الطيب الصديقي أيقونة المسرح المغربي التي مازالت تثير الجدل
- غالبا ما تكون تجارب المبدعين الحقيقيين تجارب مثيرة للجدل والنقاش، إذ تخلق حراكا لا يرضخ لقوالب راكدة، وهذا لسمتها التجديدية التي لا تركن إلى ثبات الكائن، وتطمح دائما إلى التغيير، من هذه التجارب تجربة المسرحي المغربي الطيب الصديقي الذي وافته المنية مطلع 2016، حيث أثارت أعماله المسرحية جدلا واسعا بين النقاد تركز خاصة على مزجه بين التراث والشكل الاحتفالي والفرجوي.
العرب أماني فرحات [نُشر في 2016/11/11، العدد: 10452، ص(14)]
أيقونة مسرحية لم تتوقف عن التجريب
يختلف النقاد حول سمات تجربة أيقونة المسرح المغربي المخرج والكاتب المسرحي الراحل الطيب الصديقي، لكنهم يجمعون على “تفردها وتنوعها”.
من هذا المنطلق جاء كتاب “الطيب الصديقي المخرج المتعدد في صناعة الفرجة”، للباحث والناقد المسرحي المغربي عبدالرحمن بن زيدان، الذي يرصد التجربة المسرحية الفريدة للصديقي (1937-2016).
في قراءة نقدية شاملة يقدم الباحث، ضمن كتابه، مجموعة من الدراسات حول تجربة الطيب الصديقي المسرحية اللافتة في تاريخ المسرح المغربي والعربي على حد السواء، لما مثلته من خطوة رائدة في استلهام التراث المغربي والعربي الأصيل، والاشتغال عليه في قوالب مسرحية مبتكرة.
الكتاب يتطرق إلى تجربة الطيب الصديقي كمخرج عمل على مسرحة التراث وتوظيف خبرته في تأصيل الفرجة المسرحية
صانع الفرجة
بداية يتطرق كتاب “الطيب الصديقي المخرج المتعدد في صناعة الفرجة”، الصادر عن منشورات الجمعية الإسماعيلية الكبرى لمدينة مكناس، إلى تجربة الطيب الصديقي كمخرج عمل على مسرحة التراث وتوظيف خبرته الإخراجية في تأصيل الفرجة المسرحية.
كما يضم تحليلاً مفصّلا للعديد من المسرحيات، التي قدمها الراحل داخل المغرب وخارجه، من بينها مسرحية “ديوان سيدي عبدالرحمن المجذوب”، و”مولاي إسماعيل”، و”الامتناع والمؤانسة”، إضافة إلى مسرحية “ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ”، التي أنتجها الصديقي مع فرقة الممثلين العرب برئاسة الممثلة اللبنانية نضال الأشقر، وشارك فيها ممثلون من أقطار عربية متعددة.
ويشتمل هذا المؤلف كذلك على حوار استثنائي مع الطيب الصديقي، يتحدث فيه عن مرجعيات تجربته ودوره في صناعة الفرجة المسرحية.
وتولت تجميع فصول الكتاب، وتصنيفه كرونولوجيا -حسب زمن النشر- الباحثة والممثلة المغربية وسيلة صابحي، التي تعمل في بحثها على تجربة الإخراج المسرحي بالمغرب، والتي رغبت من خلاله، كما جاء في تقديمها للكتاب، في أن تعبر عن لحظة وفاء للطيب الصديقي، الذي حلمت بالعمل معه.
وتقدم تحية رمزية لرائد من الرواد والمؤسسين البارزين لتجربة مسرحية فريدة رسخوا لها حضورها على الخارطة العربية والدولية، قائلة “إن مسعاي من تجميع هذا الكتاب هو تقديم هدفين اثنين يكونان معا الوحدة العضوية للمشروع، الأول هو تجربة الطيب الصديقي، كتجربة تنتمي إلى تجربة المسرح المعاصر، ثم تجربة النقد المسرحي كتجربة للقراءة التي أرخت لفعل قراءة المسرح”.
انطلاقا من هذه القناعة تقول الباحثة وسيلة صابحي “من هنا فكرت في أن أقوم بتجميع الدراسات التي كتبها عبدالرحمن بن زيدان، فجمعتها في كتاب يقدم صورة من صور التجربة ‘المسرحية الصديقية‘، وحقيقتها، ومضامينها، ودلالاتها”.
تأصيل الفرجة المسرحية
ومضت قائلة، في المقدمة “الكتاب يمكن أن يقدم -أيضاً- صورة من صور التجربة النقدية المسرحية في المغرب، وهي تضع تجربة الصديقي في الميزان النقدي”.
بدوره صرح عبدالرحمن بن زيدان بأن هذا الكتاب جاء من أجل “إبراز مكونات ظاهرة مسرحية وازنة، حركها الصديقي بما يلائم ثقافته المتنوعة، بغية تأصيل الفرجة المسرحية التي تنهض على التراث العربي والمغربي”.
وأضاف أن الصديقي يمثل بالنسبة إليه “أيقونة مسرحية كانت تفصح عن ثقافتها في تجريب مسرحي حرّك لدي الوعي بوجود نتاجات مسرحية تعاملت مع مرجعيات وحساسيات مسرحية مختلفة، وهو ما جعلني أتابعها كقارئ أراد أن يحافظ على ذاكرة تجربة مغربية وعربية مثلت الجديد الذي اختلف حوله النقاد في الوطن العربي، وفي المغرب”.
تجربة ثرية
علاوة على تقديمه لعدد من مسرحيات الصديقي في خطاب تحليلي يسبر أعماق هذه التجربة، من خلال رصد عدد من عروضه التي شاهدها الناقد عبدالرحمن بن زيدان مشاهدة مباشرة، يناقش الكتاب عددا من القضايا الإشكالية، المتعلقة ببعض الخطابات النقدية، والتي تابعت تجربة الصديقي، وبهذا الشكل يمكن اعتبار هذا الكتاب إضافة نوعية تقرأ تجربة رائد من رواد المسرح العربي، من خلال أعماله بدرجة أولى ثم من خلال ما أثارته هذه الأعمال من نقاشات وسجالات نقدية.
ويعد هذا المؤلف عملا توثيقيا لتجربة الطيب الصديقي المسرحية، وفي الآن ذاته تجربة توثيقية للخطاب النقدي الذي أنتجه الناقد عبدالرحمن بن زيدان، حول هذه التجربة.
والصديقي، يعد من مؤسسي المسرح في المغرب، وأحد الوجوه الثقافية البارزة فيه طيلة عقود، قدم فيها أعمالا مسرحية مختلفة يمكن وسمها كما يقول عنها النقاد بـ”مسرح الحلقة” حيث أدخل الصديقي على أعماله فضاءات جديدة علاوة على اشتغاله بتذويب التراث في شكل فرجوي حداثي.
ولد الطيب الصديقي سنة 1937، بمدينة الصويرة، جنوب غربي المغرب في بيت علم، وتلقى تعليمه الابتدائي بالصويرة، وحصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) في مدينة الدار البيضاء، قبل أن يتوجه إلى فرنسا لاستكمال تكوينه حيث اختار دراسة المسرح.
بعد عودته عمل على تكوين فرقة “المسرح العمالي” عام 1957 في مدينة الدار البيضاء، حيث قدمت في موسمها الأول مسرحية “الوارث” في العام نفسه. وبعد ذلك توالت إنجازاته في المجال المسرحي بين التأليف والتمثيل والإخراج والإدارة والتكوين، واشتهر بتوظيفه للتراث المغربي والعربي في مسرحياته، خاصة مع فرقته مسرح الناس، ضمن رؤية تتوخى منح المسرح المغربي هويته وخصوصيته التراثية دون الاستغناء عن روح العصر.
من أشهر أعمال الصديقي المسرحية نذكر مسرحيته “ديوان سيدي عبدالرحمن المجذوب”، التي تعد أكثر مسرحياته نجاحا وشعبية، وهي تعرض حياة وأزجال الشاعر الشعبي الشيخ عبدالرحمن المجذوب (1503- 1569). إضافة إلى أعمال مسرحية أخرى مثل “مولاي إدريس”، و”عزيزي”، التي كانت آخر عمل درامي قدمه في 2005.
أخرج الصديقي مجموعة من الأعمال المسرحية والسينمائية، وكتب أكثر من ثلاثين نصًا مسرحيًا، وشارك في بطولة عدد من الأفلام المغربية والعربية والأوروبية، لا سيما فيلم “الرسالة” للمخرج الراحل مصطفى العقاد.
أما الناقد المسرحي عبدالرحمن بن زيدان، والذي شكلت دراساته لمسرح الصديقي مادة نقدية سجالية لهذا الكتاب، فهو باحث وناقد مسرحي مغربي، أثرى المكتبة العربية بعدد من المؤلفات الخاصة بالمسرح المغربي والعربي، من بينها “من قضايا المسرح المغربي”، “أسئلة المسرح العربي”، وغيرها.