بواسطة
سمر حسن
من الممكن أن تخرج المعجزات من رحم الصدفة، وأن تقودنا إلى اكتشاف شخصيات لابد أن تُسطر اسماؤها بماء من ذهب بين صفحات التاريخ، ومن الممكن أن تكون بطلة الاكتشاف ورقة أو صورة، أو صندوق في مزاد، وكان صندوق النيجاتيف الذي يحتوي على 30 ألف صورة, وحصل عليه (جون معلوف)، هو السر وراء اكتشاف المصورة الفوتوغرافية (فيفيان ماير)، التى ظلت تعمل في صمت لمدة أربعين عاماً.
ولدت عام 1926 بمدينة نيويورك لأب ألماني وأم فرنسية وكانت المعاناة المحرك الاساسي لقصة حياتها منذ نعومة أظافرها، فعانت من طفولة قاسية بعد أن هجر الأب أسرته, واستضافتها عدة دور للعناية بالأطفال, وتبدلت بين أكثر من أب وأم بدلاء.
عملت مربية أطفال وهي في سن الـ25 لمدة أربعين عاماً، ولم تتزوج أبداً أو تنجب أطفال، وكانت قليلة الكلام ، كل خبراتها ومعرفتها قد جمعتها من خلال كتب التصوير ومكتبتها الفنية الكبيرة، وكانت تمتلك كاميرا ألمانية الصنع وذات إمكانيات فنية كبيرة من نوع Rolleiflex, تصطحبها معها في أي مكان خارج المنزل ولا تتوقف.
ذكرت بعض المواقع الصحفية أن ” ماير” طلبت من بعض العائلات التي تستضيفها أن يتم وضع “قفل” على حجرتها هي فقط من تملك مفتاحه, كان ممنوعا على أي فرد من أفراد أي عائلة خدمت لديهم “فيفيان” دخول حجرتها, المليئة بالصور وأفلام النيجاتيف، لدرجة أن إحدى العائلات شكت في أن المربية التي تعمل لديهم قد تكون “جاسوسة”.
تأثرت أثناء نشأتها بمصورة فوتوغرافية محترفة تدعي “جين برتراند”, وعشقت السينما, ويعتقد أنها تعلمت الإنجليزية السليمة من كثرة ترددها على قاعات السينما.
بدأت رحلة التقاط الصور منذ عام 1959، فحملت فيفيان حقائبها والكاميرا وخرجت في جولة حول العالم، وتجولت دول كثيرة من بينها تايلاند، ومصر، واليمن، وإيطاليا وفرنسا والمغرب وكندا والفلبين. كانت استقلالية ووجريئة وقوية.
وتتنوع الصندوق الذي حصل عليه “جون”على صور الأبيض والأسود التقطت ما بين 1950 و 1970, تحتوي الصور على بورتريهات ومشاهد لأشخاص ومشاهد لطرق ومباني كان من الواضح أنها التقطت في شيكاجو وخارج شيكاجو، فهي تندرج بوضوح تحتى ما يطلق عليه فن “تصوير الشارع” Street Photography.
بدأت الصور تظهر إلى العالم 2008، ولكنها لم تتخذ الانتشار إلا بعد ما نشرها “معلوف” على موقع فيلكر- موقع استضافة صور وفيديوهات تابع لمجموعة ياهو- 2009، وعندما تنظر إلى الصور، تذل على شخصية محترفة ليست هاوية، تعرض تفاصيل ما تقوم بتصويره سواء كان شخص أو شىء فاكتشفت أكثر اللحظات عطفا ورحمة.
وبعد ما حصل الشاب “جون معلوف” على أعمال “ماير” نتيجة الصدفة قام بإخراج فيلم وثائقي بالاشتراك مع موقع الـ”بي بي سي” تحت اسم “اكتشاف فيفيان ماير” (عرض عام 2013) ، وترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي عام 2015، واستضاف “جون” العديد من أفراد الأسر التي خدمت ماير لديهم سواء كمربية أو مدبرة منزل، يبدو في الفيلم أن لديهم ما يشبه إجماع أن تلك المرأة لم تكن شخصية طبيعية، لديها جانبا مظلما، وأنها كانت تعاني من أمر ما، والبعض يرى أن كان لديها غضبا مكبوتا، والآخر يرى أنه ربما كانت تعاني مرضا عقليا، والبعض الثالث وصف أفعالها بالجنون التام في بعض الأحيان.
وعندما أخذ منها الزمن شغفها وبحثها عن المستحيل بكاميراتها، لم يترك لها أي مال لتدفع إيجار مسكنها, وكان هذا سبب الحجر على ممتلكاتها من الكاميرات والأفلام وبيعها في مزاد علني, وانتهت رحلت “ماير” التي كان شعارها العمل في صمت، في ديسمر 2008 عندما مرضت، وبقيت بإحدى دور الرعاية الصحية حتى توفيت في 21 إبريل 2009.