسر لحواجز المقاييس العالقة في الفضاء المسطح ليغوص بالمشهد نحو أبعاد أعمق من خلال الحفر والألوان والتشكيل الضوئي لانعكاساتها فالعملية التصنيعية للمنجز الفني تكمن في فعل شبيه بالليثوغرافيا.
من خلال تحديد المساحات على السطح المعدني الأليمينيوم يقوم كيسلار بعملية ديناميكية حيوية تتمثل في تسليط الضوء على طبقات شفافة من الأليمينيوم المصقول ليدمجه بسلاسة مع التصور والفكرة المتخيلة من المشهد الطبيعي والصور الواقعية أو التجريدية على تلك المساحة المضيئة.
هذا المزج بين العناصر المختلطة يدفع بالمشاهد لتغيير نظرته عن المشهد واستيعاب ذلك التناقض بين المسطح والعميق والخيال المفتعل بوهم محسوس وخدعة بصرية تحيل على مشهد طبيعي له درجاته البصرية الحقيقية من خلال الانعكاس المحدث على المعدن والمشكل من المساحات اللونية لتمنح صورة ثلاثية الأبعاد.
“من المهم لي كرسام أن أوظف تقنيات الرسم وفنياته كما يجب، مع الخامة الجامدة، فالفن يمنحني تلك القدرة على التحليق بخيالي وابتكار منفذ أكثر عمقا فأوظف شغفي بذلك العنصر الحياتي الأساسي الماء الذي يمنح الطبيعة سحرا وأحفر الشكل بطريقة تجعل الصورة الساكنة في وجداني حقيقية”.
يتكامل العمل بالارتكاز على ثنائية محاكاة اللون وانعكاس الضوء وفق الانكسارات والتماوج والتمازج التركيبي الذي يقتحم الأليمينيوم كمادة هجينة جامدة المسطح وتحويلها إلى صورة واقعية الملامح بل وعميقة ومدهشة تتفاعل مع عناصر الطبيعة باكتمال “إن خوض فكرة ما بعد الحداثة في الفنون لا تعني تجاوز الحداثة وكلاسيكيات الفن بل تعني أن ننجز بعبقرية وفق ما يتاح لنا من مكملات جمالية، فالأليمينيوم ينعكس مع اللون والضوء والفكرة والخيال فهو كمادة يساعد على إضفاء التماوجات والسطوع الضوئي مع ليونة التشكيل ما يتيح فرصة التمعن في المشهد من زوايا مختلفة وكأنه أمامنا.”
باعتماد آلة الحفر الكهربائية يصقل كيسلار الأليمينيوم بإحداث خدوش وخطوط وأشكال ليدخل الضوء عبرها وينكسر من خلال تلك الأسلاك التي يضيفها ويشبكها مع الخامات المتوفرة، قطع حديدية أو بلاستيك لكي يقحمها على المساحة ويتحكم من خلالها في حجم الأشكال وهندستها داخل الفضاء.
يعتمد الماء للتلوين والتحكم في الضوء فالعملية التي يقوم فيها بإضافة القطع مع صقل الاليمينيوم وإحداث الخدوش والخطوط تتفاعل بليونة مع عملية التلوين لتتمازج بشفافية تحاكي المشهد في صوره الواضحة والمبهمة “لذلك فأنا دقيق جدا في نقل الصورة فهدفي أن تحمل جمالية حقيقية تتشابه مع الطبيعة دون المبالغة في الإضافات التي قد تشوه الصورة والمشهد الحقيقي فالضوء يساعدني في التحول من مشهد إلى آخر وفق مراحل الطبيعة ووفق الزمن المتخيل الذي أدمجه في المشهد والذي أعكسه على اللون ليعبر عن ضوء النهار المألوف دون تعسف.”
ولتحقيق هذه المعادلة الضوئية يعتمد على ضوء المصابيح لأن انعكاسها مع اللون وطبقة الأليمينيوم يمنح المشهد صفاء ويخلق أضواء ملونة كما يحدث في تفاعل الماء والضوء مع الطبيعة.
كثيرا ما يتحرك كيسلار عبر زوايا اللوحة المنجزة بكل انعكاساتها وفق رؤية ثلاثية الأبعاد حتى ينهي اللمسة اللونية كما يتراءى له في المشاهدة فبين السطوع والعتمة بين الظهور والتخفي يحتاج أن يتفاعل بدوره ويحاكي اللون والضوء كي يقتنع بصدق المنجز وبابتكار يتماهى مع الحقيقة معتمدا على الكثافة الرغوية التي تستعمل في العزل الحراري أو تلك التي تعتمد في المنصات الهلامية وفي طباعة الأشياء وهي مواد يرتكز عليها الفنان ليغلف المنجز ويحميه من كل التفاعلات ويحافظ على البريق وانكسار الألوان والضوء فالكثافة لها دورها في مزج الألوان مع الأبعاد الثلاثية.
يذهب كيسلار عبر موازينه الثقيلة والخفيفة في سياقاته اللونية ومعادلاته الضوئية التي تفتح منافذ الصورة على إحساسه نحو خلق تناسق مع مخيلته ليستبصرها ويعايش تفاعلاتها الطبيعية فيمطر الألوان غزيرة على الضوء المندفع وفق جمالية مبللة منعشة ومدهشة المجاز في لغة بصرية شفافة العلامات.
*الأعمال المرفقة من مجموعة الفن المعاصر متحف فرحات للفن الإنساني