المصوّرٌ الفوتوغرافي “محمّد علي عيسى” المعروفٌ بأبي
عليّ المصوّر من قرية “سوكاس” باللاذقية..
– رضوان أبوغبرة ..
“محمّد علي عيسى”.. عفويّة التّصوير والحياة
رضوان أبوغبرة
قرية سوكاس
“محمّد علي عيسى” مصوّرٌ فوتوغرافي معروفٌ بأبي عليّ المصوّر، عشق التصوير فحمل كاميرته ومضى متجوّلاً ليلتقطَ فرحَ الناس في الحقل والشّارع والحفلات.
مدونة وطن “eSyria” التقت المصوّر الفوتوغرافي “محمّد عيسى” في قريته “سوكاس” في 7 كانون الثاني 2014؛ حيث تحدّثَ عن طفولته وصباه وقال: «ولدتُ في قرية “الرّاهبية” في ريف “جبلة”، وقرأتُ القرآن وتعلّمت الكتابة على يد الخطيب الشيخ “خليل منصور خليل”، ولم تستمرّ مدّة التعليمِ أكثر من أشهر قليلةٍ لأجد نفسي بعدها كأيّ طفلٍ من أطفال القرى أعملُ في الحقل مع الوالدين، وفي أوقات الرّاحة واللعبِ أصعدُ الأشجارَ لالتقاطِ أفراخ العصافير وأتجوّل في المراعي، وعندما كبرت بدأتُ البحثِ عن عملٍ ففشلتُ أكثر من مرّة، وبعدها تجرّأتُ وأخذتُ من أختي 10 ليرات سوريّة وذهبتُ بمفردي إلى “لبنان” في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وهناك اشتغلتُ في أحد مطاعم طرابلس».
وتابع: «كان من بين الأشخاص الذين يرتادون هذا المطعم مصوّراً فوتوغرافيّاً، وأكثر ما أحببته فيه هو وجود الكاميرا المعلّقة على رقبته دوماً، وبعد أن لاحظ اهتمامي وأسئلتي الكثيرة له نصحني بشراء كاميرا، وأعطاني ملاحظاتٍ عن اللمسة وطريقة الوقوف والتركيز وكيفيّةِ التعامل مع هذا الجهاز الذي شعرتُ وأنا ألمسهُ للمرّة الأولى بأنني ألمسُ مستقبلي، وبعدها اهتديتُ لشراء كاميرا ألمانيّة، ومنذ ذلك اليوم شعرت بأنني بدأتُ أملكُ عيناً إضافيّة، وفي تلك الفترة أحببتُ التصوير كهوايةٍ حيثُ كنت ألتقطُ صورَ الطّيور والأشجار والبحر وحركة الناس في الشارع، وأحياناً كنتُ أحضرُ حفلات المطربين وألتقط صوراً تذكاريّةً لهم وهم يغنّون على المسرح، فصوّرت: “العندليب الأسمر
يلتقط إحدى الصور |
وسميرة توفيق وفهد بلان ووديع الصّافي” والمطربة “هيام يونس”، ولم أكن أعلم وقتها أنّ هذه الصّور سيتم شراؤها، وبعد نجاح هذه التجربة احترفتُ العملَ كمصوّرٍ».
وتابع: «من المحطّات المهمّة لي على الصّعيد الشّخصيّ في “لبنان” هي تصويري للبطل العالميّ السبّاح “محمد زيتون” ابن مدينتي “جبلة” في البطولة التي أقيمت في “لبنان” أواخر الخمسينيات من القرن الماضي».
عودته من “لبنان” كانت حافزاً له لمتابعة المهنة التي عشقها وعن ذلك تحدّث: «عندما عدتُ من “لبنان” في العام 1975 وجدتُ نفسي وحيداً بعد فشل زواجي الأوّل فتزوّجتُ مرّةً ثانيّة وأنجبتُ، وهذا ما دفعني إلى تطوير العمل لتأمين مستلزمات الحياة الجديدة؛ حيث كنتُ أخرجُ منذ الصّباحِ حاملاً كاميرتي، إمّا ماشياً أو على درّاجتي الهوائية المزيّنة “البسكليت الصّيني”، وأحياناً لا أعود إلى البيت حتّى مغيب الشّمس بعد رحلة عملٍ طويلة أصوّر فيها الكثيرين من أبناء القرى الذين يعملون في الحقول، وطلابِ المدارس في مسيرهم العفويّ في طريق العودة إلى بيوتهم، ومع انتشار أعمالي وتحقيقي لنوع ٍ من الشهرةِ والصّيت الجميل أصبحتُ ألبّي دعوات الأهالي لتصويرهم الجماعيّ في المنزل في أعياد ميلاد أبنائهم ومناسبات رأس السنّة، وأكثر ما كان يساعدني في الإنتاج هو حضوري للحفلات الغنائية في المقاصف القريبة حيث كان ينتهز الناس فرصةَ وجودي للتصوير مع الفنانين المشهورين على الصعيد الشعبي، ويكاد لا يخلو بيت في منطقتنا من صورة على الأقل
يلعب النّرد مع أحد الأصدقاء |
تحمل توقيعي تزيّن ألبومات الصّور أو جدران البيوت».
وتابع: «خلال التجوال كنتُ ألتقط الصّور الخاصّة بي ومن أجملها بالنسبة إلي تصويري لأكثر من مئة سنونوة على شريط كهرباء وتصويري لخروج أفراخ العصافير و”الصيصان” من البيض، وكثيراً ما كنتُ أنتهز أيّام العطل في الصّيف وأذهب إلى البحر الذي تحوّل إلى مصدر رزقٍ مهمّ لي حيث كنتُ أصوّر الكثيرين من المصطافين والسابحين على الشاطئ القريب كساحل “سوكاس” وساحل “عرب الملك”».
وأنهى حديثه بالقول: «أبلغ من العمر الآن نحو 78 عاماً قضيت أكثر من 60 عاماً منها وأنا أتجوّل وأصوّر، ولكن الشيخوخة وأمراضها قد فعلت فعلتها ولم يعد بإمكاني التجوال والمشي لمسافة بعيدة، ولم تعد الرؤية مناسبة للتصوير، إضافة إلى كلّ هذا فإنّ انتشار استديوهات التصوير وكاميرات الديجتال وكاميرات الهاتف المحمول جعلت أعمالي تتراجع منذ عشر سنوات، ومع ذلك فقد كانت الكاميرا هي وسيلتي الوحيدة للعيش مع مزرعة صغيرة من الليمون، ومازلت في أوقات الفراغ والراحة أنتظر قدوم الأصدقاء والأقارب للتسلية وتذكّرِ أيّامِ الشّباب ولعبِ “النّرد” أو “المنقلة”، ومازلت أشعر بأنني ذلك الشابّ الممتلئ بالحيوية والنشاط».
الخطّاط “علي عيسى” حدثنا عنه: «تعلمّت من والدي حبّ الحياة والناس والطّبيعة، وهو الذي اشترى لي أوّل كتاب تعليمٍ للخطّ العربي الذي أصبح مصدر رزقٍ لي، وعلى الرّغم من الواقع الاقتصادي العاديّ لأسرتنا فلم ألاحظ أنه تململ يوماً أو كره التّصوير، أنا
فخورٌ بهذا الأبّ الذي جعل من كاميرته الابن الأكبر».
المصوّرة الفوتوغرافية “مروى محمّد” قالت: «أجمل ما يميز المصوّر ” محمّد عيسى” هو طريقته في التصوير التي تجعله متحرّراً من الزمان والمكان، فعمله هذا ينبع من توثيق اللحظة التي يلتقطها بعفويتها ويجعل منها مادّة لكاميرته، وأعتقد أنّه محظوظٌ جدّاً لهذه الحياة الحافلة التي أمضاها بالتّجوال واكتشاف ِحركيّة الحياة».
يُذكر أنّ المصوّر” محمّد عيسى” من مواليد 1935، يعيش حالياً في قرية “سوكاس”، متزوّج وله خمسة أولاد.