“دار الصورة”: حديث الغرفة المظلمة
تونس ـ رشيد الحسني
لطفي بوشوشي: سينما جزائرية خارج “البئر”
لعل أول معرض تونسي للتصوير كان عام 1895 لرائد السينما التونسية، ألبير شمامة شيكلي (1872 ـ 1934)، الذي كان مهووساً بالتصوير الطبي بالأشعة السينية. وكان شمامة قد نظم، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1896، أول عرض سينمائي في تونس، أي بعد سنة فقط من عرض الأخوين لوميير في باريس. ورغم هذا السبق التاريخي، بقيت الصورة الفوتوغرافية في البلاد بلا متحف ولا مؤسسة تحتضن نشاطها وترعى منجزها وتوثّق له.
بعد شمامة ظهرت وجوه أخرى، مثل عبد الحميد كاهية وخالد فريخة وجاك بيريز ورضا الزيلي وغيرهم. أما في السنوات الأخيرة، فقد تخرّج من مدارس الفنون الجميلة التونسية العشرات من المصورين المحترفين الذين نالوا شهرةً خارج بلدهم.
من هنا كانت ضرورة التفكير في تأسيس فضاء يجمع شتات إنجازات هؤلاء الفنانين. لم تأت المبادرة من قبل جهاز حكومي، بل من جهة خاصة، وتحديداً من المصوّر وسيم الغزلاني والمعمارية ألفة الفقي اللذين أسسا مشروع “دار الصورة” بتمويل ذاتي عام 2012. في البداية، نظّمت الدار عدة مسابقات وورشات للصورة، وقدّمت دروساً حول أهم المصورين العالميين، وعرضت نماذج من أعمال مؤسستي “ماغنوم” و”وورد بريس فوتو”.
أما الإعلان الرسمي عن افتتاح هذه الدار فسيجري في مطلع 2015، عبر تنظيم معرض ضخم وتقديم سلسلة من 24 كتاباً دفعة واحدة، نشاهد فيها عشرات الصور لكل ولاية تونسية التقطها مصور محترف. ومن بين المصورين الذين اشتركوا في المشروع، صوفية بركات وحميد الدين بوعلي ودريد السويسي وأمين الأندلسي ومنى سيالة الجمل ومهدي حرز الله وأمين الأندلسي.
وللتعريف بالمشروع دولياً، عُرضت هذه الأعمال في “لقاءات الصورة” في مدينة آرل جنوب فرنسا، في تموز/ يوليو 2013، ضمن برنامج “نظرة على القارة الأفريقية”. وستضطلع الدار بتعزيز ثقافة الصورة وتدريب المصورين وإقامة شبكة للتبادل الثقافي والمهني، خصوصاً بين ضفتي المتوسط. وفي أرجاء الدار، تتوفر فضاءات للعرض الصوري والسينمائي وفن الفيديو، إضافة إلى مكتبة ودار إقامة للفنانين.
عن أثر هذا المشروع في الساحة التونسية، يقول الناقد التشكيلي وفنان الفيديو، إسماعيل، إنه “نصّب أولوية دعم فن التصوير المحرّر من أي إكراه تعليمي أو تجاري، وبالتالي، من أي انجراف أو تلاعب دعائي”.
ولا شك أن الثورات العربية، التي انطلقت شرارتها من منطقة الحوض المنجمي في الجنوب التونسي، لعبت دوراً في كشف قيمة الصورة في نقل الحقائق وكشف معاناة الإنسان في ظل الدكتاتورية. وقد ساهمت آلات التصوير الرقمي في إحداث قفزة نوعية وكمية في مجال التصوير، مدعومةً بوسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية؛ إذ يمكن لأي مواطن اليوم التقاط صورة ونشرها. وبالتالي، خلق الحراك الثوري في العالم العربي مناخاً ملائماً لأن تكون للصورة الجمالية قيمة كبيرة، ومن ثم اقتحم المصورون مناطق فنية جديدة، مدركين مهمتهم الصعبة في مواجهة وإرضاء العين الشغوفة للمتلقي وذائقته المرهفة.
يأتي مشروع “دار الصورة” في تونس، اذاً، بعد التأسيس لخطاب تحرير الذات من المراقبة والمعاقبة، وبعد معركة حامية ودموية لم يتوقف مسارها حتى الآن. لقد أصبح الفن البصري مادة يومية لا ترفاً كمالياً أو مجرد تخطُّر لمتطاوس في الشوارع والأقبية الواطئة الندية.
إنها خطوة أولى في المسرب الطويل لتأريخية الفوتوغرافيا، حيث ستكون مشاريع أخرى تواصل تبئير الأضواء الكاشفة لحالة الخذلان الراهن، وللتفكّك الذي يطبع مفاهيم الفن المعاصر. ذلك الفن الذي يحاول أن يبني، متعثراً، صرح المعنى حُجرة حُجرة، رغم الدكتاتورية وقيودها على الفن والفرد والمجتمع.