- الأستاذ علي بن ثالث يعلمنا فن الغوص في الأعماق الضوئية..
- بقلم : فريد ظفور
- يخرج من أحشاء الفن الضوئي المترع ..وبالصحو الأزرق عيناه ..ترعى الجائزة في أرجاء الجسد الشاسع جموع نجوم الجائزة ..وفي أمدائه ترنو الغابات الفنية الى البحر المخضل ليغوص ويكتشف كنوزه ..بدماء الشباب ..وقد سطعت أنوار وجهه حيوية ونشاطاً..ورحت أفتش في مناجم الفوتوغرافيا عن أجمل الكلمات عن ماسة العشق الفوتوغرافي التي لم أكتشف..عن نجم قد أينع في غابة سماء التصوير ..وعندما قطفتها غرقتُ في تدفق الضياء المعرفي ورأيت في ضرامها حمائم السلام الفوتوغرافية تشع في بياضها أزهار الربيع وترفّ في الأنسام أطايب عطره الفني الفواح ..إنه الأستاذ الفنان علي بن ثالث الأمين العام لجائزة حمدان بن راشد الذي حزمنا أمتعتنا لنبحر ونغوص في بحره علنا نجد الكنوز المعرفية في جعبته وتجاربه الضوئية الثمينة..
- في أعماق الذروة المعراجية الضوئية تلغى حدود الزمان وحتى المكان والفروق بين التصوير على اليابسة والتصوير في باطن الأرض تحت الأعماق..وتشف عتبات الزمن بين مداخل ورشات الفوتوغرافيين وبين اللوحات الضوئية الحديثة ..خاصة لبعض تجارب الفنانين المبدعين الذين نحتوا اسمهم في صخرة الفوتوغرافيا العالمية كواحد من مصوري الأعماق في محيطات البحار وممن لم يقطعوا حبل سرتهم مع ذاكرة الوطن مع الحضارة ..من أمثال الأستاذ علي بن ثالث الذي نبحر معه في سفينته الفوتوغرافية ..ثم مانلبس أن نرتدي ثياب الغطس من قفازات ورداء غطس وجهاز تنفس وزعانف…بغية الولوج معه الى سبر الأعماق لنتعرف على تجربته الضوئية في الغطس وفي التصوير ..حيث كان صيدنا ثميناً من غلال وشباك أستاذ التصوير تحت الماء..
- دعونا ندخل طقوس شموس الخليج العربي وداخل بحارها وعلى شطآنها ..حيث تتقزح آلاف الأشعة الضوئية وتنكسر في الأعماق ..وتحت أسقف حطام السفن وفي المغاور والكهوب والسراديب وغيرها .. وحيث تنسل الأشعة من الخارج في الأعلى الملتهبة الى الداخل الرطب المببل بحطوط منظمة متوازية ..تشبه الحزم التي نجدها منسوجة على الألبسة النسائية والرجالية..
- دعونا نجوس بالعين وبالروح على الأسطح الصوفية وعالم الماورائيات المفروشة بسخاء من أشكال حيوانية ..أسماك بكل الألوان وقناديل بحر وقنافذ ومحار ومرجان وحيوانات كبيرة كالتماسيح والحيتان والشعب المرجانية ..دعونا نجوس عتبة عشرات الغطسات وورش العمل والتصوير..المكشوفة في وهج ضوء النهار وبين كل فجر ومغيب تستباح الأعماق عند الغواصين والصيادين والمصورين ليهتكوا هدوء بعض الكائنات الصغيرة والكبيرة وكل لأسبابه الخاصة..وكانها فراديس مفضوحة بلهب الشمس الحارقة وفي تلك الفراديس نعثر على أصناف حيوانات وكائنات بحرية وربما مائية وبرمائية ..لم تألفها عيوننا من قبل..مكدسة بالأحمر والأزرق والأصفر..تتجاور بالقرب من بعضها ضمن مستعمرات مختصة بالسمك وبغيره..ومضات الأسماك المذهبة والمفضفضة تدغدع عيوننا مع حرائر الكائنات البيضاء تتحالف اللمعات البراقة مع المعادن الموجودة بالضخور وتحلق القناديل الشفافه من حولنا تريد أن تعرف مانقوم به.. ويحتل الضوء وشبيهات الزجاج والأضواء المنعكسة والمنكسرة مكانتها الأولى في الإستخدام بالتصوير الضوئي بالرغم من وجود الفلاشات والبجكتورات المرافقة للغواصين والغطاسين ..فتخال نفسك في سوق الزجاج المعشق والمرايا والفسيفساء المزججة والسيراميك وغيرها مما هو موجود في الأسواق على شواطيء المدن البحرية وغيرها..
- وقد احتكر الغواصون تفوقهم..ومهما يكن من أمر كان المصورون يتوخون لصق عدساتهم بطريقة غير معتادة الإتجاه مع أشعة الشمس في الأسفل..وبذلك وعلى درجة عكس هذه الأشعة وفق تبدل الزوايا وهذا مايفسر التدرج اللانهائي في تدرج سطوع السطوح..
ومثل هذه التجزيئة الإنعكاسية للصورة من الضوء ..لا تقتصر في إثارتها على شبكية العين فقط بل تتجاوزها الى عالم آخر ..ومن خلال بنائها الشطرنجي المتضاد والملتبس على مايسمونه بالحيرة أو الحيلة الإدراكية وبذلك نتبين الشكل وإنعكاسه على أرضية الماء أو إنكساره في قاع البحر..وهو مايعرف بالوهم الضوئي أو تزامنية النقيضين أو بالتوليف البصري..وندرك في هذا النوع من القراءة البصرية الساحرة للصورة التي يحصل عليها مصورا وغواصوا الأعماق حيث نكتشف ذلك التواصل الغامض بين الأنظمة البصرية والأنظمة الموسيقية الهارمونية اللحنية الأفقية للصورة كما التقاسيم والذكر ..وبين التحول الأفقي المرهف من مربع وأرخبيل وجزيرة وركن الى آخر بطريقة التداعي التي لاتقبل العودة كما هي صفحات من قصة ألف ليلية وليلة بسحرها السردي العجائبي الممتع.. وتلك الأخاديد والتجويفات والكهوف تكتسب لوناً أبيض قريب من لون سطح الرخام بحيث يظهران في نور الشمس أبيض على أبيض ونوراً على نور..
والواقع بأن جمالية قاع الميحط تعتمد على مبدأ التناظر والقلب والتبادل والإنكسار وفي كل مرة يكون فيها ضوء مركزياً ونحصل على صور منعكسة للبيئة البحرية المصورة وهي مايسمى بفن تصوير المناخ ..الي يعتمد على التبادل الإنعكاسي للأشعة الضوئية التي تعربد بين جنبات المكان من جهة والماء المتلأليء على سطح البحر ..وبحيث يقاد النورالطبيعي الى الأسفل عبر النجيمات ذات الألوان الفردوسية الجميلة ..وكثيراً مايعتمد المصورين تحت الماء على العناصر التشكيلية من ضوء ولون وماء وبيئة محيطة وأدوات تصوير من كاميرات خاصة وفلاشات وعدسات والخ..وأحياناً تثير البلبلة الإدراكية التي تتقارب مع المفهوم الصوفي المسمى بالحيرة ..وذلك من توليد ايهامات خادعة ومدغدغه لعين المصور وللحس والتصور معاً..كمثال الخطوط الحلزونية الإلتفافية على بعض أجسام الكائنات المائية أو تكون الأشعة الخطية على بعض الأسماك ذات الحزم المنكسرة بعضها مستقى من تخطيطات مشابها لتخطيطات جلد حمار الوحش ..بحيث تدرك الفواصل أحياناً كخطوط وبالعكس أو تدرك بان الأبيض على الأبيض كما مربع مالفيتش المربع على الأرضية البيضاء…ألا تغذي مكنونات هذه الكنوز النورانية والنورية بحوث مصوري الأعماق ..خاصة بالنسبة لأولئك الذين لم يقطعوا حبل سرتهم ولو لمرة واحدة مع بيئتهم الإماراتية التي تكتظ بغواصي اللؤلؤ..وتلك المغبوطة بالنور والخبرة والمعرفة عن فن الغوص ..يرتشفون في كل صباح وكل لحظة ومع كل شهيق وزفير نبضات ورحيق تلك الحمم الضوئية الملونة التي تمر على قلوبهم وأبصارهم لتتحول الى تحف وصور ضوئية نادرة..لا تخبو أنوار شموع ابداعهم ولا تذبل ..لآن النور والصور بعضها خال وبعضها زائل ومنسي..لأن المصور العبقري يرى بعين البصيرة فتنفذ في الأنوار المطلقة التي تتغلغل في ثنايا دواخل الشكل المصور وفي لونه..بحيث تتصل تدرجاته وإيقاعاتنه بالخفقات الصوتية والضوئية بحيث تتحق روحانية البصيرة في اللون من خلال درجات تشبعه من الحار الى البارد ..لأن عين البصر تتهاوى في عدد من النواقص…وهكذا فاللون نور ملون فإذا ماذهب اللون بقي النور..وإذا خفي النور رفع الظلام وعمي البصر والبصيرة..وبالنتيجة الضرورة المنهجية فرضت تقسيم ما لايقبل القسمة عالم المادة المحسوسة باللون والضوء ..وبُعدها الميتافيزيقي الذي تتقد فيه هذه المادة بغنائية النور..ولعل رجال التصوف هم من ندعوهم بجماعة الذوق ..مدلهين بالجمال مولهين بوحدة العالم والوجود الذي يتأله ويتقدس بالتأمل الطويل..
وليس بالصدفة أن إتجاه الفن المعاصر بدبي إذا ماتجاوزنا الفن التشخيصي الشعبي ..يبشر الفن الفوتوغرافي بالتجريد والتبشير وتنزيه الأشكال والألوان بالإشارات والأوشام والحروف والزخارف وبالفن المفاهيمي المحدث وهكذا يتصاعد اللون الى نور معرفي ضوئي ويتجاور النور مع النور ليهاجر من مكمنه الضوئي الى الحيز التشكيلي والعكس بالعكس..
ولا شك اننا سننتظر دائماً التجديد والتغيير المنشود ونرقب كل عام بالحفل السنوي للجائزة كل جديد الذي رفع راية التحدي عنواناً لدورته السادسة والذي يجب أن يتم ماسكاً بأطراف الصورة وبعنفواننا العربي والإسلامي وذلك لن يتأتى إلا بالإستيعاب النقدي والعقلي لتراثنا في الجائزة بمختلف مواقفه واتجاهاته في سياق واقعه الإجتماعي والتاريخي سواء في بنيته الإبستمولوجية أو في مضامينه ودلالاته الأيديولوجية لانظرياً فقط وانما بربطه بفاعلية عملية ومتابعة العمل على خروجنا من مرحلة التخلف الضوئي الفني الى المشاركة الفاعلة التي تقدمها جائزة حمدان في حضارة العصر ..والتي أصبحت جزء من الحضور العالمي الإلزامي وتشكل الرقم الصعب بين أقرانها من جوائز عالمية..
يشكل تانيت جائزة حمدان للتصوير الذهبي الشهادة الأكثر فاعلية في تكريس حاصدة الفنان علي بن ثالث كفوتوغرافي متميز وناجح بين المصورين الضوئيين في العالم المعاصر..وإن كان ينتمي الى العالم الأكثر تقدماً والذي يحتاج دائماً الى التجديد والبحث عن الحداثة في فن الفوتوغرافيا وتقنياته.. لكن الجائزة كإحتفالية سنوية بالمتفوقين والمميزين والفائزين بجوائزها..استطاعت بواسطة القائمين عليها أن تؤسس لحضور قاري وعالمي مبني على الموهبة والمقدرة الفنية للكابتن بن ثالث ..في ترتيب وتنظيم عمل فريق الجائزة السنوي وذلك إعتماداً على ذخيرة معرفية وكنز فني في ذاكرته وعلى ذهنية متفتحة وغير سلعية في تسويق الجائزة واستجلاب ماينقصها حتى ولو من خلف البحار ..ليفاجأ ضيوف الجائزة كل عام بشخصيات فوتوغرافية ريادية ولها بصمتها الإبداعية على الصعيد العالمي ..والبعض منها عربي..
وذلك ضمن معادلة ثقافية وخطط ذكية لماحة تعطي الجائزة قوة ومصداقية وتجديد وتحفيز وتستطيع بذلك أن تسمو بالفعل الفني الضوئي الى مستويات حوارية وجدلية وثقافية ذات علاقات متشعبة بالتلاقح وبالتثاقف المعرفي الضوئي الحضاري ومن هنا يبدأ مفعول تانيت الجائزة الحمدانية شاهرتاً الندية عبر اختزانها هذا التراكم البصري المعرفي الحضاري الحديث والقديم للتصوير الضوئي..وبذلك تستقيم المعادلة بشكل ما لتتوهج جائزة هيبا بحضور دولي متحفز ونشيط لذا فإن حجم التكريس والتحشيد الجماهيري للميديا ولصناع القرار و الفوتوغرافيا عربياً وعالمياً ..وهذا يوازي حجم التحدي الذي يتسلح به الفوتوغراي وهذا على مايبدو كان زاد وزوادة الأستاذ علي في ركوب متون رياح التحدي مع ربيع كل عام وكأنه والجائزة توأمان ينبتان أزهاراً بيضاء ناصعة ونضرة كما اللوز الذي يزهر في الربيع الفوتوغرافي للجائزة وللتصوير ..
وعلي بن ثالث يقتحم تجربة القيادة في إقتدار وثقة وبحساسية ومعرفة وخبرة ضوئية عالية بدواخل وخوارج ومشاكل ومحاسن الفن الضوئي ..فقد استطاع بن ثالث أن يوظف معرفته في استنهاض إنتاج عمل جماعي ليس فقط عليه إدارة دفة انتاج جائزة مرغوبة..بحيث بدت النتيجة خلال أعوام الجائزة الخمسة كتراكب وتراتب سيمفوني ضوئي منسجم أثرى شريطه الفوتوغرافي بتلك اللمسات الفنية السحرة والساخنة لعشاق يغلي في عروقهم ذلك الدم الإبداعي الفوتوغرافي النزق والمتوثب والمبدع..
لايحلق علي بن ثالث بعيداً عن سرب زملائه في فريق جائزة حمدان تلك الجائزة المغلفة دوماً بالحذق والفرح والأسئلة المعرفية في صيغ استفسارات تطلب دوماً التفوق والريادة في كل احتفالية جديدة..في صيغة احتجاجية تختصر المسافة بين صناع الفوتوغرافيا والمشاهدين عشاق الصورة..كمشهد ومقدمة لنشوء حوار ساخن ومتشعب يطال أكثر مشاكل التصوير وتقنياته وثقافته الفنية والإجتماعية ..تبدأ بدور المرأة العربية المصورة وبدور الأندية والإتحادات ودور الصورة في المشهد العالمي وبالمعارض التي رافقت الإحتفالية ..ولقد كان للمكان الدرامي الضوئي الذي شكل منطوقاً رمزياً متعدد الدلالات عبر تشعيب العلاقات التفاعلية بين المكان الإبداعي وشاغليه من ضيوف الجائزة وذلك عبر زمن موارب تمكنت الجائزة من زحزحته والباسه لحالات فوتوغرافية اجتماعية فنية متوارية خلف غلالة شفيفة مكنتنا من تحسسها بشيء من المتعة التي تضفيها مسارب الفن الضوئي ومن هنا تبدو ضرورة احترام المشاهدين قبل تسليتهم مسألة أساسية يمكن الإتطلاق منها لتحويل ضيوفها الى فعل إبداعي مرافق للعمل الدرامي الفوتوغرافي المعروض لتنطلق متعة المشاهدة من دهشة المعرفة ونتائجها المعرفية الجديدة..
جائزة حمدان مصنوعة بأيد عربية خبيرة وخيال جامح ورؤى ابداعية وقيادة حكيمة ولذلك تدعونا لنتسأل تلك الأسئلة الصعبة والمدفونة عن مسثقبل الفوتوغرافيا الجميل..لأنه بدون الأسئلة الصعبة والمدفونة بأعماقنا لايوجد هناك أجوبة هامة من دون أسئلة أهم..