جلال شيخو بين سندان التصوير ومطرقة الخط العربي
– بقلم : فريد ظفور
- تميز الخلفاء العرب والمسلمون في القرن السابع بعد اسقرار الحكم العربي الإسلامي على يد الأمويين بتشجيعهم الكبير للعلوم والفنون والآداب التي لعبت دوراً أساسياً في تطور الحضارة ..وأيضاً خلال الحقبتين الأيوبية والمملوكية ..فمن قبة الصخرة في القدس والجامع الأموي في دمشق الى جامع القيروان وجامع ابن طولون في مصر ومن اختراع تقنية الخزف ذي البريق المعدني الى آلاف القطع الخزفية الرائعة والمنحوتات الخشبية والعاجية والمعدنية الى المخطوطات الحاوية على نماذج بديعة من أنواع الخط العربية وأيضاً على رسومات ملونة قيمة ..تلك الحركة الفنية المدهشة التي استمرت زهاء ألف عام وعبرت عن ذوق فني رفيع وفريد وعلاقة مرهفة مع الجمال ..وان أجمل الأواني الزجاجية الملونة كانت مصنوعة في مصر وسورية..وذلك لتوصل معلمي الزجاج السوريين الى اختراع تقنيات حرفية جديدة مكنتهم من تذهيب الزجاج واستعمال مواد المينا الملونة بصورة مغايرة لم تعهدها الحضارات السابقة من قبل..وغدى تنوع أشكال الأواني الزجاجية وأحجامها يلاحظ عليه تنوع الصور المرسومة والخطوط المكتوبة واختصرت تلك الرسوم جمالية فن التصوير الإسلامي من حيث رفضها لمبدأ محاكاة الطبيعة والتجسيم مؤكدة على التسطيح والغاء مبدأ البعد الثالث ..وهي صفات جمالية نادى بها الفنانون الغربيون الحديثون منذ أواخر القرن التاسع عشر..علاوة عن المصابيح الملونة والمذهبة التي كانت تعلق في سقوف الجوامع بواسطة سلاسل وكانت تزين بكتابات تعتمد على خط الثلث المملوكي وتضم آيات قرآنية وتعابير تمجد السلطان الى جانب الخط كان يرسم الفروع النباتية والأزهار ومنها زهرة اللوتس وشعارات السلاطين وكذلك كتابة آية النور على جزء كبير من مصابيح الجوامع..وربما كان يرمز بالمصباح للنور الإلهي ..
- غير أن أولوية فن الخط العربي عند شيخو لاتفترض هذه اللامبالاة بفن التصوير الذي غالباً مايقدمه بشغف لطلبته في المعاهد..ولكن الإفراط في دقة صنعته في الخط وتذوقه للألوان في التصوير يضعانه بين فكي كماشة الضوء والخط..بين سندان الخط العربي ومطرقة فن التصوير…ولقد عبر بأسلوبه الخطي وعذوبته عن متطلبات روح العصر ولأن عمله يرتبط مباشرتاً بالأفكار والفنون التي تشربها من محيطه وبيئته..فقد عاش وعاصر جيل رواد التصوير وتعلم منهم ثم علم تلامذته من بعد ..وهكذا بدأ الفنان يكتشف أن الحقيقة في الواقع..وأن الواقع يعني إيجاد مثل جمالية وفنية فوتوغرافية جديدة وهي نتيجة ذلك الإحتكال بين جيلين القديم والحديث..وهكذا نمت تجربته التي تعني إعادة تصوير الموضعات التي فيه بشر من لحم و دم..ورسم بالصورة الطبيعة والبيئة التي تحيط بالإنسان..وقد سار خطوات أبعد في مجال الصورة الضوئية لإرتباطها بالواقع بدل الإعتماد فقط على الخط وأتم عملية بناء الصور بالمساحات الملونة وبالتناغم وبالتدرجات الأحادية الرمادية أو بتدرجات ألوان الطيف..وعن طريق فهم جديد لدور الضوء في عملية تشكيل الصورة وهكذا تمت عملية ازدواجية عنده بين الصورة والخط..حين أفسح المجال أمام إبداعه الفراغ المحيط بالأشكال والبيئة المحيطة ليلعب دوراً في تحديد اللون والشكل والكادر في أعماله الفنية المتألقة..القادرة أن تقول لنا الكثير من الأشياء وتحدثنا عنه ولهذا كانت أعماه وسيلة أساسية لدراسة فنه وتجربته الرائدة بالخط و الصورة..
- ومنذ عرف العرب الخط منذ قديم العصور وقبل الأبجدية التي عُثر عليها في أوغاريت رأس شمرا بآلاف السنين. وقد عثر في شبه الجزيرة العربية وفي أماكن مختلفة على كتابات عربية مدونة بخط المسند، لذا اعتبره الباحثون والمؤرخون القلم العربي الأول والأصيل وهو خط أهل اليمن، ويسمونه خط حِميَر. وقد بقي قوم من أهل اليمن يكتبون بالمسند بعد الإسلام، ويقرؤون نصوصه، فلما جاء الإسلام كان أهل مكة يكتبون بقلم خاص بهم تختلف حروفه عن حروف المسند و دعوه القلم العربي أو الخط العربي حيناً و الكتاب العربي أو الكتابة العربية حيناً آخر تمييزًا له عن المسند.وأما أشهر أنواع الخطوط العربية :
- – الخط الكوفي – خط النسخ – الخط الديواني – خط الرُّقعة – خط الثُلث – الخط الأندلسي – الخط الفارسي.
- الخط العربي هو أسلوب كتابة حروف اللغة العربية، ولكل خط من الخطوط العربية شكل خاص فيه، وتاريخٌ ارتبط بنشأته، وما يميز الخط العربي عن غيره من الخطوط، هو طريقة كتابته، والتي تعتمد على فن الرسم، أكثر من الكتابة العادية المعروفة عند الناس، فيحرص الشخص الذي يتقن كتابة خط من الخطوط العربية، على رسمه بأفضل الصور، للدلالة على مدى جماله، ويسمى الشخص الذي يتقن كتابة جميع الخطوط العربية ( الخطاط )
- ولعله من نافلة التذكير برواد الخط وبأشهرهم أمثال: حمد الله المعروف بابن الشيخ والحافظ عثمان ومصطفى الراقم وحامد الآمدي وهاشم البغدادي وابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي..وغيرهم الكثير في الدول العربية والإسلامية ..ومايهمنا أن نشير الى آخر أعمال فناننا الأستاذ حلال شيخو بتصميمه وتقديمه شعار : القاهرة عاصمة الصورة العربية 2016 م في معرض القاهرة للتصوير الضوئي الأخير في بداية هذا العام الذي كان بمثابة بصمة خطية ضوئية لزملائنا في مصر أم الدنيا..
لقد مضى الفنان شيخو أبعد من أقرانه في البحث عن الإيقاع وعن أداء مثالي وتراثي للواقع ..وطبيعته المتقبلة والقابلة للتأثر قادته من السذاجة الى الصوفية الحارقة وقد نقل معارفه وتعاليمه التراثية والإسلامية الفنية الى العديد من التلاميذ في محترفه وفي عدد من المعاهد والمدارس..
كانت رؤيته الذاتية الحقة هي رؤية عالم تعسفي عرف كيف يضفي عليه شاعريته الساحرة صور وأشكال زخرفية وخطية لا تتسلسل تبعاً لمتطلبات البعد وإنما يعرضها على صعيد قريب من المتلقي أو المشاهدأو طلبته ..أمام خلفية تجهد لتحديد العمق ويأخذ عناصره الفنية الضوئية والتشكيلية في فن الخط من فن العمارة الإسلامية وغيرها ومن الزخارف ومن الطبيعة ومن الحارات الدمشقية القديمىة..لتتخذ لوحاته أحياناً أشكالاً دائرية أو مستطلية..ولكن مايجمع بين الصورة الضوئية ولوحة الخط هو الإيقاع الرشيق والشبه موسيقي والذي يترجم مايحمله لنا في جعبته من أصالة وثقافة بصرية …
هذه الحركة الأساسية لعالم جلال شيخو يعبر عنها بالخط الذي تفوق أهميته الحجم خط جميل غير مرتقب ذو حساسية متميزة الشخصية الفنية ..وتموج الصور الفوتوغرافية البشرية وغيرها فأحياناً يتلاعب ويعرج ويضيف الفلاتر تبعاً لنوايا وفكر الفنان ..خط يلح على تعرجات المحيط بالعمل المنجز وعلى الخواص اللامتناظرة للوجوه ولكن عدم نظاميته تجنبه بالضبط أن يختلط مع الزخرفية لأنه يريد التعبير عن الفكرة من وراء العمل..
والفن هو الرسم وهو الدقة في التعبير بالخط ولا حياة للتصوير دون الدقة فهي روحه وهذا يجعلنا نحس بأن عيننا تتابع أعماله الهارمونية الهرمية والدائرية التي تدمج الأشخاص والخطوط مع الواقع ليتركنا نشعر بعدم الإنفصال بأعماله فلكل اسهاماته في توازن اللوحة أو الصورة ولكل شيء وجوده الفردي ولجميع الأشياء وجودها الجماعي بحيث لاتضيع التفاصيل أمام الكل وتأخذ كل الأشياء قيمها اللونية لتساعد على توضيح أفكارة..وعظمة مايقدمه لنا من التقط المشهد من الحياة المعاصرة له وجعلها دراما حية معبرة فيها المأساة والفرح وفيها اللحظة الحياتية والتراثية التي منحها الخلود حين أوقفها ورفع أولئك الأشخاص الأشخاص العاديين وجعلهم واسطة تعبير عن أفكاره الضوئية والخطية لاتقل أهمية عن تصوير العظماء والشخصيات المهمة بل أكثرهم ضخامة وقوة حضور وتأثير..
ونصل بّر الأمان الفنية لندرك حقيقة علينا أن نعترف بها وهي أننا نعيش مع الأستاذ جلال بيد المطرقة والسندان ..بين سندان التصوير ومطرقة الخط العربي ..ويبدو أننا اخترنا ذلك بملء إرادتنا ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق:
صور من قبل Jalal Shekho — مع Nouran Sheikho وTalal Bittar.
حلقة لمدة 45 دقيقة عن الخط العربي مع استطلاع عملي اثناء تدريس الخط لطلاب المعهد التقاني للفنون التطبيقية بادارة الاستاذ طلال بيطار وكتابة مباشرة مع اضاءة تاريخية منذ نشوئه والى الآن وضرورة اعطائه اولوية واهمية في منهاج التعليم الاساسي في مدارسنا في برنامج اضاءات على الفضائية التربوية البارحة
الصور بموبايل المصور التلفزيوني
9/1/2017
المقيم باسبانيا منذ عام 1990
وهي بورتريه لجلال شيخو
بشكرك كتير يامازن لهديتك الغالية عليّ — مع Mazen Boukai.