خاص لعرب فوتو
الاستاذ احمد ابو سميحة – ليبيا
تبقى المصادر التاريخية التي وثقت للصورة و التصوير في ليبيا ضعيفة إلى حد كبير، إذا ما نظرنا إلى تاريخ الصورة منذ العهد التركي حتى الاحتلال الايطالي للبلاد في عام 1911م.
فالتصوير ظهر كعلم إلى حيز الوجود، و من ثم كمهنة في أواخر القرن التاسع عشر، حيث توصل العلماء المخترعون الى انتاج الصورة الفوتوغرافية التي أحدثت تطور ملحوظ في علم البصريات، وتحول الحلم الذي كان يراود الكثير من الفنانين والمبدعين إلى واقع ملموس وأصبح تجميد لحظات الزمن أو رسم الواقع كما هو بظلاله و منظوره و مساقطه واقعاً .
أولى المحاولات العلمية لانطلاق التصوير الضوئي و علم “الفوتوغرافيا” كواقع، بدأ عام 1500 مع ظهور أول آلة
تصوير بسيطة في ايطاليا, أُطلق عليها الحجرة المظلمة، جاء بعد ذلك المخترع الفرنسي ” جوزف نبس ” عام 1826م الذي أخرج للنور أول صورة “فوتوغرافية” التقطها من نافذة غرفته للشارع المقابل، و تعد هذه أول صورة “فوتوغرافية” التقطت في التاريخ، الموثقة ضمن مقتنيات الجمعية الملكية البريطانية للتصوير الفوتوغرافي.
هناك علوم عديدة ساهمت في تطور علم الفوتوغرافيا, لعل أهمها علم الكيمياء و الفيزياء عبر التجارب و التطوير المستمرين, للعديد من العلماء الذين خاضوا تجاربهم عبر الزمن حتى توصلوا إلى عمليات الإظهار و التثبيت, المسماة بعملية التحميض المعروفة و الخاضعة للأحماض الكيميائية و تفاعلاتها, فضلاً عن تطور الآلة الملتقطة و عدساتها التي طورت عبر علوم الفيزياء و الميكانيكا, ومن العلماء الذين خاضوا هذا المجال أمثال “لويس داجير” عام 1837م, ومن بعده المصور الانجليزي “فريدريك ارشر” عام 1851م, حتى ان جاء الامريكي “جورج ايستمان” عام 1888م, الذي اهتدى الى انتاج الفيلم 135-35ملم و قدم آلة التصوير الصندوقية كوداك.
وهكذا تتوالى الاختراعات و الاكتشافات و التصاميم لعلم الفوتوغرافيا كل يوم و خاصة اواخر القرن الـ19 و بدايات القرن الـ 20, التي شهدت طفرة هائلة في عالم التصوير الفوتوغرافي.
ومن خلال هذا السرد البسيط الذي تعرفنا من خلاله على تاريخ التصوير “الفوتوغرافي” في العالم, نجد أن أول ظهور للصورة خرج إلينا نهايات القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين, وهذا يرجح أن بدايات التصوير في ليبيا كانت ايضاً في هذه الفترة من التاريخ اسوةً بمعظم الدول العربية التي سردت تاريخها في عالم التصوير.
وفي حلقة نقاش على هامش إحدى معارض التصوير بمدينة بنغازي مع الفنان المصور المحترف بالتصوير و فن الفوتوغرافيا, فتحي العريبي رحمه الله أكد على أن هناك قصور معرفي شديد لتاريخ الصورة في ليبيا, و ان هذا الجانب التاريخي لم يحظى بالاهتمام المطلوب من كتاب التاريخ و المهتمين بالصورة الليبيين.
ويعد المصور و التشكيلي ” فتحي العريبي ” هو أحد الفنانين الكبار في محراب الفن الليبي، وأبرز رواد هذا الفن في ليبيا بلا منازع، واستطاع أن ينقل فعل التصوير من فعل مهني حرفي إلى فعل ثقافي وفكري، وجعل من الصورة قيمة جمالية فائقة الروعة ,أنتج صوراً فوتوغرافية مختلفة عما عرف الليبيون في ذلك الوقت. لم تكن صوراً للذكرى ولا للاستخدام الإداري أو للتزيين، بل كانت نصوصاً بصرية يكتبها شاعر بالضوء والظل ثم بالألوان, تعبّر عن رؤية الفنان والشاعر للحياة والناس والكون، فكانت المدينة والوجوه الشعبية والبحث عن معنى مختلف للذات والتراث, نقل العريبي الفكر البصري للصورة الفوتوغرافية في ليبيا من فكر بسيط الى اخر اكثر تعمق عبر تاريخ ليبيا.
والجدير بالذكر أن العريبي رحمه الله قد أنتج الكثير من المؤلفات المكتوبة و وثق للصورة و الفوتوغرافيا و اقتصرت كتاباته في مجالات عدة أثرت المكتبة البصرية للفوتوغرافيا في ليبيا و العالم العربي أجمع ، وكان أبرزها:
تاريخ التصوير الصحفي في ساحات القتال 1998م – الدليل إلى فن الصورة و التشكيل 1998م – العين الثالثة ” أساليب التصوير الضوئي عند اشهر المصورين في العالم “ 2005م – الدليل الميسر للتصوير بالكاميرا الرقمية 2010م.
ومن الجوائز التي حازها الفنان في مجال التصوير الضوئي:
أفضل إنتاج فوتوغرافي لعام 1986 “ من مجلة : ( فن التصوير ) في بيروت” – الجائزة الذهبية عن محور الطفولة “ معرض نيسان الثاني للصورة العربية في بغداد عام 1990 –شهادة ودرع تكريم لدوره الصحفي الريادي ، من قبل الهيأة العامة للصحافة , 2010 وهو تكريم يحدث لأول مرة في تاريخ الصحافة الليبية.
ولعل الارهاصات الأولى لظهور بدايات التصوير في ليبيا كان انطلاقة من العاصمة طرابلس ابان العهد التركي و إن كانت فهي ضعيفة, حيث كانت توثق صور القادة العسكريين و الزعماء و المجاهدين.
ومن خلال سرد بعض المعلومات من مصادر شخصية نقلت من بعض المصورين القدماء بطرابلس, أن أغلب المهنة كان الذي يمارسها هم الايطاليين, حيث وصلوا كمستوطنين مع الاحتلال و منها بدأت تنتشر الكاميرا و بعض المصورين الجائلين, لعل من هؤلاء الصحفي او الهاوي الموثق, ابان فترة بدايات مجيء الاحتلال الى ليبيا من عام 1911- 1920م.
و تقول بعض المصادر الشخصية, إن الذين امتهنوا التصوير و تعلموه من بعض المصورين الايطاليين هم اليهود الليبيون القاطنين في طرابلس, حيث كان اغلب المترددين على الاستوديوهات هم أهالي العائلات اليهودية التي كانت تهوى التصوير لا سيما النساء و الفتيات منهن, و الجدير بالذكر إن أغلب العائلات الليبية من القبائل الطرابلسية القاطنة بالعاصمة كانوا يعيبوا التصوير في خجل و استيحاء, فلذا كانت اغلب الصور التي التقطت للمواطن الطرابلسي للرجال اثناء اعمالهم اليومية و الحرفية التي كانوا يمارسونها في تلك الحقبة, وتم التقاطها من قبل الهواة و المتجولين في احياء طرابلس و ضواحيها.
و ارتقت المهنة و بدأ المصور الراجل المتجول البسيط الذي اطلق عليه اهل طرابلس”بوجردل” و من خلال التسمية تعرفنا بالأستوديو او المعمل المتنقل في شوارع طرابلس, الذي يحمل إحماضه البسيطة في جردل للإظهار و التثبيت مع كاميرته الصندوقية الكبيرة ذات القماشة السوداء المعتمة التي يدخل رأسه بداخلها حتى تمنع مرور الضوء و تتيح للمصور البسيط رؤية الموضوع المراد التقاطه.
و تبقى هذه الفترة من التاريخ مقربة بين الثلاثينات و الاربعينيات من التاريخ في القرن العشرين, وان كانت ايضاً بعد هذا التاريخ بعقد تقريباً.
ومن أسماء أولى الاستوديوهات التي تم افتتاحها في مدينة طرابلس ابان العهد الإيطالي و التي ذكرها احدى مصوري طرابلس القدماء نذكر منها استوديو المصور ( بارجوني) فترت العشرينيات أو الثلاثينيات من القرن الماضي, و(بارجوني ) هذا مصور ايطالي جاء و استوطن بطرابلس مع تواجد الاستعمار الايطالي و افتتح محلة في شارع الوادي مقابل ميدان الشهداء, فضلاً عن ستوديو أخر لمصور يهودي ليبي من مواطني طرابلس القديمة, وكان قد اطلق عليه اسم ( فوتو رابيدو) امام نادي الاتحاد قرب مسجد سيدي أحمودة فترة الخمسينيات أو أواخر الستينيات تقريباً, قد يكون افتتاح هذا الإستويو فترة أواخر العهد الايطالي وبدايات العهد الملكي في ليبيا, اما الاسماء العربية التي وردت من المصورين القدماء بطرابلس نذكر منهم المصور خليفة قدح صاحب استوديو تصوير بين عامي 1950-1960م بشارع الوادي.
و تذكر الدراسات التاريخية و الوثائق إلى إن ليبيا لها جذور عميقة في تاريخ الوعي الثقافي و الصحفي منذ أكثر من مائة و خمسين عام مضت, حيث يعود تاريخ الصحافة والصحف المستقلة في ليبيا إلى منتصف القرن التاسع عشر، عندما كانت ليبيا ولاية عثمانية, و بروز أول الصحف الليبية الصادرة منذ عام 1866م و التي اطلق عليها اسم طرابلس الغرب و التي صدرت في العهد العثماني ابان حكم السلطان عبدالعزيز, ثم صحيفة الترقي صدرت عام 1867م التي اصدرها أول عربي في ليبيا وهو محمد البصيري.
ومع بدايات القرن العشرين صدرت صحف اخرى على يد العديد من رواد الصحافة الليبية امثال محمد البارودي تحمل عنوان العصر الجديد عام 1909 و احمد الفسطاوي بعنوان صحيفة المرصد عام 1910م, و تبعتها صحف اخرى فترة الاستعمار الفاشي لليبيا حيث كانت هناك صحافة تتمتع بهامش من الحرية، وتدعم إخباريا ومعنويا جهود الليبيين في التخلص من الاحتلال، على الرغم من الرقابة المفروضة من قبل الإيطاليين عليها، ومنها على سبيل المثال صحف اللواء و الوطن و الوقت و مجلة ليبيا المصورة عام 1935م.
ذلك يطلعنا ان الصحافة المصورة بداياتها في ليبيا قد تكون في تلك الفترة, و ان بدايات ظهور الصورة في الصحف الليبية جاءت مع صدور البواكير الأولى للصحف الليبية تزامناً مع ظهور الصورة الصحفية عبر الصحف في العالم الذي يرجع الى عام1880 م حين ظهرت أول صورة فوتوغرافية منشورة في صحيفة الدايلي جرافيك, رغم ان التاريخ قد ذكر ان بدايات التصوير الصحفي كانت على يد البريطاني ” روجر فانتون” الذي صور احداث حرب القرم في الفترة مابين 1853 – 1856م.
وللحديث بقية…تابعونا
صور مرفقة