استطاع الفوتوغرافي المغربي نور الدين الغماري تحقيق حضور في الساحة العالمية بعدما شارك في العديد من المعارض الدولية في بريطانيا واليابان وأوكرانيا ومصر، وفازت صوره بجوائز عدة، منها أفضل مصور للسنة في بريطانيا والجائزة الأولى في المسابقة الدولية للصورة الفوتوغرافية. وحصل لسنتين متتاليتين على الميدالية الذهبية لأحسن صورة بورتريه في العالم العربي، وكُرّم أواخر السنة الماضية بجائزة المركز الثقافي المغربي في لندن، فيما اختير فيلمه الجديد «اتفاقية زواج» لمهرجان الأفلام القصيرة في مدينة أوستن الأميركية، إضافة الى براعة عدسته في مواكبة عروض الموضة…
كان الغماري عدّاءً مثل المغرب في مسابقات دولية عدة في العدو الريفي والقفز الطويل، لكن إصابة في ركبته أرغمته على الاعتزال ليجد لنفسه مساراً آخر لتفريغ طاقته ومواهبه، فكانت الفوتوغرافيا دواء جيدا للجسم والروح بالنسبة إليه.
وعن بداياته مع الفوتوغرافيا يقول الغماري الذي تؤثث صوره متحف الفن الحديث والمعاصر الذي دشنه العاهل المغربي في الرباط أخيراً: «لطالما كنت مفتوناً بالشعر والفن عموماً في مرحلة الطفولة، عاشقاً للألوان الزاهية والأشكال المعقدة وهو ما جعلني في بعض اللحظات أستلهم وأبحث عن الرسائل الدفينة داخل كل لوحة. بعدما غادرت المغرب لمواصلة دراستي في إنكلترا تعرفت الى مصورة محترفة كانت تعاونني من خلال تعليقاتها على صوري. لم أكن أعرف الكثير عن الكاميرا وتقنياتها فقررت شراء معداتي الفوتوغرافية الخاصة بي من أجل اكتشافها».
يضيف: «أفلامي الأولى كانت محبطة وبدأت أيأس. لم أكن أدرك ما الذي تعنيه كل تلك الأزرار والأرقام على الآلة فكنت آخذ صوراً بشكل عشوائي لأدرك بعد ذلك أن علي تعلم قواعد التصوير، فشرعت في ارتياد المكتبات وشراء الكتب الخاصة بالفوتوغرافيا. وأقمت في مصر ستة أشهر في إطار دورة دراسية لجامعة ويستمينستر التي كنت أدرس فيها. التقطت هناك العديد من الصور لمصريين، وخلال هذا التدريب كنت مبتدئاً وبالتالي أعطيت صوري لصديقي الانكليزي دونالد سكوت ليطلع عليها. وفوجئت في إحدى زياراتي له باثنتين منها معلقتين على حائطه. واعتبرت تلك اللحظة دفعاً معنوياً مهماً لأتعامل بجدية مع الأمر وأسعى لتطوير مهاراتي».
ودفع تميز أعمال الغامري رئيس الجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي جعفر عاقيل للقول عن معرضه الذي كان عنوانه «وجوه»: «تندرج فوتوغرافيات نور الدين الغماري ضمن التجارب المغربية المهووسة بالبحث عن صيغ شكلية ومضمونية تختلف عن اختيارات الإرث الفوتوغرافي السابق، سواء على مستوى المحتويات أو الأشكال التي تحويها. ويبقى أهم ما يمز فوتوغرافياته الحضور المكثف للعناصر التشكيلية عموماً والغنى التلويني خصوصاً والانجذاب نحو تمثيل تفاصيل الوجه وتقاسيمه. إن بناء المجال المصوَر عنده يختلف عن التقليد الذي رسخته إنتاجات العقود السابقة: الوضعيات المنمطة والرؤى السياحية والمغرب الغرائبي… فالعوالم التي تلتقطها عينه تصويرية بامتياز. صحيح أن للصدفة نصيباً في التمثيلات التي تنقلها مساحات فوتوغرافياته، لكن هذا لا يمنعنا من الحديث عن نظر أو أسلوب فوتوغرافي».
ومن جهة أخرى، يؤكد الناقد المغربي بنيونس عميروش أن الرؤية في تجربة الغماري «تنصاع لاستقبال أشخاص بهيئات مختلفة، وفي متوالية أوضاعها الماثلة بين الثبات والحركية، تستأنس العين بالشخوص الملبوسة بأدوار درامية، المنبثقة من قاع مناخ شعبي، حيث الوجوه والملابس والإكسسوارات والخلفيات المعمارية تصر على جعل المتلقي في وضع متأرجح بين المغرب والمشرق (مصر). غير أن هذا التأرجح سرعان ما ينطفئ تحت تأثير السحنات وجاذبية النظرات Regards التي جعل منها الفنان الفوتوغرافي نور الدين الغماري ذلك الخيط الرفيع الذي يربط بين المواضيع والأجواء».
فيما يوضح الغماري الذي يعمل حالياً أستاذاً في MRC academy في لندن انه «كمصور فوتوغرافي، لطالما أثارني تصوير الوجه الإنساني والبورتريه. أعشق تعقيدات ملامح الوجه الخاصة بكل فرد، هو تعقيد يلهمني لرسم مساري الشخصي المنغمس في مغامرة البحث عن وجوه مثيرة للاهتمام. أصور بورتريهات لشيوخ وشباب، أغنياء وفقراء كل في بيئته الطبيعية. وعندما ألتقط صورةً لشخص ما، أتذّكر دائما كلّ التّفاصيل وأحاول أن أوثّقها بأمانة قدر الإمكان طبقا للروائح واتّجاه الضوء والأصوات المحيطة والفضاء وكذلك إيماءات الوجه التّي توجد عندما ألتقط الصورة، عن علم أو عن غير علم… أحاول أن أكون مخلصاً لذلك الوجه في الزّحام».
يعتبر الغماري أن التّصوير بالأبيض والأسود هو فن جميل وباقٍ ودائم كاللّوحة المرسومة ومعاصر كما محيطه، وأن التصوير بالأبيض والأسود غنيّ بالمعاني، والرسالة التي توصلها الصورة بالأبيض والأسود بسيطة لكن فعّالة جداً، «وأكثر الناس يحبّون تصويرهم فوتوغرافياً بالأبيض والأسود لسبب بسيط هو أنّ ذلك يزيل الكثير من العيوب الجلديّة، وصور الأبيض والأسود هي أكثر إبهاجاً للعين من الصّور الملوّنة».
يزور الغماري المغرب كل عطلة صيفية، ويتمنى ان يستقر فيه قريباً، وهو يشتغل حاليا على مشروع سيتطلب سنوات من العمل، وفي حالة الانتهاء منه سيكون الاول من نوعه في العالم، كما يقول.