المسجد الحرام
موقعه ومساحته
يقع المسجد الحرام في قلب مكة المكرمة، تحيط بة مجموعة كبيرة من الجبال الصخرية من جميع الجهات، وترتفع مكة عن سطح البحر حوالي 300 متر – في المتوسط -، وتقع في الجزء الغربي من ارض الحجاز التي تعرف الأن بالسعودية، ومساحة المسجد في ازدياد مستمر على مر العصور ليتمكن من استيعاب الزيادة المطردة في أعداد الحجاج والمعتمرين …………… التفــاصيل.
بناء وتوسعة المسجد الحرام
زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كان الفتح الإسلامي لمكة في شهر رمضان من العام الثامن للهجرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مما فعله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أن طاف بالكعبة وهو على راحلته وكان المسجد حينها هو الجزء البيضاوي المحيط بالكعبة ( اصغر قليلاً من ارض المطاف الحالية) وكانت ارضيته وقتها من الرمال، ومساحته الكلية حوالي 2000 متر مربع تقريباً، وكان الطواف حول الكعبة يتم على الدواب أو على الأقدام، ولم يكن للمسجد سور أو باب وإنما كانت تحيط به منازل قريش وكأنها حدوده، ولم يفعل به النبي شيئاً سوى أنه أثبت السقاية للعباس ومن بعده آله، والحجابة في عثمان بن طلحة وآلهِ (ال شيبه) من بعده الى قيام الساعة.
وكان مقام ابراهيم عليه السلام ملاصقاً للكعبة فأخره صلى الله عليه وسلم للخلف قليلاً، ولم تذكر لنا كتب السيرة شيئاً في هذا الصدد سوى ذلك.
من عام 17 هـ الى 90 هـ
– بناء وتوسعة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17هـ: حدث أن جرف سيل عظيم مقام ابراهيم – عليه السلام – في خلافة عمر الى اسفل مكة فقام رضي الله عنه بإعادته إلى مكانه بمحضر من الصحابة وكان ذلك في رمضان عام 17هـ فهو في موقعه إلى اليوم، ثم قام بشراء دورا من تلك الدور التي تلاصق المسجد الحرام وهدمها وأدخل أرضها فيه – وبذلك توسع المسجد نوعا ما وزادت مساحته، ثم بنى عمر رضي الله عنه حائطا حول المسجد – دون قامة الرجل – وجعل فيه أبوابا، فكانت المصابيح التي تضيء المسجد توضع على هذا الحائط. وبذلك كان عمر رضي الله عنه أول من وضع حدوداً للمسجد وأول من أحاطه بالجدار ليفصله عن منازل قريش، وأول من فرش ارضه بالحصباء. وقدرت المساحة التي زادها في المسجد بـ 1400 متر تقريبا.
– توسعة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 26هـ: فقد ضاق المسجد الحرام على المصلين، فاشترى عثمان رضي الله عنه من الدور الملاصقة للمسجد وهدمها وأدخل أرضها فيه , ولما لم يكن للمسجد رواق فإنه رضي الله عنه جعل له أروقة يستظل الناس تحتها. وقدرت مساحة الزيادة فيه بـ 1475 متر مربع تقريبا.
– توسعة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما سنة 65هـ: فإنه في خلافته بعد أن انتهى من بناء الكعبة المشرفة عمر المسجد وزاد فيه زيادة كبيرة بالنسبة للزيادتين السابقتين، فاشترى دورا وهدمها وأدخل أرضها في المسجد، ومن ضمنها بعض دار الإمام الأزرقي صاحب تاريخ مكة ببضعة عشر ألف دينار، إذ كانت لاصقة به. فكانت مساحة المسجد الحرام مع زيادة ابن الزبير مساحة كبيرة استوجبت أن يسقف جزءا منها. وقدرت مساحة الزيادة فيه بـ 3225 متر.
من عام 91 هـ الى 306 هـ
– زيادة الوليد بن عبد الملك بن مروان سنة 91هـ: فقد أمر بتوسيع المسجد الحرام وعمارته عمارة متينة محكمة قوية , وأحضر له أساطين الرخام من مصر والشام وجعل على رءوسها صفائح الذهب وسقف المسجد بالساج المزخرف، وجعل له شرفات، وجعل في حائطه الطيقان (العقود)، وجعل في أعلى العقود الفسيفساء , فكانت زيادة الوليد من الجهة الشرقية. وقدرت مساحة الزيادة فيه بـ 1700 متر تقريباً.
– زيادة أبي جعفر المنصور سنة 137هـ في شهر محرم: فإنه أمر عامله على مكة زياد بن عبد الله الحارثي بتوسيع المسجد الحرام فزاد في شقه الشامي الذي يلي دار الندوة , وزاد في أسفله إلى أن انتهى إلى منارة باب العمرة ومنها على خط مستقيم من الجهة الغربية إلى ما يلي باب إبراهيم على حد الحصوة كما ذكر المرحوم الشيخ حسين باسلامة. وقد زاد في المسجد كثيرا عما كان عليه من قبل وزخرفه بالذهب والفسيفساء , وألبس حجر إسماعيل بالرخام من داخله وخارجه وأعلاه – فكان أول من ألبسه بالرخام المرمر , وقد استدام هذا العمل ثلاثة أعوام – فقد بدئ فيه في السنة المذكورة وانتهى منه في ذي الحجة سنة 140هـ , وفي هذه السنة حج أبو جعفر المنصور وبذل الأموال العظيمة رحمه الله. وقدرت مساحة الزيادة فيه بـ 5000 متر مربع تقريباً.
– زيادة محمد المهدي العباسي سنة 160 وسنة 164هـ: فقد وسع المسجد مرتين، وتوسعته وزيادته فيه تعادل جميع زيادات من تقدمه حتى صار بوضعه الحالي إلى اليوم، ما عدا زيادة باب إبراهيم وزيادة باب الزيارة كما سيأتي تفصيله. (ففي المرة الأولى) لما حج رحمه الله تعالى سنة 160هـ وأتى بالأموال العظيمة التي قدرت بثلاثين ألف ألف درهم – أي بأكثر من ثلاثين مليونا من الدنانير – استدعى قاضي مكة يومئذ محمد الأقوص المخزومي وأمره أن يشتري دورا في أعلى المسجد الحرام ويهدمها ويدخل أرضها فيه، فاشترى القاضي جميع ما كان بين المسجد الحرام والمسعى من الدور فما كانت من الأوقاف والصدقات (كالأربطة ويطلق عليه المصريون التكايا) اشترى للمستحقين بدلها دورا في فجاج مكة.
وكان مما أدخل فيه من الدور ما بقي من دار الأزرقي الذي كما ذكرناه من أن ابن الزبير اشترى بعضها وأدخله في المسجد الحرام حينما زاد فيه، وأدخل المهدي في المسجد كثيرا من الدور الشهيرة في الجانب الشرقي. وكذلك اشترى كثيرا من الدور من الجانب الغربي وأدخلها في المسجد الحرام، وكذلك زاد من الجانب الشمالي والجانب الجنوبي. وقدرت مساحة الزيادة فيه بـ 8380 متر مربع.
(وفي المرة الثانية) لما حج المهدي سنة 164هـ رأى أن المسجد الحرام لم يكن مربعا تمام التربيع وأن الكعبة المشرفة لم تقع بوسطه، فجمع المهندسين ومهرة البنائين وأمرهم أن يربعوا المسجد بحيث تكون الكعبة المشرفة بوسطه تماما فاعتذروا باستحالة هذا الأمر وصعوبة تنفيذه لأن الجهة الجنوبية – التي لم يتمكنوا من توسيع المسجد من ناحيتها – بها مجرى سيل وادي إبراهيم وخلف المجرى دور ومنازل، ففي هدم هذه الدور وتحويل المجرى إلى أرضها قد لا يكون من السهل الميسور وربما لا يثبت أساس البناء، فأصر أمير المؤمنين محمد المهدي رحمه الله وأحسن مثوبته على تنفيذ رغبته، وقال لهم : لا بد من ذلك ولو أنفقت جميع بيوت الأموال وصمم على ذلك تصميما قويا، فلما رأى المهندسون قوة عزم أمير المؤمنين نزلوا على إرادته وعملوا على تنفيذ أمره بهمة ونشاط وشمروا عن ساعد الجد بنية صادقة وإخلاص كبير.
فقاموا بتحويل مجرى سيل وادي إبراهيم عن موضعه بأن نصبوا الرماح على أسطحة الدور من أول الوادي إلى آخره وبينوا ما يهدم من البيوت والدور وموضع المسعى ومحل السيل، وعملوا كل ما من شأنه أن يربع المسجد الحرام وأن تكون الكعبة المشرفة بوسطة، فلما شاهد المهدي رحمه الله رسم ذلك واطمأن إلى تنفيذ رغبته على الوجه الأكمل توجه الى العراق وخلف أموالا عظيمة لشراء البيوت وقيام العمارة – وبذلك صارت هذه التوسعة أضعاف ما تقدم من الزيادات ولا يزال المسجد الحرام على هذه التوسعة المربعة إلى اليوم، وما حصل من الزيادتين الصغيرتين في المسجد بعده إنما هما خارجتان من التربيع. وقدرت مساحة الزيادة فيه بـ 6500 متر مربع تقريباً.
– زيادة المعتضد بالله العباسي سنة 281هـ: فإنه أمر بإدخال دار الندوة في المسجد الحرام وكانت محلها رحبة باب الزيادة وعمرها بأساطين وطاقات وأروقة مسقفة بالساج المزخرف، وفتح لها اثني عشر بابا بستة عقود كبار وبينهم ستة صغار وبنى فيها منارة، وقد فرغ من ذلك في ثلاث سنين، وقدرت مساحة الزيادة فيه بـ 2500 متر مربع تقريباً.
– زيادة المقتدر بالله العباسي سنة 306هـ: فإنه أمر بتوسعة المسجد الحرام بإدخال باب إبراهيم وما يتبعه من الرواق، وسمي بذلك باسم خياط كان يجلس عنده – وأيضا جدد المقتدر بالله أنصاب الحرم، وقدرت مساحة الزيادة فيه بـ 1000 متر مربع تقريباً.
من عام 307 هـ الى 1344 هـ
– ترميم وإعمار السلطان برقوق سنة 802 هـ: كان قد وقع حريق للمسجد الحرام سنة 802 هـ في زمن السلطان برقوق سلطان مصر، فأمر بتعميره وسقفه بالخشب والساج.
– السلطان سليم 979 هـ وإعادة بناء المسجد: فقد حدث وهن وخراب لبناء المسجد اثر سيول تعرضت لها مكة وعُرِض ذلك على السلطان العثماني سليم الذي أمر بهدم الأجزاء المتصدعة وإعادة بناء المسجد كاملاً، وأن يُكون سقفه قبباً بدلاً من الخشب، وقد بدء العمل في هذا المشروع عام 979 هـ، وقد أتمه أبنه السلطان مراد الثالث عام 984هـ.
ولا يزال هذا البناء العثماني موجوداً الى الآن وقد أُدخِل في التوسعة السعودية الحديثة وقد تم دمجه بطريقة فنية رائعة.
المسجد في العهد السعودي
الملك عبدالعزيز -عليه رحمة الله -:
وضعت حكومة المملكة سرادقات في صحن المسجد ليجد المصلون مكانا مظللا يتوقون به من حر الشمس، وفي عام 1346 هـ أمر بعمل مظلات قوية وثابته في صحن المطاف فعملت من الخشب الجاوي وكسي بالقماش الثخين الابيض بعدها عملت مظلات ثابته في اطراف الصحن مثبته بالاروقة تفتح وتغلق فكانت تنتشر اذا انتشر حر الشمس واذا انحسر الظل أغلقت وبقيت سنوات طويلة تجدد عند الحاجة.
كان المسعى على مر العصور غير مبلط وكان الغبار يكاد يخنق الساعين ولا سيما ايام المواسم فامر الملك عبدالعزيز بتبليطه وتم رصف المسعى في اواخر سنة 1345هـ، وأُنشئت اعمدة رخامية جديدة من قطع المرمر الصقيل في ردهات المسجد الحرام لتعلق عليها الاضاءة الكبيرة، وفي عام 1366هـ امر الملك عبدالعزيز بتجديد سقف المسعى بطريقة فنية محكمة.
وكان من اهم ما قام به الملك عبدالعزيز -عليه رحمة الله – هو توحيد المصلين في الحرم كلهم خلف إمام واحد، فقد كان هناك مقام لإمام المالكية، وآخر للشافعية، وثالث للحنابلة، ورابع للحنفية. وقد كانت كل صلاة تقام اربع مرات فأولاً تُقام الصلاة في مقام الامام أحمد، ثم بعدها صلاة ثانية في مقام الامام الشلفعي، وثالثة للمالكية، ورابعة في مقام الامام ابي حنيفة، وقد تحدد هذا الترتيب اثناء الخلافة العثمانية وظل هكذا حتى أمر الملك عبدالعزيز -عليه رحمة الله – بإزالة هذه المقامات والعودة لما كانت عليه الأمور زمن الرسول والسلف الصالح.
التوسعة السعودية الأولى:
وضع الملك الراحل سعود بن عبد العزيز ال سعود – عليه رحمة الله – في عام 1955 حجر الأساس لهذه التوسعة، والتي تمت خلالها عمارة المسجد الحرام على أسس حديثة مع الحفاظ على الطابع العثماني في صحن المطاف وتوسعته، وبناء المسعى الذي أصبح بطابقين، مع المسعى عن حركة المشاة، وتضمنت أعمال هذه التوسعة الكبرى شق وإنشاء طرق وميادين حول الحرم، وقد أصبحت مساحة المسجد الحرام بعد إضافة توسعة الملك سعود التي استمرت طوال عهده ثم عهد الملك فيصل إلى نحو 161 ألفا و168 مترا مربعا، لتتسع إلى أكثر من 300 ألف مصلى.
كذلك تواصلت العناية بالمسجد الحرام في عهد الملك فيصل، حيث كان من أهم ما نفذ من مشروعات، خمسة ميادين عامة حول الحرم، وزيادة أبواب المسجد إلى 64 باباً مختلفة الأحجام، وإنارة المسجد بوسائل فنية حديثة، وإنشاء مكتبة المسجد الحرام، كما أزيلت المقصورة التي كانت مقامة على مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ من أجل التوسعة على الطائفين، وأبدلت بغطاء من الكريستال الفاخر، واحتفل بذلك برعاية الملك فيصل في عام 1968. كذلك أصدر الملك خالد بن عبد العزيز أمرا في عام 1977، بوضع باب جديد للكعبة من الذهب الخالص.
التوسعة السعودية الثانية:
أما في عام 1989 ، فقد وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حجر الأساس للتوسعة السعودية الثانية للمسجد الحرام، والتي تعد أضخم عملية إعادة توسعة وعمارة يشهدها الحرم المكي طوال تاريخه، حيث تم ضم منطقة السوق الصغير، وتم ربطه بالتوسعة السعودية الأولى بمدخل واسع يسهل الحركة بينهما، كما تم عمل نظام تبريد، حيث أنشئت محطة تكييف المسجد الحرام بمنطقة أجياد وتم ربطها بالمسجد الحرام عبر أنفاق تحت الأرض، وبلغت مساحة أدوار المبنى الجديد نحو 76 ألف متر ليتسع وحده لأكثر من 152 ألف مصل.
كما شمل المشروع تجهيز الساحات الخارجية التي تبلغ مساحتها 85 ألف متر مربع لتستوعب قرابة 200 ألف مصل، لتصبح مساحة المسجد الحرام بعد إضافة مبنى التوسعة الحالية والأسطح وكامل المساحات المحيطة به إلى نحو 356 ألف متر مربع تتسع لأكثر من 775 ألف مصل في غير أوقات الذروة، والتي تصل إلى مليون و250 ألف مصل، فيما بلغت تكلفة التوسعة التي تشمل المباني ومشاريع الخدمات وتعويض نزع الملكيات إلى أكثر من 55 مليار ريال. وبعد إضافة هذه التوسعة الجديدة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، سترتفع الطاقة الاستيعابية لمسجد الحرام ومساحاته إلى مليوني مصل في غير أوقات الذروة.