مصطفى نصر يرسم صورا قصصية لأشهر زيجات العباقرة والمشاهير
الكاتب قسم كتابه إلى قسمين الأول زيجات عربية مثل زواج ديك الجن من ورد، ومحمد علي الشاب الذي انتقل إلى مصر ليكون واليا عليها.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: محمد الحمامصي
مادام أصبح كل شيء فيّ صناعيا، فلا بأس
يرسم القاص والروائي السكندري مصطفى نصر في كتابه “حكايات زواج العباقرة والمشاهير” رؤية قصصية لأشهر علاقات الحب والزواج بين المشاهير والعباقرة من أدباء وفنانين وحكام أفضت إلى الزواج مثل شجرة الدر، ومحمد علي، وملك حفني ناصف، وفاطمة رشدي، وبديعة مصابني، وتولستوي، وتشايكوفسكي، وإبراهام لنكولن، وأتاتورك، وفيفيان لي، ومارلين مونرو، وغيرهم.
وقد قسم كتابه إلى قسمين الأول زيجات عربية بعضها قديم مثل زواج الشاعر العربي ديك الجن من ورد التي بهرته بجمالها فتزوجها لكن ابن عمه أوهمه أنها تخونه، حتى قتلها، ومحمد علي الشاب القوي الذي لا يمتلك سوى شبابه وقوته فتراه ابنة شقيقة والي قولة، فيتعلق قلبها به، وتترك زوجها من أجله، ليتزوجها ومعها ابنها إبراهيم ثم ينتقل بها إلى مصر ليكون واليا عليها، لكن هذا لا يمنعه من الزواج مرة أخرى من امرأة غيرها.
وحديثا يقدم نصر في كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية زواج باحثة البادية ملك حفني ناصف من رئيس قبيلة في الفيوم، ثم زواج فاطمة رشدي من عزيز عيد رائد النهضة المسرحية الحديثة في مصر، وزواج نجيب الريحاني من بديعة مصابني.
وفي القسم الثاني يقدم زواج شخصيات أجنبية مثل: ملتون الشاعر الإنجليزي المعروف ومؤلف “الفردوس المفقود”، وبوشكين أمير شعراء روسيا، ثم تولستوي حكيم الروائيين العالميين والكاتبة الأميركية هاربيت بتشر مؤلفة رواية “كوخ العم توم” التي كانت سببا في تحرير عبيد العالم، وسببا في قيام الحرب الأهلية الأميركية عندما رفض الجنوب الأميركي تحرير عبيده فحاربهم الرئيس إبراهام لنكولن، وزواج فيفيان لي الممثلة الإنجليزية الأصل الجميلة من عملاق المسرح سير لورانس أولفييه، وزواج جميلة جميلات السينما مارلين مونرو من الكاتب المسرحي الكبير آرثر ميللر تلك الزيجة التي قادتها إلى الانتحار.
وهنا نقتطف مما جاء في قصص نصر عن تلك الزيجات.
• بديعة مصابني ونجيب الريحاني
كان بديع خيري قلقا، ينظر إلى الأوراق في يده، ثم إلى وجه زميله، الغريب أن زميله غير مهتم، يعرف أن الأمر خطير، وأن إيراد المسرح في تناقص ليلة بعد ليلة، خاصة هذا الأسبوع، لكنه لم يعط للأمر أهمية، صاح بديع غاضبا:
ـ قلت لك يا نجيب إن إيراد الشباك..
ـ أعرف، لكن ماذا أفعل؟
ـ نعود إلى القاهرة.
– نكمل الشهر الذي تعاقدنا عليه، فأنا أرتاح لجو سوريا.
صاح بديع: ترتاح لجو سوريا؛ أم لنسائها؟!
– إن أردت الحق، فأنا بدون المرأة لا أستطيع أن أعيش أو أتنفس.
-ألم تلاحظ أنني كلما حدثتك عن إيراد الشباك المتناقص؛ تحدثني عن النساء.
قبل أن يجيبه نجيب دخل متولي الذي يساعد في الأعمال الإدارية، ويقوم بأداء بعض الأدوار الصغيرة، قال: فتاة تريد مقابلة الأستاذ نجيب.
أشاح بديع بيده: وهل هذا وقته؟
– حاولت منعها، لكنها أصرت.
صاح نجيب ضاحكا: جميلة؟
ـ من جهة جميلة، فهي جميلة، لكن لسانها يا حفيظ.
ودخلت فتاة مقتحمة الحجرة: كل هذا الوقت لكي أدخل وأقابل نجيب الريحاني؟
أسرع متولي إليها وحاول إخراجها من الحجرة: أرجوك، أرجوك.
دفعته الفتاة غاضبة: ابعد عني، أنا لا أستطيع الانتظار أكثر من هذا.
قال بديع في ضيق: دعها يا متولي، وتفضل.
تردد الرجل قليلا، ثم خرج وأغلق الباب خلفه، قال نجيب ساخرا: ها أنا ذا، نجيب الريحاني أمامك.
قالت في استخفاف: لو كنت سأقابل رئيس الوزراء، ما وجدت كل هذه الصعوبة.
صاح بديع فيها: قولي ما تريدين، فوقتنا ثمين.
– هي كلمات قليلة سأقولها مسرعة. اسمي بديعة مصابني وأريد أن أمثل في فرقتكم.
” لا تصلحين” قالها بديع وعاد إلى أوراق الإيرادات والمصروفات التي تقلقه.
صاحت بديعة في جرأة أدهشت الرجلين: رأيك لا يهمني، جئت لمقابلة نجيب الريحاني، لا مقابلتك.
اقترب نجيب منها، أعجبه منظرها وهي ثائرة، قال في هدوء شديد: رأيت مسرحياتنا؟
ـ منذ أن جئتم إلى سوريا وليس لي عمل سوى متابعة مسرحياتكم حتى حفظت كل كلمة تقال، وكل غنوة تغني، وكل رقصة ترقص.
صاح بديع مقاطعا: كفي، إننا نقابل كل يوم العديد ممن يدعون إجادتهم للتمثيل والغناء والرقص.
تابعته بديعة بلا اهتمام، ونظرت إلى نجيب قائلة: يمكنك أن تجربني الآن.
ـ ليس لدي مانع، مثلِّي.
عاد بديع إلى الأوراق، وصرخت الفتاة حتى أحس أن الحجرة تتزلزل، ثم غنت ورقصت، شدته الفتاة حتى ترك الأوراق من يده، وظل يتابعها في اهتمام. تابعها نجيب أيضا، لكنه لم يبد حماسا لأدائها، بل لم يبتسم لها، قال في جمود: أرجو أن تنتظري في الخارج.
كادت الفتاة تخرج من حجرتها إلى بيتها ولا تعود ثانية؛ فالرجلان لم يبديا رأيا فيما فعلته، وتظنهما سيرفضانها، لكن حبها للتمثيل جعلها تنتظر.
قال نجيب لصديقه: ماذا ترى؟
ـ جريئة أكثر من اللازم، لكن تمثيلها وغناءها جيدان.
ـ هي شديدة الجمال والحيوية.
ـ غير إنها صعبة في التعامل مع الناس.
ـ لقد جاءت في الوقت المناسب، فأنا أفكر منذ مدة طويلة في تحويل أقاصيص ألف ليلة وليلة إلى مسرحيات تعرض على المسرح، عالم خيال وسحر.
ـ نتفق معها ونأخذها معنا إلى القاهرة.
لم تصدق بديعة نفسها، فمنذ أن جاءت الفرقة إلى سوريا وهي تفكر فيها، حتى أحلامها بالليل كانت معهم، فكيف يبتسم الحظ لها إلى هذه الدرجة؛ فيوافقان على أن تسافر معهما إلى القاهرة؟!
استطاعت بديعة أن تلفت إليها الأنظار، الأدوار التي قامت بأدائها مكتوبة بعناية، فأظهرت قدراتها على التمثيل والرقص والغناء، أحس المشاهدون أنها جارية جاءت – حقا – من عالم بغداد القديم لتمثل على المسرح.
• تشايكوفسكي وديزيه أرتو
تابع روبنشتاين وجه صديقه “تشايكوفسكي”، أحس بأنه يزداد نحولا، وأن حركاته ازدادت عصبية هذه الأيام. يعرف “روبنشتاين” سر ذلك التغير الذي طرأ على حياة صديقه، فمنذ أن جاءت “ديزيه أرتو” إلى روسيا وهو مضطرب قلق، أحبها “تشايكوفسكي” لكنه غير قادر على أن ينعم بهذا الحب، يتمنى أن يتزوجها، وبالفعل عرض عليها الزواج، فوافقت وسعدت بذلك، لكن المشكلة في “تشايكوفسكي” نفسه، فهو يزداد كآبة كلما اقترب موعد الزواج.
قال روبنشتاين: ديزيه أرتو لا تصلح لك زوجة، فقد اعتادت الحياة الإيطالية التي تختلف عن حياتنا في روسيا.
ـ حدثتها في هذا، فقالت إنها مستعدة للحياة معي في أي مكان.
ـ صدقني، لو تزوجتها ستقضي على مستقبلك الموسيقي.
ـ روبنشتاين إنك تحثني دائما على الزواج، فما الذي حدث؟
ديزيه امرأة جميلة، جاءت إلى بطرسبرج مع إحدى فرق الأوبرا الإيطالية، أعجب “تشايكوفسكي” بفنها قبل جمالها، لكن أمها عارضت هذا الزواج بشدة، فلم تكن مقتنعة بـ “تشايكوفسكي” الذي يصغر ابنتها بخمس سنوات، كما أنها لا تستطيع أن تقيم في بلد، وابنتها في بلد آخر، ولا تستطيع أن تعيش بعيدا عن بلدها إيطاليا. و
عارض روبنشتاين ـ صديق ” تشايكوفسكي” وأستاذه ـ لأن ديزيه أرتو شخصيتها أقوي منه، وحتما ستؤثر على موسيقاه بعد ذلك. لكن الذي أثر أكثر في عدم إتمام الزواج، هو “تشايكوفسكي” نفسه، الذي يود أن يقترن بها ويخشى على نفسه منها، لذا فقد هرب إلى بيت أخته الريفي البعيد عن بطرسبرج دون أن يحسم أمره مع “ديزيه أرتو”.
بحث “روبنشتاين” عنه حتى وجده، ضحك قائلا عندما رآه: رغم أني كنت معارضا أمر الزواج من ديزيه، إلا إني حزنت عندما جاءتني باكية تشكوك إلىّ.
ـ ماذا قالت لك؟
ـ قالت إنها صدقت وعودك وتحدت أمها والآخرين الذين عارضوا الزواج، وأرسلت إلى معارفها في إيطاليا وفرنسا وبلجيكا لحضور حفل الزواج.
شعر “تشايكوفسكي” بالأسى وازدادت همومه، فربت “روبنشتاين” على كتفه قائلا:
” ديزيه أرتو” تركت روسيا نهائيا، وأظنها لن تأتي إليها ثانية.
عاد “تشايكوفسكي” ثانية إلى الأضواء، أقام الحفلات الموسيقية وانغمس في البروفات مع فرقته، وبينما هو يعزف على كمانه؛ جاءته انطونيا، تابعته من خلف الباب الزجاجي المغلق، وعندما رأت “روبنشتاين” آتيا قالت: أريد أن أقابل ذلك المتواري خلف الزجاج.. قالت بهيام شديد وهي تحرك جسدها كأنها تتحرك فوق خشبة المسرح: إنني مجنونة بموسيقاه، أنام وأحلم بموسيقاه التي تنساب بين شعري وأصابعي.
دفعها “روبنشتاين” في رفق: أفيقي يا فتاة، أفيقي.
ـ آسفة، إن عشقي لموسيقاه جننتني.
أدخلها “روبنشتاين”، وقدمها إليه، قالت: أي سحر ينساب بين أصابعك الرقيقة الخلابة هذه.
وصاح “روبنشتاين” بها: كفي يا آنسة.
توقف “تشايكوفسكي” عن العزف وتابع هذه المولهة به مندهشا، قال روبنشتاين: إنها مجنونة بموسيقاك.
صاحت وهي تتفرس في وجه “تشايكوفسكي”: فعلا، إنها مسحورة، أرجوك شدني من شعري، شد يدي لكي أفيق من حلمي الجميل، أأنا حقا أمام “تشايكوفسكي” العظيم؟
• مارلين مونرو وآرثر ميللر
لم يهتم أحد بـ “نورما” سوى “جوني هايد”، وبينكي صديقتها، توقعت “نورما” أن يرفع الطبيب الضمادات عن وجهها، فتجد أمامها في المرآة – وجها مشوها كريها، يعافه “جوني” و”بينكي”، وكل من يلقاها أو يقابلها، لكن الذي حدث كان مغايرا لما خافت منه، صرخ “جوني” قائلا: يا له من جمال رائع.. وصاحت بينكي: تبدين غاية في الجمال والجاذبية. أما “نورما” فصاحت: كأنني أرى امرأة أخرى غير “نورما جان بيكر”.
قال “جوني” فرحا لنجاح فكرته، التي طالما طارد “نورما” بها: والآن، بعد أن نجحت عملية التجميل، لا بد من إجراء عملية أخرى.
صاحت “نورما” غاضبة: ماذا، أتريد أن تزيل المتبقي من أنفي؟
– لا، هذه المرة، التجميل في اسمك، لقد اخترت لك اسم “مارلين مونرو”، ما رأيك؟
– مادام أصبح كل شيء فيّ صناعيا، فلا بأس.
في شهور قليلة صارت “مارلين مونرو” نجمة الغلاف للعديد من المجلات.. قال “هربرت” مدير شركة الإنتاج السينمائي لـ “جوني هايد”: إنني أدفع لك أكثر من أية شركة أخرى، لتكن شركتي أول من ينتفع بالوجوه الجديدة التي تكتشفها، فلماذا لم تأت بالفتاة الجديدة الشقراء التي تنشر المجلات صورها على الأغلفة؟
ـ تقصد “مارلين مونرو”.
لقد نبهني إليها صديقي “أرثر ميللر “.
كان ميللر منزويا في مقعد بعيد، يتابع المجلات الكثيرة التي نشرت صور مارلين. نظر ميللر إلى “جوني” وعاد ثانية إلى مجلاته، قال جوني وهو يستعد للخروج: دقائق معدودة، وستكون “مارلين مونرو” أمامكما، فهي في سيارتي.
ابتسم ” هربرت” قائلا لميللر: عفريت “جوني هايد “.
دخلت “مارلين مونرو” وجلة، كانت تلبس قبعة صغيرة لا تشغل سوى القليل من رأسها، فظهر شعرها الأصفر حول قبعتها وكأنه يزينها، صاح “جوني” بحركة تمثيلية: ها هي “مارلين مونرو” أمامكما.
قال “هربرت” لميللر: ما رأيك يا أرثر؟
قال أرثر ميللر وكأنه يحدث نفسه: هي أجمل من صورها المنشورة بالمجلات.
اقتربت من ميللر صائحة: سيادتك الكاتب المشهور.
ـ أهلا بك.
ـ إنني شديدة الإعجاب بمسرحيتك “كلهم أولادي”.
صاح “جوني” غاضبا: ليس هذا وقت المناقشات الأدبية.
ـ كنت أود أن أكون كاتبة مسرح.
وصاح “هربرت” وهو مازال يتأملها بإعجاب:
ـ دعك من المسرح الآن، واعطي بعض اهتمامك للسينما.
ـ تحت أمرك يا سيد “هربرت”.
ـ لم يقابلني وجه بهذا الجمال.
وصاح أرثر ميللر: كل شيء فيها رائع.
ـ سنتفق معها على احتكار لمدة ثلاث سنوات، لا خمس سنوات.
تجلس مارلين أمام التسريحة، تستعد للخروج مع “جوني هايد” الذي وعد بالحضور لأخذها لمقابلة مجموعة من الصحفيين لعمل دعاية لها، صاحت “بينكي” وهي تتصفح المجلات: صورة فظيعة لك في المجلة.
أسرعت مارلين إلى المجلة وصرخت: طريقة رخيصة للدعاية، لقد بحث “هربرت” عن صورة لي أيام كنت أبحث عن المال بأي ثمن.
وانفجرت في البكاء، اقتربت “بينكي” منها قائلة: هذه هي السينما.
ـ لا، هناك سينما أخرى تعتمد على المواهب والقدرة على التمثيل.
ـ لا تنسي اتفاق الاحتكار بينك وبين شركته.
ـ ليتني ما وقعت مع “هربرت” هذا الاتفاق.
حقق فيلم “صراع الليل” أول فيلم بطولة لـ “مارلين مونرو” أرباحا طائلة، جعلت “هربرت” فرحا، لذا طلب من أرثر ميللر أن يكتب فيلما تقوم ببطولته. عندما علمت مارلين بهذا ألحت على ميللر بأن ينتهي منه في القريب، لأنها مشتاقة لمعرفة ما يكتبه ميللر لها، قال ميللر: لو جئت معي إلى البيت، تستطيعين قراءة ما كتبت.
صاحت فرحة: سأذهب معك الآن.
شعرت مارلين بالسعادة وسيارة ميللر تنقلها إلى بيته، قالت :
ـ أملي كبير في قصتك لكي تعيد لي توازني.
ـ إنني معجب بك وأريد أن تكوني زوجتي.
صاحت مندهشة: أنا؟!
ـ منذ أن رأيتك في مكتب “هربرت” وأنا أفكر في ذلك.
ـ وأنا لم تصل أحلامي وطموحي لأن أكون زوجة لرجل مثلك.
تابعها أرثر ميللر في سعادة، قالت مكملة:
ـ أنا ميالة إلى مصادقة المفكرين، لقد سافرت إلى ولاية بعيدة، عندما علمت أن “برتراند راسل” سيحاضر في جامعتها، وقابلته وصرنا أصدقاء.
ـ إنك تجعلينني أتمسك بك أكثر.
محمد الحمامصي