وصل المخرج الياباني المشهور يوجيرو تاكيتا الى الصين في أبريل عام 2016 للعمل في لجنة التحكيم في مهرجان بكين السينمائي الدولي، وكانت تلك المرة هي زيارته الخامسة للصين.
حقق تاكيتا شهرته العالمية بفيلمه ((أوكوريبيتو)) (departures) في عام 2007، وكان الفيلم الـ43 الذي أخرجه، وفاز بثلاث جوائز هي “أفضل فيلم أجنبي لدى الجمهور” و”أفضل مخرج أجنبي لدى الجمهور” و”أفضل ممثل أجنبي لدى الجمهور” في الدورة الـ17 لمهرجان الديك الذهبي الصيني ومهرجان الزهور المائة الصيني في عام 2008، كما حصل على جوائز دولية أخرى عديدة بما فيها جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية عام 2009.
خلال فترة مهرجان بكين السينمائي الدولي للعام 2016، كان هناك لقاء صحفي أجرته معه مجلة ((الصين الشعبية)) التابعة لمجموعة النشر الدولي الصينية. وفي معرض الحديث روى تاكيتا تجربة جميلة له مع الصين والسينما الصينية، وكذلك تأثير الجيل الخامس من المخرجين الصينيين مثل تشانغ يي مو وتشن كاي قه. وفيلمه الذائع الصيت دوليا ((أوكوريبيتو)) لقي ترحابا كبيرا أولا في الصين.
قال تاكيتا إن التبادل السينمائي جسر يربط بين الجماهير الصينية واليابانية. والآن يفكر بجد في تصوير فيلم باللغة الصينية.
المراسل: كيف أصبحت مخرجا سينمائيا؟ وما رأيك في الأفلام الصينية؟
يوجيرو تاكيتا: لم أكن متخصصا بدراسة السينما أصلا وانخرطت في هذه الصناعة عن طريق الصدفة عندما قدم لي صديق في صناعة الأفلام عملا مع طاقم لمشروع في عام 1976. ولم أحصل على فرصة لتصوير الفيلم الخاص بي حتى عام 1986.
كان محل غبطتي أن الصين عاشت طفرة السينما في الوقت الذي بدأت فيه العمل كمساعد مخرج. حينذاك شهدت عددا من الأفلام الصينية لمخرجين من الجيل الخامس مثل ((الأرض الصفراء)) من إخراج تشن كاي قه، و((الذرة الحمراء)) من إخراج تشانغ يي مو. هذه الأفلام صورت قصص الناس العاديين في المناطق المتواضعة في البلاد، لكن الشخصيات فيها تفيض بحيوية هائلة. لم تظهر الأفلام أي علامة على التقنيات الحديثة، وإنما أظهرت طبيعة الإنسان الأساسية ومشاعره، فأثرت تأثيرا خفيا على تفكيري الى جانب إطلاعي على تغييرات جذرية في عملية تحديث الصين.
المراسل: ما سبب إخراج ((أوكوريبيتو))؟
تاكيتا: أخذ العالم يعاني من سوء الاقتصاد على نحو أكثر بعد حادثة 11 سبتمبر عام 2001. والأسوأ من ذلك أن الكثير من الناس وقعوا في الحيرة والضلال. وفي مثل هذه الأوقات العصيبة، بدأوا إعادة فحص معتقداتهم والبحث عن السلام بين عائلاتهم وأصدقائهم. على الرغم من أن الحياة ليست سهلة، ولكن الجميع يشعرون بحسن الحظ لكونهم على قيد الحياة. وأعتقد أن عملي يجب أن يجيب على أسئلة تحوم في أذهان الناس بموقف جاد ولطيف على حد سواء.
كانت اليابان مثل بقية العالم تكافح المعضلات الاقتصادية، وأهملت فئات المجتمع الضعيفة. ومع ذلك، لا يزال الناس بحاجة الى قصص عن مشاعر الرجال والنساء ذات مغزى عالمي بغض النظر عن مدى صعوبة الحياة. لذلك اخترت في النهاية مهنة تسجية الموتى كموضوع لفيلمي ((أوكوريبيتو)).
المراسل: وماذا عن النشر والعرض للفيلم؟
تاكيتا: بطل الفيلم يتعامل مع جثث، وهي مهنة لا يرغب فيها الكثيرون في المجتمع الياباني. لا يريد الناس أن يواجهوا الموت الذي هو في الواقع حولنا في كل وقت وفي كل مكان. وقلقا من إيرادات شباك التذاكر، ما كانت في البلاد أية شركة ترغب في نشر وعرض هذا الفيلم لأكثر من سنة بعد أن تم تصويره.
جاء الانعطاف في عام 2008 عندما فاز ((أوكوريبيتو)) بجوائز في مهرجانين للسينما في بكين الصينية ومونتريال الكندية، وأعاره الرأي العام في اليابان اهتماما على الرغم من أن شركات النشر والتوزيع للأفلام ما زالت تفتقر الى الثقة به، ولم تنفق الكثير في الإعلانات، لكن التعليقات الحسنة من البلدان الأجنبية جذبت المشاهدين اليابانيين الى دور العرض، وترك الفيلم انطباعا عميقا في أذهانهم.
قبل أيام في بكين، التقيت السيد وانغ شياو تشي الذي عمل مسؤولا عن اختيار الأفلام للدورة الـ17 لمهرجان الديك الذهبي ومهرجان الزهور المائة، وهو أيضا أول من ترجم ((أوكوريبيتو)) الى اللغة الصينية. ومن دواعي سروري أنه أعطى مخطوطة ترجمته كهدية الي.
المراسل: حظي فيلم ((أوكوريبيتو)) بشعبية كبيرة في العديد من البلدان في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الصين.
تاكيتا: نعم، قد عرض الفيلم في 76 بلدا مع نتائج شباك التذاكر الجيدة. وسبق لي أن شاهدت الفيلم مع الجمهور من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ولاحظت الكثيرين منهم يبدون الاستجابة بحماس. ذات مرة في دار سينما في كوريا الجنوبية، سمعت صراخ المشاهدين إزاء بعض المشاهد.
أما رد الفعل الأكثر مباشرة من قبل المشاهدين الصينيين، فقد عرفته من رئيس مجلس الدولة الصيني آنذاك ون جيا باو. زار ون اليابان في عام 2009 والتقى شخصيات أوساط المجتمع المختلفة في طوكيو. كان ((أوكوريبيتو)) فاز لتوه بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، وقال لي رئيس مجلس الدولة ون في اللقاء إن قصتك فهمتها، إنها مؤثرة حقا.
أعتقد أن التقاليد المتعلقة بالموت تختلف مع اختلاف البلدان، وأرى أنه قد يكون الناس من الثقافات الأخرى صدموا بالتقاليد اليابانية التي لم يتوقعوا أنها يمكن أن تبلغ الدقة المتطرفة هكذا.
المراسل: وما رأيك في صناعة السينما الصينية في عصر الأفلام الرقمية؟
تاكيتا: حققت صناعة السينما الصينية تقدما مذهلا في عصر الأفلام الرقمية. فقد قمت بزيارة خاصة لعدة دور سينما في شانغهاي، وفوجئت بأحجامها الضخمة. لقد تجاوزت الصين اليابان في نطاق بناء دور السينما، حيث يتزايد عددها يوما بعد يوم، كما يتم تجهيزها بأفضل وأحدث المعدات بما في ذلك الشاشات وأجهزة الصوتيات إضافة الى تكنولوجيا الأبعاد الثلاثية. أراهن على أن الصين لديها معظم دور السينما المتطورة في العالم. (يضحك)
المراسل: هل لديك فكرة في صنع فيلم باللغة الصينية؟
تاكيتا: بالتأكيد، سأعود يوما من الأيام للقيام بذلك. ولكن الآن، ليس لدي ما يكفي من التجارب حول الصين، وأحتاج الى المزيد من الفرص لزيارتها ومعرفتها. وإذا قمت بتصوير فيلم مقتبس من بعض الأعمال الأدبية القائمة، فيجب علي أن أجد منها صدى في نفسي.
لقد عاش والداي وأقارب زوجتي في شمال شرق الصين من زمن، وشاركوا في كثير من تجاربهم معي. بالنسبة لي كشخص يعيش في جزيرة اليابان، رأيت الخط الذي يتعانق لديه البحر والسماء، لكن ما رأيت الأفق الأرضي الممتد الى ما لا تبلغ العين مداه. آمل حقا في السفر مع زوجتي الى الأماكن التي كان يعيش فيها والداي وأقاربهما في مطلع شبابهم، لأشعر بتلك العصور المنصرمة. وآمل أيضا العثور على الإلهام لتصوير فيلم في الصين.
يبقى أن أقول إن كل شخص لديه خبرات الحياة والفلسفات الفريدة من نوعها، ويأمل في التعبير عنها من خلال الروايات والأفلام أو الأشكال التعبيرية الأخرى. وما يجب على المؤلفين فعله هو العمل الجاد لوصف مشاعرهم. إذن، يسعى المخرج جاهدا لتصوير الأفلام الجيدة التي تلفت انتباه الجمهور، سيجد الصدى معهم بالتأكيد. دائما ما أعتبر الفيلم جسرا يربط بيني والآخرين. وفي هذا المعنى، أود أن أهتف: عاشت السينما!