بمشاركة عدد كبير من الحرفيين من داخل وخارج الفيوم، اختتمت مؤخراً فاعليات مهرجان قرية تونس السنوي للخزف والفخار في دورته السادسة، حيث يتحول المهرجان عاماً بعد عام إلى ملتقى سنوي للخزافين ولفناني الحرف اليدوية، وكذلك للجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة في مجال الحرف.
على مدار ثلاثة أيام، هي فترة إقامة المهرجان، كان بإمكان زوار قرية تونس التعرف على المنتجات الخزفية البديعة التي تشتهر بها قرية تونس، حيث اقترن اسم القرية منذ سنوات، بالعالمية عندما عرف إنتاجها الحرفي الطريق إلى السوق الدولية، لاسيما فرنسا، وهو الأمر الذي يعود الفضل فيه إلى الفنانة إيفلين بوريه السويسرية الأصل، التي جاءت إلى القرية منذ سنوات طويلة واستقرت بها قبل أن تفتتح مدرستها لتعليم الخزف، وساهمت من خلالها في تخريج عشرات من فناني الخزف؛ لتتحول قرية تونس لبازار مفتوح على مدار العام.
ورغم وجود عدد كبير من الورش التي أسسها أبناء القرية، ممن تعلموا الحرفة على يد إيفلين، إلا أن لكل منهم أسلوبه الخاص ومنتجاته التي يحرص على التجديد فيها، من حيث الشكل وتصميمات الألوان، فيقول الفنان محمد جمعة: “لكل ورشة التصميمات الخاصة بها، وكل فنان يبتكر في الأشكال والألوان والرسومات التي يقدمها، من هنا يتنوع المنتج؛ ومن ثم يجد جميع الحرفيين زبائنهم”، ويرى محمد أن المهرجان بلا شك فرصة طيبة لتنشيط البيع وجذب مزيد من الزوار.
ويعتبر مهرجان قرية تونس فكرة أحمد أبو زيد وهو فنان الخزف وعدد من فناني الخزف بالقرية، الذين فكروا آنذاك في مهرجان الهدف منه لفت الانتباه إلى القرية واجتذاب الزوار وتسويق منتجات الخزف المميزة لقرية تونس.
كثير من فناني الخزف لم يكتفوا فقط بالتجديد في الأشكال المعروضة، بل إن بعضاً منهم فكر في تطوير الحرفة ذاتها، ومنهم الفنان محمد أبو زيد؛ وهو ابن الفنان أحمد أبو زيد؛ الذي جاء إلى تونس منذ عدة سنوات، إلا أنه لم يتعلم في مدرسة إيفلين، ولذا فإن أسلوبه يختلف عن باقي فناني قرية تونس، وقد نهج أبو زيد الابن نهج والده في فن الخزف، فخرج منتجه مختلفاً عن منتجات قرية تونس، ورغم دراسة محمد للقانون إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة اهتمامه بفن الخزف؛ الذي يمارسه بيديه منذ الطفولة، بل يقوم بالتدريب في ورشة عمل بكلية الفنون التطبيقية بالجامعة الألمانية على فن الخزف، كذلك يهتم أبو زيد الابن بالتعرف عن قرب على فنون الخزف اليابانية؛ حيث يود أن يتعرف على بعض التقنيات وتطبيقها على الخزف المصري ليقدم منتجاً جديداً.
كذلك واحدة من التجارب الجديدة تمثلت في تعاون الفنان حسين سعداوي؛ أحد فناني الخزف بقرية تونس، والذي كان يشغل مدير مدرسة إيفلين مع الشاب محمد بدر يحيى، القادم من القاهرة، والذي درس تكنولوجيا المعلومات لتقديم منتجات فخار عصرية بألوان فسفورية وتصميمات جديدة تواكب روح العصر والديكورات الحديثة، وقد أطلق محمد على مشروعه اسم فخارة، ويقوم بالتسويق له من خلال الإنترنت.
المهرجان لم يعد مقتصراً على عرض منتجات الخزف والفخار من داخل وخارج قرية تونس، بل يتسع ليشمل كل الحرف الأخرى، ومنها الخوص الذي تشتهر به أيضاً قرى الفيوم، حيث تقول غنية مرزوق محمد أنها تعمل بالحرفة منذ 26 سنة، وحالياً يساعدها أبناؤها فيها، وخلال الفترة الماضية تعلم الحرفيون من خلال الورش التدريبية التي شاركوا فيها، والتي نظمتها لهم مؤسسات وجهات تنموية، تغيير شكل المنتج والتطوير فيه ليوائم احتياجات العصر. تقول غنية: “تعلمنا أن نصنع من الخوص حقائب لاب توب، وحافظات للورق، وكذلك حقائب للسيدات طورنا في شكلها كثيراً”. ومن منتجات الخوص التي خرجت عن كونها منتجات تقليدية، وتم عرضها أيضاً خلال المهرجان أباجورة محشوة بعشبة الليمون، والتي ما إن تسخن حتى تنشر عطر الليمون في المكان وتطرد الناموس.
أصبح المهرجان فرصة لتجمع الحرفيين من جميع أنحاء مصر؛ ليقدموا مختلف منتجاتهم، كالمنحوتات الخشبية، والتحف الزجاجية، وكذلك الفنون التي انتشرت مؤخراً؛ مثل فن الإيبرو أو الرسم على الماء، إضافة إلى الفنانين التشكيليين الذي عرض بعض منهم لوحات خلال هذا المهرجان، ومن الفنانين الذين شاركوا خلال هذا العام أحمد وهبة مخيمر من الوادي الجديد؛ الذي يجيد رسم لوحات بالرمال الطبيعية، حيث يقول: “أستخدم أكثر من 30 لوناً، وهي عبارة عن أحجار من جبال الواحات؛ يتم طحنها وغربلتها أسجل بها حياة الواحات القديمة التي لا يعرف عنها الشباب شيئاً”.
وربما كان أيضاً لوجود مركز الفيوم للفنون، الذي أسسه الفنان محمد عبلة بقرية تونس، دور إيجابي قوي في نشر الفنون في القرية، ففي العام الماضي شارك الفنان محمد عبلة الأطفال في رسم جدارية خلال فترة المهرجان، أما خلال هذا العام فقد تم تنظيم معرض للصور الفوتوغرافية النادرة للينرت ولاندروك، والتي تم اختيارها للتماشي مع الحدث، حيث عرضت الصور للريف المصري وكذلك لتونس التي عاش بها لينرت فترة طويلة.