نظرية الفن من زاوية فلسفية
شكل نوعي من أشكال الوعي الاجتماعي والنشاط الإنساني، يعكس الواقع في صور فنية، وهو واحد من أهم وسائل الاستيعاب والتصوير الجمالي للعالم. وترفض الماركسية التفسيرات المثالية للفن على أنه نتاج وتعبير عن “الروح المطلق” و”الارادة الكلية” و”الإلهام الالهي” والتصويرات والانفعالات اللاشعورية للفنان. والعمل هو الأبدع الفني ومصدر العملية السابقة التي تنتج عواطف احتياجات الإنسان الجمالية. وترجع الآثار الأولى للفن البدائي إلى العصر الحجري المتأخر، أي تقريبا بين 40 ألف إلى 20 ألف قبل الميلاد. وكانت للفن بين الشعوب البدائية علاقة مباشرة بالعمل، ولكن هذه العلاقة أصبحت بعد ذلك أكثر تعقدا وتوسطا. وتكمن وراء التطورات اللاحقة في الفن التغيرات التي طرأت على البنيان الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع. ويلعب الشعب دائما دورا كبيرا في تطور الفن. وتتدعم الروابط المختلفة التي تربطه بالشعب في واحد من ملامحه المحددة، هو الطابع القومي. وتوجد أشياء كثيرة مشتركة بين الفن – كشكل من أشكال الانعكاس الوجود الاجتماعي – وبين المظاهر الأخرى لحياة المجتمع الروحية: مثل العلم والتكنولوجيا والايديولوجية السياسية، والاخلاقيات. وفي الوقت نفسه فإن للفن عددا من الملامح المحددة التي تميزه عن كل أشكال الوعي الاجتماعي الأخرى. وعلاقة الإنسان الجمالية بالواقع هو الموضوع المحدد للفن، ومهمته هي التصوير الفني للعالم، ولهذا السبب فإن الإنسان – باعتباره حاملا للعلاقات الجمالية – يكون دائما في المركز من أي عمل فني. وموضوع الفن (الحياة في كل أشكالها المتعددة) الذي يسيطر على الفنان، ويعرضه في شكل معين من الانعكاس – أي في صور فنية تمثل الوحدة النفـّاذة للحسي والمنطقي، المحسوس والمجرد، الفردي والكلي، المظهر والجوهر وهكذا. ويخلق الفنان الصور الفنية على أساس من معرفته بالحياة ومن مهارته. ويحدد موضوع وشكل انعكاس الواقع في الفن وطبيعته النوعية – وهي إشباع حاجات الناس الجمالية عن طريق ابداع أعمال جميلة يمكنها أن تجلب السعادة والبهجة للإنسان، وأن تثريه روحيا وأن تطور وتوقظ فيه في الوقت نفسه الفنان القادر، في المجال المحسوس لجهده، على أن يخلق طبقا لقوانين الجمال، وأن يعرفنا على الجمال في الحياة. وعن طريق هذه الوظيفة الجمالية يعرض الفن أهميته المعرفية ويمارس تأثيره الايديولوجي والتربوي القوي. ولقد برهنت الماركسية-اللينينية على الطبيعة الموضوعية للتطور الفني الذي تشكلت خلاله الأنواع الرئيسية للفن: الأدب والرسم والنحت والموسيقى والمسرح والسينما.. الخ. وتاريخ الفن هو تاريخ التأمل الفني للواقع، الذي يزداد عمقا باطراد، ومد وإثراء المعرفة الإنسانية الجمالية بالعالم وتحويله الجمالي. ويرتبط تطور الفن ارتباطا لا ينفصم بتطور المجتمع، وبالتغيرات التي تحدث في بنائه الطبقي. ورغم أن الخط العام للفن هو تحسين الوسائل من أجل تأمل فني أعمق للواقع، إلا أن هذا التطور غير متوازن. لهذا فإنه حتى في الأزمنة القديمة بلغ الفن مستوى عاليا، وبمعنى معين اكتسب أهمية العلم العام. وفي الوقت نفسه فإن أسلوب الإنتاج الرأسمالي – وهو أعلى بدرجة لا تقاس من أسلوب إنتاج المجتمع العبودي – أسلوب معاد للفن والشعر، إذا استخدمنا تعبير ماركس، لأنه يبغض المثل العليا الاجتماعية والروحية السامية. ويرتبط الفن التقدمي – في المجتمع الرأسمالي – إما بفترة بزوغ الرأسمالية، حينما كانت البورجوازية ما زالت طبقة تقدمية، وأما بنشاط الفنانين الذين ينقدون هذا النظام. والفن التجريدي من ملامح الفن الرجعي المعاصر. أما المثل الأعلى الجمالي – في أعلى أشكاله – فيتجسد في نظرة الطبقة العاملة إلى العالم ونشاطها العملي, وفي النضال من أجل إعادة صنع العالم شيوعياً وهذا المثل الأعلى هو الذي يوجه فن الواقعية الاشتراكية[2].
وأما في الفلسفات التي نشأت في غرب أوروبا فقد تشكلت جذور نظريّة الفن في فلسفة إيمانويل كانت، والتي وضعت في أوائل القرن العشرين من قبل روجر فراي وكلايف بيل. كما وأنّ الفن والتنكر البيئي أو التمثيل لها جذور عميقة في فلسفة أرسطو.
وحالياً تستخدم كلمة فن لتدل على أعمال إبداعية تخضع للحاسة العامة كفن الرقص، الموسيقى، الغناء، الكتابة أو التأليف والتلحين وهو تعبير عن الموهبة الإبداعية. وقد بدأ الإنسان في ممارسة الفن منذ 30 ألف سنة، وكانت الرسوم تتكون من أشكال الحيوانات وعلامات تجريدية رمزية فوق جدران الكهوف، وتعتبر هذه الأعمال من فن العصر الباليوثي.
ومنذ آلاف السنين كان البشر يتحلون بالزينة والمجوهرات والأصباغ، وفي معظم المجتمعات القديمة الكبري كانت تعرف هوية الفرد من خلال الأشكال الفنية التعبيرية التي تدل عليه كما في نماذج ملابسه وطرزها وزخرفة الجسم وتزيينه وعادات الرقص. أو من الاحتفالية أو الرمزية الجماعية الإشاراتية التي كانت تتمثل في التوتم (مادة) الذي يدل علي قبيلته أو عشيرته. وكان التوتم يزخرف بالنقش ليروي قصة أسلافه أو تاريخهم. وفي المجتمعات الصغيرة كانت الفنون تعبر عن حياتها أو ثقافتها، فكانت الاحتفالات والرقص تعبر عن سير أجدادهم وأساطيرهم حول الخلق أو مواعظ ودروس تثقيفية. وكثير من الشعوب كانت تتخذ من الفن وسيلة لنيل العون من العالم الروحاني في حياتهم. وفي المجتمعات الكبري كان الحكام يستأجرون الفنانيين للقيام باعمال تخدم بناءهم السياسي كما في بلاد الإنكا، فلقد كانت الطبقة الراقية تقبل علي الملابس والمجوهرات والمشغولات المعدنية الخاصة بزينتهم إبان القرنين 15 م- و16 م، لتدل علي وضعهم الاجتماعي. بينما كانت الطبقة الدنيا تلبس الملابس الخشنة والرثة. وحالياً نجد أن الفنون تستخدم في المجتمعات الكبري لغرض تجاري أو سياسي أوديني أو تجاري وتخضع للحماية الفكرية.[3]
ويقدّم لنا “ول وايريل ديورانت” تحليله ورؤيته لبدايات الفنون ونشأتها في الجزء الأول من كتابه “قصة الحضارة”، وذلك من خلال نظريات العديد من الفلاسفة والباحثين التي جمعها في رؤيته الخاصة الموحدة بالشكل التالي: [ ولنا أن نقول بأنه عن الرقص نشأ العزف الموسيقي على الآلات كما نشأت المسرحية، فالعزف الموسيقي- فيما يبدو- قد نشأ عن رغبة الإنسان في توقيع الرقص توقيعاً له فواصل تحدده وتصاحبه أصوات تقويه … وكانت آلات العزف محدودة المدى والأداء، ولكنها من حيث الأنواع لا تكاد تقع تحت الحصر… صنعها من قرون الحيوانات وجلودها وأصدافها وعاجها، ومن النحاس والخيزران والخشب. ثم زخرف الإنسان هذه الآلات بالألوان والنقوش الدقيقة…. ونشأ بين القبائل منشدون محترفون كما نشأ بينهم الراقصون المحترفون. وتطور السلم الموسيقي في غموض وخفوت حتى أصبح على ما هو عليه الآن. ومن الموسيقى والغناء والرقص مجتمعة. خلق لنا “الهمجي” المسرحية والأوبرا. ذلك لأن الرقص البدائي كان في كثير من الأحيان يختص بالمحاكاة، فقد كان يحاكي حركات الحيوان والإنسان… ثم أنتقل إلى أداء يحاكي به الأفعال والحوادث … فبغير هؤلاء ““ الهمج ““ وما أنفقوه في مائة ألف عام في تجريب وتحسس لما كتب للمدنيّة النهوض، فنحن مدينون لهم بكل شيء تقريباً…