منى أبو صبح
عمان- كانت الأسلاك الشائكة حاضرة في مشاهد عدة التقطتها عدسة الفنان رائد عصفور، وتحمل ثيمة غنية بالقصص والأفكار في معرض “أسلاك شائكة” الذي افتتح الثلاثاء الماضي في مؤسسة خالد شومان- دارة الفنون.
طرح عصفور في معرضه الأول “أسلاك شائكة” سبعا وثلاثين صورة فوتوغرافية لأسلاك شائكة في بلاد عربية وغربية، إلى جانب عرضه لأربعين مشهدا لهذه الأسلاك عبر “الداتا شو” في صالة أخرى من المعرض.
رحلة عصفور مع “الأسلاك الشائكة” بدأت في العام 2012 في تونس، حين التقط أول صورة خلال إحدى المظاهرات عندما وضعت الشرطة حاجزاً من الأسلاك الشائكة أمام المتظاهرين لمنعهم من الوصول إلى المناطق الرئيسيّة في العاصمة.
وتواصل عصفور من بعدها في التقاط صور الأسلاك الشائكة في مختلف البلدان التي زارها لاحقاً، ولاحظ أن الأسلاك الشائكة دائماً ما توضع في الأماكن نفسها، للحماية حيناً، وللفصل أو المنع حيناً آخر، ولكنها في كل الأحيان تعكس الخوف، وتشوّه الرؤية، وتخترق جمال الأرض.
يقول عصفور حول معرضه “بائسة هي الأسلاك التي تمنع التواصل واللقاء والحياة. بائسة هي الأسلاك التي تشطر الرؤية، وتمنع الحكايات من الاكتمال لتحيلها جماداً رماديّاً حزيناً. يضعها القاتل ليحمي نفسه من القتيل. يثبتها مدّعي القوة الذي يرتجف خوفاً من الضعفاء. يغرسها المحتل ليحمي نفسه من أصحاب الأرض”.
ويرى عصفور أنه على “هذه الأسلاك نزفت أياد كبيرة وصغيرة، وتقطّعت شرايين عشاق الأرض. أيّتها الأسلاك البائسة: أي هواءٌ يتكسّر عندما يعبرك! أي خيوط ظلام بارد أنت تكبّل الأرض الجميلة! أي بؤس جارح لخيوط الشمس أنت!”.
ويذهب عصفور في حديثه إلى أن “الأسلاك تحد من الحرية من التواصل واللقاء بين الناس تشترك (حواجز) في الوطن العربي والعالم في أي بقعة من بقاع الأرض.. هذا الشيء كثير بائس يحجب التنفس.. في كل مرة أرى بها هذه اللقطات أشعر بالضيق يجب خروجها من الإطار.. تحرر من الظلم.. الاستيلاء.. الفقر..”.
قصص وحكايات مختلفة ترويها عدسة عصفور عبر أماكن الأسلاك الشائكة، فتارة تتحدث الأسلاك عن مظاهرات تونس، وأسلاك أخرى تروي قصة اللجوء في المخيمات، وما آلت إليه استخدامات هذه الأسلاك في ظل الظروف التي غيرت ملامح اللاجئين؛ إذ بات مع طول فترة اللجوء يستخدمها القاطنون في المخيمات لنشر الملابس.
ورغم الحدية والقسوة التي ترافق الأسلاك الشائكة أينما وضعت، إلا أن عدسة عصفور استطاعت أن ترصد كيف يكون الأمل رغم قسوة الظروف وصعوبتها، ففي مصر يتلقط صورة لأسلاك شائكة أثناء المظاهرات، ويؤشر على الأمل من خلال وجود طفل يلعب رغم وجود هذا السياج الحديدي وما تعتريه من معان خارجة على طبيعة الحياة.
كما ويذهب عصفور إلى منحى آخر في معرضه، فيجسد جمال العالم وقسوته في آن واحد عبر التقاط صور لأسلاك شائكة تفصل بين منطقتين؛ إحداهما معدمة والأخرى متطورة رغم قلة المساحة بينهما.
كما ويصور معاناة الاعتقال عبر صورة لأسلاك شائكة أمام المعتقلين والأسرى، أسلاك شائكة عفا عليها الزمن واهترأت ومع ذلك ما تزال موجودة.. أسلاك شائكة بأوقات مختلفة في اليوم تسلب جمالية المكان الذي حفرت به وأصبحت جزءا لا يتجزأ منه.
المعرض حظي بإعجاب كبير من قبل عدد من الفنانين والمهتمين بالفن، كما وعبر الزوار عن انبهارهم الشديد بلوحات المعرض ومنهم براء العسالي، التي قالت: “برعت عدسة الفنان عصفور في إيصال فكرته بالأسلاك الشائكة، فهذه الأسلاك رغم بساطتها لكن تأثيرها كبير ومؤلم في بقاع الأرض كافة.. فهي تحد من جمال الطبيعة.. الحرية.. الحق في حياة كريمة”.
وقال علاء منصور: “تتشابه الصور بأسلاكها فقط، ولكل منها قصة وحكاية.. تقنية جمالية عالية في التقاط المشاهد الذي يوضح الاختلاف بين الطبقات.. الحواجز بسبب الخوف.. كلما تمعنا أكثر نرى تفاصيل أكثر هي رسائل ود الفنان إيصالها للجمهور”.
ويضيف “الأسلاك تفصل التطور وعدمه.. المساواة وانعدامها.. أسلاك تنقل آلام اللاجئين يراها كل يوم.. الأبعاد التي اتخذها الفنان في كل مشهد جعلتها أدق في نقل الفكرة.. عدسة الفنان التقطت أسلاكا في أماكن عدة سواء في الوطن العربي أو العالم، فجميعها تتشابه بقساوتها وحدتها وضرورة التخلص منها”.
ولم تخالفهم الرأي آية النابلسي (منتجة) ومهتمة بالفن، بقولها: “لجميع هذه الأسلاك قصص ومعان تحملها.. وكأنها تحكي تاريخنا.. حضارتنا.. واقعنا الحالي في مختلف البلدان العربية والعالم.. نعلم عنها أو لا نعلم.. بعض اللقطات بها حنان ومودة جمدتها هذه الأسلاك.. مفارقة بين الطرف والآخر أو حكاية المالانهاية”.
معرض “أسلاك شائكة” لافت بطابعه الفني والسياسي والاجتماعي، ويمثل نوعا جديدا في عالم الفن، يقوم على التعبير عن أشياء مهمة تدور حولنا بأسئلة عميقة ينظر لها المتلقي من زوايا مختلفة.
المصدر/ موقع الغد