إضاءات
الثلاثاء 20-12-2016
سعد القاسم
يُقدِم الفنان البارع (بطرس المعري) بين حين وآخر على نشر نصوص مكثفة على صفحته في الـ(فيس بوك) عن تشكيليين سوريين كبار، تصنع، مع تعليقات المتابعين، ما يشبه ذاكرة جماعية تنبض بالحياة عن الفن التشكيلي السوري.
في أحدث نصوصه المنشورة تحدث (المعري) عن الفنان المعلم (ميلاد الشايب) بمناسبة ذكرى رحيله الخامسة عشر التي تمر هذه الأيام، ومما قاله عنه أن «أهمية (ميلاد الشايب) تأتي من أنه معلّم الرسم للجميع، ربما قلّة ممن مروا على كلية الفنون الجميلة، كأساتذة وطلاب مميزين، لم يتعلموا على يده كيف يمسكون بقلم الرصاص وكيف يخططون به الرسم وينقلون عن الواقع». وفي الحقيقة إن (الشايب) كان من أول الوجوه التي يقابلها الطلاب في كلية الفنون الجميلة منذ ستينات القرن الماضي، وحتى خواتمه، إن لم يكن الوجه الأول الذي يقابلونه.فقد كان يجول في اليوم الدراسي الواحد على جميع طلاب السنة الأولى، حتى حين قارب عددهم في بعض السنوات المئتي طالب، غامراً بملاحظاته، المحكية والمرسومة، مشاريعهم الدراسية جميعهم، مازجاً بتفرد محبب بين صوته الجبلي الحازم، وإحساسه الأبوي الدافئ حتى أسميناه بين بعضنا (أبونا ميلاد) فلما تناهى إليه خبر التسمية قال باستنكار ودود: «وهل رأيتموني أطلق لحيتي كخوري؟»وأجّلنا الجواب لبضعة أسابيع تالية إلى حين اصطحبنا إلى بلدته (معلولا) الرائعة لنرسم بيوتها وجبالها المدهشة، جرياً على تقاليد كبار التشكيليين السوريين، وحين قدّم لنا في منزل أسرته الصغير هناك، ما أحضره من شطائر و(مخبوزات) قلنا له: هذا ما عنيناه حين سميناك (أبونا ميلاد). وقد كرّس هذا الإحساس بأبوته، في كل لقاء له مع طلابه، ومنها يوم قاد المعسكر الفني لطلاب كلية الفنون الجميلة عام 1987 في بلدة (الكفرون) الساحرة، فأسبغ على سحرها سحر نقائه وإنسانيته.
تخطت سمعته كأستاذ بارع حدود الكلية، حتى صار الطلاب الراغبون في الانتساب إليها يلجؤون إليه ليتعلموا على يديه مبادئ الرسم إلى أن افتتح ورشة صيفية في بيته، وقبل افتتاحها كان كثير من أساتذة كلية الفنون الجميلة يرسلون له (بالمونة) الطلاب الراغبين بالانتساب للكلية حتى يدربهم.وكان يقوم بهذا العمل طوعاً دون أدنى تذمر.ومرة كنت في زيارته، بعد تخرجي بسنوات، وشاهدت الطلاب المتدربين يملؤون صالون بيته. فقلت له إن ما يفعله بالنسبة لهم لا يفعل مثله أحد، لكن لا يجوز أن يكون هذا الجهد مجانياً،خاصة انه يتم على حساب راحته وهدوء منزله.واحتاج الأمر مني جهداً و وقتاً طويلين حتى اقتنع بتقاضي مبالغ رمزية،رغم أني أخبرته عن الأجور المرتفعة التي يتقاضاها مدرسون لا يمكن مقارنة إمكانياتهم وخبراتهم بإمكانياته وخبرته.
مع كل المحبة التي امتلكها في قلوب طلابه، والتقدير الكبير الذي حملوه له، والملاحظات الدقيقة والعميقة والصائبة التي حرصوا على الحصول عليها منه، فإنهم جميعاً كانوا يتجنبون اختياره كأستاذ مشرف على مشاريع تخرجهم!! وحتى لا يلتبس الأمر على القارئ فإن وراء هذا الأمر يقف سبب وحيد، وهو أن الطالب يوم تحكيم مشروع تخرجه يأمل من الأستاذ المشرف أن يدافع عنه أمام لجنة التحكيم, و(أبونا ميلاد) كان يدافع عن مشاريع جميع الطلاب بحرارة غالباً ما تفوق دفاعه عن مشروع طالبه المسؤول عنه. ومع ذلك فيوم تخرجنا من الكلية قررنا أن نقيم معرضاً مشتركاً تحية له، ولما أخبرناه بنيتنا اقترح علينا بتواضع صادق اسم فنان آخر، وهو يعلم أن الفنان المقترح يملك من المحبة والتقدير في نفوسنا بمثل ما يملك، بما يؤهل اقتراحه للتحقق.
أشار (المعري) أيضاً إلى أن (الشايب) كرس حياته لنشاطين أساسيين، رسم الأيقونات والمشاهد الدينية وتدريس الرسم. فلا تخلو كنيسة دمشقية أو في ضواحي دمشق من عملٍ، أو ربما أعمالٍ موقعة باسمه.كما أشار إلى كون (ميلاد الشايب) هو من أوائل المصوّرين السوريين، عاصر (توفيق طارق) ورسم إلى جانبه، ودرس الفنون في معهد (سوريكوف) بموسكو وتخرج منه في عام 1965.
إلا أن الإشارة الأهم كانت في قوله: إن الأساس الأكاديمي الصحيح لا بد منه..
ولا بد للكلية ومعاهد تدريس الفنون من حضور ميلاد مشابه.
*اللوحة:محادثة – ميلاد الشايب (1918- 2000)
http://thawra.sy/_View_news2.asp…