فلسطين وبدايات التصوير الأوروبي
في ضوء العناصر التي أنتجت الاهتمام الفوتوغرافيّ في فلسطين، فإنه من غير المستغرب أن تحتل فلسطين مكانة بارزة ضمن اهتمام المصورين الفوتوغرافيين الأوروبيين. وقد تحولت فلسطين، وهي بلد صغير، بعيد كل البعد عن أوروبا، إلى مكان يُحتفى بصوره الفوتوغرافية في أوروبا ومستعمراتها في القارة الأميركية. كانت التصاوير التي تظهر أجزاء من فلسطين، وتحديداً مدينة القدس، أكثر حضوراً في معارض اللوحات الفنية، كما في المعارض الفوتوغرافية، من تلك التي تظهر في أي بلد آخر في آسيا أو إفريقيا (ربما يجدر استثناء مصر من هذه المعادلة). فقد كان من الشائع أن تجد صوراً فوتوغرافية لمناطق فلسطينية معروضة إلى جانب صور أخرى ولوحات لباريس ولندن. وهذا ما يوحي به الوصف التالي لمعرض فوتوغرافي معماري نشر في المجلة البريطانية للفوتوغرافيا في 15 آذار/مارس 1860:
الصور الفوتوغرافية في هذا المعرض منسقة بحسب البلدان، وهذا صائب، على أن الدول المختلفة ليست ممثلة فيه بالتساوي. ففرنسا وإنجلترا تحوزان على الغالبية، كما قد يكون متوقعاً، تليهماا أسبانيا، ثم روما،، والبندقية، والقدس وما يحيط بها.13
صور القدس المعروضة كانت لـ جيمس روبرتسون وهو من مصوري الرقائق الرطبة (wet – plate أو شرائح “الكولوديون” المبللة داخل الكاميرا) الذين صوروا فلسطين العام1857 .14 وقد جعل هذاا المعرض، إضافة إلىى معارض كثير من المصورين الأوروبيين في تلك الفترة، من القدس مكاناً مألوفاً للعين الأوروبية. وفي المقال نفسه المشار إليه أعلاه، يصف الكاتب كيف أنه وجد مباني القدس “مألوفة مثلما هي المباني العامة في لندن”. 15
لقد عمل في الشرق الأدنى بين 1839 و 1885 أكثر من مائتين وخمسين مصوراً أوروبياً وأميركياً، وكثير منهم صوّر فلسطين.16 ولو أننا امتددنا بالفترة حتى العام 1900 لكان عدد أولئك المصورينن أكبر بكثير، إذ يسّرر اختراعا “جورج إيستمان” لنيجاتيف رقاقة الجيلاتين ولفيلم “النيترو-سيلولوز” الشفاف ـ في العامين 1888 و 1891 على التوالي ـ التصوير لجمهور أوسع.17 لقد وفرت الأنواع الجديدة من النيجاتيف على المصورين مشقة اصطحاب ألواح النيجاتيف الزجاجية الثقيلة التي كانوا يستخدمونها قبلئذ، ومكنت السياح من السفر بكاميراتهم إلى الأماكن المختلفة. وعلى الرغم من استحالة تقدير عدد الصور التي التقطها هؤلاء الهواة للقدس في القرن التاسع عشر، فإن من المرجح أن العدد كبير جداً.18
يمكن تقسيم المصورين الفوتوغرافيين الذين عملوا في القدس إلى ثلاث فئات عريضة بحسب منشئهم ودوافع تصويرهم لفلسطين ونوع الصور التي التقطوها.19 وهذه الفئات هي:
– المصورون الزائرون.
– المصورون الأجانب المقيمون في المنطقة.
– المصورون المحليون. وقد ظهرت الفئة الأخيرة متأخرة على الساحة، ويرتبط تاريخها وتطورها بالفئتين الأوليين.