فلسطين و التصوير الفوتوغرافي المبكر
بقلم عصام نصار
“لا تستطيع الصورة الفوتوغرافية الخداع، كما لا يقوى شيء على إضعافها. فهذه الآلة الرائعة لا تقبل الإضافة أو الحذف: إذ ندرك بأن ما نراه ينبغي أن يكون هو الحقيقة. لذا، حين ننقاد إليها، نستطيع السفر إلى كل بلدان العالم من دون التحرك من مكاننا”.
وضع القرن التاسع عشر بصمته على بداية مرحلة جديدة من وعي الإنسانية وذاكرتها، فقد أعادت التطورات التقنية والعلمية تشكيل المعرفة والفكر الإنساني بطريقة لم تكن ممكنة من قبل. وقد غيرت الاختراعات الجديدة المتعددة في مجالات الاتصال والمواصلات والمشاهدة مفهومي الزمان والمكان. فقد أصبح من الممكن الاتّصال الفوري بشخص ما في الجانب الآخر من العالم عبر التلغراف أولاً، ومن ثم عبر الهاتف، تماماً، كما أصبحت مشاهدة صور الأشياء والبلاد والنّاس والأحداث التي كانت بعيدة مكانياً وزمنياً ممكنة.
اختراع العملية التي سميت لاحقاً بالتصوير الفوتوغرافي شكلت، آنذاك، أحد أهم التطورات التي غيرت من الفهم والوعي البشري. فمع اختراع التصوير الفوتوغرافي – الذي عرف، آنذاك، بـ”الديغيروتايب”، نسبة إلى “داغير” أحد مخترعي التصوير العام 1839 – أصبح بإمكان البشر أن يحتفظوا بالماضي ميكانيكياً بكلّ ما يحمله ذلك الماضي من تفاصيل لحظية لم تنجح اللوحات الزيتية ولا الذّاكرة البشريّة بنقلها من قبل. لقد كان للتّصوير القدرة على حفظ الماضي ـ سواء أكان الماضي الفردي أم الجماعي التاريخي العام ـ وبالتالي، منح الوجود المستمر لحظات مضت، مثبتاً بذلك أحداثاً تستطيع أجيال لاحقة عدة رؤيتها. ولعل وصف أحد معاصري الاختراع، وهو الكاتب الأمريكي “أوليفر وينديل هولمز”، للصورة الفوتوغرافية باعتبارها مرآة ذات ذاكرة يشكل خير وصف لطبيعة هذا الاختراع الجديد.9 فالصورة أو المرآة، بحسب التعبير، كانت تمتلك، على الأقل نظرياً، القدرة على حفظ الحاضر للأبد، وفي الوقت ذاته جعلت إمكانية رؤية أناس وشعوب وأماكن بعيدة جدّاً ممكنة وواقعية، بينما كانت ملامحها، فيما سبق، تنتمي إلى عالم أعتبر، نتيجة لبعده الجغرافي أو الزمني، جزءاً من عالم الخيال.
لكنّ الافتراض الشائع، وبخاصة آنذاك، بأن التّصوير يقدّم موضوعه بالضّبط كما هو في الواقع، مسألة يجدر النظر إليها بعين الشك. فكما كان الرسامون من قبلهم، بدأ المصوّرون باستعمال المؤثرات الخاصّة للتحكم بوضع وموضوع الصورة، ووضع الكاميرا، ونوعية الإضاءة وقوتها، وغير ذلك حتى يتمكنوا من إنتاج صور تنقل رغباتهم والمعاني التي يرغبون، وليس فقط صوراً تعتمد على التوثيق بشكل ميكانيكي صرف. وكذلك الأمر، فبعد أن يتم إنتاجها، تبدأ الصورة حياة خاصة بها، وتستعمل في مجالات عدة، وبالتالي تعطى معاني متنوّعة غالباً ما تعتمد على المعرفة السّابقة للمشاهدين لموضوعها وردّ فعلهم تجاهه. بعبارة أخرى، فإن الصورة التي تبدأ، عادة، من خلال علاقة ثنائية، طرفاها هما المصور والموضوع، سرعان ما تكتسب أبعاداً جديدة ترتبط بعلاقة ثلاثية الأبعاد، تربط الصورة وموضوعها بالمشاهد، تاركةً المصوّر ونواياه خارج إطار المعادلة كلياً.
إن تداخل المعاني ونشوء علاقات جديدة ما بين موضوع الصورة ومشاهدها، لا يستندان، فقط إلى الاعتبارات الجماليّة، ولكنّ، لاعتبارات أيديولوجية ومعرفية أيضاً. وهذا ما يجعل الصورة الفوتوغرافية، بشكل ما، وسيلة للسيطرة كونها تهب كلاً من المصوّر والمشاهد الحق في تملك وحرية التصرف والتحديق والتفسير لعالم موضوع الصورة. هذه القدرة هي نوع من ممارسة السلطة، ولو بصرياً فقط، على موضوع الصورة بطريقة يمكن القول إنها نوع من الاستعمار البصري والمعرفي.
الصّور الفوتوغرافية إذن – وبكونها ناقلة للمعنى – هي وثائق مرئيّة مهمة لدراسة التاريخ، ويجدر التعامل معها أسوة بكل الوثائق التاريخية الأخرى على أنها منتج يجب ربطه بالشّروط التّاريخيّة التي أنتج فيها. في هذا السياق، فإن دراسة الصور، كوثائق تاريخية، جديرة أن تأخذ بعين الاعتبار، حسبما اقترحت “سارة جراهام براون”، عدداً من القضايا المهمة، منها السياق والظرف الذي أخذت الصورة فيه، إضافة إلى نوعية علاقات السلطة والسيطرة القائمة بين المصوّر وموضوع الصورة، وكذلك الأمر أخذ الاعتبارات الأيديولوجيّة والجماليّة التي أثّرت على اختيار المصوّر لموضوع الصورة، وأخيراً النظر إلى الطريقة التي قد تترجم أو تفهم بها الصورة لدى مشاهديها في الفترة التاريخيّة المحدّدة.10 ضمن هذا الإطار، فإن دراستنا لصور فلسطين من القرن التّاسع عشر، إذا ما أخذت هذه القضايا بعين الاعتبار، فستجد أن الصور مثلها مثل الوثائق التّاريخيّة الأخرى التي تركها الأوروبيون حول هذا البلد، تعكس، بالأساس، مواقف ومفاهيم أوروبية سائدة آنذاك حول فلسطين والشرق عموماً، أكثر من مجرد أنها تظهر كيف بدا المشهد الفلسطيني للكاميرا في ذاك الحين.
بالطبع، من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الصور عكست الوعي والمخيلة التاريخية الأوروبية، فإن ذلك لا يعني أنها لم تساهم، أيضاً، في خلق وإعادة تشكيل هذا الوعي ذاته. فالصور تمتلك سلطة تشكيل المخيلة بقدر ما تعكسها. فكما تشير “سوزان سونتاغ” في دراستها حول الفوتوغرافيا إلى أن الصور تغيّر وتوسع مفاهيمنا كمشاهدين حول ما يستحقّ النّظر إليه وما يجدر بنا أن نلاحظه.11
وكان لاختراع التصوير الفوتوغرافي العام 1839 تأثير بالغ وبعيد المدى على كيفية تصوير وتمثيل وتقديم فلسطين للمشاهدين في أوروبّا، وذلك لأن هذا البلد، البعيد كل البعد عن أوروبا، يشكل الأرض المقدسة لها، وهو، لذلك، كان مألوفاً لدى الأوروبيين (سواء أكان ذلك عبر اللوحات أو الرسومات أو عبر الصور المحفورة باستعمال ما يعرف بـ Camera Lucida ) التي كانت تمثله. ويمكن القول إن عدداً من العوامل كانت وراء الاهتمام الأوروبي الفوتوغرافي بفلسطين في القرن التّاسع عشر، ومن أبرز هذه العوامل، تصاعد وتيرة الاهتمامات العالمية والاستعمارية في المنطقة عموماً، وفي هذا الإطار فإن انتشار الرؤية الرومانسيّة للمواقع غير الأوروبية التي سادت في بعض الأوساط الأدبية والفنية، آنذاك، في أوروبا، قد لعب، بلا شك، دوراً في تنامي مثل هذا الاهتمام. وبالطبع، يضاف إلى هذا عامل آخر وهو تجدد الاهتمام المسيحيّ، آنذاك، في الدراسات الإنجيليّة والتوراتية، الذي لعب دوراً مهماً ضمن الرؤية الأوروبية للشرق. لقد كان قرار المصوّرين الأوربيين السفر إلى فلسطين متعلقاً إلى حد كبير، مباشرةً أو بطريقةٍ غير مباشرة، بواحد أو أكثر من هذه العوامل.
أوروبا والآخر الشرقي
لقد تطورت العملية الفوتوغرافية في عز زمن التوسع الأوروبي. فاحتلال نابليون لمصر العام 1798 ومحاولته الفاشلة لاحتلال فلسطين بعد ذلك بعامين كانت فقط بداية لاهتمام أوروبي جديد في شؤون الشرق الأدنى. وبعد إعلان داغير عن اختراعه للتصوير، باشر العديد من المصورين الفرنسيين أولاً، ومن ثم البريطانيين، بالسفر إلى أرجاء العالم المختلفة لإحضار أدلة تصويرية للعجائب التي كانت خارج إطار العالم الأوروبي وحدوده الوهمية. من ضمن الأماكن العديدة هذه، شكلت كل من مصر وفلسطين منطقتين مهمتين نتيجة علاقاتهما التاريخية بأوروبا التي تعود للعصور القديمة، لا سيما فيما يتعلق بالكتاب المقدس .
وصول الفوتوغرافيا إلى الشرق الأدنى غالبا ما ارتبط بالاهتمام الأثري المتنامي في الشرق. هذا الاهتمام يرتبط بالدرجة الأولى بالحملة النابليونية في مصر. فقد أحضر نابليون معه لمصر أكثر من 500 شخص مدني، منهم 151 عالماً وعضواً في لجنة العلوم الإنسانية، وقد أنتجوا مسحاً شاملاً لمصر صُوِّر تحت عنوان “وصف مصر”.
غير أن الاهتمام بالمنطقة وبالثقافات الأخرى يرتبط، أيضاً، بعملية ثقافية مرتبطة بمحاولات أوروبا تعريف ذاتها. هذه العملية ترتبط، إلى حد كبير، بنظرية داروين في التطور ونظرية سبنسر في التطور الاجتماعي. فقد أخذ الأوروبيون بشكل تدريجي ينظرون إلى الثقافات والحضارات الأخرى ويمثلونها كما لو كانوا يرون بها أو من خلالها الكيفية التي عاش أجدادهم بها. المقصود أن الثقافات الأخرى قد تم وضعها في إطار محدد وضعت أوروبا به، كما لو أنها تشكل الحالة الأكثر تطوراً في التاريخ والحضارة البشريين. مساهمات الحضارات الأخرى أخذت تكتسب أهمية فقط بالقدر الذي يمكن القول إن هذه الحضارات قد ساهمت في تطور ما عرف “بالحضارة الغربية”. وبمعنى آخر، فقد بدأ الأوروبيون بالتفكير بأن التطور هو ليس مفهوماً فقط مرتبطاً بالزمن فقط، بل أيضا بالمكان، وبذا فقد أصبح ما هو “خارج أوروبا” ينظر إليه ولو أنه “ما قبل أوروبا”.
المسح الأثري الشامل لمصر الذي أجراه علماء نابليون، واكتشاف أبو الهول، وحجر رشيد الذي ساعد في الكشف عن عالم كامل عبر اكتشاف أسرار اللغة الهيروغليفية بلا شك، قد أعطى دفعة لمثل هذا الاهتمام الأوروبي المتصاعد في آثار بلاد الشرق الأدنى. تدريجياً، بدأت الفوتوغرافيا تجد طريقها ضمن هذه النشاطات الأركيولوجية، حيث بدأ العلماء باصطحاب المصورين معهم للمشرق في رحلاتهم للتنقيب عن الآثار.
عامل آخر مهم لعب دوراً في زيادة الاهتمام الفوتوغرافي بالمشرق في القرن التاسع عشر، يرتبط بالنظرة الرومانسية لهذا الجزء من العالم التي كانت آخذة بالانتشار ما بين الأوروبيين آنذاك، فصورة الشرق كمكان متخيل مليء بالإثارة الجنسية والسحر والرغبات الدفينة كانت آخذة بالانتشار التدريجي آنذاك. فقد ساعد الأدب الرومانسي ورؤيته التاريخية التي عممت النظرة الرومانسية لعموم التاريخ مثل كتابات هوجو، وجرارد دونرفال، ولوحات جون ليون جيروم، ودولكروا، ودافيد روبرتس، وبعض من كتابات فلوبير، على خلق مخيلة أوروبية حول الشرق كمكان للإثارة. فنحن نجد مخيلة عالم “ألف ليلة وليلة” بما فيه من الليالي المجونية بمصاحبة الجواري قد تحول إلى حلم أوروبي يسعى وراءه الجيل الصاعد.
رؤية الشرق كمكان مثير سرعان ما وجدت طريقها لعالم الفوتوغرافيا، فقد بدأ المصورون بالتقاط صور لنساء الشرق في أزياء مختلفة، وأحيانا عراة وفي أوضاع مثيرة. صور عديدة قد ظهرت ووزعت في أوروبا لنساء عاريات تحمل أسماء مثل نساء الجزائر، أو نساء النوبة، أو بدويات الشرق كانت آخذة بالانتشار، وبخاصة على يد المصورين الفرنسيين المبكرين.
ومع هذا يبقى هناك عامل رئيسي دفع باتجاه تصوير فلسطين آنذاك، وهو يرتبط بتصاعد الاهتمام بالدراسات التوراتية والإنجيلية بهدف تزويد الإثباتات لصحة الرواية الدينية. المصورون المبشرون شكلوا جزءاً مهماً من مصوري فلسطين في القرن التاسع عشر وبعده. منهم مثلاً، الأمريكي “دوايت ألمندورف” الذي صور فلسطين العام 1901. فهو يصف هدفه لزيارة فلسطين وتصويرها في مقدمة كتابه المعنون باسم “حرب صليبية بالكاميرا على البلاد المقدسة”، حيث يقول:
لقد بدأت رحلتي العام 1901 للبلاد المقدسة … ببساطة بهدف السير عبر البلاد لأنني أرغب بأن أرى بأم عيني الأماكن المذكورة في الإنجيل، وأن أدرس عادات قديمة ما زالت سائدة في ذلك المكان، وإن أمكن أن أفهم مقاطع محددة في الكتاب المقدس هي غامضة بالنسبة لي ولمن علموني. في الواقع، كان إيماني مهزوزاً وكنت أشك في صحة ما أعرفه، لكن آية إنجيلية من إنجيل متى جعلتني أبحث، حيث تقول الآية: … اسأل وستحصل على ما تبغي؛ ابحث وستجد؛ أطرق وستفتح الأبواب لك”. لقد ذهبت وسألت، وطرقت وهاأنذا وقد توقفت عن الشك، فأنا الآن أعرف. إن رحلتي على ظهر فرس عبر الديار المقدسة قد كشفت الحقيقة لي، وآمل أن يكشف وصفي لها في هذا الكتاب الحقيقة للآخرين.12
غارات ألمندورف “الصليبية” أنتجت مئة صورة لمواقع دينية وتاريخية في فلسطين عنونت جميعها بدون استثناء بالإشارة إلى مقاطع من الإنجيل.
فلسطين وبدايات التصوير الأوروبي
في ضوء العناصر التي أنتجت الاهتمام الفوتوغرافيّ في فلسطين، فإنه من غير المستغرب أن تحتل فلسطين مكانة بارزة ضمن اهتمام المصورين الفوتوغرافيين الأوروبيين. وقد تحولت فلسطين، وهي بلد صغير، بعيد كل البعد عن أوروبا، إلى مكان يُحتفى بصوره الفوتوغرافية في أوروبا ومستعمراتها في القارة الأميركية. كانت التصاوير التي تظهر أجزاء من فلسطين، وتحديداً مدينة القدس، أكثر حضوراً في معارض اللوحات الفنية، كما في المعارض الفوتوغرافية، من تلك التي تظهر في أي بلد آخر في آسيا أو إفريقيا (ربما يجدر استثناء مصر من هذه المعادلة). فقد كان من الشائع أن تجد صوراً فوتوغرافية لمناطق فلسطينية معروضة إلى جانب صور أخرى ولوحات لباريس ولندن. وهذا ما يوحي به الوصف التالي لمعرض فوتوغرافي معماري نشر في المجلة البريطانية للفوتوغرافيا في 15 آذار/مارس 1860:
الصور الفوتوغرافية في هذا المعرض منسقة بحسب البلدان، وهذا صائب، على أن الدول المختلفة ليست ممثلة فيه بالتساوي. ففرنسا وإنجلترا تحوزان على الغالبية، كما قد يكون متوقعاً، تليهما أسبانيا، ثم روما، والبندقية، والقدس وما يحيط بها.13
صور القدس المعروضة كانت لـ جيمس روبرتسون وهو من مصوري الرقائق الرطبة (wet – plate أو شرائح “الكولوديون” المبللة داخل الكاميرا) الذين صوروا فلسطين العام1857 .14 وقد جعل هذا المعرض، إضافة إلى معارض كثير من المصورين الأوروبيين في تلك الفترة، من القدس مكاناً مألوفاً للعين الأوروبية. وفي المقال نفسه المشار إليه أعلاه، يصف الكاتب كيف أنه وجد مباني القدس “مألوفة مثلما هي المباني العامة في لندن”. 15
لقد عمل في الشرق الأدنى بين 1839 و 1885 أكثر من مائتين وخمسين مصوراً أوروبياً وأميركياً، وكثير منهم صوّر فلسطين.16 ولو أننا امتددنا بالفترة حتى العام 1900 لكان عدد أولئك المصورين أكبر بكثير، إذ يسّر اختراعا “جورج إيستمان” لنيجاتيف رقاقة الجيلاتين ولفيلم “النيترو-سيلولوز” الشفاف ـ في العامين 1888 و 1891 على التوالي ـ التصوير لجمهور أوسع.17 لقد وفرت الأنواع الجديدة من النيجاتيف على المصورين مشقة اصطحاب ألواح النيجاتيف الزجاجية الثقيلة التي كانوا يستخدمونها قبلئذ، ومكنت السياح من السفر بكاميراتهم إلى الأماكن المختلفة. وعلى الرغم من استحالة تقدير عدد الصور التي التقطها هؤلاء الهواة للقدس في القرن التاسع عشر، فإن من المرجح أن العدد كبير جداً.18
يمكن تقسيم المصورين الفوتوغرافيين الذين عملوا في القدس إلى ثلاث فئات عريضة بحسب منشئهم ودوافع تصويرهم لفلسطين ونوع الصور التي التقطوها.19 وهذه الفئات هي:
– المصورون الزائرون.
– المصورون الأجانب المقيمون في المنطقة.
– المصورون المحليون. وقد ظهرت الفئة الأخيرة متأخرة على الساحة، ويرتبط تاريخها وتطورها بالفئتين الأوليين.
المصورون الزائرون، والمقيمون
معظم الذين يمكن تصنيفهم كمصورين زائرين كانوا ممن تم تكليفهم بتصوير المنطقة من جانب مؤسسات حكومية، أو جمعيات أثرية، أو جمعيات دينية تبشيرية، أو رحلات أو مبادرات خاصة. وهؤلاء كانوا هم الذين التقطوا أوائل الصور لفلسطين. أولهم، “فردريك غوبيل-فيسكيه” (Frederic Goupil Fesquet ). كان “غوبيل-فيسكيه” قد ذهب الى الشرق برفقة الرسام هوراس فرنة (Horace Vernet ) بتكليف من عالم البصريات الفرنسي جان-نقولا-ماري لوروبور (Jean -Nicolas -Marie Lerebours ) الذي كان ينوي نشر كتاب مصور عن أبرز معالم ومدن العالم . دخل فيسكيه فلسطين قادماً من مصر في الرابع من كانون الأول 1839 والتقط أول صورة لمدينة غزة وكان أول من التقط صورة لمدينة القدس في ذلك الشهر . وأرسلت مؤسسات حكومية فرنسية بعض المصورين الفرنسيين المشهورين، مثل “ماكسيم دوكامب”، و”أوغست سالزمان”. وقد أرسلت وزارة التعليم الفرنسية “دوكامب”، الذي يعتقد أنه، والبريطاني كلوديوس ويلهاوس، أول من استخدم التصوير بطريقة (الكالوتايب) في الشرق الأوسط، في بعثة رسمية إلى مصر وفلسطين العام 1849 بصحبة صديقه الروائي “غوستاف فلوبير”.20 أما ويلهاوس فكان في رحلة خاصة مع نبلاء بريطانيين في حوض البحر المتوسط .
وعلى نحو مشابه، تم إرسال المصورين من جانب المنظمات العلمية والأثرية. ومن أوائل هؤلاء، المصور الفرنسي “لويس دي كليرك” (Louis de Clercq ) الذي رافق العام 1859 بعثة آثارية فرنسية يقودها “إيمانيويل غيليوم راي” (Emmanuel Guillaume Rey ). وقد نشر سلسلة من الألبومات تحت عنوان عام هو: رحلة إلى الشرق Voyage en Orient )).21 وتضم هذه المجموعة أيضاً، عدداً من المصورين الذين رافقوا الحملات البريطانية، التي نظمها في الغالب صندوق استكشاف فلسطين (Palestine Exploration Fund ) – من ستينيات القرن التاسع عشر فصاعداً – وكانت تضم مصورين كجزء من الفريق. من هؤلاء المصورين، “هنري فيليبس”، و”جيمس مكدونالد”، وهوراشيو هيربرت كيتشنر. وقد عمل المصور “تانكريد دوماس”، الذي اتخذ بيروت مقراً له، في سبعينيات القرن التاسع عشر لصالح الجمعية الشرقية الأميركية. وكذلك المصور البريطاني بيتر برغهايم (Peter Bergheim ) الذي أقام لفترة ما على ما يبدو في القدس وعمل مع جمعية تبشيرية، وقد ظهرت ثلاث من صوره في مسح القدس الذي أشرف عليه كابتن شارلز ويلسون وأصدره صندوق اكتشاف فلسطين في العام 1865.
تتكون المجموعة الثالثة من المصورين التي تنضوي تحت هذه الفئة من مبشرين أو مصورين أرسلتهم جمعيات دينية.22 من هؤلاء كان المبشر المعروف “جيمس غراهام” (James Graham )، سكرتير “جمعية لندن لنشر المسيحية في أوساط اليهود” (London Society for the Promotion of Christianity among the Jews ). وقد أوفد العام 1853، ومكث في فلسطين ثلاث سنوات صور خلالها عديداً من المواقع التي لها صلة بتاريخ الكتاب المقدس.23 وهو بذلك يُعتبر أول مصور مقيم في القدس .
أما المصورون الأوائل في فلسطين الذين يمكن إطلاق صفة “المقيمين” عليهم، فقد كانوا أفراداً، أجانب أو محليين، لهم محلاتهم الخاصة في المنطقة: في القدس، وبيروت، واستانبول، والقاهرة. وكان أول من أنشأ استوديوهات تصوير فوتوغرافي أوروبيين قدموا إلى المنطقة لسبب من الأسباب، وقرروا البقاء فيها. ومن أشهر المصورين المقيمين الأوروبيين “فيليكس وأدريان وليدي بونفيس” (Bonfils ) الذين حلّوا بيروت قادمين من فرنسا، وأنشأوا أستوديو للتصوير الفوتوغرافي العام 1867. وقد صوّروا مناطق الشرق الأدنى دون انقطاع منذ العام 1867 وحتى أوائل القرن العشرين. وممن نافس عائلة “بونفيس” بأستوديو خاص به “تانكريد ر. دوماس” (Dumas) الذي يبدو أنه وصل بيروت في الفترة نفسها التي وصلت فيها أسرة “بونفيس”.24 وقد أنشأ عدد من المصورين الآخرين استديوهات في اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية. ومن هؤلاء الكيميائي الألماني رباخ (Rabach ) الذي أسس أستوديو في اسطنبول خلال حرب القرم (1853-1856) باعه لاحقاً للأخوة عبد الله {هورسيب” (Horsep )، و”فيشن” (Vichen )، و”كيفورك”} الذين عينوا في العام 1862 مصوّري البلاط في أيام السلطان عبد العزيز ثم عبد الحميد.25 المصور باسكال سيبا (ربما سباح أو صباح) (Sebah)، وهو مصور سوري من اسطنبول ذاتها ولد العام 1823 لأسرة مكونة من أب سوري وأم أرمنية وأنشأ أستوديو في العام 1857، ومن ثم انتقل إلى موقع كبير في العام 1860، وقد افتتح فرعاً في القاهرة العام 1873 .26 وقد استقر آخرون في مصر وأنشأوا استوديوهات في القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى. ومنهم لويجي فيوريللو (Luigi Fiorillo ) المصور الإيطالي الذي أسس أستوديو في الإسكندرية في السبعينيات من القرن التاسع عشر. ويبدو أن “فيوريللو” اندمج تجارياً مع مصور آخر في ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث يظهر التوقيع “ماركيز وفيوريللو” (Marquis and Fiorillo) على جميع الصور اللاحقة. كذلك الأمر، فإن الصور الموقعة باسم “زانغاكي” (Zangaki ) تنتمي أيضاً إلى هذه المجموعة. وتغطي صور الأخوين قسطنطين (1845-1916) وجورج (توفي في 1926) “زانغاكي” جزءاً كبيراً من المنطقة، وعلى مدى زمني يمتد من سبعينيات القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين. والأخوان “زانغاكي” مصوران من أصل يوناني يبدو أنهما صورا سوية، حيث يظهر أحدهما أحياناً في الصور مرتدياً قبعة من القش.
من المحتمل أن تكون ثمة فئات أخرى من المصورين الذين عملوا في فلسطين ممن لا يمكن إلحاقهم بأي من الفئتين المذكورتين. على أنه لما كان هؤلاء قد ظهروا في الساحة في زمن متأخر (بعد العام 1890، أي بعد بداية انتشار التصوير على مستوى محلي)، ولما كان تأثيرهم على اتجاهات التصوير الفوتوغرافي في المشرق، بما في ذلك فلسطين، محدوداً، فإن هذه الدراسة لن تتطرق إليهم. أما بالنسبة إلى المصورين المحليين، فسنترك موضوعهم للفصول التالية التي ستخصص تحديداً لدراستهم ودراسة أعمالهم.
صورة فلسطين في التصوير الفوتوغرافي الأوروبي المبكر
إن خلفية المصور (وكان المصورون غالباً من الرجال) والأسباب التي دفعته إلى شدّ الرحال إلى فلسطين هي التي تحدد اختياره لموضوع التصوير. فبينما كان المصور الذي يرافق بعثة أثرية يقوم على الأرجح بالتقاط صور للآثار، كان المصور الذي سافر إلى فلسطين لدراسة الكتاب المقدس متجهاً في الغالب إلى توثيق الأماكن المرتبطة بتاريخ الكتاب المقدس، أكثر مما يفعل السائح العادي الذي اصطحب كاميرا معه، وصور غالباً الأماكن التي زارها.
وعلى الرغم من تعدد الأسباب التي دعت المصورين الفوتوغرافيين الأوروبيين للسفر إلى الشرق الأدنى في القرن التاسع عشر، فبالإمكان الادعاء بأن سبباً واحداً واضحاً وبسيطاً شكل القاسم المشترك فيما بينهم، وهو الرغبة بتصوير الشرق، أو بمعنى آخر بتعريفه بصرياً لمشاهدي الصور الفوتوغرافية في بلدان أوروبا ومستعمراتها المختلفة بالأساس. ذلك أن النتيجة النهائية-وبغض النظر عما إذا كانت دوافع هذا المصور أو ذاك هي طلب السوق الأوروبية والأمريكية لمثل هذه الصور، أم دوافع أخرى سبق ذكرها-تمثلت في نقل صورة عن معالم الشرق للمشاهد الأوروبي، ما أدى إلى خلق تصور ومخيلة أوروبية لشكل الشرق وسكانه ومعالمه التاريخية. وفي خضم عملية إنتاج الصور هذه، غالباً ما أخذ المصورون أفكاراً وحتى صوراً فوتوغرافية من بعضهم البعض، كما أعادوا إنتاج تصورات عرفت سابقاً في الرسومات من خلال وصف الرحالة. وهم بذلك وفروا، سواء عن قصد أم غير قصد، أدلة فوتوغرافية لمواضيع ومفاهيم عرفها المجتمع الأوروبي سابقاً.
في هذا السياق، ليس من المستغرب أن نجد تكراراً في المفاهيم، ونوعية الصور المنتجة، آنذاك، لفلسطين من ناحية الموضوع، واختياره من قبل المصورين القادمين من أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث تشير درجة التكرار هذه، وبخاصة في الصور المتداولة في الأسواق آنذاك، إلى تشكل نوع من التقليد الأوروبي لكيفية تصوير فلسطين.
ويمكن ملاحظة عوامل التقليد هذه من خلال عدد من الأمور منها:
– الإطار الذي صُور فيه موضوع الصورة.
– موضوع الصورة ذاته وطريقة اختياره.
– أبعاد المضمون والموضوع والصورة الجمالية.
– التعليقات أو الشروحات المرافقة المثبتة على الصور حول موضعها (captions ).
واستناداً إلى مسح شامل وعام لعدد كبير من الصور الفوتوغرافية (على أنواعها، سواء أكانت “ديغيروتايب” أم صور “كولوديون” أم غيرها)، والتي تعود للقرن التاسع عشر والموجودة في عدد من المتاحف والأرشيفات، فقد وجدت أدلة تثبت أن تقليداً أوروبياً بالفعل قد تكون لكيفية تمثيل فلسطين في الصور، يمكن استعراضه من خلال تكرار المواضيع الستة التالية في الصور، مع الإشارة إلى أن هذه المواضيع ليست بالضرورة الوحيدة لكنها ربما الأكثر تكراراً:
– طغيان تصوير المواقع ذات الأهمية الدينية.
– تجنب تصوير السكان المحليين.
– تصوير الأشخاص بطريقة تجعل منهم إثباتات تاريخية لصحة الرواية والتراث الإنجيلي.
– تمثيل ومسرحة المشاهد الإنجيلية والتوراتية.
– غياب صور الأشخاص (وتحديداً النساء) العراة من صور فلسطين آنذاك.
– تصوير المواقع نفسها ومن الزوايا نفسها باستمرار.
يظهر أول هذه النماذج وأكثرها وضوحاً، أن الأغلبية العظمى لهذه الصور، هي لمواقع تتصل بالتاريخ الإنجيلي، ومن أكثرها شهرة الكنائس الرئيسية والأماكن المقدسة في القدس، وبيت لحم، والناصرة، مثل: كنيسة القيامة، وكنيسة المهد، وكنيسة الصعود، وحائط المبكى، وكنيسة القديسة كاترين في سيناء، وغيرها من المواقع الدينية. ولا يفهم من ذلك أن الكنائس خاصةً وأماكن العبادة عامةً هي التي سيطرت على مواضيع الصور وحدها، بل ظهرت في الصور إلى جانب هذه المواقع، وبشكل متكرر، أماكن أخرى ترتبط بالتراث الإنجيلي من دون أن تكون بالضرورة قد تحولت إلى كنائس كقرية العيزرية (والتي يشار إليها دوماً باسمها الإنجيلي بيتاني أو بيت عنيا)، ووادي الملوك، وجبل الزيتون، وجبل القرنطل، ونهر الأردن، وغيرها. ومما يثير الانتباه في هذه الحالات، أن التعليق المكتوب على هذه الصور، والمثبت على “النيجاتيف” أو “الصورة السلبية”، كان دوماً الأسماء الإنجيلية-التوراتية، عوضاً عن الأسماء التي يستعملها سكان فلسطين في تلك الفترة، كما في حال قرية العيزرية أو نابلس، التي ظهرت دوماً على أنها “شخيم” وما إلى ذلك. وربما أن الوصف الشائع، آنذاك، لأحد أهم مواقع مدينة القدس على الإطلاق، وهو قبة الصخرة، وبخاصة لدى المصورين الذين غالباً ما أصروا على تصويره على الرغم من الحظر القانوني، على أنه “موقع هيكل سليمان”، يشكل أكثر الأمثلة تطرفاً وغرابة. فها هو أحد أقدم مباني القدس التاريخية، وأحد أجمل المواقع المعمارية في العالم، وأحد أهم المعالم الدينية في القدس على الإطلاق، يتم تجاهل وجوده، وفي الوقت ذاته يتمكن المصور من رؤية ما يعتقد أنه كان قائماً في ذلك الموقع قبل آلاف الأعوام. القدرة هذه على عدم رؤية ما هو واضح، ورؤية ما هو متخيل، تشكل حالة من العمى الثقافي المرتبط بالمخيلة الاستشراقية لفلسطين.
لقد قام المصور الفوتوغرافي الاسكتلندي “جيمس غراهام” العام 1854 بطبع مقطع من إنجيل لوقا على نيجاتيف الصورة التي التقطها لقبة الصخرة، والذي يرد فيه “في النهار كان يعلم في الهيكل، وفي الليل كان في الجبل المسمى جبل الزيتون”.27 وقد يكون هذا “العمى الثقافي” والواضح في مثال غراهام، بكل بساطة، نتيجة لطلب السوق الأوروبية صور الأراضي المقدسة لاستعمالها في تزيين الأناجيل، وكتب الرحالة والحجاج وغيرها من الكتب الدينية، متبعين في ذلك التقاليد التي وضعها سابقاً الرسامون والنحاتون. ولكن غراهام كان أيضاً قد أُرسل الى القدس من قبل جمعية ترويج المسيحية بين اليهود (The Society for the Promotion of Christianity Among the Jews ) وهي جمعية بريطانية تؤمن بضرورة تنصير اليهود في فلسطين تحقيقاً لنظرية عودة المسيح الثانية .
إن النموذج الثاني المتبع في هذه الصور عموماً، هو غياب السكان المحليين. فمن الصعب جداً العثور على صور لبشر في صور فلسطين المبكرة، وبخاصة في مرحلة ما قبل العام 1867. وتتأكد هذه النقطة حين ننظر إلى أعمال لمصورين مثل الفرنسيين “مكسيم دوكامب”، و”أوغست سالزمان”، وأعمال الثنائي “روبتسون وبياطو”، التي تعود إلى مرحلة الخمسينيات من القرن التاسع عشر. وقد ظل الأمر على حاله حتى نهاية الستينيات من تلك الحقبة، حين صار ظهور الأشخاص ملاحظاً أكثر في الصور الفوتوغرافية. وما يلفت الانتباه أن الصور التي التقطها المصور الإنجليزي “هنري فيليبس” جُلها خالية من الأشخاص، في حين أن المصور أساساً قد أُرسل إلى فلسطين من أجل هدف محدد، وهو القيام بتوثيق البلد. حتى في صور الأراضي المقدسة لـ”بونفيس” (ستينيات، وسبعينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر)، ظل الأشخاص غائبين عن صوره للمواقع الإنجيلية والتاريخية. وخير مثال هي الصورة المشهورة لـ”بونفيس” لقبة الصخرة في القدس، التي أشرنا إليها أعلاه.
وفي الصور المأخوذة للموقع نفسه (الصخرة) للمصور “ماندل دينس”- وهو مهاجر روسي من أصل يهودي وصل إلى فلسطين وتعلم التصوير في القدس على يد زوجة القنصل البريطاني السيدة فن (Fin ) في خمسينيات القرن التاسع عشر- المأخوذة العام 1858، نلمح أحياناً هيئة على ما يبدو أنه شخص، لكن من مسافة بعيدة تجعل منه مجرد شكل بالكاد أن يرى. الكثير من المواقع المهمة في مدن وقرى فلسطين مثل: كنيسة القيامة، وشوارع القدس، وبيت لحم، وطبريا، ويافا، وغيرها وأبواب مدينة القدس، مثل باب العامود، وحائط المبكى في القدس، وعين العذراء في الناصرة، ظهرت في أغلب الأحيان فارغة، إلا في ما ندر، حيث يظهر الأشخاص كأمر ثانوي بالنسبة للمكان. وتولد هذه الصور في المشاهد إحساساً بأن فلسطين مكان غير مأهول وخالٍ، فقد تحولت معها أكثر الأماكن حياة وحيوية إلى مجرد مواقع أثرية قديمة وغير مأهولة لا تصلح إلا لتذكير المشاهد بالتاريخ التوراتي العريق ليس إلا.
وبالطبع، هناك صور عدة تخالف هذا الانطباع السائد (وهو ما سيتم نقاشة في الأجزاء التالية)، وتشكل إلى حد كبير استثناءات للقاعدة العامة، حيث نرى صوراً لحشود بشرية في بعض المناطق وبعض المواسم. وأهم مثال على هذا ربما هو مثال الصور الكثيرة للحشود أمام كنيسة القيامة في القدس خلال عيد الفصح، أو صور موسم النبي موسى، أو عيد الغطاس في نهر الأردن. وعلى الرغم من شعبية هذه الصور، فإنها لم تغير الفكرة المأخوذة أصلاً عن فلسطين كمكان فارغ، لأن وجود هذه الحشود فيها ارتبط بخصوصية المناسبة. وقد ساعدت التعليقات المكتوبة على هذه الصور على تأكيد هذا الأمر.
فالصورة التي أخذها “دوايت ألمندورف” لطقوس غسل الأرجل في الساحة الخارجية لكنيسة القيامة في عيد الفصح من العام 1901، هي خير مثال على ذلك، مظهراً فيها حشوداً من الناس تحاول الدخول عبر أبواب الكنيسة. ويظهر التعليق المكتوب على الصورة بوضوح أن وجود الحشود في مناسبة دينية مهمة لا يعني الكثير في سياق تصوير فلسطين كمكان مأهول، وذي مجتمع محلي فاعل. “ألمندورف” وصف الصورة بأنها صورة “حشود الحجاج وآخرون”، وهو بذلك قد أصر على تأكيد أن غالبية الموجودين هم من الحجاج- وبالتالي ليسوا سكاناً أو أبناء بلد-وهذا ما يؤكد للمشاهد حقيقة أن ما يشاهده هو بالفعل مكان مقدس، وفي الوقت ذاته يقلل من أهمية وجود السكان المحليين وظهورهم المؤكد في الصورة عبر تهميشهم لمجرد “آخرين”.
بلا شك، إن غياب الفلسطينيين عن معظم الصور يمكن أن يعزى جزئياً لعدائهم- وتحديداً في هذه الحال، المسلمين واليهود على حد سواء- للمصورين الأوروبيين الدخلاء على عاداتهم وعلى ديارهم، الذين يقومون بأعمال ربما اعتبرت مسيئة لتعاليم الدين. ولكن هذا ليس السبب الوحيد، فتغييب الفلسطينيين كشعب عن الصور الفوتوغرافية، هو أيضاً بطريقة أخرى، تغييب عن فكر ووعي الأوروبيين والأميركيين. فالمصور “دو كامب”، الذي زار فلسطين وصورها بعد أن زار مصر برفقه الكاتب “فلوبير” العام 1849، قد حرص دوماً على أن يظهر أشخاصاً مصريين في الأهرامات والقاهرة وغيرها. لماذا اختار إظهار الأشخاص في مصر ولم يشعر بضرورة أن يصور البشر في فلسطين؟ وكذلك الأمر، لماذا اختار المصوران هنري فيلبس و”جيمس مكدونالد” وغيرهما من مصوري البعثات العلمية والأثرية عدم تصوير أبناء البلد أسوة بمصوري المواقع الدينية؟
إن السبب يكمن في أن المصورين نظروا – وثم صوروا – لفلسطين أساساً، كموقع ديني وليس كموقع مثير للتصوير أسوة ببقية مناطق الشرق آنذاك (راجع الصور الشائعة للمغرب والجزائر وتونس تحديداً). كذلك الأمر ربما نجد الجواب عن سؤالنا أعلاه في ما عبر عنه المصور الأميركي “إدوار ل. ويلسون”، الذي صور فلسطين في ثمانينيات القرن التاسع عشر عندما قال بوضوح إن الفلاحين الذين صادفهم بالقرب من بحيرة طبرية التي يسميها الإنجيل ببحر الجليل “منفرون”، واصفاً وجودهم في فلسطين بأنه “لا ينسجم على الإطلاق مع طبيعة الأرض والمنطقة” 28 مثل هذا الموقف من الفلسطينيين، قد يكون مقتصراً على صاحبه، لكن الفكرة أنهم لا يصلحون كمواضيع للتصوير تتكرر حتى لدى من لم يعتبرهم منفرين. لقد كتب المصور الاسكتلندي “جون كرامب” حول خيبة أمله من عدم قدرته على تصوير نساء بيت لحم، واللواتي اعتبرهن جميلات، وذلك خلال رحلة التصوير التي قام بها العام 1860:
“نساء بيت لحم بالغالب بيضاوات السحنة وجميلات بالتأكيد. كل من سافر من هنا شهد ذلك . إنني شديد الأسف لكوني لم أتمكن من إحضار أدلة على ذلك، لكني لم أكن هناك لأصور مواضيع كهذه. أنا آسف لأني اتبعت تعليمات ومسؤوليات وظيفتي بدقة”.29
يبقى الأمر أنه وبغض النظر عما فكر فيه المصورون، فهم قد أظهروا فلسطين في صورهم- وهذه بعد وصولها للسوق تتخذ حياة خاصة بها بعيدة عن نوايا المصور- خالية من السكان، وبالتالي قد مهدوا ولو عن غير قصد لبروز الشعار الصهيوني “أرض بلا شعب”، الذي ربما قد يكون قبوله لدى الإنسان الأوروبي في بدايات القرن العشرين قد تأثر بكون الأوروبيين قد عرفوا فلسطين من خلال الصور، كما لو كانت أرضاً مهجورة.
أما النموذج الثالث المذكور أعلاه، وهو يتعلق بموضعة أو تشييء الحضور الإنساني، وتحويله دليلاً أو استعراضاً لأحداث من الرواية الإنجيلية أو التوراتية، فيشير إلى أن إدخال الأشخاص إلى الصور الموزعة تجارياً، يتم بقصد تصوير فلسطين ذات الإرث التوراتي، فصورة للرعاة مثلاً تعيد إلى الذهن حكاية ولادة المسيح، وصورة المرأة التي تملأ الجرار ماء من البئر تذكر بالمشهد الذي يجمع المسيح بالمرأة السامرية، وصورة النساء الجالسات على مدخل الكهف تستدعي مشهد القيامة، وقد ذهب بعض المصورين إلى أبعد من ذلك، بحيث كتبوا على الصور مقاطع من التوراة تتطابق مع اختيارهم للمشهد. المصور الأمريكي “دوايت ألمندورف، مثلاً، نشر آية إنجيلية على خلف كل صورة أخذها لفلسطين، بما في ذلك صور الباعة، وصورة تظهره شخصياً.
ولم تكن هذه الصور تعمل كمجرد خدمة لتأكيد الأحداث الماضية، بل إنها، أيضاً حملت معلومات غير دقيقة تاريخياً. فالتعليق المكتوب على صورة لقبة الصخرة ينسب تاريخ البناء إلى القرن العاشر بعد الميلاد، بينما هو في الواقع يعود إلى نهاية القرن السابع. كما صار لعملية تحويل الفلاحين الفلسطينيين إلى أيقونات إنجيلية، أثر على نوعية الصور المأخوذة في الأستوديو، التي راجت في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر.
من ناحية أخرى، أصبح من الصعب الأخذ تماماً بمصداقية هذه الصور، حين يتضح أن الأشخاص المأخوذة صورهم هم مجرد “موديلات”. ففي مجموعة “بونفيس”، مثلا،ً نرى الشخص نفسه يظهر مرة على أنه حلاج قطن من القدس، ومرة أخرى على أنه “الحاخام” الأكبر لمدينة القدس. كما يُعرف أحد الأشخاص في صورة لـ”دوماس” على أنه البطريرك الماروني للقدس، وهو منصب لا وجود له في المدينة (بالطبع إلا إذا كان هو بطريرك لبنان الماروني وقد صور في القدس، وعندها نستغرب عدم الإشارة إلى ذلك).
وفضلاً عن ذلك، فإن معظم الموديلات لم يكونوا يمثلون السكان المحليين بالمعنى الواسع، بل هم ينتمون إلى أقليات صغيرة في فلسطين، كالسامريين، والأرمن، والبدو.
إن تشييء الفلسطينيين حدث في الغالب بترابط مع النموذج الرابع المذكور سابقاً وهو تمثيل المشاهد الإنجيلية، فمن الصعب أحياناً تحديد إن كانت بعض الصور الفوتوغرافية ممسرحة، أم أنها ببساطة مجرد مشهد واقعي تلاعب به المصور لتحويله إلى ما يشبه الفكرة الإنجيلية (…). إن هذه المسرحة للمشهد الإنجيلي لم تقف فقط عند حدود القرن التاسع عشر، بل امتدت إلى مرحلة الانتداب البريطاني (1917-1948).
ففي عدة صور التقطها السويدي” أريك ماتسون” في العشرينيات أو الثلاثينيات من القرن العشرين، والمسماة “منزل في يهودا”، يظهر بناء قديم شبيه بالمغارة، يقف أمامه شخص يبدو وكأنه أب، بينما الأم جالسة على الأرض تحتضن طفلها، ويظهر إلى جانبيهما رجل مع جملين. ولا يبدو ممكناً إرجاع الشبه بين هذه الصورة ومشهد ولادة المسيح، إلى الصدفة وحدها.
النّمط الرّابع الذي يصعب، أحياناً، فصله بشكل قاطع عن النمط الذي سبقه، يتعلق بتمثيل المشاهد الإنجيليّة. الصعوبة ناجمة عن إشكالية التحديد الدقيق أحيانًا إذا ما كانت بعض الصّور مُثلت أو أنها ببساطة كانت صوراً لمشاهد واقعيّة حوّلتها معالجة المصوّرين وعناوينهم التي أعطوها للصورة إلى نوع من الاستعارات الإنجيليّة. وقد تمتع مثل هذا النوع من الصور بشعبية فائقة، وبخاصة في أوساط منتجي الصّور المجسّمة (الستيريوسكوب). فعلى سبيل المثال، نجد ضمن المجموعة التي حملت عنوان “دروس سفر يسوع” بطاقة مجسّمة نرى فيها رجلاً يبدو بزي راهب أرمنيّ يسير وحصانه بعيداً متفادياً رجلاً آخر ملقى على الأرض لابساً زي فلاح فلسطيني، فيما يحاول رجل ثالث مساعدة الرجل المطروح أرضاً. العنوان الذي وضعه منتجو المجموعة هو: على طريق أريحا: مثال السامري الطيب (إشارة للنص الإنجيلي لوقا 10: 25-37).
هذه الصّورة ليست إلا نموذجاً لعدد كبير من الصور المتشابهة لمشاهد ذكرت بالكتاب المقدس بشقيه. نموذج آخر نجده ممثلاً في عدد كبير من الصور التي يظهر فيها أشخاص ذو عاهات خلقية أو تشوّهات، وبخاصة المصابين بالبرص، وهذا ما يستحضر للذهن النص الإنجيليّ المتعلق بشفاء البرص. استعمال الصور في تفسير واستعراض النص الإنجيلي مسألة كانت قد احتلت مكاناً لها في الحوارات الكنسية في العصور الوسطى، مؤدية في النهاية إلى التبني الرسمي لاستعمال الرسومات والصور في تقريب المعنى الديني لمن لا يحسن القراءة. ففي العام 1025، أصدر المجمع الكنسي المعقود في “آراس” قراراً بتشجيع مثل هذا الاستخدام للصور (والقصد آنذاك اللوحات)، مؤكدين بأن “لا تستطيع عامة الشعب إدراكه بواسطة قراءة الكتاب المقدس، يجب أن تعلمه عبر المتابعة المستمرة للصور.”30
وعلى الرغم من ذلك، فإن استخدام الصور الفوتوغرافية المصورة في فلسطين لمثل هذا الهدف، له جانب آخر، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إدراك المشاهد بأن ما يراه في الصورة هو، أيضاً، جزء أو حدث من البلاد المقدسة. وفي هذه الحالة، فإن الصورة الإنجيليّة ليست الرّسالة الوحيدة التي سيتلقاها المتفرج، بل إن هناك جانباً قيمياً وحضارياً يرتبط بالاستعلاء الأوروبي. فبالعودة إلى صورة البرص في شوارع القدس- وهي صورة نكاد نجدها في كل مجموعات “الستيريوسكوب” المجسّمة التي نشرت لفلسطين – نجد التعليق التالي على واجهة الصورة: برص رديئون وغير طاهرين خارج أسوار القدس، كما نجد خلف بطاقة الصورة- وهي في هذه الحالة التي نقتبسها من ضمن المجموعة التي أنتجتها شركة أندر وود وأندر وود- وفي ضمن كتاب الشرح المصاحب للمجوعة المسماة القدس من خلال المجسّم أو “الستيريوسكوب”، النص التالي:
يلاحظ أنه بوجهٍ عامّ هناك عادةً أربعون إلى خمسين منهم (المقصود مرضى البرص) خارج المدينة [يضيف النص بأن] مثل هذا المرض الذي يتم توارثه هو مرض إثم ومميت، يرثه الرجل من سلالة طويلة من الأجداد الآثمين […] ولا يمكن لأية قوة بشريّة أن تعالجه.
وبالإضافة إلى الهوس الديني الواضح في النص أعلاه، فإن النص أيضاً قد يقرأ على أنه يمثل نوعاً من الرؤية الدونية لسكان فلسطين الذين لا يظهرون إلا إذا كانوا برصاً ومشوّهين، ما يعطي الانطباع العام بأنهم عموماً متخلّفون وموبوءون.
يكتسب النّمط الخامس مغزاه من غيابه. ذلك أنه من المستحيل تقريباً إيجاد أيّ صور من القرن التاسع عشر لفلسطين تتماثل مع صورة الشّرق المثير والمغري التي عرفت في فنّ الاستشراق آنذاك. خذ مثلاً لوحة الحاوي للرسام “جيروم”، التي نرى فيها مجموعة من التجار الجالسين في بيت شرقي المعالم، بينما يداعب غلام أفعى كبيرة. جو اللوحة يشكل أفضل تعبير عن صورة الشرق في المخيلة الأوروبية آنذاك. صورة الشرقيّ الذي هو الآخر الغريب كما مُثل في كتب الرحالة وفي اللوحات الزيتية والأدب الرّومانسيّ والصور، من الصعب إيجاد رديف لها في صور فلسطين عموماً.
ومن اللافت أن هؤلاء المصورين، قد التقطوا أحياناً صوراً لنساء عاريات في مناطق أخرى من فلسطين. فنجد، على سبيل المثال، صورة في مجموعة “بونفيس” تظهر فيها امرأة تحمل الحطب وأحد ثدييها يظهر عارياً أمام الكاميرا، وقد وصفت في دليل “بونفيس” التجاري على أنها بدوية من أريحا. ومن الطريف أننا نجد صورة مطابقة لتلك الصورة لدى المصور الفرنسي “دوماس” المقيم، آنذاك، في بيروت، تظهر فيها امرأة مشابهة تحمل الحطب أيضاً، وثديها عارٍ وصفت بأنها بدوية من بيروت. إن التشابه بين هاتين الصورتين ربما قد يضع علامة استفهام على مصداقية الوصف، كما أنه يشير لمسألة هي موضوع النموذج التالي في نقاشنا حول التقليد الفوتوغرافي الأوروبي.
إن النموذج الأخير يظهر من خلال العديد من الصور المأخوذة للمواقع نفسها، ومن خلال الزاوية نفسها، حتى وإن بدت هذه المواقع في الظاهر من دون أي معنى مميز. فالعديد من الصور التي التقطها مصورو الأمريكان كولوني وغيرهم، والتي غالباً ما سميت بـ “المشهد الأول للقدس”، تظهر تحديداً المشهد نفسه (وهو في هذه الحالة منظر القدس من جهة محطة القطار). بل إن هذه الصور تظهر فيها الأعداد نفسها من الحيوانات والأشخاص في المواقع نفسها. إن هذا النسخ المتكرر يبدو لنا أكثر من مجرد تبعية المصورين الجدد لغيرهم من الأوائل، إنه نتيجة تقاليد راسخة في فكر هؤلاء المصورين الذين صاروا وكأنه من واجبهم اتباعها، وأن أي موقع في المدينة قد صوّر سابقاً استحال دلالة ما ينبغي على المصورين الجدد توثيقها لاحقاً.
الصورة، المعنى، والاستعمار بصرياً
ربما يجدر هنا التأكيد على أنه لا وجود لشيء واحد يمكن تسميته بمعنى الصورة أو النص، بل على الأرجح أن هناك احتمالات مختلفة لمعانٍ متعددة تنبع من القراءات المختلفة للصورة نفسها أو النص نفسه. وهذه القراءات تعتمد، في الغالب، أولاً على تجربة القارئ/المشاهد، والسياق التاريخي والثقافي الذي تمت فيه القراءة وإنتاج الصورة أو النص. من ناحية أخرى، من المهم التركيز على أن هؤلاء المصورين لم يكونوا دوماً مدركين لكل المعاني المحتملة للصور التي ينتجونها، كونهم هم أنفسهم عرضة لأنواع مختلفة من التأثيرات الواعية وغير الواعية، التي تجعلهم على اتصال وقابلية لاستقبال المفاهيم والأفكار التي وجدت وتكوّنت قبلهم.
في حالة فلسطين، عكس التصوير الفوتوغرافي -بوعي منه أو من دونه- رغبة الاستعمار الأوروبي بامتلاك فلسطين سياسياً. واستمرت التقاليد بتقديم فلسطين على أنها إرث إلهي يتوقون لامتلاكه، وهو الفكر الذي سيطر على العقل الأوروبي على امتداد القرون الوسطى. لقد قدم التصوير الفوتوغرافي فلسطين على أنها موقع توراتي، كما سلط الضوء على وجود أقليات مسيحية ويهودية تحتاج إلى الحماية، وقدم باقي السكان على أنهم مجموعة من الأفراد المتخلفين حضارياً. فالصور التي اجتاحت البيوت الأوروبية والأميركية ساعدت على تشكيل وعي أوروبا لصورة فلسطين بوصفها أرض الأحلام؛ أرضاً في انتظار من يطالب باستردادها روحياً ومادياً.
الهوامش:
8 The Art Journal, 1860, quoted in Joan M. Schwartz, “The Geography Lesson: Photographs and the Construction of Imaginative Geographies,” Journal of Historical Geography 22 (January 1996): 16.
9 كان أولفر ويندل هولمز (1804-1894) مصوراً هاوياً وشاعراً وأستاذاً في جامعة هارفرد في الولايات المتحدة. وقد استخدم الوصف الوارد أعلاه في مقال له حول التصوير الستيريوسكوبي وعنوانه “The Stereoscope and the Stereograph ”، وقد أعيد نشر هذا المقال في كتاب:
Alan Tachtenberg, Classic Essays on Photography (New Haven: Leete’s Island Books, 1990), 71-82.
10 Sarah Graham -Brown , Images of Women (New York : Columbia University Press , 1988), 3.
11 Susan Sontag , On Photography (New York : Farrar , Strauss and Giroux , 1977), 3.
12 Dwight Elmendorf , A Camera Crusade Through the Holy Land (New York : Charles Scribner ’s Sons 1912), vii .
13 “Architectural Photographic Exhibition ,” The British Journal of Photography (March 15, 1860). 88.
14 عملية فوتوغرافية مبكرة طورت العام 1851 ويستخدم فيها مزيج من الكحول والإتير ومادة القطن المتفجّر لإنتاج سائل يعرف باسم كولوديون، تطلى به رقاقة زجاجية قبيل تعريضها للمنظر داخل الكاميرا.
15 المصدر السابق، 88.
16 Nissan Perez, Focus East: Early Photography in the Near East 1839-1885 (New York: Harry N. Abrams, Inc., Publishers, 1988), 124-233.
17 بحسب جدول ورد في كتاب From Then to Eternity (Farkash Gallery , 1998) عمل في فلسطين 54 مصوراً محترفاً في القرن التاسع عشر، وهذا رقم غير دقيق ولا يشمل المصورين العرب أو الأرمن الذين نشطوا في أواخر القرن تحديداً. أنظر الفصل الثالث من كتابنا هذا.
18 هذه الدراسة مقتصرة على الصور التي التقطها محترفون، حيث أن صورهم هي المتوفرة بشكل أوسع بين أيدي الناس – سواء في الشرق الأدنى أم في أوروبا – ويمكن اعتبارها بالتالي نتيجة للطلب على صور الأراضي المقدسة. ولذا، فهي تمثل بشكل أوضح نوعية الصور التي يريدها الجمهور.
19 من الممكن جداً أن ينتمي بعض المصورين إلى أكثر من فئة، حيث أن الدوافع وراء قيامهم بتصوير مناظر في فلسطين قد تكون مختلفة. وعلى هذا، يمكن القول إن خلفية كل مصور لها تأثير على عمله.
20 لمزيد من التفصيلات، انظر:
Paul E . Chevedden , The Photographic Heritage of the Middle East (Malibu , Undena Publications , 1981) أما أوغست سالزمان فقد وصل إلى فلسطين بمهمة رسمية وكلته بها وزارة التعليم العام الفرنسية العام 1855. مهمته كانت توثيق القدس ونواحيها للتحقق وإثبات نظريات زميله لويس فرديناند دوساسي حول تأريخ المعالم الأثرية بناء على التصميم والأسلوب المعماري، وعبر توثيق المعمار اليهودي والمسيحي والإسلامي، ومن ثم دراسة التصاميم. لمزيد من التفصيلات، انظر: Abigail Solomon – Gordeau , “A Photographer in Jerusalem , 1855: Auguste Salzmann and His Times ” October , 18 (Fall 1981): 91-107.
21 لمزيد من المعلومات عن لويس دي كلارك، انظر: Chevedden , The Photographic Heritage of the Middle East , 1-2
22 هذه المجموعة تضم كثيراً من المصورين التجار بين المقيمين المنتمين للفئة المقبلة، وكانوا يقومون أحياناً بمثل هذه الأشغال بناء على تكليفات جهات معينة.
23 Perez , Focus East , 171.
24 وصف بيرتيس تانكريد ر. دوماس على أنه ذو أصل إيطالي. انظر: Perez , 160
25 المصدر السابق، 124 وانظر أيضاً:
Ruth Victor – Hummel, “Culture and Image: Christians and the Beginnings of local Photography in 19th Century Ottoman Palestine,” in Anthony O’Mahony, Goren Gunner and Kevork Hitlian, The Christian Heritage in the Holy Land (Jerusalem: Swedish Christian Study Center, 1995), 187.
26 Michelle L. Woodward, “Between Orientalist Clichés and Images of Modernization: Photographic Prcatice in Late Ottoman Era” in History of Photography 9, winter 2003), 264.
27 النص من العهد الجديد: إنجيل لوقا سفر 21، آية 37. أما الصورة المشار إليها فهي من محفوظات صندوق اكتشاف فلسطين Palestine Exploration Fund (PEF ) ومصنفة في الأرشيف تحت رقم p 2159.
28 Edward L. Wilson, In Scripture Lands, 265, quoted in John Davis, The Landscape of Belief (Princeton: Princeton University Press, 1996), 87.
29 John Cramb, “Palestine in 1860; Or, A Photographer’s Journal of a Visit to Jerusalem,” The British Journal of Photography, no. x (November 1, 1861): 338.
30 نص القرار مقتبس من كتاب آلبرتو مانغويل: تاريخ القراءة (بيروت: دار الساقي، 2001)، ص 117.
أنظر