بوينس آيرس… هوليوود أميركا الجنوبية
بوينس آيرس – كريغ فاغان
21 سبتمبر 2003
في أجواء من حياة السبعينات تمر سيارة أجرة كوكني سوداء مسرعة أمام مقهى مليء باللندنيين الأثرياء مخلفة وراءها سحابة من الدخان الخانق.
ومع أن كابينة الهاتف الحمراء وشارات الطرق التي تحمل عبارة Thurpton and Book Streets توحي بأن هذا المكان هو في انجلترا، فان لندن بعيدة جدا فيما قصر الرئاسة الأرجنتينية زهري اللون يقع وراء تقاطع الطرق. والمشهد أعلاه هو جزء من إعلان تلفزيوني.
لقد بدأت بوينس آيرس تتحول بسرعة إلى هوليوود أميركا الجنوبية – بفضل تدني قيمة العملة المحلية والإقبال الأوروبي وقلة كلفة الاستعانة بالمواهب المحلية. ويقول الموظف الأرجنتيني الذي يعمل في أحد المكاتب انريكي برتوغليو، وهو يتطلع غير مصدق نحو شارات الطرق الانجليزية التي رفعت على تقاطع شارعي روكا وألسينا: «هذه الزاوية تشبه لندن، إنها أشبه ببلد آخر».
صانعو الأفلام السينمائية يأتون إلى الأرجنتين هذه الأيام من كل حدب وصوب – من بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة والكثير من البلدان الأخرى.
شركة إنتاج الأفلام التي يملكها روبرت ردفورد صورت أخيرا مشاهد في بوينس آيرس لفيلمها الأخير «The motorcycle Diaries» عن تشي غيفارا. وقد شوهد فرق تصوير أفلام إسبانية وإيطالية على البولفارات الأوروبية الطراز في المدينة. ناهيك عن الكثير من الأطقم التي تقوم بتصوير الإعلانات التلفزيونية.
إن مشهد شوارع لندن الذي أقيم لحساب شركة كلاركس البريطانية للأحذية، هو واحد من مئات الإعلانات التلفزيونية التي تم تصويرها في بوينس آيرس في الأشهر الأخيرة لحساب ماركات شهيرة مثل بادوايزر وكوكا كولا ولوريال وبروكتر اند غامبل.
ويقول مدير لجنة بوينس آيرس السينمائية ماريانو فرنانديز ان الطراز المعماري الزاخر والمتنوع هو العنصر الجاذب للعاصمة الأرجنتينية التي يبلغ عدد سكنها 31 مليون نسمة، وأنها تستطيع أن تتخفى كروما ومدريد أو أية مدينة عالمية أخرى. ويضيف بوصي شارحا الأسباب التي ضاعفت التصوير السينمائي في المدينة وحولها منذ شهر يناير/ كانون الثاني 2002: «إذا كان طاقم التصوير فرنسيا» يستطيع تخليق أجواء باريس بسهولة. و«إذا كان الطاقم من الولايات المتحدة يستطيع أن يختار أجزاء تشبه نيويورك». ولكن حتى السنة الماضية كان جمال الأرجنتين التصويري السينمائي يكلف ثلاثة أضعاف ما يكلف اليوم. فمنذ أكثر من عشر سنوات كانت العملة الأرجنتينية (البيسو) مرتبطة اصطناعيا بالدولار الأميركي ما جعل التصوير في بيوينس آيرس مرتفع الكلفة مثل التصوير في أوروبا، والولايات المتحدة.
ثم جاء شهر ديسمبر/كانون الأول 1002، حين انفجرت المظاهرات والاضطرابات الناجمة عن الأزمة الاقتصادية في جميع أنحاء الأرجنتين وأدت في النهاية إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية على النحو الذي وضع حدا لسيطرة الدولار.
وأخافت الاضطرابات وأعمال النهب شركات الأفلام الأجنبية التي فضلت عدم المجيء، «ولكنها عندما أتت في النهاية أيقنت أن البلد لم يحترق»، كما قال المنتج السينمائي المحلي راول أوتيدا الذي عمل مع إيما طومسون وأنطونيو بانديراس لتصوير أجزاء من فيلمهما القادم «Imagining Argentina» عن الحكم الدكتاتوري السابق في البلاد. وفي حين تم القضاء على الاضطرابات، حولت محنة البيسو الأرجنتين ومدينة بوينس آيرس إلى ما يشبه استوديو مترامي الأطراف مليء بالزبائن العالميين.
وتقول المراسلة التلفزيونية الهولندية المقيمة في سان تيلمو في قلب المدينة القديمة في بوينس آيرس ناتاشا در ويتنر: «في الحي الذي أقيم فيه وحده أغلقت شوارع بكاملها من أجل تصوير أربعة أفلام أجنبية خلال الأشهر الخمسة الماضية». وتبين الاحصاءات الحكومية أن عدد الإعلانات الأجنبية التي تصور في الأرجنتين زاد 02 في المئة منذ شهر يوليو/تموز الماضي. واليوم فإن نصف الإعلانات التي يتم تصويرها، وعددها فيلمان إعلانيان كل يوم، هي لحساب زبائن أجانب أغرتهم الكلفة المتدنية جدا.
وقد تصل كلفة التصوير في الأرجنتين إلى ما لا يزيد عن 02 في المئة من الكلفة المماثلة في كندا وجنوب افريقيا ونيوزلندا – وهي المواقع المفضلة التي يذهب إليها الأوروبيون والأميركيون عندما يريدون التصوير في الخارج. ولكن هناك أكثر من مجرد الجاذب الاقتصادي. فالأرجنتين تملك تراثا سينمائيا قويا إضافة إلى أحدث التجهيزات. ويستطيع قطاع الصناعة السينمائية الذي يتمتع بدعم الدولة منذ سنوات عديدة، أن يزود من يريد بمواهب حسنة التدريب والخبرة للعمل سواء وراء أو أمام الكاميرا.
أضف إلى ذلك المناخ الأرجنتيني – مناخ النصف الجنوبي للكرة الأرضية – الذي يجمع بين الصحارى والأدغال والصفائح الجليدية ضمن حدود بلد واحد لمصلحة صانعي الأفلام.
ويقول صاحب ورئيس شركة Andon Films في بوينس آيرس روبن انضون ان نصف الأفلام الدعائية التي تصورها شركته هي لزبائن دوليين – من سيارات نيسان إلى حساء كنور. وقبل تخفيض قيمة البيسو كانت تلك الإعلانات الأجنبية تشكل عشرة في المئة فقط من عمل انضون. ويضيف انضون: تلقينا أخيرا اتصالا هاتفيا من شركة بولندية تفكر في تصوير إعلانها في جنوب افريقيا. ولكن عندما أرسلنا إليها أسعارنا، طلبت التعاقد معنا على الفور.
هذا التهافت المتواصل على التصوير في البلاد يمثل خشبة الخلاص بالنسبة إلى قطاع السينما الذي كاد أن يقضي عليه الركود الاقتصادي الذي دام قرابة الخمس سنوات.
وبحسب جمعية الممثلين الأرجنتينيين تصل الأجور التي تدفع إلى العاملين في الإعلانات الأجنبية والأفلام الوثائقية والأفلام الطويلة العادية إلى ثمانية أضعاف أجور العمل في الإنتاج المحلي المماثل، فضلا عن أن الدفع يتم بالدولار الأميركي.
وبالنظر إلى أن الإعلان التجاري الواحد يوفر عملا لمئة شخص في اليوم، يعني أن الجميع، من المديرين الفنيين وخبراء الإضاءة يشهدون طلبا متزايدا في بلد تخطت فيه نسبة البطالة الـ 81 في المئة. ويقول المساعد الفني الذي ظل عاطلا عن العمل مدة ثمانية أشهر بعد الاضطرابات الاقتصادية مارسيليو تشافيز: «إنني أعمل منذ 51 يوما» بصورة متواصلة، وأعمل حاليا في مشروع فرنسي وأحصل على أكثر من ثلاثة أضعاف ما قد أحصل عليه من مشروع تصوير أرجنتيني. ويقول منتجو الأفلام الأرجنتينيون ان مفتاح الحفاظ على شهرة الأرجنتين بين اللاعبين الدوليين يتعلق بقطاع الصناعة السينمائية المحلية.
ويقول صاحب شركة Atomic Figms اليخاندرو صوايا انه يتوقع أن تتحول بوينس آيرس إلى مدينة معمل: للإنتاج السينمائي الدولي. واستوديو اليخاندرو يقع في حي يدعى «باليرمو هوليوود»، بسبب تنامي الصناعة السينمائية في المنطقة.
ويقول صوايا انه يتفاوض حاليا مع مسئولين سينمائيين في لوس أنجليس بغية تصوير مزيد من الأفلام في بوينس آيرس.
(خدمة ا.ب)
العدد 380 – الأحد 21 سبتمبر 2003م