القاهرة، مصر (CNN) –
المخرج محمد حماد: جائزتي إنصاف لجيلي ونظامنا السينمائي احتكاري
– يرى المخرج المصري محمد حماد، الفائز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان دبي السينمائي، أن الجائزة التي حصل عليها كانت بمثابة رد اعتبار وإنصاف للجيل الجديد من المبدعين في مصر، وأنها تتويج لجهد كل من شارك في الفيلم، وليست جائزة شخصية، بحسب تصريحه في مقابلة مع CNN.
ويقول محمد حماد، إن بطلة الفيلم لم تتقاضى أجراً عن دورها حتى الآن، وإنه واجه صعوبات كثيرة كادت أن توقف الفيلم، لعدم وجود شركة إنتاج، إذ أن الإنتاج الكامل للفيلم كان إنتاجاً فردياً بحت.
حماد هو مخرج مصري له عدد من الأفلام الروائية القصيرة، منها فيلم “سنترال” الذي كتبه وأنتجه وأخرجه في العام 2008، وفيلم “أحمر باهت” الذي أنتجه وأخرجه في العام 2010 ونال عنه العديد من الجوائز الدولية.
وجاء حواره كالتالي:
كيف ترى فوزك بجائزة أفضل مخرج في مهرجان دبي السينمائي؟
أعتبر الجائزة تتويجاً لجهد كل من شارك في الفيلم، وليست جائزة شخصية. أعتبرها إنصافاً ورد إعتبار لجيلي، الذي له الحق في التعبير عن نفسه وأفكاره، والفترة المقبلة ستشهد أفلاماً كثيرة من خارج سياق السوق ومنظومته، وكأن لدينا سينما موازية للسينما التقليدية.
ماذا تقصد بسينما موازية؟
فكرتنا عن السينما تتكون من خلال الأفلام التجارية التي تعرض في المراكز التجارية، وهذه ليست الصورة الكاملة للسينما المصرية، فهناك أفلام مستقلة وبإنتاج ذاتي تعرض خارج مصر ولا نعرف عنها شيء، ولا تجد فرصة عرض داخل مصر، لأنه لو أتيحت لها الفرصة ستصطدم بأمور متعلقة بقانون العرض في مصر. وبالتالي لا تتاح لها فرصة التواجد داخل مصر، وإذا أتيحت لها الفرصة تكون في أضيق الحدود. هذه هي السينما الموازية التي أقصدها، وهذه السينما في مستهل طريقها وعليها أن تُقوي نفسها أكثر، وهي مغايرة تماماً للسينما التجارية.
هل تتوقع زيادة مساحتها في الفترة المقبلة؟
نعم، لأنها لم تخرج بقرار، سواء من حكومة أو شركات استثمارية. ولكنها وُجدت نظراً لاحتياج جيل جديد للتعبير عن نفسه بشكل مختلف عن السياق الموجود في السينما التجارية أو السينما القديمة. ومع كامل الاحترام للجميع، ولكن، لدينا جديد نريد تقديمه، وزيادة مساحتها من عدمه مرتبط بالاهتمام بالكم وليس بالكيف فقط، حتى تفرض أمراً واقعاً وتفرض نفسها في السوق المصري لأنه سوق شرس وعريق جداً. فالمخرج الراحل الكبير عاطف الطيب، أخرج 21 فيلماً في 14 عاماً، لأنه كان مستوعباً لفكرة أنه إذا أراد التواجد عليه ألا يكتفي بأفلام من نوعية “البريء” و”سواق الأتوبيس” فقط، وكذلك المخرج الراحل محمد خان.
هل توقعت حصولك على الجائزة؟
العرض العالمي الأول للفيلم كان في مهرجان “لوكارنو،” وهو مهرجان من أفضل خمسة مهرجانات في العالم ودقيق في اختياراته، واختيار الفيلم في حد ذاته لهذا المهرجان كان بمثابة جائزة وتقدير لي. ووصلتني الموافقة على المشاركة بعد 48 ساعة فقط من إرساله لإدارة المهرجان. وهو أول فيلم مصري يشارك في سينما “صناع الحاضر” على مدى 69 عاماً. وكان الاتفاق مع إدارة المهرجان أن يكون هناك ثلاثة عروض للجماهير في قاعة تبلغ سعتها ألفي مشاهد، إلا أنهم طلبوا رسمياً عرض رابع استثنائي، الأمر الذي لا يحدث مع كل الأفلام، ولكنه حدث مع خمسة أفلام فقط من بين 350 فيلم. وهذا رد على من يقول إن هذه الأفلام لا تلقى قبولاً جماهيرياً. كما عُرض الفيلم في مهرجان ستوكهولم، واُخترت ضمن لجنة التحكيم في مسابقة تسمى “أفلام ذات تأثير،” تمنح أكبر جائزة مالية في العالم وتبلغ 120 ألف دولار. كما أني لم أتوقع الفوز بجائزة مهرجان دبي كأول مصري يفوز بالجائزة عن فيلم روائي. ولكن، تبقى الجائزة الحقيقية هي التقدير والإنصاف لما فعلناه من إنتاج بإمكانيات محدودة جداً، ما يمنحنا ثقة فيما هو قادم. عندما سمعت اسمي كأفضل مخرج، استرجعت شريط ذاكرتي على مدار الـ4 سنوات التي كانت مدة عمل الفيلم.
ما هي الصعوبات التي واجهت الفيلم وكادت أن توقفه؟
الصعوبة الأولى كانت عدم وجود شركة منتجة، والمنتجين كانوا مجرد أفراد منهم أنا وزوجتي. بالإضافة إلى عدم وجود أي دعم أو منحة أو تمويل من أي جهة. كان العمل مغامرة كبيرة، ولكني تجاوزت هذه المشاكل بألا أُشعر نفسي بوجود أزمات، والدرس الذي خرجت به من تجربة الفيلم هو أن الإنسان لو أراد شيئاً وأخلص فيه سيتحقق.
كم تقاضت بطلة الفيلم؟
استمتعت بالعمل ولم تحصل على شيء، وكل الأمور المالية مؤجلة، وعندما يباع الفيلم سيحصل كل شخص على حقه، فقد صنعناه بصدق النوايا.
ماذا كان هدفك من الفيلم؟
همي الكبير في السينما، أن يراجع كل شخص نفسه ليصل إلى صورة واضحة لطريق اتخذه، ويقيّم هذا الطريق، هل سيعيد تفكيره بما فعله أم سيتشبث بموقفه؟ هل لدينا رغبة في التغيير؟ أنا ضد الثبات والجمود تماماً، لأن الجمود أشبه بالموت، وعلى الإنسان أن يعرض نفسه للتجارب. مجتمعنا أقرب للثبات والجمود، ومن الصعب أن نعيد التفكير بما نفعله، لأننا بلد تؤمن بالمثل الشعبي “اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش.”
هل يهدف الفيلم إلى إحداث صدمة اجتماعية من خلال بطلة العمل؟
الصدمات قد تكون طريقاً لفكرة المكاشفة، ولا نتستر وراء أفكار لا تجعلنا نكاشف أنفسنا. على سبيل المثال، هناك في الفيلم دور الشيخ، الذي لا تمت أفعاله بشخصيته أمام المجتمع بصلة، وهو نموذج منتشر في مجتمعاتنا العربية، وكلنا نتواطأ حتى لا نكشف أنفسنا، وهو قتل لفكرة الطموح، وبطلة الفيلم محافظة نتيجة المجتمع.
لماذا شعرت بالإحباط خلال الفترة الماضية؟
عندما فكرت في عمل أفلام روائية، كان لدي تصوراً عن شكل الأفلام التي أريدها، وطريقة إنتاجها وموضوعاتها الملحة ومناقشاتها. لدي أحلام وطموحات كبيرة لشكل هذه الأفلام. في البداية يمتلك الانسان صلابة، ولا يقبل التنازلات، وفي لحظة معينة تتحطم كل هذه الأشياء عندما تصطدم بالواقع وتتعامل مع المنتجين وجهات التمويل. وجدت نفسي أتعامل في أجواء مختلفة عن تلك التي تخيلتها، وهذا أصابني بالإحباط الشديد.
المنتج يبحث عن المكسب المادي، وعُرض عليّ أكثر من مشروع، لكني وجدت أن هذه المشاريع ليست التي أريدها، ما اضطرني للانسحاب، لأني لا أستطيع الموافقة عليها، والعمل على شيء يختلف عن قناعتي. هذه الانسحابات المتكررة وضعتني في خانة سيئة، لذلك توقفت عن العمل لفترة، وفكرت في أشياء أخرى غير السينما يمكنني فعلها، وبقيت هكذا لأكثر من عام، ووصلتني عروض للعمل في الإعلانات والأفلام التسجيلية، ولكني لم أوافق على ذلك لأني كنت مصراً على تغيير مهنتي.
هل الجيل الجديد لديه نفس المشاكل؟
مشكلة جيلي الحقيقية هي أننا نريد العمل في سلام، ولكن النظام المحيط يضغط علينا من ناحيتين. أول ضغط هو الدولة، المتمثلة في وزارة الثقافة والرقابة ونقابة الممثلين، فنواجه مشاكل في استخراج تصاريح التصوير، ونطاردهم في الشوارع، والنقابة تفرض غرامات في حال وجود ممثلين ليسوا أعضاء فيها. أما الضغط الثاني فهو أن النظام السينمائي في مصر احتكاري في الأساس، لا يسمح بتغيير أي شيء فيه، ولا يريد أي شيء من خارجه، وبالتالي، الجيل الجديد لا يجيد التعامل في أي من الجهتين. لا نريد دعماً من الدولة ولا منحة، ولكننا نريد أن يتاح لنا فرصة العمل بحرية ودون مطاردات. أريد أن أعرض أعمالي بكفاءة في التوزيع السينمائي، بمعنى “لكم دينكم ولي دين.” اتركوا الجيل الجديد يعمل بحرية دون دعم.
برأيك، لماذا منحتك لجنة التحكيم جائزة أفضل مخرج رغم مشاركة الفيلم في أكثر من مسابقة دولية؟
ذهبت بالفيلم إلى ستة مهرجانات قبل مهرجان دبي، والجوائز أمر تقديري حسب وجهة نظر لجنة التحكيم، لأننا في النهاية مختلفي الأذواق، وأهمية المهرجانات ليست في جوائزها، ولكن في عرض الفيلم للجمهور والموزعين والمنتجين بالخارج والداخل، وهو في النهاية سوق للأفلام.
هل تتوقع أن يكون العرض التجاري للفيلم أمراً سهلاً؟
أتمنى أن تكون الجائزة باباً واسعاً للعرض التجاري، وألا نواجه مشاكل، فقد بذلنا جهداً كبيراَ وأتمنى أن يشاهده الجمهور.
من يتحكم في سوق السينما في مصر؟
عدة أطراف، منها الموزع، وهو أكبر المتحكمين لأنه هو من يحدد مدة العرض ومكانه، ومنهم نجوم السينما، وملاك دور العرض، والمنتجين، وغرفة صناعة السينما والرقابة على المصنفات الفنية، والنقابة.
ما رأيك في السينما المصرية الآن؟
أرى أن السينما المصرية تحسنت في آخر عامين من حيث التميز. أصبح لدينا أفلاماً تشارك في مهرجانات عالمية قديرة. هذا الأمر بدأ بعد ثورة 2011، حيث أن الشباب أصبح لديه رغبة ملحة في الذهاب إلى الخارج، وهذا أمر جيد لأن السينما تحتاج للتواجد خارج مصر أكثر، إذ لدينا قصص وحكايات وثقافة خصوصية جداً، نستطيع أن نصنع منها أفلاماً جيدة ليس للداخل فقط، بل للخارج أيضاً، لنُظهر الأرض المصرية بحضارتها القديمة، فالسينما أكبر وسط شعبي في العالم.
ما هى السينما التي تريد تقديمها؟
أن يكون كل فيلم تجربة ومغامرة ليس له علاقة بما قبله، وأكون دائماً منفتحاً وألا أكرر نفسي. أكبر فخ يقع فيه المبدع هو تكرير نفسه، ولو حدث ذلك، سأخاف من نفسي.
ما الذي يزعجك في السينما المصرية؟
أكثر شيء يزعجني هو الاحتكار، سواء في الإنتاج أو التوزيع. إحتكار التوزيع يحكم عليك من البداية بالفشل لعدم وجود نجوم في الفيلم، رغم وجود العديد من الأفلام التي سبق وأن شارك فيها نجوم مشهورين، ورغم ذلك فشلت ولم تعجب الجمهور. كما من الممكن ألّا يوافق التوزيع على عرض فيلمك في السينما، بالإضافة إلى تدخل الدولة فيما يخص حرية التعبير، وتصاريح التصوير والرقابة والنقابة المهنية. رغم أن الدستور المصري يشير بوضوح إلى حرية التعبير. لابد من إعادة النظر بهذه القوانين. أفلام داعش مثلاً، صورت وأخرجت بتقنية عالية، وأتصور أن من شارك فيها هم أشخاص محترفون عملوا في السينما سابقاً، كان الأجدى لهم أن يستمروا في صناعة السينما ويعبروا عن أنفسهم، بدلاً من خوض هذا الطريق المخيف.
هل ترى أن جائزة مهرجان دبي ستفتح لك طريقاً أوسع؟
أتمنى أن تفتح الأبواب المغلقة، وأن تساهم في زيادة المصداقية.