ايلغر اسِّر في محرفه في دوسلدورف

يلغر المولود في مدينة شتوتغارت يعمل على توثيق فرنسا من خلال عمله الفني الذي يطلق عليه “أطلس الذاكرة”. حيث يعمل على تقديم صور واقعية لفرنسا من الحاضر ومن الذاكرة ويستوحي عمله هذا من الملصقات التاريخية والصور الملونة المأخوذة لفرنسا في مطلع القرن العشرين، وقد جمع منها في محرفه ما يقارب الخمسة والعشرين ألف ملصقاً. عدا عن أن ايلغر يعتبر الفرنسي غوستاف لو غراي الأسطورة في التصوير الفوتوغرافي مصدر إلهام آخر له. فليس هناك مصور ألماني اتخذ هذا البلد المجاور لألمانيا مكان للقطاته الفوتوغرافية بهذا الكم الهائل ووثقها بهذه الطريقة الفنية ووظفها لتكون شاهدة على الزمن مثل ايلغر اسِّر الذي يعتبر من أهم فناني التصوير الفوتوغرافي في ألمانيا وأكثرهم شهرة. حيث تعرض صوره في أهم المعارض العالمية المرموقة والمتاحف الشهيرة مثل متاحف نيويورك وباريس وأمستردام، وفي السوق العالمية للفن تباع لوحاته الفوتوغرافية بأسعار عالية.

الماء عنصر أساسي عند ايلغر

يعتبر اسر ان عنصر البحر هو العنصر الأساسي الذي خلقنا نحن منه

يأخذ الماء حيزاً كبيراً في الصور الضوئية التي يلتقطها ايلغر في رحلاته، فهي صور لأنهار أو مستنقعات أو بحيرات أو بحار، وغالباً ما تكون هذه اللقطات مناظر طبيعية يتخللها عنصر المياه، أو مناظر من مدينة ما تطل على البحر.

وغالباً ما يهيمن الفراغ أيضاً على صوره الكبيرة الحجم، فترى أفقا بعيدة ومساحات هائلة للسماء حينما تلتقي مع البحر.

وهذا الأفق البعيد هو الذي يحدد مراراً فلسفة الصورة، ولكن ايلغر لا يترك هذا الأفق وحده يسرح داخل الصورة دون أن يُدخل بها منظرا طبيعيا ما أو كتلة من الأحجار الصغيرة أو من الصخور التي تعطي اللوحة الفوتوغرافية لمساتها الفنية.

ميزة خاصة أخرى تهيمن على صور ايلغر ألا وهي استعماله اللون الأصفر ودرجات اللون البني التي تعطي الصورة إيحاءً لونياً جميلاً يعبر من خلاله عن التاريخ وتبدو هذه الصور وكأنها من زمن غابر. مثل هذه الألوان كنا نعرفها في بدايات التصوير الضوئي، وهي درجات من اللون البني المائل إلى الصفار، وهذا ما يعطي صور ايلغر خصوصية وكأنها غير واقعية، أي يجعلها نوعاً من السريالية.

علم الجمال والحداثة

نشأ ايلغر في روما ابناً لكاتب ألماني ومصورة صحفية فرنسية، فهو مزيج بين ثقافات عديدة. حيث يقول: “لقد نشأت في أحضان التراث الفكري الألماني، ولكن روحي تغذت من الروح الإيطالية والفرنسية”. وعلى الأرجح يعطيه ذلك وجهة نظر مختلفة حول العالم، ويوضح بهذا الخصوص: ” عندما تكبر في مدينة مثل روما، فهذا يعني أنك تتنفس يومياً عبق تاريخ الذي امتد ثلاثة آلاف سنة. لذلك تكون علاقتك مع ما يسمى بـ “الزمن” مختلفة.” وينتقد ايلغر علاقة الألمان بالحداثة قائلاً: ” ينظرون لها وكأنها الدواء الشافي لكل شيء. وليس فقط في الفن التشكيلي والفوتوغرافي، بل أيضاً في الفنون المعمارية.”

إذا نظر أحداً إلى صور ايلغر المتقنة والمتناسقة وكأنها لحن موسيقي، يعرف ما يعنيه هذا الفنان. فهي عبارة عن لمحات من الماضي تفك أسر الذكريات وتبوح بمشاعر الطفولة، وتعبر عن حالات مثالية من الوعي. فهو رومانسي يهتم بمفهوم الجمال في الفن، وحسب قوله: “لا يسعني سوى خلق هذا الجمال، فإذا كنت ترغب في خلق شيء غير مرتبط بزمن ما، عليك أن تبحث عن أشياء لها مضمون ووجود.” ويضيف: ” كثير من الناس عندهم مشكلة مع الجمال. في اللحظة عندما يرون شيئا جميلاً، تضغي عليهم فوراً سوداوية حياتهم اليومية القاسية وتراهم لا يستطيعون تحمل ذلك.” وهنا يضيف قائلاً: “ما علينا إلا أن نقف أمام كل شيء بأعين مفتوحة.”

يراود انطباع الرومانسية الحزين الناظر عند التمعن في صور ايلغر، لكن الرومانسية ليست مجرد مشاعر وحسب قوله: “إن المدرسة الرومانسية هزت أشياءً أساسيةً في الحياة، عدا عن أنها كانت حركة تمرد.”

أشكال مختلفة على موجة كوربيه

لقد التقط ايلغر في الربيع المنصرم في رحلته على متن سفينة في منطقة خليج قادش وبرفقة باحثين في علوم الجيولوجيا قرابة الخمسة والعشرين ألف لقطة للبحر وللأمواج. أغلب الصور تشكل فسيفساء من التصوير الضوئي وتعطي شكلاً آخراً للوحة غوستاف كوربيه الشهيرة والمعروفة تحت اسم “الموجة”. . وفي هذا الشهر سوف تعرض أعماله في قصر مدينة أولدنبورغ.

ايلغر يعتبر أن عنصر البحر هو العنصر الأساسي الذي خلقنا نحن منه، فهو يحرك النقاش حول أهم التساؤلات في عالم البشرية: من أين جئنا ؟ ماذا يعني الوقت لنا؟ وهو ينظر إلى هذه التساؤلات الفلسفية من زاوية خاصة. بالطبع ليس من الضروري أن تكون قد قرأت رواية مارسيل بروست “البحث عن الزمن المفقود” أو أن تكون على معرفة بلوحة غوستاف كوربيه “الموجة” حتى تفهم أعمال ايلغر الفنية في التصوير الضوئي. وبهذا الخصوص يقول الفنان ايلغر: “إذا كنت بحاجة لتوضيح وفهم ما أراه من الفن، يعني أن هذا الفن يقع في إشكالية كبيرة.”

يوخن كورتين / فؤاد آل عواد

مراجعة: سمر كرم