زينون بين الزهرة والحجر..قراءة في الديوان السوري لمؤسسه حسن سمعون..
بقلم : فريد ظفور
زينون بين الزهرة والحجر..
قراءة في الديوان السوري المفتوح لمؤسسه حسن إبراهيم سمعون.. – بقلم : فريد ظفور
مدخل : في زيارة للشاعر حسن سمعون أبو إبراهيم في قريته عين السودة التابعة لمدينة تلكلخ في ريف حمص الغربي وسط جو شاعري في حديقة منزله الريفي وضمن أسرته ومع مجموعة من الأصدقاء ..
مقدمة : حطت بنا عصا الترحال في رحاب زينون فوق رابية عين السودة ..حيث كان التاريخ ينتثر عبقه في أرجاء المكان..فوق الأكمة ومن أعلى الشجرة كانت تنصب حواء لأبانا آدم شراكها وتسقط بين الفينة والأخرى إجاصة ..
لأن آدم تعلم من التفاحة الأولى ألا يقع في فخاخ حبها.. كان دن باخوس ..والطاحونة الأوغاريتية, وخابية عشتار ..وأرجوان الفينيقيين ..ومدحلة الكنعانيين ( المعرجلينة ) وجرن البابليين وجاروشة الآشوريين وكل بصمات التاريخ قد زينت جنبات المكان حيث ريشة الفنان الأعظم تزين المكان بالأخضر وبعض الألوان الدلالية حتى تتعانق مع قبة زرقة السماء ..
كان المعري وابن سينا وحيّ بن يقظان والفارابي وابن رشد وكذلك ابن الهيثم وتربع في محراب الشعر المتنبي وأبو تمام وأبي فراس والشريف الرضي ..والسياب والدرويش والقباني وأدونيس .. كان قدموس وفيلون , وكانت إنانا وكانت عشتار ومنيرفا ,كانت زنوبيا ..وأليسار وجلجامش وهانيبعل وحشد غفير من الرهبان والكهنة وشيوخ الحكمة والعقل.. كانت الزهرة وأغصان الشجر تعزف سمفونية متراقصة على إيقاع ريح ناعمة لترطب الجو الحار بنسمات باردة تشكل مع الغطاء النباتي والمزروعات نسيج سندسي أخضر يعطي المكان طابع حميمي حيوي ….
فصرنا نحن زوار المكان سكارى من خمرة التاريخ المعتق .وكأن كل الغزوات والحروب الحاصلة في التاريخ لم تكن مخضبة بالدم بل كانت معمدة بالحب .بالعشق..بالحضارة..بالأمل.. كان كل القادة والمفكرين والفلاسفة والشعراء والمؤرخين تمر صورهم كشريط سينمائي من أمام شاشة ذاكرتنا المؤقته..وتمازج عشق الذات مع عشق الكل تناغما في مغزل الحياة الأبدية أو السرمدية..
زقزقات العصافير وغناء العنادل وحفيف أغصان الشجر ..أضفى على المكان رونقاً خاصاً ..السنابل تتراقص وتنحني بتواضع وشجيرات البندورة والفليفلة والباذنجان واللوبياء والبطاطا ودوار الشمس ..المعربشة على عرزالها ..ودالية العنب التي تتعمشق على شجرة الجوز وكذلك على شجرة السنديان متحدية الزمكان تتسابق نحو الأعلى علّها تنضج مبكراً لتزيد المكان ألقاً وتزود الحضور من عصيرها..وأيضاً أشجار الرمان والخوخ والدراق والمشمش والإجاص والتين والعنب واللوز والبرتقال والليمون والموز…لتكتمل دائرة التغذية من فاكهة وخضار أينعت وحان قطافها لتقدم على مائدة الضيافة .. وكـأنما عشتار الأم الحنون التي تشققت يديها من الكدّ والتعب هي وتموز وبعل ..هذه الرموز التاريخية التي ضج بها المكان وانتشر عبق عطرها الفواح أرجاء الزمكان لتسجل اسمها في سفر التاريخ وفي سجل الزوار بعد أن قصت شريط حريرها معلنة إفتتاح الجلسة الشعرية أو معرض زينون بحضرة شاعرنا الغالي حسن إبراهيم سمعون.. الإهتمام بالتراث متأصل في شخصية الشاعر حسن سمعون.. وقد انعكس ذلك في أشعاره وأيضاً شغفه بالتاريخ والفلسفة والبيئة السورية كونت أدبه وقد كان خلق فني قائم بذاته بغض النظر عن مدى مطابقتة للواقع الحي الذي استلهم منه مفرداته اللغوية والشعرية.. الديوان السوري المفتوح يضاف الى تراثنا الأدبي والفني كمرجع هام ليوصف معاناة الشعب السوري في ظروف الحرب الظالمة عليه طيلة ست سنوات..
لعلنا ندرك بأن التراث كلمة تعني كل مايرثه الإنسان من أجداده من فنون الحياة المختلفة من قيم وعادات وتقاليد وثقافة وعقائد دينية ومن أفكار..وكل ما يهم الشعب ويدخل حياته وثقافته أي ما يأخذه الإنسان – خلفاً عن سلف – .أي يعني العناصر الثقافية التي تلقاها جيل عن جيل الى جيل آخر.
لذلك برزت أهمية التراث في حياتنا لأنه ماضينا ..ومن لا ماض له لا مستقبل له.. فالتراث ينقل للأجيال الجديدة العادات والقيم والإبداعات من الأجداد ليستفيد منها الأحفاد.. وقد اهتم الشاعر حسن سمعون بالتراث السوري خصوصا والإنساني عموما وهو تراث غني بكل ألوان المعرفة.
والإهتمام بالتراث يعني الإهتمام بالحاضر والمستقبل لمنع حدوث فجوة معرفية وحضارية في مدركات الشباب العقلية .. فمنذ عام 1990م طرحت فكرة معجم وجائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري أي معجمم البابطين ..ولم نجد أحداً يؤرشف ويجمع الأدب ككل والشعر خاصة ولكن كان الشعراء يؤرخون لأنفسهم ..إلى أن جاءت الأزمة السورية وولدت فكرة الديوان السوري المفتوح من رحم المأساة .لكن شتان بين معجم تبنته مؤسسة شبه حكومية وبدعم مالي كبير وللديوان أجهزة متكطورو ومكاتب في غالبية الدول وهذا العمل لايستطيع فعلة شخص أو إثنان ولكنه بحاجة لمؤسسة ..والحق يقال بأن ماقدمه معجم البابطين شيء رائع ومجهود جبار يشكرون عليه..فقد وصل عدد الشعراء قرابة الـــ 3500 شاعر وقبل منهم 1800 شاعر.. والمعجم يوثق للشعراء وليس للشعر وهم يرصدون ولا يقيمون ..فقد يكون لشخص عدة دواوين ولكنه غير شاعر وآخر يكون شاعر وبلا أي مجموعة ..وبلغت تكاليف المعجم ثمناً باهظاً فاق المعقول… بينما الديوان السوري المفتوح فيه جهد الجماعة وبعض التعاون ولكن العبء الأكبر كان على عاتق الأستاذ حسن سمعون مادياً ومعنوياً ..فقد سخر جل وقته ومنزله وأسرته وكل إمكاناته لتحقيق وإنجاز هذا العمل والذي كلف كثيرا ..وطبعه من حسابه الخاص وبمساعدة أسرته وقدم كل النسخ المطبوعة مجاناً ..معتبراً بأن كل الجهد المبذول والمال لايشكلان شيئا كمقارنة بما قدمه الشعب السوري من الصمود والتحدي ومن تضحيات وعذاب وقهر وحرمان .. ولا تساوي ذرة غبار على حذاء جندي سوري في الميدان يقف في خندقه ليدافع عن حياض الوطن ولا تساوي آلام جريح أو دمعة ثكلى أو ارملة أو يتيم والثكالى. ولقد تعرض الشاعر لأكثر من أزمة قلبية ونفسية ومادية أثناء إنجاز الجزء الأول والحمد لله تعدى عتبة الخطر ولا يزال يقاوم ويعمل بحيوية ونشاط ومثابرة في اعتلاء المنابر لإيصال صوت الديوان لأكبر شريحة ولكل منزل وقرية وبلدة ومدينة وحتى الى كل الدول العربية والأجنبية .. والديوان يضم في جنباته معظم الأجناس الأدبية ولقد صدر الجزء الأول منه ويستعد لإصدار الجزء الثاني وهو سلسلة مفتوحة لكل زمان ومكان ولكافة عشاق الفنون الأدبية من الجنسين كباراً وصغاراً ومن كل البلدان ….ولكل من كتب أو وثق أو أرشف للأزمة السورية ..وهنا نؤكد أهمية تناغم فريق العمل في الديوان السوري المفتوح ..فالكادر المثقف قادر على مواكبة التطورات في الساحة الثقافية والفنية والأدبية ..وهو الذي يعطي العمل الجماعي أقصد الديوان زخمه وحيويته لإخراج النصوص والأعمال بأبهى حلة وبأجمل صيغة ..وقد صرح المشرف العام الأستاذ حسن بأنهم استقبلوا النصوص التي تفوق فنيتها نسبة 65 % ومستوفية للشروط والمعايير وكان الهدف توسيع قاعدة المشاركة..ليكون بحق موسوعة شعرية وأدبية تتناقلها الأجيال الحالية والقادمة جيلاً بعد جيل..وهكذا دواليك ستكون جهود مستمرة وعمل لايتوقف وإصرار دؤوب يجسد تاريخ سورية والإنسان ..
حكاية نقف أمامها كشهود إثبات أمام بوابة التاريخ .. لنتأمل بإعتزاز وفخر ونقلب الأوراق ونتصفح القصائد والأعمال الأخرى ..فنجد عذوبة هذا العمل الفني الأدبي المنوع الجميل ..والذي فيه المكان والأصالة التي لم تستطيع تضاريس الزمان وتغيرات المكان والأحداث الدائرة في سورية وغيرها أن تشطب هذا التاريخ الأصيل أو أن تقلع جذور الإنسان ..لأن عمر سورية ثلاثة عشر ألفا قبل الميلاد ..وستبقى
نقرأ من خلال مفردات الديوان ما يؤهلنا للغوص في عمق تاريخ العمل الأدبي المؤرخ والجميل …في قلب الحدث يقف الديوان شامخاً كشموخ الجبال ..يحكي قصص وروايات لنا وللأجيال قادمة ويسجل بكل عرفانن لهذه الجهود الخيرة التي أوجد ت وأنتجت وأخرجت هذا العمل الذي يعيد لنا أبجديات البوح من الألف إلى الياء..