صور جديدة بواسطة M Mazen Al Kowatly إلى الألبوم: الفنانة التشكيلية هالة شكري القوتلي — مع Hana Ch Al Kouatly.
قلائل الذين يعرفون أن هالة القوتلي ابنة الرئيس الراحل شكري القوتلي، كانت فنانة تشكيلية، رغم انها درست الفن في الاسكندرية وروما ودمشق، واقامت اول معارضها
في فندق فينيسيا في بيروت عام 1965 واشهر معارضها كان في بيروت ايضا عام 1968 في الذكرى الاولى لرحيل والدها، حيث جسدت للمناسبة لوحات تكريمية خاصة، مستمدة من اللحظات التاريخية الهامة والمؤثرة في حياته، وابرزت ذكرياتها مع والدها مشجعها الفني الوحيد، والذي كان يفاخرأمام زواره، بأن ابنته فنانة تشكيلية – على حد قولها، كما عرضت بعض لوحاتها في فندق الشيراتون في دبي،وكتبت عنها الصحافة الفرنسية، حين أقامت معرضا لبعض أعمالها في غاليري دروان في باريس،
ولوحات هالة القوتلي تطرح جمالية التفاعل مع إيقاعات العمارة القديمة، المعرضة لمخاطر الزوال والاندثار، ولقد أرادت من خلال أعمالها المستوحاة من علاقتها المباشرة وغير المباشرة،مع البقية الباقية من جمالية الأماكن السياحية في بعض المدن العربية، توجيه الأنظار إلى خصوصيات الهندسية المترسخة في المشاهد الحميمية، الباقية في مشاهدات القناطر والأقواس والحجارة المتناوبة الألوان والزخارف الهندسية والنباتية والكتابات القديمة.
ذاكرة المدن العربية
وهذا الانتماء إلى ذاكرة المدن العربية, وملامح المناخ البيئوي الشرقي، الذي جسدته في لوحاتها، يحتفظ بروح التراث المحلي، وذلك لأنها تنسج عناصرها بصياغة واقعية دقيقة وهادئة، رغم ان التدقيق الذي تعتمده، والذي يوحي في أحيان كثيرة بالمرجع الواقعي التسجيلي، لا يمنعها من إضفاء بعض العفوية على حركة الخطوط والألوان،فالمهم بالنسبة إليها أنها تستعيد إشارات المشهد الشعبي المألوف في المدن العربية والشرقية، بالارتداد إلى عناصرها التفصيلية المشحونة بصدق الحالة الداخلية، حتى انها تعتمد في أماكن متفرقة من اللوحة طريقة وضع المساحة اللونية الصافية والموحدة اللون، لتخرج المشهد التراثي من حيز صمته ولتجدده أو تستنطقه بالبوح التشكيلي الخاص، ولهذا تتدرج الحركة العاطفية صعوداً وهبوطاً عبر تدرجات الحالة اللونية، من تلك التي تتجه نحو الرزانة والصرامة،في وضع الخطوط والألوان، الى تلك التي تمنحها شيئا من العفوية في تسطيح مساحات اللون، وإضفاء الإيقاع البصري الشاعري، وبذلك فهي تقيم علاقة مزدوجة بين الشاعرية البصرية، وبين الملامح الهندسية القادمة من صياغة الأجواء المعمارية القديمة (في تكاوين الأقواس والمربعات والمستطيلات والزوايا القائمة والحادة والخطوط الشاقولية والأفقية والمائلة).
شاعرية مركزة
وفي لوحاتها المتنوعة التي رسمتها خلال سنوات إقامتها في الإمارات، عكست ملامح من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم الشرقي، الذي لا يزال رغم حالات الغربة،التي نعيشها حيا في نفوسنا وذاكرتنا، حيث كانت تبحث من خلال لوحاتها، وبشكل دائم، عن مشهد افتقدته في الواقع، وراحت تبحث عنه في عوالم الوحدة والإغتراب، محققة في ذلك حالات الموازنة والمواءمة بين عناصر الماضي ( المستمد من انطباعات الذاكرة أو من تأملاتها المباشرة خلال جولاتها السياحية) وبين معطيات فنون وثقافة العصر.
ولقد كانت هالة القوتلي تجسد، ومنذ البداية، أجواء الحياة الشعبية ووجوه الأطفال والأزهار، وبقالب تشكيلي عقلاني يزاوج ما بين إشارات الواقع وتكاوين المنطلقات الحديثة، في أبجديتها الشاعرية المركزة الناتجة عن تقنية وضع المادة اللونية.
هكذا تظهر تنويعات المشاهد الشعبية في لوحاتها كعناصر متجاورة ومتتابعة، تبحث عن تشكيلات هندسية تتقيد بالتفاصيل وبصورية الشكل وواقعيته التسجيلية، مع ابراز قدرة على تحريك الشكل الواقعي، وإظهار قدرة على رسم حركة الأشخاص في المشهد، فوجود العناصر البشرية، وبكثافة أحيانا، في لوحات المشاهد الشعبية، يؤكد أنها لاتخشى التكوينات الصعبة، والتي تتطلب مهارة في إمتلاك ليونة وحيوية خط الرسم.
وفي هندستها المعمارية تقترب من حركة إضفاء الخطوط التي تحدد من خلالها العناصر والأشكال والمساحات اللونية، وهذا ايضا يعمل على الحد من الرقابة العقلانية الصارمة، ومن الرزانة الهندسية الدقيقة،حتى لا تقع في إطار الرقابة العقلانية الباردة التي تعمل على تجنبها، رغم كل الإنضباط الذي تحدثنا عنه والذي يرافق خطوات انجاز لوحاتها.
رموز العالم البحري
وهذا يعني انها تبدو حتى في أعمالها الفولكلورية والسياحية وفي لوحات الأحياء الشعبية الخليجية،أكثر اتجاهاً نحو البحث عن إيقاعات وجدانية وعاطفية في اللوحة، وتنحو إلى هندسة لونية فيها إحساس وعاطفة،وتصل بالمشهد المعماري إلى انفلاتات شاعرية مفتوحة على جمالية عصرية لتنويعات الأقواس المتداخلة في عمارة المدن العربية.
وتكشف بعض لوحات هالة القوتلي عن شغفها البالغ بالعودة الى استلهام عناصر ورموز العالم البحري, بمراكبه الراسية والمسافرة والمترقبة للسفر، وهي ترسم البحر والمراكب والصيادين مؤكدة مرة أخرى على حضور ايقاعات المشهد الواقعي، والالوان المتجانسة التي تتآلف في اللوحة الواحدة، من دون تمازج او حضور لألوان متعاكسة ومتناقضة ومتصادمة.
فهي دائمة التركيز, عن المشاهد الحميمية التي غذت تأملاتها في المدن العربية التي زارتها أو قرأت عنها، وما يؤكد الناحية الأسلوبية إرتكازها على قواسم تشكيلية مشتركة، في خطوات التعبير عن مواضيع فسحة الحلم المشرع على مدى وأفق البحر.
وفي هذا السياق لا بد ان تشكل لوحاتها عودة للاعتراف الفعلي باللون البيئوي، المعبر عن تداعيات الحلم واشارات الذاكرة الطفولية, حيث تبرزحكايات البيئة العربية والصحراوية أحيانا، وتعيدنا الى الايحاءات اللونية الشرقية المقروءة في ايقاعات العناصر والرموز، وفي مظاهر الاشكال المستعادة كحلم ومناخ ومشاعر.