اللافت أكثر أن هذه الصور تناولت حالتين متناقضتين، فصور نقلت أوجه الدمار الذي لحق بغزة جراء الحروب الإسرائيلية، والأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها القطاع جراء سنوات الحصار، وأخرى أظهرت غزة بوجه جديد يحمل الجمال والأمل والتفاؤل، سواء كانت لمناظر طبيعية أو شوارع أو أحياء أو مواطنين، فكان لكل شكل مؤيدوه سواء داخل غزة أو خارجها.
هذه الحالة أوجدت مصورين فوتوغرافيين عملوا على التخصص في مضمون الصور التي يلتقطونها، كما أنهم باتوا مُتابَعين بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن بعض هؤلاء ارتبط اسمه بشكل أو بآخر بنوعية الصور التي تبناها.
الصور الإنسانية تصف واقع غزة
حسام سالم الذي يعمل مصوراً حراً، رأى في الصور الإنسانية توصيفاً واقعياً لحالة القطاع الذي يشهد حصاراً خانقاً منذ 10 سنوات، قتل كل الأحلام والآمال لدى سكان غزة، كما يقول.
وأضاف سالم لـ “هافينغتون بوست عربي” أنه يحاول من خلال التقاط الصور التي تظهر الوضع الإنساني مخاطبةً الإعلام العربي والدولي، لكشف حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، سواءً بسبب الحصار الإسرائيلي واعتداءاته، أو بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي تعصف بسكان غزة.
وأكد سالم أن كل هذه المعطيات جعلت من نقل هذه الصورة الإنسانية أمراً واجباً، خاصةً أن هذه المواضيع تلامس قلب المشاهد فيشعر بمعاناة مَن في الصورة، كصورة الشاب المفترش الأرض في معبر رفح ليلاً ينتظر الخروج من غزة، أو صورة المودع لقتيل خلال غارة إسرائيلية، أو صور الأطفال الفقراء العفوية التي تحتوي على صعوبة الحياة التي تعيشها العائلات.
إظهار وجهة جديد لغزة
إبرهيم فرج أحد المصورين الذين ذاع صيتهم في الآونة الأخيرة كمصور مختص في الصور التي تظهر جمال غزة، وقال إنه اختار التقاط هذا النوع من الصور الفوتوغرافية منذ بدايته عمله كمصور، في محاولة لإظهار وجهه جديد لغزة بعدما سادت الصور المأساوية لسنوات.
فرج الذي شارك في العديد من معارض الصور المحلية والعربية والدولية، أوضح لـ “هافينغتون بوست عربي” أن صعوبات عدة واجهته في بداية نشره الصور الجمالية، وصلت لحد الانتقاد والمعارضة، قبل أن يتم تفهم الأمر في نهاية المطاف من قبل شريحة واسعة من الجمهور.
وأضاف فرج أنه استطاع تحقيق نقلة في حياته العملية من خلال تبني هذه النوعية من الصور، كما أنه يحظى بمتابعة واسعة من قبل مستخدمي الشبكات الاجتماعية، الذين دائماً ما يقومون بنشر الصور الفوتوغرافية التي يلتقطها، ما يدل على مدى تعطش الفلسطينيين والعرب لصور تظهر جمال غزة.
قوة الصورة تعتمد على كيفية توظيفها
رمضان أبو السعود، مدير إحدى شركات الإنتاج الإعلامي في غزة، أكد أن الصور الفوتوغرافية تلعب دوراً كبيراً في رسم الصورة النمطية عن المنطقة الصادرة منها، نافياً وجود تناقض بين الصور الإنسانية والجمالية، إذا ما تم توظيف كل منهم في التوقيت والاتجاه المناسب.
وأضاف أبو السعود لـ “هافينغتون بوست عربي” أن الصور الجمالية الصادرة من غزة باتت تحتل أهمية من وجهة نظره لأنها ترسم شكلاً مغايراً لما ليتم نشره من صور تظهر بؤس الفلسطينيين على الدوام، ما خلق حالة عالمية غلب عليها الملل من مثل هذه المواضيع، الأمر الذي استطاعت الصور الجمالية كسره من خلال تغيير مفهوم الجمهور المتابع في العالم.
في نفس الوقت أكد أبو السعود أن الصور الإنسانية لها أيضاً وقع مهم في كسب التأييد العالمي في وقت الأزمات.
واقترح أبو السعود الاهتمام بالمصورين الهواة في غزة من خلال تنظيم دورات ولقاءات تسهم في توعيتهم بمدى قدرة الصور الفوتوغرافية في التأثير بالرأي العام العالمي، وتزويدهم بكل ما يعلمهم كيفية توظيف صورهم بشكل يخدم القضية الفلسطينية، ويظهر جمال ومعاناة غزة بشكل مهني.
وساهم التطور التكنولوجي وانخفاض أسعار الكاميرات، علاوة على جودة كاميرا الهواتف المحمولة، في زيادة عدد المصورين الفوتوغرافيين في غزة، الذين باتوا يمثلون قيمة مهمةً إذا ما تم توجيهم بالشكل المناسب بحسب الإعلاميين.