علي أركادي (من مواليد 1982) مصور فوتغرافي وسينمائي من خانقين بالعراق. منذ غزو جماعة داعش المسلحة في عام 2004 واستيلائها على مساحات شاسعة من شمالي العراق، صار علي أركادي يبعث بانتظام رسائله الصحفية من الجبهة حيث يتواجد في قلب القوات الكردية وقوات الأمن العراقية. قام بتغطية العمليات الأخيرة المعنية بإخراج داعش من مدينة الموصل. وقاد ـ بين 2015 و2016 ـ مشروعا مجتمعيا مموَّلا من مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين يعنى بتعليم فن الفوتغرافيا للنساء اليزيديات في مخيمات اللاجئين في العراق. وعلى غرار رسائله من الجبهة، أطلق علي أركادي أيضا مشروعه المستقل في بغداد، والذي يعنى بتوثيق حياة الفنانين المقيمين في المدينة. وهو يرجو من هذا المشروع المستقل أن يرسم صورة مختلفة للعراق، بعيدة عن العنف الذي غالبا ما يظهر في صور الأخبار النمطية. عن هذا المشروع، والفوارق بين العمل صحفيا وفنانا، يتحدث هنا لرؤيا:
ـ تعيش في خانقين وتنقل أخبار الصراع في شمال العراق. يبدو مشهد الفن في بغداد بعيدا عنك، جغرافيا وموضوعيا. ما الذي جذبك إليه؟
ـ ذهبت إلى بغداد في 2014 للعمل على موضوع صحفي حول العنف الجاري في المدينة. فإذا بالمشهد الفني هو الذي يجتذبني. بدت بغداد مغايرة لأي مدينة عراقية أخرى عرفتها، حتى السليمانية. كان فيها قدر أكبر من الطاقة والنشاط الفني. بدا أن شباب الفنانين في بغداد يرون بأعين مختلفة. وأصدقائي في بغداد كانوا جميعا من الفنانين: الممثل محمد مونيكا، ومصورو الفوتغرافيا أيمن الأميري، ومحمد برهان، وعمر دبور. كنت أقيم لديهم كلما ذهبت إلى المدينة، فيصطحبوني إلى المسارح ومعارض الفن. وقررت تصوير سلسلة وثائقية عن حياتهم إظهارا لهذا الجانب الآخر من جوانب العراق. فالصحفيون والوكالات الأجنبية لا يكتبون إلا عن الحرب. أما أنا فمن حسن حظي أنني أعمل مع وكالة كبيرة في الولايات المتحدة، تبنَّت مشروعي هذا ودعمته.
ـ هل أثرت الأزمة القائمة في العراق على المشهد الفني كما رأيته في بغداد؟
ـ نعم، منذ أن بدأت المشروع في 2014، قابلت وحاورت وصوّرت خمسين فنانا كنت عرفتهم في المدينة. قالوا لي إنهم يحبون بغداد وإنهم سيبقون يقيمون فيها مهما يكن. وفي غضون أقل من سنة، رحل منهم أكثر من ثلاثين. تمكّن منهم الإحباط. كانت المظاهرات المناهضة للحكومة قائمة منذ شهور. وكانت داعش توجِّه سيارات مفخخة إلى المدينة من يوم لآخر. ولم يكن شيء يتغير.
ـ ما نوعية التحديات اليومية التي كان يواجهها الفنانون؟
ـ لقد صورت سلسلة “بغداد السعيدة” مع الفنان محمد مونيكا. وكان الوضع قد بات مستنزفا له في العراق. كان يقول “لم تبق لي من طاقة للعمل. من أجل من أقوم بهذا العمل؟ ما الذي قد أحققه من ورائه؟” وكان الوضع السياسي أيضا رعبا له. كان مونيكا قد عمل مصورا مع السينمائي محمد الدراجي، وتعرَّض لمتاعب ذات مرة من جراء تصويره نقطة تفتيش. كان يخاف أن ينتج عمله، أو يتحرك في البلدة بالكاميرا. كانت بغداد تتحول إلى سجن. هرب محمد وشقيقاه من العراق في صيف 2015. وهو الآن يعيش في فيينا مع شقيقه محمود.
ـ ما التغير الذي طرأ الآن على المشهد الفني في بغداد، وقد بات كثير من الشباب والفنانين يرحلون؟
ـ تغير المناخ كثيرا. وهذا جيد للساسة، وسيء للمجتمع. لا أعتقد أن التغيير ممكن بغير وجود الفنانين في المدينة. الفن الذي نراه اليوم في العراق فن مسيَّس. المسرحيات التي تعرض في منتدى المسرح أو المسرح القومي في بغداد يسيطر عليها الاحتفال بالإمام الحسين أو الحشد الشعبي. وهذا ليس بالفن الحقيقي.
ـ وكيف تغيرت زاويتك أنت، أو قصتك، في ظل هذه الاضطرابات؟
ـ كان لا بد أن تتغير قصتي لتعكس هجرة الشباب والفنانين من العراق. ذهبت لزيارة محمد وشقيقه محمود في فيينا. تغيرت حياتهما تماما. صار لديهما استديو يعملان فيه فازداد إنتاجهما. والتقينا معا في فيينا بفنانين عراقيين نعرفهم والتقطنا لهم صورا فوتغرافية. وكانت فكرتنا هي أن نقارن بين الصور الملتقطة في العراق والملتقطة في فيينا. في الرحلة التالية سوف أختار مدينة أوربية أخرى لمواصلة بحثي. وهكذا تحول المشروع الذي بدأ بسلسلة أفلام بغداد السعيدة إلى مشروع مستمر، وتعاون قاري. وأطلقنا على المشروع اسم 220 فولت بسبب المتظاهر الذي مات بصدمة كهربية في أول مظاهرة ضد الحكومة في البصرة في أغسطس 2015. ولأننا الآن ننشر عملنا عبر قنوات التواصل الاجتماعي فإن رد الفعل هائل. وبرغم أن المنهج صحفي، إلا أنه مختلف عن الأخبار التي نشاهدها في بي بي سي وسي إن إن التي لا تركز إلا على العنف وعواقب غزو 2003.
ـ تعمل أيضا مع البنات اليزيديات في مخيم خانكي للاجئين في شمال العراق، ما الملامح البارزة في هذا المشروع من وجهة نظرك؟
ـ قمت بتدريس أساسيات الفوتغرافيا لمجموعة من عشر بنات على مدار سنة. ركزنا على تصوير الحياة اليومية في المخيم، وفي النهاية ركزنا على كيفية توثيقهن سنجار بعد التحرير. قضيت في تلك الورش وقتا رائعا. فالبنات كن ينتجن صورا مذهلة أبكتني في بعض الأحيان. ونظَّمنا معا معرضا في الجامعة الأمريكية بالسليمانية. عرضنا فيه عشرين صورة التقطتها البنات، تبيِّن الحياة اليومية في المخيمات منذ الميلاد إلى الشيخوخة. ثم انتقل المعرض إلى روما، واستطاعت خمسة من البنات السفر معي لحضور المعرض.
ـ أين تكمن أهمية قصة هؤلاء الفنانين للعراق والعراقيين؟
ـ الفنانون هم القادرون وحدهم على تغيير الأوضاع في العراق. فالفنانون لديهم الحساسية التي تمكّنهم من استشعار ورؤية ما لا يراه غيرهم. ومن يتوافر لديه فنانون جيدون، فهو قادر على تغيير شيء ما. ولكن ساستنا معادون للفن، لأنهم يخشون ما يقدر عليه.
ـ كيف ترى الفارق بين دوري الفنان والصحفي في بلد كالعراق؟
ـ أطرح هذا السؤال على نفسي طول الوقت، ولا أجد له إجابة مباشرة. في عملي، أنا لا أنقل الخبر وحده، بل الفن موجود، في تفكيري في الإضاءة والأشكال والتكوين. أنا درست الفن، لكنني في 2010، التحقت ببرنامج دراسي في الخبر المصور في السليمانية، مع صحفيين من مجلة تايم وماجنوم. درَّسوا لنا الصحافة والفوتغرافيا، وأوجزوا لنا الوضع في العراق منذ غزو 2003. كنت لم أعد قادرا على البقاء في البيت، والجلوس على مقعدي، والرسم. كنت أريد الخروج، واستكشاف الميدان. وسرعان ما سنحت لي الفرصة كمصور فوتغرافي في العراق للتعلم، وإقامة العلاقات، والسفر إلى الخارج. واليوم أنا على اتصال بمحررين في وكالات جديدة دولية في العالم. لو كنت بقيت فنانا تشكيليا، لما توافرت لي تلك الفرص للانفتاح. بعد سنتين من تغطية الحرب والتواجد على الجبهة في الفلوجة والموصل، أشعر برغبة حقيقية في الرجوع إلى الرسم. لكنني أريد أن أفعل شيئا فيه مساعدة للناس. وأشعر أن بوسعي إحداث شيء من التغيير بعملي كمصور صحفي، يرصد، ويتقصَّى، وينقِّب عن الأخبار، والقصص.