حاوره: أحمد الخطيب – يرى الناقد د. جمال مقابلة أن القاص والفوتوغرافي محمد الصمادي صاحب عينٍ مخلّدة للزمن، ومؤبدة للحظة جميلة، ومحترف في صناعة الذكرى، وحفظ الوجوه من الغياب، فيما يؤكد الناقد د. عبد الرحيم مراشدة أن الصمادي يقدم للحراك الثقافي بلاغة النص بجوار بلاغة الصورة، بينما يرى الشاعر أكرم الزعبي أن الصمادي يقف غريبا بعين عدسته ليكون شاهدا على عصر غريب التفاصيل.
غيض من فيض الشهادات التي استحقها القاص والفوتوغرافي الصمادي من المبدعين الأردنيين والعرب، الصمادي الذي يعيد تشكيل الحياة الإبداعية في صورته التي تجيء خلسة، وهو يذرع قاعات الندوات والمهرجانات والأمسيات بحثاً عن لحظة قلق.
الصمادي المولود في عنجرة عام 1961 ورئيس أكثر من منتدى ثقافي، ومالك ورئيس تحرير الموقع الإلكتروني ألوان للثقافة والفنون، وصاحب المجموعات القصصية التي بعث فيها روح العادي والمألوف، يؤكد بأن ضياع اللحظة الفنية في الحراك الثقافي عائد لغياب الصورة، الصورة التي تشكل كما يرى بعداً آخر للزمن.
في هذا الحوار نسلط الضوء على البدايات والإشكاليات والمواقف والمفاجأت التي تعرض لها في مسيرته الفوتوغرافية.
* ما هي الحالة التي أوقفتك في مقام التصوير للحراك الثقافي والإبداعي، ومتى بدأت؟
حين كنت أحاول ربط الخبر الثقافي الذي يأتي إلى موقع « ألوان للثقافة والفنون» الذي أشرف عليه، إضافة إلى مواقع أخرى أتعامل معها، كنت أصطدم بشحّ الألبومات الخاصة بالكتاب والمبدعين، ولأن الإبداع حالة متجددة ومتكاملة، تجمع بين النص والصورة، ذهبت إلى الكاميرا، متكئاً على ثقافتي في الفن الفوتوغرافي، وولعي الشديد باختلاس اللحظات، لأبدأ مسيرة تشكيل قاعدة بينات تختص بالصورة.
ويقول طالما تساءلت عن الفراغ الحاصل في مقام الحراك الثقافي من ناحية غياب الصورة عن هذا الفعل الإنساني، أسوة بملاحقة الصورة للسياسيين والرياضيين ، وللمواقع التراثية والتاريخية، لهذا قمتُ بتقديم مشروع لوزارة الثقافة عام 2013 لتطوير وإنشاء موقع ثقافي يعنى بالصورة التي تلاحق الحدث الثقافي أينما كان، وبعد أن رفضت الوزارة فكرة المشروع، قررت السير بتدشين هذه الفكرة بجهد شخصي.
ويضيف أن غياب التصوير عن المؤتمرات الجادة العلمية والمهرجانات الثقافية والأمسيات والمعارض، جعلتني أتفهم الحاجة إلى توثيق اللحظة والحركة الشعرية للشعراء، والحركة الكلامية والجسدية للكتاب والمفكرين والعلماء والأكاديميين في المؤتمرات والمحاضرات واللقاءات، ويؤكد في ذات السياق أن المادة الثقافية التي تُقرأ في الصحافة الثقافية ولا يجاورها صورة دالّة هي مقالة مبتورة.
* ما هي الرؤى التي تحاول طرحها من خلال هذا الجهد الكبير لتوثيق الحراك الثقافي بالصورة؟
تشتغل الصورة الفوتوغرافية الثقافية في بعدها الإيحائي على التقاط حركة، أو تجاور لرؤى، أو استبدال حالة مكان أخرى لحظة التلقي، وبما أنّ المبدع هو أوفر الناس حظا من الأحاسيس، فلا بد للفنان الفوتوغرافي مقاربة هذا الشعور مع لحظات التواصل بين المثقف والجمهور، لهذا تعمد الصورة على كشف ما يمكن له أن يذهب في النسيان من تفاعلات تنتج عن استقبال النص، وما يمكن له أن يكشف أمام المبدع حالات الرضا والسخط، إلى غير ذلك من الزوايا التي تكمل اللحظة الثقافية، منوها أن التصوير الثقافي الصحفي يعتمد على اقتناص الفرص بالدرجة الأولى، وعلى سرعة المصور ونباهته وإمكانية معرفة اللقطات الجاذبة للحدث، ويجب أن تكون واقعية واضحة ومفهومة وغير جزئية مبهمة للمشاهد.
* المتابع لصورك التي تلتقطها يرى التركيز الكبير على متابعتك لحركة الجمهور وهم يتابعون الندوات، كذلك حركة المبدع، ماذا تريد أن تقول لهم؟
اللغة التي أريد نقلها فوتوغرافياً إلى الجمهور غير المتابع للحراك الثقافي، هي لغة نامية متحركة غير جامدة، لهذا لا أكتفي بنقل حركة المبدع المحاضر، بل أتصيّد كل ما من شأنه أن يشكل لوحة جمالية للأمسية أو الندوة أو المحاضرة، فأعمد في هذا السياق إلى مفاجأة الجمهور وحركتهم وتفاعلهم، ربما إلى جانب التوثيق أسعى إلى أن أقول للجمهور شكرا لأنكم هنا، لأنكم في حضرة الإبداع، أما المبدع فربما أود أن اقول له من خلال هذا الاختلاس لتفاعل الجمهور، هذه مرآتك فانظر ما أنت فاعل.
* بصفتك كاتباً، وفي مجال القصة خصوصاً، هل لهذا أثر في تعاملك مع الصورة؟
أعتقد أن الفعل الإبداعي في هذا السياق الذي أسعى إلى توثيقه، يعتمد على جناحين، الكلمة « الحالة»، والصورة « النموذج»، من هنا وفي كلّ ما أوثقه من حالات فوتوغرافية سترى الإيحاء والحركة والنمو والتصاعد، لن تجد صورة جامدة، أو صورة ذات خلفية تزويقية إذا جاز التعبير، بل سترى لحظات القلق على الجمهور والمبدع في آن واحد، سترى انتقال هذه اللحظة من فعل كلامي إلى مشهد متكامل، إذ لا يجوز للفنان الفوتوغرافي المختص بالشأن الثقافي أن يغفل ذلك الضجيج الذي تحدثه كلمة هنا أو كلمة هناك يقولها المبدع، أكان ضجيجاً متسقاً مع الكلمة، أو ضجيجاً رافضاً لها، فالعين الفوتوغرافية عليها مقاربة الأشياء والظلال التي تحدثها الحالة الإبداعية.
* كم بلغت الصور التي قمت بالتقاطها، وهل هناك نيّة لعمل معرض فوتوغرافي يوثق لهذا الحراك الثقافي؟
يزيد عدد الصور التي التقطتها على 23987 ألف صورة للشعراء والأدباء والمفكرين والمهتمين بالعمل الثقافي والمعارض الفنية وجمهور الثقافة والإبداع، صور شكلت ذاكرة مرئية للفعل الثقافي، وغطت بقعة واسعة من الأنشطة التي أقيمت على مساحة الوطن، وأنا الآن أقوم بتوبيب هذه الألبومات، مؤملاً أن تحظى بمعارض قادمة.
* ما أهم المواقف التي أثرت بك ككاتب وفنان فوتغرافي وأنت تلتقط صورة ما؟
المواقف تتشابك فيما بينها، قبل دخولي في هذا المعترك وخلو القاعات من إضاءات لكاميرا توثق مجريات الفعل الثقافي، كنت أرى حالة الجمود التي تخيّم على القاعات، كأننا أمام محاضرة في جامعة، أو خطبة لسياسي، لا حراك فيها، ولا دهشة، ومرد ذلك للروتين القاتل الذي كان يسيطر على فعالية النشاط، النشاط الذي كان محوره، المرسل والمستقبل، دون أن يكون هناك فعل آخر لإبراز جوانية التلقّي، كان الفعل وردة الفعل محسوبة بدقة، ينتظمها فعل الوقت وأثره على الإنصات، لكن حضور الكاميرا أشبع محورية الفعل الثقافي، فأصبح يتشكل من ثلاثة أقطاب، المرسل والمستقبل والكاميرا، لهذا بدأت حيوية الفعل تأخذ حيّزا آخر، أوسع من ذي قبل، وأصبح فعل التلقي محفوفاً بالحركة التي تسيطر عليها عين الفنان الفوتوغرافي، ومن هنا بدأنا نلحظ في الندوات اتّساعاً في حركة الجسد، واتّساعاً في مساحات التلقي التي جعلت الجمهور واثقا من قدرته على معاينة اللحظة القلقة، ومن المواقف التي أثرت على عين الكاميرا، تلك المواقف المؤلمة للنصوص الإبداعية التي كانت تتشابك مع قضايا الأمة، وخاصة تلك التي كانت ترسم صورة الغربة والدم، حيث شعرت بسريان الكلمة في جسد الصورة.
*ماذا أعطتك الصورة الثقافية بعد هذا الكم الهائل من الصورة؟
الصورة قعل كتابة، أنا الآن أكتب القصة بالصورة، وأعمل على ذلك، أحاول أن أمارس تقنية القص بالصورة، من تسلسل، وأبطال، وأحداث، وأمكنة، إلى غير ذلك من تقنيات السرد، أريد للصورة أن تكون نصاً مقيّداً بشروط الإبداع، لا أريد لها أن تكون لحظة عفوية، أريدها أن تمارس فعل النقد أيضاً، وأريد لها بعد التبويب الذي أقوم عليه، أن تشكل عالماً ربما أسميه» الكتابة بالصورة».
*ما هي إبداعاتك في حقل الكتابة؟
الكتابة عندي هي فعل سابق للصورة، بدأت قبل عام 1993، وأثمرت عن:» الحب للجميع والدعوة عامة، الأرض الأولى، شذرات وقطوف، ثرثرة، الأرض الثانية كتاب فاطمة، يوميات ميت على هامش الحياة، حنين وسبع أخريات»، وجميعها في حقول القصة والكتابة النثرية، وقد كتب عنها في عدد من الصحف والمواقع المحلية والعربية.
_________
الرأي