بقلم: ني جيون تشنغ
حظيت أغنية أوارا هون “Awaara Hoon” من الفيلم الهندي Awaara لعام 1951 بشعبية جارفة في الصين. وكان معروفا أنها إحدى الأغاني المفضلة للرئيس ماو. كما كان فيلم بوليوود المثير “القافلة” (Caravan) في عام 1971 أحد أكثر الأفلام شعبية في الصين خلال ذلك العقد. إن ولع الصين بأفلام وموسيقى أكبر جاراتها نادرا ما تضاءل خلال العقود الماضية، بيد أن الغالبية العظمى منها منحدرة من مومباي على الساحل الغربي. في مايو هذا العام، احتفى معهد الصين المركزي للموسيقى بفرصة نادرة لتجربة الموسيقى الكلاسيكية لشمال الهند بشكل مباشر.
لم يسبق أن أُقيم حفل لموسيقى السارود في الصين. كلمة “سارود” يمكن ترجمتها الى “صوت جميل” أو “نغم” باللغة الفارسية. وهي آلة وترية من شمال الهند تُستخدم أساسا في الموسيقى الكلاسيكية الهندية. وخلافا للجيتار، يحرك العازف أظافر يديه عبر الأوتار التي ينبعث منها صوت عميق وثقيل. دخلت الآلة الى الصين من خلال هذا الحفل الذي ظهر فيه أمان علي خان وشقيقه الأصغر أيان علي خان. يمثل الشقيقان الجيل السابع من سلسلة متصلة لمدرسة “سينيا بانغاش”. واليوم يعد كلاهما من رموز الموسيقيين الهنود الشباب التقليديين.
والدهما، أمجد علي خان، يعتبر ملك موسيقى السارود في الهند وطاف العالم عدة مرات. يرجع الفضل لأسلافه في تحويل الرباب، وهي آلة شعبية من آسيا الوسطى، الى السارود على مدى قرون. تعتقد الباحثة البارزة في الموسيقى الهندية تشانغ يوي تشن أن أمجد وعائلته قدموا إسهامات هائلة الى الموسيقى العالمية تمثلت في توريث وتحسين ونشر وابتكار الموسيقى الكلاسيكية الهندية.
استلهم الشقيقان تراث أسرتهما، وكرسا حياتهما للموسيقى منذ الطفولة. بعد تعلم العزف على السارود من والدهما، قاما بالعزف معه كأطفال. جذبت تلك العروض البارعة اهتمام البلاد في وقت مبكر، ويعتبران الآن أكثر عازفين موثوق بهما للسارود في العالم.
خلال عرضهما في الصين، عزف الشقيقان العديد من مقطوعات الراجا والموسيقى الشعبية الهندية التقليدية بدءا من الأغاني الشعبية العاطفية الى موسيقى جوغالباندي المفعمة بالحيوية. تقاسمت تشانغ يوي تشن أفكارها بعد سماع التسجيلات: “الشقيقان ورثا الموسيقى الهندية الكلاسيكية، لكنهما أضافا إدراكهما الخاص للأعمال المعاصرة والكلاسيكية. الموسيقى الخاصة بهما نابضة بالحياة وتقديمها لا يشوبه شائبة. أسلوب أمان جرئ وغير مقيد في حين أن أيان لديه لمسة أكثر إنطوائية.”
قالت تشانغ: “هذا الأداء هو أكثر التزاما بتقنيات أداء موسيقى السارود من الموسيقى الهندية التقليدية. الموسيقى الهندية الكلاسيكية تحظى باهتمام أقل خارج البلاد لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالدين. إذا لم يفهم المرء دينا معينا، فسيكون لديهم صعوبة في فهم الموسيقى على المستوى العميق. العازفون ربما أخذوا الاختلافات الثقافية الصينية والهندية في الاعتبار وإختاروا برنامجا يثبت المزيد من المهارات وقليل من العناصر التقليدية.”
أشارت تشانغ يوي تشن الى أن هذا النمط من الأداء يشبه منافسة بين السارود والطبلة (آلة نقر). وأوضحت قائلة: “السارود يعزف خيطا والطبلة تقلدها. الآلتان تعزفان أداءا موحدا والعرض يصل الى ذروته عندما ينسجم اللحن مع دقات الطبول.”
الحدث الذي أُقيم في المعهد المركزي للموسيقى ببكين جاء في ختام مهرجان تشايتي للموسيقي الذي استمر أسبوعا في الصين. أصبح الحدث في عامه الرابع بالفعل أحد البنود الهامة في التقويم الموسيقي الصيني. نظم المهرجان مؤسسة تشايتي للفنون، التي أسستها أسرتان هنديتان: سيدهارث سينها وزوجته مادوميتا بويان، و رافي شانكار بوسي وزوجته سوداميني بوسي، الذين أمضوا سنوات عديدة في الصين للعمل. النقص الصارخ في عرض الموسيقى الهندية في الصين ألهم الزوجين للتوصل الى فكرة إنشاء منصة لنشر هذه الموسيقى في الصين. المبادرة بدأت صغيرة من خلال جلب فنانين شباب من الهند لتقديم عروض منفردة في شانغهاي. ومع ازدياد شعبية ومشاهدة الحدث بين الجماهير الصينية، تم تشكيل كيان غير ربحي وبات العرض حدثا سنويا.
خلال المهرجان، أجرت مجلة ((الصين المصورة)) لقاءا مع الشقيقين، أمان علي خان، وأيان علي خان، وكذلك تشانغ يوي تشن، الأستاذة في أكاديمية الموسيقى بجامعة العاصمة للمعلمين والأستاذ الزائر في جامعة غاندهارفا ماهافيديالايا في نيودلهي. تشانغ هي أول أستاذة في الصين تدرس الموسيقى الهندية وقد أجرت بحوثا واسعة في هذا المجال.
الصين المصورة: كيف كانت رحلتكم الى الصين؟
أيان: هذه هي زيارتي الأولى الى الصين. إنها بلد جميل وشعبها أناس رائعون. إنهم عاطفيون للغاية إزاء الموسيقى. وبالإضافة الى الحداثة، يقدر المواطنون الصينيون التقليد، وهو الشيء الذي أقدره أنا تقديرا عاليا. لديهم احترام لتقاليدهم والحفاظ عليها، وحتى جيل الشباب. هناك تاريخ عريق في الصين والعديد من الفنانين الموهوبين هنا. وأتمنى أن أرى المزيد من التفاعل واسع النطاق بين الموسيقيين في الهند وبكين. أنا وأخي نود العزف مع بعض الموسيقيين الصينيين في المرة القادمة.
الصين المصورة: موسيقى السارود هي مرتجلة في كثير من الأحيان وتعبر عن بعض العواطف. ما هي المشاعر التي تحاول التعبير عنها أثناء عزفك في بكين؟
أيان: نحن نعبر عن الحب والفرح والسعادة. كل ما حدث على خشبة المسرح كان شيئا خاصا بالنسبة لمواطني بكين.
الصين المصورة: ما مدى أهمية السارود للموسيقى الهندية؟
أيان: السارود هو واحد من الآلات الأكثر شعبية في الهند. وهناك الكثير من الموسيقيين الشباب والطلاب يتعلمونه. والدي لديه الكثير من الطلاب، وكلهم يحرزون تقدما طيبا. إن مفهوم الموسيقى الكلاسيكية الهندية هو ارتجالي في الأساس في نطاق قواعد الانضباط. وهناك ميزة فريدة من نوعها ألا وهي أننا يمكن أن ننزلق من النوتة الموسيقية الثانية الى النوتة الرابعة. إنها تقريبا مثل الموسيقى الصوتية. في الداخل، نحن نغني أي شيء نقوم بعزفه.
الصين المصورة: كيف تختلف موسيقى الجيل السابع عن موسيقى الجيل السادس؟
أمان: كل موسيقي يتكيف مع بيئته. قد تتعلم الطبخ من والدتك، ولكن سوف تطور الوسائل الخاصة بك على نفس الأطباق. وسوف يكون لديك المزيد من المكونات تحت تصرفك عن تلك التي مع والدتك. العصر الذي ولدت فيه له تأثير كبير بالتأكيد على الموسيقى الخاصة بك. نحن نعزف الموسيقى الكلاسيكية الهندية ولكن لدينا نهجا أكثر حداثة بعض الشيء. إنها ليست شيئا نطمح له بطبيعة الحال – سواء لحسن الحظ أو لسوء الحظ، هذا هو الطريق الذي سلكته.
أيان: هناك شيء مهم جدا وهو طبيعتك، وكيف تظهر في الموسيقى الخاصة بك. كل إنسان مختلف. بغض النظر عما يحدث في حياتك، فإن خبراتك، والسعادة، والمآسي، كل شيء يضفي نكهته على الموسيقى الخاصة بك. هذا هو السبب في أنه إذا تعلم شخصان من نفس المعلم، فإن أساليبهما سيبقيان مختلفين بشكل جذري.
الصين المصورة: كيف تظهر مهاراتك وإبداعاتك في الموسيقى؟
أمان: عندما نصعد الى خشبة المسرح، لا تكون لدينا فكرة عن الموسيقى التي سنقوم بعزفها. فنحن لسنا مدركين للأساليب وأفضل التقنيات الخاصة بنا. نحن فقط طلبة لمعلمنا. لذا فعندما نكون على خشبة المسرح نريد أن نكون مثل معلمنا. لا ينبغي للمرء أن يدرك أبدا من هو أو ماذا سيعزف. عندما أكون على المسرح أفكر فقط في معلمي وجميع الموسيقيين المحنكين الذين ألهموني، وأريد أن أعزف موسيقاهم. وسينتهي الأمر بك تلقائيا لتعزف الموسيقى الخاصة بك.
أيان: إنها عملية طويلة جدا لأن موسيقاك تتغير حين يتقدم بك العمر. إنها رحلة لا تنتهي أبدا. السماء هي الحدود. ويرتبط الكثير من الروحانية مع الموسيقى الهندية الكلاسيكية. عندما نعزف فنحن نعرب عن تقديرها لبعض القوى الكونية.
الصين المصورة: ما هي مصادرك للإلهام؟ هل يلهم الدين أعمالك؟
أيان: ليس الدين تحديدا، ولكن الروحانية. والدين أيضا لديه قيود. ولكن الروحانية ليس لها حدود. فالموسيقى الكلاسيكية هي روحانية، والإلهام هو خيار شخصي للغاية. إن ما يلهمني هو الحياة، والناس، والطبيعة، والكثير من الأشياء الأخرى.
الصين المصورة: ماذا تشبه بيئة السارود في الهند؟
أيان: الموسيقى الهندية الكلاسيكية مهذبة ورقيقة، ولكن الكثير من الشباب يتعلمونها اليوم. وهناك جمهور كبير لها في جميع أنحاء العالم. الموسيقى الكلاسيكية تشبه النبيذ في حين أن موسيقى البوب هي مثل الويسكي والفودكا.
الصين المصورة: ما هو أعظم أثر في حياتك الموسيقية المهنية؟
أيان: أعتقد أن إيمان والدي بالعمل الدؤوب، والممارسة، واحترام كبار السن والبركة هي مهمة جدا. والى جانب الممارسة، نعتقد أنك بحاجة الى البركة. نحن بحاجة الى دعم من الآباء والأمهات، والمعلمين، وكبار السن.
الصين المصورة: بوليوود مشهورة بالأفلام التي تبرز الغناء والرقص. بوليوود تستخدم اليوم أساسا الموسيقى الهندية الحديثة، ولكنها تتحول أحيانا الى الموسيقى الكلاسيكية. ما هي أفكارك حول الموسيقى الكلاسيكية في الأفلام؟
أيان: لا مشكلة لدّي في ذلك. السماء هي الحدود. لقد عملت وأخي على الكثير من الموسيقى التجريبية. وكان لدينا تعاون مع عازفي كمان من نيويورك، ونتعاون مع عازف جيتار. إنها مثل باقة من الزهور. ولكن من المهم جدا أن تكون واضحا مع نواياك. لا بأس في أن نصنع مزيجا، ولكن عمل المزيج لا يعني أنك تتخلص من كل النبيذ. إجراء التجارب هو نقيض للتقليد. يمكن أن تنتج عملا جديدا دون قتل التقاليد. يجب عليك دائما احترام التقاليد.
الصين المصورة: في رأيك، ما هي العلاقة بين الموسيقى التقليدية والحديثة؟
أيان: الموسيقى التقليدية هي البذور. كلما سقيتها بالماء، كلما كبرت الشجرة، وكلما أعطت المزيد من الثمار. كل شيء يأتي من البذور، لذلك عليك أن تعتني بها.
الصين المصورة: ما هو فهمك لموسيقى الراجا؟
تشانغ يوي تشن: راجا هي مفهوم بسيط ومعقد في الموسيقى الهندية. كلمة “راجا” مشتقة من كلمة سنسكريتية تشير الى “لون” أو “عاطفة”. راجا تعبر عن الروح الداخلية للموسيقي. الفنان العازف يجب أن يستفيد من تجربة الحياة ويدمج ذلك في الراجا ليمنح الموسيقى القوة الروحية الداخلية.
في التقاليد الموسيقية الهندية، ترتبط موسيقى الراجا مع أوقات مختلفة من اليوم أو المواسم. العديد من موسيقى الراجا ما زالت توصف لأوقات معينة من ساعات النهار أو المواسم، ولكن الراجا في جنوب الهند لا ترتبط مع أي وقت معين.
الراجا لديها سلم من سبع علامات موسيقية تسمى سواراس (swaras). العلامات السبع الطبيعية هي: سا، ري، جا، ما، با، دا، ني. تشير السجلات التاريخية الى أن swaras نشأت مع أصوات الطيور والحيوانات التي تثير صورا لبعض الألوان. على سبيل المثال، سا هي ثرثرة الطاووس وتمثل أوراق اللوتس الخضراء، ري هو تغريد طائر القبرة الأحمر red lark، جا هو الثغاء البرتقالي للماعز، ما هو الصراخ الأبيض لطائر الكركي، با هو صوت العندليب الأسود، دا الأصفر هو صهيل الحصان أو هسهسة الثعبان، وني متعددة الألوان هي بوق الفيل.
الصين المصورة: ما مدى شعبية الموسيقى الهندية التقليدية في الصين؟ وما الذي يثير اهتمام المشاهدين الصينيين؟ وما هي آفاق الموسيقى الهندية التقليدية في الصين؟
تشانغ: في القرن الماضي، الموسيقى الهندية من أفلام مثل “أوارا هون” (Awaara Hoon)، و”القافلة” (Caravan)، و”من أجل أبنائي” (Two Acres of Land)، قد جذبت بالفعل قاعدة جماهيرية في الصين. في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، واصلت الصين دعوة مشاهير الفنانين الهنود لتقديم العروض، بمن فيهم الراقصة أوداي شانكار، وعازف السيتار رافي شانكار، وعازف الكمان سوبراهمانيام، وغيرهم.
حفلة السارود الموسيقية هذه هي الأولى من نوعها في تاريخ التبادل الموسيقي بين البلدين. خلق هذا النشاط فضولا جديدا في الصين وشجع المزيد من المواطنين الصينيين على فهم وقبول الموسيقى والثقافة التقليدية للجار الهندي.
من ناحية أخرى، الى جانب أي ثقافة تأتي سمات وتقاليد وطنية. وكلها لديها جانب مقيد ومحافظ، والهند ليست استثناء. الهند لديها نظام صارم لحماية فنونها والتأكيد على تدريب شخص مقابل شخص عندما يتعلق الأمر بالإرث الموسيقي التقليدي. ولمواصلة توسيع نفوذها، فإنها تحتاج الى اختراقات في مجالات متعددة.
الصين المصورة: مقارنة مع الموسيقى التقليدية الهندية، ما هي السمة الأكثر تأثيرا للموسيقى الصينية التقليدية؟
تشانغ: بعد آلاف السنين من التطور، شكلت الموسيقى الصينية التقليدية ونظيرتها الهندية على حد سواء قواعد وخصائص فريدة. صفات الموسيقى الهندية التقليدية يمكن تلخيصها ببساطة بأنها “مزاجية”. نظرية الموسيقى الهندية تُقسم كل قطعة صوتية الى 22 نغمة صغيرة تسمى “سوروتي”. وهذا هو مساهم هام في “النكهة” الفريدة للموسيقى الهندية.
تشير الموسيقى الصينية التقليدية في الأغلب الى الموسيقى قبل عهد أسرة تشينغ (1644-1911). من حيث الموسيقى بحد ذاتها، فإن الموسيقى الصينية التقليدية تتمتع بنطاق وإيقاع وتخطيط هيكلي وشكل ونموذج تطور فريد. من حيث الدلالات الثقافية، الموسيقى الصينية التقليدية ترتبط ارتباطا وثيقا باللهجات المحلية والسياق اللغوي. وعلى الرغم من الخلفيات الثقافية المتباينة، تتقاسم الموسيقى الصينية والهندية بعض الأشياء المشتركة.
الهند لديها ماضٍ استعماري، ولكن الناس لديهم شعور قوي بالهوية والاعتزاز بموسيقاهم وثقافتهم العرقية. ومع وجود أحاسيس موسيقية وتقاليد قديمة مماثلة، كيف يمكننا تعزيز الموسيقى التقليدية الصينية الى العالم؟ هذا هو السؤال الذي يتعين على الصين التفكير فيه.