حكاية دكاتو بابنيان الحمصي
واضع الحقوق والقوانين والدساتير
وأول شهيد للعدالة بالتاريخ
السوريين بكل مكان بقصد أو عن غير قصد بيرددوا جملة عالسانن :””ما بقول غير الحق ..ولو على قطع رقبتي.. “”
والعالم كله وخاصة بالمحاكم العدلية والجنائية بيرددوا جملة :
“” إن ارتكاب جريمة قتل ..أهون من تسويغ هذا القتل..””
هالجملتين عمرن 18000 سنة قالهن جدنا الحقوقي اللي صاغ التشريعات القانونية بالعالم..بابنيان الحمصي (اسمعوا يا حماصنة) ..اسمعوا حكايتن:
بروما وبمناسبة اعلان باسيان انطونيو كركﻻ امبراطور مطلق واعلان جيتا أخوه (المقتول على يده) كعدو للشعب..أقيم احتفال بالكابيتول حضره كركﻻ وبعد اﻹحتفال التقى ببابنيان
(اللي كان قائد الحرس البريتوري الروماني) وشنكله بايدو ومشيوا سوا..ولمن وصلوا عاساحة الفوروم سأله كركلا عالسوابق القانونية اللي ممكن يلاقيلو اياها ليمنح استيلائه عا عرش روما صفة السلطة الشرعية القانونية..ما جاوب بابنيان وضل ساكت..ورجع كركلا اعاد عليه السؤال مرة تانية.. هون جاوب بابنيان (وهو كان مع جيتا المقتول ظلما وضد كركلا) .وقال الجملة اللي صارت أشهر جملة قانونية يالعالم :
“” إنه من اﻷسهل ارتكاب جريمة قتل اﻷخ من الدفاع عنها ..أو تسويغ هذا القتل “”..
فغضب كركلا من هالجواب وأمر الحراس باعتقال بابنيان رئيسهم فسحبوه الحرس وجروه بطريقة مهينة وهو عم يصرخ ويقول :””مابقول غير الحق ولو على قطع رقبتي””
وقام واحد من الحراس وتناول بلطة من حانوت قريب ليقتله فصرخ بابنيان وقال لكركلا :””أعطي أمر بقتلي بالسيف مو بالبلطة”” ..وقتل بابنيان وكان شهيد كلمة الحق وأول شهيد للعدالة اللي قضى عمره بدراستها وتعليمها ووضع أسسها..
.. اميلوس بابينوس بابنيان الحمصي..ولد سنة 140 م بحمص
وهو ابن عم اﻹمبراطورة العظيمة جوليا دومنا (درس معها بمعبد شمس ايلا جابال بحمص)..وبعدين درس الحقوق بمعهد بيروت ( اللي كانت أكبر تجمع لمدارس الحقوق واﻷشهر بالعهد الروماني وبقيت لغاية القرن 16م.) وهالمعهد يعتبر أقدم وأهم كلية للحقوق بالتاريخ..ومن كتر ما اهتمينا فيها وكرمناها ..دفناها تحت السوليدير ببيروت (طبعا تم بناء بعض مباني السوليدير فوق أنقاض وآثار أقدم كلية حقوق بالعالم ببيروت بطريقة مشبوهة ومتعمدة)…
المهم جدنا بابنيان خلص دراسة الحقوق اللي كانت تعتمد كأساس بمنهجها على الفكر الزينوني الرواقي مؤسس علم اﻷخلاق والمنطق الرياضي الحديث وصار بابنيان أمير الفقهاء وكبير اﻷساتذة الحقوقيين بنفس معهده..وتتلمذ عا ايده وفكره وفقهه كتير من رجالات القانون السوريين متل ألبيان الصوري وأناطوليو البيروتي وغايوس وبولص….
كانت سوريا من قبل حمورابي هي البلاد الوحيدة اللي وضعت منظومات تشريعية وحقوقية وقانونية متكاملة (وبشهادة المؤرخين) ..وكان ما حدا يروح عالمحاكم أو القضاء إﻻ ومعه محاميين للدفاع (أفوكاتو= ادكاتو تعني بالسريانية الوكيل المدافع= المحامي) ونقلوها معهن السوريين متل ما نقلوا القوانين والشرائع والدساتير لروما ومنها انتشرت هالكلمة باللغات اﻷوروبية..
طبعا كان موجود اختصاصات تانية ..محلفين منتخبين ومحاكم استدعاء الشهادات واﻹدعاءات والمصادقات واعتمدو على قانونية الخطية ( الكتابة بخط اليد) وكان في كاتب بالعدل للعقود والعمليات المالية والعقارية أو الرهنية وكان في تصديق بصورة قانونية لكل شي (بشهادة المؤرخ تيودور الصقلي)..
منرجع لبابنيان اللي كان متأثر كتير بكلام حمورابي اللي اقتتح فيه قوانينه كمقدمة لشريعته قال :”” أنا حمورابي الخادم..سرت من أعماله اﻵلهة..الذي كان عونا لشعبه في الشدائد..أرسلتني اﻵلهة ﻷمنع اﻷقوياء أن يظلموا الضعفاء وأنشر النور في اﻷرض “”
جوليا دومنا استدعت بابنيان مع اللي بيختارهن من الحقوقين السوريين الى روما وسواه سبتيموس مستشاره الخاص ووكله مع المعلم أنتيباطر بتعليم أولاده ..وكلفته جوليا بوضع دستور وتشريع وقوانين حقيقية لروما ..(مع انو كان عمره 37 سنة لمن انعدم .لكن التراث العظيم اللي تركه ..ماترك متله أي فقيه قانوني بالعالم)..
ألف بابنيان أكتر من 56 مؤلف بالحقوق مؤلفة من 2462 فقرة قانونية..وأدخل منها 5955 فقرة بالدستور الروماني بمساعدة تلميذه ألبيان..وكانت هالمؤلفات أساس التشريعات الحقوقية العالمية اللي صاغت قوانين اﻹمبراطو ية الرومانية منها استمدت الدول اﻷوربية الحديث قوانينها.
وألف كمان 19 مؤلف بالمناقشات القانونية و377 مؤلف بالمسائل القانونية (القضايا) وأشهر كتبه (اﻷسئلة)و(اﻷجوبة) اللي بيمتازوا بوضوحن واتسانيتن وعدالتن للحد اللي خلا جوستينيان يقتبس أكتر من 2500 فقرة ليحطهن بكتابه (موجز جوستينيان)..ومن كتبه كمان (الفتاوي) اللي كان مقرر بمدارس الحقوق بروما..ومن أهم آثاره اللي شهرتو بروما : انو أدخل اﻷجانب بإطار المواطنة مع كافة الحقوق والحريات العامة والشخصية وهالشي كله كان انعكاس لمنطق عقائدي كان بابنيان يؤمن فيه وهو : انو البشر بطبيعة وجودهم أحرار متساويين وبيتمتعوا بالكرامة اﻹنسانية نفسها وانو القانون لازم ينبنى عا فكرة الخير..وانو القانون مامنو فايدة اذا الفقيه مابيراعي احقاق الحق وإقامة العدالة
..وهي القيم اﻹنسانية الخالدة هي نفسها اللي شكلت العناصر الجوهرية اﻷساسية اللي كونت حقوق اﻹنسان متل ما كرستها الشرائع الحديثة بعصرنا..
اعتبر أحد شارحي القانون بالقرن ال166 م انو بابنيان أول المحامين اللي انوجدوا ورح ينوجدوا بالتاريخ..وعلمه اللي بتسيطر عليه الحصافة الفكربة والنزاهة اﻷخلاقية خلته يكون المحامي الحقيقي وماحدا رح يقدر يتجاوز المعرفة القانونية اللي وصلها..
بالنهاية قال المؤرخين عن الحقوقيين السوريين :
“”بالقرن ا133 م كانت سوريا بتعكس عالعالم تقاليدها الحقوقية اللي تعتبر مصدر القانون..فببيروت خلال السلالة السورية السفيرية كان يتم اعداد الحقوق القانونية الجديدة وكان جماعة الفينيقيين السوريين اللي وصلوها لقمة الكمال ونقلوها معن..نقلوا التشريع الروماني البدائي لمرحلة متقدمة وعالية جدا عبر مؤلفاتهن الحقوقية.. وأشهرهن خمسة برئاسة بابنيان الحمصي وتلاميذه اﻷساتذة ألبيان وغايوس وبولص وأناطوليوس ..””وﻷنن كتبوا مؤلفاتن باللغة الﻵتينية أطلقوا عليهن المؤرخين اسم : آباء الفقه الروماني..اللي هنن سوريين باﻷصل..
كمان بيقول بيير روسي : (الفقهاء الرومان لم يفعلوا شيء سوى ترجمة وتكييف العديد من الوثائق والوقائع والنصوص القانونية اللي نقلت اليهم مع السوريين..فالسوري قانوني منذ ولادته وهو يفهم بحذر شديد نص البرهان والحصافة الدستورية)..هيك قال بيير روسي..فاتخيلوا معي أثر هالسوري اﻹنسان اللي اتعلم وأبدع وأنتج باﻷرض السورية وانتشر بالعالم ونظم المجتمعات البشرية و حط القوانين المدنية المرتبطة بالحق والعدالة والمساواة واللي بيشهد العالم أجمع على فكره…صرنا نخضع لفكر غريب ومناقض لفكرنا واﻷحلى إنو هالغريب عم يحطلنا دساتير وقوانين ونحنا باﻷصل أهل القانون والتشريع والدستور..
فيا جدنا بابنيان اعذرنا ﻷنو العالم كله بيحترم شرائعك وقوانينك ودساتيرك ونحنا تجاهلناها…فاسمحلنا هﻷ انو نوكلك كوكيل مدافع محامي عننا دكاتو لان (محامينا)لتدافع عننا وعن انسانيتنا وعن أرضنا لترجع تحيا سوريتنا عن جديد….
وتحيا سوريا….