المغرب.. جنة السينما العالمية وواحـة المخرجين المنسية
ليست أسماء المدن والأماكن المغربية، التي تم فيها تصوير روائع الأفلام العالمية، مثل ورزازات والصويرة وأزيلال غريبة على استوديوهات هوليوود ومختبراتها السينمائية، فلها إيقاع يحمل سحر ألف ليلة وليلة في مداعبة الخيال الغربي، حيث شكلت مناطق مثيرة دائماً تدغدغ مخيلة السينمائيين.
اكتشف الأوروبيون مناطق المغرب، بمساحاته الطبيعية البكر في وقت باكر، وقد كان الماريشال ليوتي يطلق على جنوبه تسمية «غير المفيد»، لأنه يعاني من الفقر والبطالة، ولكن الإنتاج السينمائي كذب تلك المقولة، واثبت العكس. فالسحر نحو المغرب وديكوراته الطبيعية ألهب خيال مشاهير الكتاب والأدباء الفرنسيين أمثال شاتوبريان وجيرار دي نيرفال وبيير لوتي وآخرون، قبل أن ينتقل ذلك الوله إلى المخرجين السينمائيين.
واحة المخرجين
وكان المصورون الوثائقيون أول من بادر إلى اقتناص الصور في بداية التدخل العسكري الفرنسي في المغرب عام 1907، وبداية فترة الحماية عام 1912، وذهب آخرون إلى تصوير الأسطورة الأبدية للمرأة العربية، التي توارثها العقل الغربي على مر العصور، وهي صورة نمطية وذات قوالب فكرية جاهزة. وعلى العكس، من مصر وتونس، فإن المغرب لا يمتلك تقاليد سينمائية وطنية قديمة متجذرة في تاريخه، وما يزال الإنتاج السينمائي فيه ضعيفا ويفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لإنتاج الأفلام التي سعى إلى تطويرها وترويجها مؤخرا.
وكان الفرنسيون أول من فتح أرض المغرب ومناظرها الطبيعية إلى المخرجين السينمائيين العالميين الباحثين عن كل ما هو مثير وغرائبي. ففي عام 1919 قام الفرنسيان جان بينشون ودانييل كينتان بتصوير فيلم «مكتوب»، وتبعه جان بينوا و ليفي وماري ايبستين في عام 1934 بتصوير فيلم «ايتو»، وهي قصة امرأة فرنسية تتبني طفلاً يتيماً. كما أن ميكائييل كورتيز لم يضع قدميه في المغرب ليصور فيلمه الشهير «كازابلانكا» مع الزوجين بيرغمان وبوغار، بل صوره في ديكورات الاستوديو كاملاً.
أما واورسن ويلز فأصبح أحد الرواد في عام 1952 بميزانيته الصغيرة، في تصويره للسوق في مدينة الصويرة (وسط المغرب) في فيلم «اوتيلو» المستوحى من شكسبير. وبعد مرور عشرة أعوام سلك ديفيد لين طريق جنوب المغرب من أجل تصوير رائعته الذائعة الصيت «لورنس العرب».
وفي نفس التاريخ قام كل من فيليب دي بروكا وجورج لوثنر وآخرين بالذهاب إلى منطقة مرزوقة (جنوب المغرب). وعند الضرورة كان لا بد من إيهام الجمهور السينمائي بنقل الصحراء وسرابه، فيما اختار ميكائيل دوغلاس منطقة ورزازات الصحراوية، من أجل تصوير بعض المشاهد الخارجية لفيلم «لؤلؤة النيل» في بداية سنوات الثمانينات.
منافسة تونسية
ما زال الصراع قائما بين بلدان المغرب العربي لجذب السينمائيين العالميين إليها، من أجل تصوير الأفلام، وبدأ المركز السينمائي المغربي يتحرك لمواجهة ما تقدمه تونس والمنتج التونسي الشهير طارق بن عمار من تسهيلات كبيرة للمخرجين العالميين، حيث بدأ حملته هذه في سنوات التسعينات.
واستخدم المركز من أجل تسهيل عمل المنتجين العالميين بإعفاءهم من الرسوم الجمركية على إنتاج الأفلام. وإضافة إلى ما يقدمه المغرب من ديكورات طبيعية مذهلة، فهناك اليد العاملة الماهرة في مجال الديكورات والأزياء والكومبارس الرخيص، وترخيصات التصوير السريعة، وغيرها من مستلزمات التصوير السينمائي.
وعملت المغرب على إشعار باريس ولندن ولوس أنجلس بأنها تقدم لهم أفضل العروض. وقد تم تصوير 10 أفلام في عام 1997 و 40 فيلما بين عامي 2000 و2001 في المغرب. وبما أن المخرج الأميركي الشهير مارتن سكورسيس لم يحصل على ترخيص في تصوير فيلمه في منطقة التبت لأسباب سياسية، لذا اختار المغرب لتصوير فيلمه «كاندن».
وما زال يتذكر تصوير فيلمه «الإغراء الأخير للسيد المسيح» في جنوب المغرب. في ستوديو أطلس، الذي تم تشييده بالقرب من ورزازات من قبل المستثمر السينمائي كمال بيلغهامي، كما تم تصوير فيلم «مهمة كيلوباترا»، الذي وصلت ميزانيته إلى 50 مليون يورو، وهو يعد أكبر إنتاج سينمائي بعد فيلم «النزهة الكبيرة»، الذي بلغت ميزانيته 10 ملايين يورو. ويمكن إضافة تصوير فيلم كلود ليلوش «والآن سيداتي وسادتي»، الذي تم تصويره بالقرب من مدينة فاس، وفيلم «بولو» للمخرج ألن بيربيريان، الذي صوره بين مراكش وورزازات.
وكذلك تصوير عدد من المسلسلات التلفزيونية مثل «عشاق موكادور» و«أطلال الجزائر». وفي موانئ الدار البيضاء، قام المخرج الأميركي ريدلي سكوت بتصوير فيلم «سقوط الصقر الأسود»، ويسعى لتصوير فيلمه الجديد «تريبولي» هناك. كما تم تصوير «لعبة الجاسوسية» لتوني سكوت، مع النجمين الأميركيين المعروفين برات بيت وروبرت ريدفورد. وكان من المفترض أن يتم تصوير هذا الفيلم في إسرائيل لكنها ألغت ترخيصها في اللحظة الأخيرة، نتيجة سرقة أسلحة حقيقية عائدة إلى إنتاج الفيلم، لذلك تم نقل طاقم التصوير إلى المغرب.
أما مايكل دوغلاس فلم يتمكن من تصوير أفلامه في المغرب، نتيجة لأحداث 11 سبتمبر، حيث ركدت سوق السينما العالمية في المغرب بعدها، لكن ذلك لم يلغ عقوداً عدة موقعة مع الاستوديوهات المغربية، من أجل تصويرها مثل فيلم لوالت ديزني، و«الطاحونة الحمراء» و«الكسندر الكبير» و«الساحر رقم 3»، كما وقع كل من تيرانس مالك وأوليفر ستون عقودا بهذا المعنى. ومهما تكن الحالة، فإن تونس تشكل تحديا للمغرب في هذا الميدان.
هوليوود وتاريخنا
رغم أن المغرب ودولاً أخرى تحولت إلى جنة السينما، إلا أن هوليوود استغلت كل مناظرنا الطبيعية وديكورات صحاريها وحتى بشرها كممثلين في الكومبارس من أجل إعطاء صورة غير منصفة عن تاريخنا العربي والإسلامي، فمنذ السينما الصامتة وحتى الوقت الحاضر تستلهم أفلام ذات أغراض محددة مثل «رحلات السندباد السبع» و«رحلة السندباد الذهبية» لشارلس شنير و«علي بابا والأربعين حرامي» و«لص بغداد» و«علاء الدين والمصباح السحري» وغيرها من الأفلام التي صورت في المغرب، ولكنها تسيء إلى الإنسان العربي بكل مكوناته وتراثه الروحي.
ولعلنا لا ننسى كيف تناولت هوليوود تاريخنا عندما قدمت صلاح الدين الأيوبي في فيلم «ريتشارد قلب الأسد» كشخصية مهزوزة ومن دون أبعاد، لأنها جردتها من تاريخها المجيد، بل وأكثر من ذلك جسدته كبدوي يصرخ مثل طرزان، ويخطف النساء مثل رعاة البقر، ويقع في غرام فتاة شقراء لها صفات لا تمتلكها فتاة عربية.
كما صورته في وقت لاحق في فيلم «لورنس العرب» 1962 من إخراج ديفيد لين كجاسوس بريطاني يتحول إلى أسطورة حية للسوبرمان الأبيض الذي يكره بلاده ويحب الصحراء العربية، وبفضله انتصر الملك فيصل على الأتراك وطردهم من الجزيرة، كما سعت هوليوود أيضا إلى تشويه حركة التحرير العربية فتناولت الأحداث المرتبطة بثورة السودان عام 1883 في فيلم «الخرطوم» 1966، الذي حول الثوار إلى مجموعة من الحمقى والخدم وتجار العبيد. وفيلم «الاغتيال» لإيف بواسيه الذي تناول قضية اغتيال المناضل المغربي المهدي بن بركة بأسماء مستعارة، متجاهلاً المواصفات التاريخية على حساب الجانب التشويقي.
كما أنتجت هوليود مجموعة من الأفلام التي تندرج في هذا الإطار مثل «12 ساعة في ميونيخ» لوليام كرهام وفيلم «الجلد» لليانا كافاني، وغيرهما في تصوير عنصريتها نحو العرب. ولعل الشكل الأول الذي ظهر عليه العربي على الشاشة هو لون الأمير البدوي، الذي ينطلق على ظهر فرسه في الصحراء طولاً وعرضاً وتهيم به الفتيات.