تمت مشاركة منشور الركابي الركابي من قبل Fatimi Alrubaie.
ميس عواد الغزي
سينما الاندلس وبطاقة ال40 فلسا
نعيم عبد مهلهل
سينما الاندلس في الناصرية عرضت اروع الافلام في تاريخ السينما العالمية حيث لم يكن لدى الناس في المدينة اجهزة تلفاز وكانت صاحبة فضل في خلق الوعي والجمال وحافز الابداع والانتماء لكل شبابها .فعلى مصاطبها الخشبية شاهدنا روعة الحلم تحت اجفان اجمل الممثلات : مارلين مونرو ، هند رستم ونادية لطفي والخصر الساحر للراقصة تحية كاريوكا وسامية جمال ونجوى فؤاد والاغراء في جسد برجيت باردو والسحر المدهش في عيون صوفيا لورين ورومي شنايدر وكل فاتنات السينما وانغام الاحلام الملتهبة في الافلام الهندية اليتيم وسنكام وجنكلي وأم الهند وأفلام هركليس والكابوي رنكو وجانكو ورعشة موجة الأفلام اليونانية والتركية والسويدية والفرنسية وغيرها ….
لهذه البناية الساحرة بوابتين ، واحدة بطاقة الدخول اليها تكلف 70 فلسا وحارسها الامين المرحوم سبتي ، والبوابة الثانية بطاقة الدخول من خلالها تكلف اربعين فلسا وحارسها المرحوم ميس عواد الغزي ، ابو صديقي علي الموظف في دائرة الكهرباء وعم المصور العالمي والمقيم في هامبورغ الالمانية ( فاطمي داخل الخباز ) الذي كان والده رحمه الله صاحب اقدم مخبز في منطقة الشرقية قرب ماكنة ناجي عجام في الصفاة.
نحن الفقراء الذين بالكاد نجمع الاربعين فلسا ندلف الى سحر الشاشة وعذوبة الرقصة الهندية من خلال بوابة الرجل الطيب ميس والذي أئتمنه مُلاك السينما بيت المرحوم حمودي الحاج طالب ان لايسمح لاحد في الدخول مجانا إلا من استثناءات يحددها هو عندما يبكي امامه طفل ليدخل مع اخيه الاكبر بطريقة أثنين في بطاقة واحدة او يشترون من فاكهته التي وضعها بعربة دفع قرب امام باب السينما في ذلك الزقاق الضيق الممتد بين نهر الفرات وشارع الجمهورية.
المرحوم ميس عواد الغزي هو ذاكرة اجمل ازمنة الطفولة ، ومازلت اتذكره بوجهه اليقظ وهو يتأكد من سلامة البطاقة وتريخها ويحرص على تمزيقها امام الزبون حتى لايتكرر في الدخول من خلالها .
يحتفظ صديقي علي ميس بذكريات كثيرة عن ابيه والمكان الذي انتمى اليه وتقاعد منه عندما كبر ، وكنا نلتقي كل مساء في المقهى التي يمتلكها عدلي المصري في بناية الحبوبي قريبا من صيدلية المرحومة سميرة الفرعون ، نلعب الدومينو انا وحامد الشطري ونوفل ذيبان وابي رضاب ، واخرين وهناك استعيد مع علي تفاصيل حياة الرجل الذي كنا نعتقد ان ثقافته السينمائية عالية جدا ، فأعرف من علي انه في هذا المكان يستشعره فقط بابا للرزق ويرى فيه وجوه المدينة وشبابها وهم يصنعون احلام المستقبل والسفر من خلال شاشة السينما الملونة واحداثها المغرية.
ميس وسبتي كما حارسي بوابات زقورة اور ، فأذا كان اهل أور يصعدون الى الغرفة العلوية في اعلى الزقورة صعودا لاكثر من مئة سلمه من اجل امتلاك لحظة المثول مع ننار أله القمر ، فأن ميس حارس بوابة السينما التي ندلف منها الى غرفة احلامنا واغراءات قبلات الفم التي تطبعها زبيدة ثروة على فم الممثل رشدي اباظة. او تلك القبلات الفرنسية التي يشحن فيها الن ديلون رسائل غرامنا بعاطفة اشتياق لانوثة المدينة الجميلة.
هو من بعض كهنة المكان القديم ، يتفاعل من خلال اثير الذكرى ليعيد الينا وجه ميس ببرائته وفطرته وطيبته وحزمه في منع من ليس لديه بطاقة ليدخل ويجلس على مصاطب الجلوس الخشبية الطويلة في انتظار انطفاء النور وبدء المقدمات ث، م دقيقة يشتعل النور ثم ينطفيء ويبدا الفيلم.
تلك الطقوس السحرية كان يسيطر عليها المرحوم ميس بضبط وربط ، وربما هو الان من بعض اثر الذكرى في تواريخ المدينة .
الذكرى التي نستعيد فيها تاريخ الناصرية وسعادتها عندما يكون لديها بطاقة ام ال40 فلسا………….!