Manal Zaffour
اﻹمبراطور المقاتل الجسور الشرس القوي عازف الناي الماهر
بتقول الحكاية :..انو سبتيموس وجوليا دومنا خلفوا ولدين..الكبير باسيان ( أنطونيو ..كركلا) ..والصغير جيتا..وكان اﻷخين متناقضين بكل شيء مع انن كانوا شديدي الذكاء وسريعي الحفظ أثناء تعلمهن..جيتا كان بيشبه أمه جوليا بعشقها للعلم والمعرفة وحماسها لﻹستكشاف والبحث عن الحقائق وكان هو الطفل المدلل عند أمه..أما باسيان فكان يكره العلم والتعلم وكان من صغره قوي شرس ورافض للظلم وشكاك ..وكان اﻹختلاف بالمزاج بين اﻷخين واضح تماما واتجسد بالمشاجرات الدائمة بيناتن وكانوا يتقاتلو بعنف مقصود واستمرت هالمنافسة لبعد ما كبروا..وكان الواحد فيهن يكره شو بيحب التاني.. (وبحادثة صغيرة صارت وكانت بمثابة امتحان الهن من قبل أهلن..انو دعوهن لحضور مجلس عسكري لتقرير إعدام اﻷسرى أو إبقائهم على قيد الحياة..وكان رأي جيتا : انو ما لازم نقتلن ونسبب حزن وأسى للناس بيوم انتصارنا…ورأي باسيان كان : انو لازم نقتل كل اﻷسرى حتى اﻷطفال منهم)..هالحادثة سببت القلق لﻹمبراطور وزوجته على مستقبل اﻷسرة واﻹمبراطورية (وصار اللي خافوا منو ..هالجزء المأساوي من حياة كركلا اللي ماحبيت احكيلكن عنو ولا جيب سيرتو بشكل مباشر)..
اتزوج كركﻻ من فلوطيلا(فولفيا بوتيلا) ابنة فلوطينو صديق والده وابن بلدته (لبدة) ورئيس الحرس البريتوري الحامي لﻹمبراطور وطبعا كان طمعان بالوصول للعرش عن طريق هالمصاهرة ولعب دور سيء جدا بتغذية الكره والطمع والشر بنفس باسيان ضد عائلته وكان باسيان بيكره زوجته فلوطيلا وبيهجرها وبيهينها دايما ..وكان يكره أبوها ﻷنو قدر يقنع اﻹمبراطور بأنو يتولى باسيان بالرعاية والحماية والتأهيل ليكون امبراطور بوصفه ولي العهد..فكان دايما يلقي عليه اﻷوامر ويتدخل بكل شؤونه بحجة انو حاميه وراعيه..وفعلا ماطول فلوطينو ليظهر على حقيقتو بترتيبة لمؤامرة بيدخل فيها عاﻹمبراطور وبيقتلو وبيقتل باسيان وبيشيع الخبر بأنو قتل أبوه اﻹمبراطورلهيك هو قتله وبيستلم العرش..ولكن مؤامرته انكشفت فورا وهجم عليه باسيان ونزع عنو جلبابه ليبين تحتو درع الحماية اللي ممنوع على أحد يلبسه أثناء زيارة اﻹمبراطور ..فضربه بسيفه وقضى عليه..وانصدم اﻹمبراطور من مؤامرة أصدقاؤه ضده ..فغير معايير تقييمه للناس وعين بابنيان رئيس للحرس البريتوري وهيك أعاد ضبط زمام اﻷمور فورا..
ولما مات اﻹمبراطور سبتيمو ترأس اﻷميرين باسيان وجيتا مراسم حرق الجثمان ووضعه بجرة ليحملوها الى روما..وآخر كلمة قالها سبتيمو ﻷولاده اللي كانو واقفين بجانبه بلحظاته اﻷخيرة : “”كونا على وفاق وسلام و اهتما بشؤون الجنود والعساكر ولاتهتما بكلام اﻵخرين””.
وورثهن سبتيمو جيش قوي منظم مخلص وشديد الوﻻء الو وﻷسرتو وخاصة لجوليا دومنا.لهيك أقسم الجيش على الوﻻء لﻷخوين اﻹمبراطورين ليحكموا سوا
لكن باسيان انطونيو كركلا سعى لطلب اﻷفضلية عند الجيش لكونو اﻹبن البكر وولي العهد..لكن الجيش رفض (ﻷنو كان بيرتاح لجيتا أكتر وبيكره عند باسيان صفة فرض رغبته بدل مايسمع لﻵخرين واحتقاره لكرامة الرجال وسعيو الدائم ﻹسترضاء الحرس البريتوري )..وانقسم الحكم بين اﻷميرين _ باسيان بيحكم أوروبا وعاصمته روما _وجيتا بيحكم آسيا وعاصمته اﻹسكندرية أو أنطاكيا وكمان انقسم مجلس الشيوخ فاللي من أصل شرقي بيتبعوا لجيتا وكانت حصته الثروة والمال..والباقيين بيتبعوا لباسيان وخاصة الميدان التجاري..وبعد هالقسمة حكموا فترة قصيرة كتير وبعدها انقتل جيتا والمتهم باسيان اللي صار اﻹمبراطور اﻷوحد لروما وبدأ العمل وبمساعدة وصمود اﻷوغيستا جوليا دومنا اﻹمبراطورة واﻷم العظيمة اللي وقفت لجانبه برغم كل المآسي واﻵﻻم اللي سببها ..وأنقذتو متل ما أنقذت اﻹمبراطورية وهالشي خلا باسيان يحس بفداحة عمله وخطاياه فما لاقى طريقة ليكفر فيها عن خطاياه قدام والدته إﻻ أنو يرميلها خاتم اﻹمبراطور ويتركلها مهمة ادارة وتصريف شؤون اﻹمبراطورية ..وبيقولو عنو انو بعد ماصار امبراطور صار يروح يحضر مجالس أساتذة الفلسفة ليتعلم وكان قادر على ادارة شؤون المحاكم واﻷمور القضائية بكفاءة ونجاح وكان يفهم القضايا بسرعة وكان متحدث طلق اللسان وحاضر البديهة وكان يحكي كلشي بصراحة دون خوف أو خجل.(وبعد مقتل أخوه جيتا بسنة غادر روما ومارجعلها إلا مرة لمن مرض وهالشي حير المؤرخين)..
وانصرف كركلا لتمضية كل وقته مع الجنود .المكان المحبب لقلبه أكتر من أي شيء وكان بطبعه بيفضل مرافقة الجنود على مرافقة الرجال المهذبين بسبب خشونة طبعه وقساوة قلبه ومع هيك كان عازف ماهرعلى آلة الناي وكان بخلواته مع نفسه يعزف ألحان جميلة وحزينة يستمتع الجنود بسماعها..وكان كريم معهن ويهتم كتير بشؤونهن وكان يمشي على خطة والده معهم وهي السير مشي على اﻷقدام رافض الركوب على الحصان أو العربة واذا احتاج الجنود لحفر خندق أو عمل جسر فكان أول مين بيحمل الفاس ويحفر وكان ياكل من نفس أكلهن ويطبخ بأواني مطبخهن وبكتير مناسبات كان يحب يكون هو الطباخ..وطبعا باسيان كركﻻ كان شجاع مابيخاف الموت مقاتل جسور قوي وشرس حتى قالو عنو انو بيقدر يصارع الوحوش ويقتلها..وكل هالمواصفات عملتلو شعبية بين الجنود وهون صار اسمو كركلا وحكاية هاﻹسم : كركلا هو قرقلا يعني بالسرياني العباية اﻹرجوانية ..بيحكوا الجنود انو كان باسيان يظهر بينهم فجأة بعبايتو اﻹرجوانية فكانوا ينحرجوا من ظهوره المفاجئ بينهم فصاروا يعملو نوبات مراقبة ولما حدا يلمح العباية كان يصرخ (قرقلا) (عباية) ففورا بيصلحوا جلستن أو بيتخبوا أو بيعملوا حالن عم يشتغلوا شي مفيد..ومن وقتها صار اسم باسيان المعروف فيه كركلا..(هالتقليد السوري بعدو لهﻷ موجود عنا بالجيش السوري فلما العساكر أو الجنود بثكناتن أو طلاب الدورات بيلمحوا قائدهم بيصرخوا (عباية)هالكلمة ضلت كلمة السر للتنبيه .)..
وكان كركلا يشعر بلذة باﻷعمال العسكرية ﻹظهار مواهبه.. وعند نشوب المعارك …كان يظهر كفاءة عظيمة كقائد اكتسبها من الخبرة الكبيرة من مرافقة والده اﻹمبراطور بالمعارك والحملات العسكرية بكل مكان..وكان تفضيله للمعيشة على الحدود وانشغاله بالشؤون العسكرية مناسب لجوليا دومنا لتسيير دفة الشؤون اﻹدارية المدنية وأعطاها مطلق الحرية لتطبيق سياستها فتقسيم السلطة على هالنحو كان مفيد لﻹمبراطورية اللي ازدهرت تحت رعاية وعناية جوليا برغم اسراف ولدها بدفع اﻷموال السخية للجيش ولكنها قدرت انو توفر المال اللازم لﻷشغال العامة وشؤون الدولة باعتمادها على زيادة النشاط بادارة الشؤون المالية وبالوقوف ضد السرقات والفساد وما اعتمدت على زيادة الضرايب وتركت الدولة بحالة توازن مالي بجميع التزاماتها..
وأما أعمال كركلا اللي خلتو مشهوركامبراطور مع انو حياتو كانت قصيرة بس مؤثرة على المستوى اﻹجتماعي والسياسي والعسكري فامتدت بعهده ساحة المعارك اللي خاضها من الجانب الشرقي لنهر الراين وحتى نهر الدانوب وشملت جميع مناطق داسيا (رومانيا الحالية) وعمل هالشي لتأمين المناطق الحدودية لﻹمبراطورية وكان يعتبر حاله متل اﻹسكندر المقدوني وأطلق على نفسه لقب اسكندر الشرق..
وبقي كركلابمنظقة الراين طوال سنة 2133 وانشغل فيها بالعمليات الحربية ضد القبائل الجرمانية واستطاع انو يكسر مقاومتهن ويهدي القبائل بدفع مبالغ كبيرة لزعمائهم وهيك مد نفوذ اﻹمبراطورية داخل البلاد حتى نهر اﻷلب وكان من عادة الرومان استعمال القوة والرشوة ﻹحلال السلم ( كان كركلا يستخدم اسلوب ممالحة لﻵخرين لكسب ودهم والتقرب منهم فمثلا لمن راح للتفاوض مع الجرمان لبس ملابس جرمانية وانتقلت القصة لكل القرى النائية وحبوها كتير وهيك كسب شعبية عندهم و عمل معاهدات معهم استمرت 20 سنة) وبعد ما أحرز انتصاراته بأقصى الشمال عالقبائل الجرمانية ساءت صحته فاضطر للعودة لروما لﻹستشفاء واستغل وجوده فيهاوأنشأ بعض المباني العامة اللي زينت عهده وما زالت آثارها موجودة لحد اﻵن وبتحمل اسمه متل حمامات كركلا اللي بدأ بانشائها وما انتهت إﻻ بعد مماته (و فكرة الحمام اللي نقلها السوريين معهم ﻷوروبا كانت جزء من العقيدة السورية فالحمام والنظافة واﻹستحمام هو جزء من الطقوس الدينية انطلاقا من اﻹعتقاد السوري بأن الجسم هو هيكل الروح وبيت الصلاة أو المعبد هو هيكل الرب والطهارة فيهن فرض وواجب)..وكان بناء الحمامات الرئيسي مكون من اﻵجر واﻹسمنت المسلح وبيشغل مساحة 270 الف قدم مربعة وكان فيه درج حلزوني بتوصل ﻷعلى الجدران وكان بداخل الحمامات عدد من التماثيل وبيحمل سقفها 200 عمود منحوتة من الحجر اﻷعبل والمرمر والحجر السماقي وكانت أرض الحمامات وجدرانها المبنية من الرخام ومطعمة بمناظر من الفسيفساء وكان الماء ينصب من أفواه ضخمة من الفضة في برك وأحواض بتتسع ﻹستحمام 1600 شخص بوقت واحد وكان يتبع الحمامات مدارس للتدريب الرياضي وقاعات ضخمة للحفلات الموسيقية وقاعات للمحاضرات وكان اﻷباطرة الحماصنة يشجعوا الفكر والمفكرين وأقاموا العديد من المكتبات واتميز بعهدن فن النحت والتصوير بصدقه وواقعيته حتى انو كركلا طلب من أحد المثالين انو يصوره بصورة شخص فظ أجعد الشعر متجهم الوجه و هي المنحوتة موجودة بمتحف نابولي…وكمان شيد كركلا ضريح للرب المخلص سرأفيص باﻹسكندرية ..وأرسل المهندسين لبناء الحصون على الطرق الطويلة ﻹستراحة الجنود اثناء تسيير حملاته العسكرية…
أما أعماله اﻹجتماعية : قام باصلاح دستوري باﻹمبراطورية بمساعدة والدته جوليا ووضع دستور (أنطونيوس) وهو قانون بيوسع مدى إمكانية الحصول على الرعوية الرومانية لجميع سكان اﻹمبراطورية ماعدا العبيد وبعدين صارت الرعوية حق من الحقوق المكتسبة بالولادة باﻹمبراطورية وأصدر مرسوم بمنح الجنسية الرومانية منشان زيادة الضرائب اللي جعل الناس كلن متساوين وبيخضعوا لقانون واحد ضمن الحرية والحقوق الممنوحة الهم..وكان بيهدف من هالدستور وبالتعاون مع جوليا لﻹرتقاء بجميع رعايا امبراطوريته للدرجة اﻷرقى بالفكر اﻹنساني والديني ومنع اي تفرقة أو انقسام أو تعصب من الممكن انو يؤدي لﻹنقسام..وكمان عمل كركلا على تخفيض قيمة العملة الفضية بنسبة 25% منشان دفع رواتب الجيوش..وانقتل كركلا بعمر 29 سنة بمنطقة كراي (حران قرب بيت نهرين الميزوبيتاميا)..
والحديث عن كركلا كمان طويل كتير.. حبيت اذكره كشخصية من الشخصيات السورية الرائدة والقيادية اللي ساهمت ببناء الحضارة اﻹنسانية..
وهﻷ ياقرقلا كركلا يا بو العباية ياجدنا اﻹمبراطور العظيم ماحبيت احكي عن الجانب المظلم والقاسي بحياتك ولا عن سلبياتك وفضلت احكي بس عن اﻹيجابيات بحياتك كقائد وامبراطور ﻷنو نحنا السوريين أحفادك بحاجة لكل طاقة إيجابية ممكنة لنحكي وندعم بعضنا فيها ونشد على إيدينا لنكون سوا مع بعض حتى نبني بلدنا لتحيا سوريتنا الجميلة وتحيا سوريا…….
تحيا سوريا