علي بعد6 كم غرب مدينة مرسي مطروح, وفي منطقة وادي الرمال, قرر الحاج أحمد شتا, محاكاة التراث البدوي القديم, و عناصر الطبيعة والحياة في بادية الأمس وتقديمه في نموذج معاصر, بهدف الحفاظ علي التراث وحمايته من الاندثار.
لتصبح اليوم القرية البدوية من أهم مزارات مطروح, ومن أشهر مواقع الاستضافة لزوار المحافظة, أو لعقد مهرجانات ثقافية أو ندوات شعرية, رغم تأجيل افتتاحها الرسمي إلي عيد الفطر القادم, بداية موسم الصيف.
خيام كبيرة يجتمع الأحمر والأسود والأبيض والأزرق ليشكلوا ألوانها الزاهية المزركشة, في وسط صحراء تكشف رمالها البيضاء الناعمة بوضوح عن طبيعتها وملامحها الخاصة. نماذج حية وأخري مجسمة لشركاء الحياة فيها, من إبل وأغنام, وغزال بري, وأبراج حمام, يختلط هديله بصوت منير الرخيم أو نغمات بعض الموسيقي التراثية التي تضبط علي ايقاعها إحدي الفرق الشعبية البدوية حركات رقصة الحجالة الشهيرة. عناصر فنية من واقع الطبيعة الساحرة والحياة اليومية تغزل لوحة ابداعية يتعرف من خلالها الزوار علي تفاصيل العادات و التقاليد البدوية.
وتبدو في صدر المشهد, المرابيع,( أي أماكن للضيافة) تستقبل زوارها من كبار العمد والمشايخ في جلسات سمر أو قرض الشعر أوتجمعات أخري لاستكمال بعض مناقشات القضاء العرفي لفض خصومات وخلافات قد تستعصي علي المحاكم البت فيها, قضايا دم وسرقة ومواريث تنتظر شرع البادية, في قعدات من تراث العرب لكنها مازالت هي الوسيلة الأولي التي يعتمدها أشهر القبائل مثل أولاد علي والقطعان والجميعات والمرابطين لحل نزاعاتهم.
عوائد وعادات وموروثات مازلنا نحتفظ ببعضها وإن كان البعض الآخر في طريقه للاندثار, كما يشرح عبد القادر طريف, شاعرمن أبناء البادية, وعضو اتحاد الكتاب, ومعروف بين أقرانه بأنه عاشق التراث.
لم يعد أحد يسكن اليوم في خيام, وتحول الترحال إلي استقرار, لكن هنا تتجلي في القرية الكثير من مظاهر حياة زمان
الكثيرين حريصون علي ارتداء الزي التقليدي المرتبط بالجلابية والصدرية بأشكالهم المختلفة, وتحاك الثانية من أقمشة غالية الثمن وتتسم بالنقوش والزخارف اليدوية, ويرتدي العمد والشيوخ من الأعيان, الطربوش في حين يرتدي عموم الناس العمامة.
أزياء يلتزم بها البعض, ويدخل آخرون عليها بعض التعديلات العصرية, خاصة النساء اللاتي استبدلت الكثير منهن الجلابية التقليدية بنقوشها المميزة بعبايات تقليدية لكن دون تنازل عن غطاء الوجه خاصة بالنسبة للسيدات المتزوجات.
حوار مسترسل مع شاعر البادية, لم يوقف تدفقه سوي صوان اللحم الضانيء, وأطباق الطعام المطهو علي الطريقة التقليدية, من مكرونة وأرز وخضار, وعلي الرغم من احتوائها علي كميات هائلة من الدسم, إلا أن مذاقها الحلو لا يستطيع الكثيرون مقاومته.
وجبات من قلب البادية, وبوصفات الأجداد يقدمها طهاة القرية لضيوفهم, يليها براد الشاي المعد علي ألسنة لهب الحطب. يقدم في فنجان صغير تجد نفسك مدفوعا لطلب المزيد منه من فرط طيب المذاق.
أكلات شهية, ورقصات تراثية وجلسات سمر تحتاج لتركيز شديد لفك طلاسم اللهجة القيسية العربية التي يتبادل البدو الحديث بها بسرعة شديدة, وبحذف الهمزات من الكلمات كما يوضح طريف. لكن المفردات في النهاية عربية قديمة. تراث حي مازال أهل البادية يستخدمونه خاصة في قرض الشعر والأمثال الشعبية المتداولة.
هنا يجتمع الكثيرون يجترون ذكريات الماضي, ويتفاخرون بأصولهم وأنسابهم القبلية التي يحفظها الجميع عن ظهر قلب.
فالبدو, كما يؤكد عبد القادر طريف, يعرفون عائلاتهم وأصولهم حتي من يعيش منهم في المحافظات الأخري. ومازال للعوائد القبلية هيبتها لدي الكثيرين, خاصة فيما يخص حل النزاعات بالطرق الودية والمحاكمات العرفية التي ابتكرها مجتمع الصحراء. تكاد لا توجد حالات ثأر بينناأو قتل, وذلك بسبب عدالة القضاء العرفي الناجزة. مضيفا أن نسب التحرش بالنساء قليلة جدا: مجرد اتهامها لأحدهم بالتحرش بها, يكون مهددا, فهو فعل تطير فيه الرقاب لدي المجتمع البدوي
ومع مرور الأيام اقتنصت المرأة البدوية الحق في عدم قبول الزواج من أحد الاقارب الذي تختاره العائلة التي تراه الأنسب لها ومن سوف يصونها ويحافظ عليها, لكنها مازالت تعاقب في كثير من الحالات بتركها دون زواج, بسبب رفضها عريس أسرتها, وعدم موافقة الأسرة علي غيره, حتي لو حصلت الفتاة علي أعلي الشهادات الدراسية كما يقول جراري هاشم, عضو مجلس محلي سابق.
عادات وتقاليد, مازال للبعض منها سطوته, وتراث لغوي حاضر وآخر مادي يقاوم الاندثار من خلال نماذج محاكاة لحياة البادية ولكن في صورة عصرية, كما هو الحال في القرية البدوية, كما يشرح عادل مصطفي, مديرها, مشيرا إلي أنها سوف تضم حماما للسباحة, ومسرحا صيفيا وقاعة أفراح ليتمكن زائرها من قضاء يوم كامل بين أحضان الطبيعة البدوية وأيضا ممارسة الحياة العصرية.
جريد نخل, كليم, مشغولات يدوية, مصابيح تراثية, ومنحوتات ملحية من الأراضي السيوية, عناصر من طبيعة الحياة البسيطة وتراثها الساحر تتجلي في القرية التي استغرق العمل بها حوالي عشر سنوات حتي تصبح قادرة علي التحدث باسم البادية, ومعبرة عن تراثها أمام زوارها من المصطافين أو من ضيوف المحافظة من العرب والأجانب.