- أمير اللون الأحادي الفنان ( عبد الرسول الجابري ) ..شاعر ضوئي .. ماءُ إبداعه الحزن …
- بقلم : فريد ظفور
- كل عيون المحبين ترحل الى هضابه الممشوقة بالفن الفوتوغرافي وكل القلوب ترفرف في فضائه الفني الرحب الفسيح ..كما أسراب الحمام ..تلوح بمنديل محبة أحاكته سحب الربيع الضوئي من خيوط وجنتيه ..ليرتشف عشاق فنه من ماء إبداعه العذب جرعة رمادية يطفي بها غليل الإشتياق ..ويشرئب من بين كفيه شجر نخيل تألقه ويطل من مساكب أرض بلاد الرافدين الطيبة نبت فنه الإحادي اللون بتدرجاته الرماية وفراشات صوره البيضاء والسوداء ترقص هنا وهناك تبلل أجنحتها نسائم الصباح العليل ..وتداعب أنامل البابلي قطرات الندى أول الفجر الضوئي ..
- لم تعد فكرة الديجيتال في إطار التصور الفوتوغرافي المعاصر مجرد حنين رومانسي ولا مجرد استعادة لطاري تاريخ التصوير ..بل أصبح الديجيتال ضرورة حيوية تفرضها الظروف المحيطة المعاصرة من منظومة الإتصالات وثورة المعلومات وغزو الفضائيات ومحركات البحث والمواقع وشبكات التواصل الإجتماعية المتعددة..وأصبح يفرض منطق العصر القائم على تنافس الشركات القاتل بين مجموعات إقتصادية تنتج كل يوم جديد من أجهزة الخليوي وأجهزة الديجيتال من كاميرات وطابعات وعدسات وبطاقات ذواكر ومعدات ضوئية وألكترونية مخيفة ومذهلة ..تتركنا نسبح في بحر من البدائل والخيارات التقنية التي تستهلكنا مادياً ومعنوياً..
- لقد أصبح الديجيتال هو الآلية الإقتصادية والسياسية والمعلوماتية التي تفرض نفسها على العالم..وعين ا كعرب أن نستجيب إستجابة موفقة وايجابية لمتطلبات عصر التقنية المعاصرة..
- وباعتقادنا أن الظروف العالمية والإقليمة هي الآن أكثر ملاءمة للقيام ولو بالحدود الدنيا للتكامل العربي بين الأندية والإتحادات الفوتوغرافية ولو بشكل ثنائي أو جماعي..ورغم الظروف التي تمر بها بلداننا العربية ورغم المآل الراهن الذي آلت اليه الأوضاع حيث تغيب حتى الحدود الدنيا من التنسيق والتضامن والتعاون حتى في قضية التقنية والإتحادات الفرعية التي لاتقدم في بعض الأحيان ما يطلبه الإتحاد العربي المركزي من نشاطات والتزامات ..وبالرغم من ذلك فالتكامل والتنسيق بمثابة المطالب العاجلة في قائمة الإختيارات العربية المساعدة على بلوغ التقدم الذي أصبح شرطاً للوجود الضوئي الفني ضمن الظروف الدولية الصعبة والمتحركة …
- يتوجه كثير من المصورين الى الديجيتال وكاميراته وأجهزة إتصالاته الراقية والتي غدت تنافس الكاميرات شبه الإحترافية لسرعة أدائها وتواجدها وضآلة ثمنها مقارنة بالكاميرات الإحترافية الرقمية..
كيف نتصور عالم الديجيتال وهل يمكن أن نضع ضوابط ونظم وقوانين لمعادلة استخدام الناس للديجيتال ..وما هي الأساليب والمقترحات لذلك وما هي حسنات كل من الديجيتال وغيره من التقنيات ..وهل هناك علاج لمرض الفيس بوك أو للألعاب التي تغزو أجهزتنا مثل لعبة حرب الإستدعاء التي ناف عدد تنزيلاتها من الشبكة للمستخدمين للعبة عن الــ 70000000 سبعة مائة مليون تنزيل ..فماذا يدل هذا وغيره من الغزو الثافي لنا ولأفكارنا ولمصادرة وقتنا وكذلك عبر المزرعة السعيدة ..ونجد بأن الأجهزة الرقمية تحاصرنا وتسرق وقتنا لدرجة أنك تدخل لتمضي بعض الوقت عند أهلك أو أصدقائك فتجد الجميع مركون بناظريه الى جهازة يرد أو يقرأ الإعجابات واللايكات والإستدعاءات وماشاكلها فتجد في الإسرة الواحدة العربية المؤلفة من عشرة أشخاص ..ويكاد يكون الجميع قد أخذتهم عدوى الفيس والتواصل بالوتس والإنسغرام والتغريد على تويتر ..وغيرها بإستثناء ربما الأب والأم فقد يكونوا خارج السرب يغردون لوحدهم ويشعرون بالغربة بينهم وبين أبنائهم وأحفادهم..فهل من مقاييس ومفاهيم وضوابط رادعة لنا جميعاً ..لنقدر قيمة الوقت ومدى فائدته وامكانية تسخير التقنية لصالحنا وللفائدة المادية والمعنوية وتحويل الأجهزة من أداة تقتل وقتنا وتحولنا لقطيع مستهلك الى عالم منتج ومستفيد من تلك الأجهزة وتحويلها من وبال على الأسرة الى مادة ذات نفع وفائدة لنا ولمجتمعنا..
الفنان البابلي عبد الرسول الجابري أمير اللون الأحادي وشاعر التدرجات الرمادية الضوئية…
مضى مايقارب الأربعة سنوات على تعارفنا ..وكان موضوع الإبداع يحتل مكاناً مرموقاً بين حواراتنا عن المصورين واستمر ارتفاع منحنى الإهتمام به يتزايد سنة بعد سنة في صفحة إتحادنا الميمون التي يدير كفتها الأستاذ الجابري بإقتدار وحرفية عالية..فقد طوق جيد الصفحة بجهده في أن تكون بأحسن حال.. والحق أنني كنت مقصر بسب ظروف شرحتها ..ولكني كنت على متابعة حسيسة بمجريات الأمور ومناقشات الزملاء وعملهم الدؤوب والمستمر والذي أنحني إكباراً وإجلالاً لكل جهد قدمه الزملاء والزملات في صفحة الإتحاد..وكم كان حماسه كبيراً لكي يكون لنا فرصة لقاء في حفل جائزة الشارقة وأيضاً حال الظرف فيما بيننا ..ولقد كان مايوطد عُرى صداقتنا ميله باللإنحياز لفن الزمن القديم الأبيض والأسود ولعشقة لملكه في سورية الأستاذ جورج عشي الذي أجل عمله في تدرجاته الرمادية وأرشفته للفن والفنانين والشخصيات الفنية والثقافية العربية والسورية ..وأتذكر أمر آخر بأن أحد الأمراء في دولة قطر الشقيقة اشترى عدسة من شركة لايكا..وكم كان حماسي كبيراً للخبر وظن البعض أنني أتهكم لاسمح الله ولكني الحق كنت في غاية السعادة للذوق الرفيع للأمير الذي آمل أن أعرف عنه بعض المعلومات وأتعرف عليه أكثر ..وأيضاً سعادتي استمرت لأنه إنضم الى فريق المصورين نجم آخر ..مثله مثل الكثير من رؤساء وأمراء وملوك عشقوا الكاميرا وأحبوها..نذكر منه الراحل جمال عبد الناصر ..والخ ..فكل التحية والتقدير لكل من عشق الفن الضوئي وحمل كاميرا ليسجل فيها ذكرياته أو أفكاره الفنية..
إننا نؤثر أن نتحدث عن الخبرة الجمالية عند الجابري قبل أن نصفها بأنها إحساس أو تأثير أو تغيير ..فقد تكون كل ذلك ولكنها شيء مختلف ..ليست الخبرة الجمالية بحد ذاتها انها لاترجح فقط ماتنفع به النفس فهي ليست في جوهرها إحساساً بالسار أو المكدر باللذة أو الألم بعشقة للفقراء والمساكن بحبه للحياة وان كانت الخبرة الجمالية مجسمة فيما يعتري النفس من حركات وإنفعالات كما أنها ليست في جوهرها إشارة إلى الموضوع الحسي الخارجي ولا تمثيلاً به وليست ضرباً من التصور الذهني ولا تعبيراً عن أمر موضوعي أي أنها لاتنتمي على الواقع العلمي كما يصوغه العقل الفني..
ومجال الخبرة الجمالية ليس في الذاتي البحت ولا بالموضوعي البحت فهي بينهما.. ومما هو معروف بأن الفنان الحق يتضمن دائماً عدم الرضا عن عمله..لأن الفن الحق ليس تقليداً ولا تركيباً سواء من الوجهة الذاتية أو الموضوعية..
والفن ليس في جوهره تعبيراً أو وصفاً وليس خلقاً بحتاً ولكن الفن في جوهره خبرة من نوع خاص ليست بالحسية الذاتية ولا بالعقلية الموضوعية…وهو تراكم خبرة جمالية أما الوصف أو التعبير أو التمثيل أو التجسيم فهي ليست إلا وسائل في خدمة مضمون الخبرة الجمالية الضوئية..
الجابري توفي وطنه وهو في المهجر .. فَرَّ الى ذاكرته فانهالت عليه السياط الحارقة من الغربة .. ثم إلتجأ الى التاريخ فرآه منهوباً ومزوراً..فلم يكن أمامه سوى العيش أو التعايش مع ذاكرته في جسم واحد وفي بلاد العم سام…لهذا نشأ في المنفى يتيماً وبدل أن يدخل دار الأيتام دخل بلاد الغربة كما السنونو المهاجر..حتى بلغ سن الرشد الضوئي الوطني ..فتعرف على شقاء الطفولة وعذابات الناس المهجرة والمنكوبة بفقيد أو شهيد..
عند دخولنا الى محراب الجابري علينا أن ندرك خارطة الحزن التي تظهر ملامحنا الشاحبة ..يلونها حزنه العميق باللون الأحادي ليترك الأثر والتأثير أعظم في ذاكرتنا.. فنجول معه في الوديان والجبال والأنهار التي تتفق لتصب في حوض التاريخ الضوئي أو تغوص في رمال الذاكرة المنسية..رغم أن الإبداع حصيلة تجربته الذاتية المنسجمة مع ذوات الآخرين وبذلك يكون إبداعه شعبياً وجماهيرياً..أعماله قصة عشق للبسطاء والفقراء والفلاحين والطفولة المعذبة..أو قصته سيرة وطن يطير مكسور الجناح مثقل بالخوذ وقمل الأوسمة..وصوره التي يعزفها لنا بلونها الأحادي المتدرج هي رواية وعزف للبسطاء وتاريخهم ..وهي حقن ضوئية في وريد تفكيرنا باللون الأحادي..لتدغدغ أحلامنا اللازوردية في عشقنا لفنة الرائع..لأن صوره حين تمر بين الألوان في الطابعة تفقد طهارتها .. وتنتهي الرحلة عند خروجنا من عالمه ذي اللون الأحادي ..
ــــــــــــــــــــــــــــ ملحق ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ