زنـابـق المـاء
للفنـان الفـرنسي كـلود مونـيـه
عامـود الضـوء الانطبـاعي كلود مونـيه، من أكثر الرساميـن انـجذابـا وولـعـا بالطبـيعـة.
وُلـد مونيـه في فرنسـا عـام 1840، كـان منذ نشـأتـه الأولى محبـا للرسم، بـدأ حيـاتـه كرسـام كـاريـكـاتـيـر، ثـم تـعلـم علـى أيـدي فـنـانيـن مجـهوليـن أساليب الرسم وخـاصـة رسم المـنـاظـر الطبيـعيـة التي تميـّز بـها لاحقـا، ثـم التـقى بـرفـاق دربـه الفنـانيـن مانيـه، كوربـيـه، بيسارو وسيزلي ورينوار وشـكلوا مـعا نـواة بـزوغ المدرسة الانطباعية الـتي قـلبت مـوازيـن الرسم التقليـدي وأحدثـت انـقلابـا جديـدا في عـالم الفـن.
تكـمن روعـة مونـيـه في التـقاطـه منـاظر الطبيـعة بـعيـن انتـقائيـة، مرهـفة الحـس ومولـعة بالـجمـال.. حيـث استـطاع أن يـحول كـل مـنـظر يـلفـت نـظره إلـى لـوحـة فـنـيـة تـمثـّل احساسه بـما رأى والسـحر الذي انـطبـع في قلبـه.
انـتـقل مونـيـه فـي أعـمالـه مـن المكـان الثابـت إلى “شبـه المكـان” المتغيـر بيـن لحظة وأخـرى. فبعيدا عن الغـابـات أو المدن أو البنايـات، التقط مونيه صفحة الماء غيـر الثابـتـة، وتـأثيـرات الضـوء ومتغيـراته عليها، تـبعـا للحركة الباطنية التي تحدث فيه بفعل الأشيـاء أو الريـاح أو الأمواج أو الجريـان.
وكـان لـ”زنـابـق المـاء” حـظا كبيـرا في لـوحـاته، حيـث أسـَرت فـؤاده بشـدة وراح يـرسمها عـدة مـرات بشغـف كبيـر، منـتـقلا فـي كـل مرة مـن مـكان إلـى آخـر ومـن زمـن إلـى آخـر، تارة يـرسمها فـي الفـجر وأخـرى في المسـاء، وتـارة في الربيـع وأخـرى في الشتـاء، تـاركـا في كل مـرة بـصـمة خلابـة تـعكس انـجذابـه وتـأثـره الشـديـد بـما رأى.
كـما ويـمتـاز أسـلوب مونيـه بـتعاملـه الجـميل مع الألـوان، فلوحـاتـه تـأسر العيـون ليس بسبب الطبيـعة فحسـب، وإنـما بسبب تـنـاغم الألـوان وتـنـاسقها وروعـة الذوق في اختيـارهـا، فـهو قـادر علـى تمييـز اللـون المريـح لعيـن الـنـاظر وتـأثيـره عليـه، وهـذا مـا منـح لـوحـاتـه شـهرة وقـوة فـي الحـضور.
يـذكـر أن مونيـه ورفـاقـه فـتـحوا الدرب عـن طريـق تأسيس المدرسة الانـطبـاعيـة، لمدارس فنـيـة أخـرى خـرجـت عـن قـانـون الفـن التقليـدي، كالفـن التـجريـدي مثـلا، وكـان لـهم الأثـر في تشـكيـل ملامـح الفـن الحديـث.